الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقسيم الثاني:
ينقسم التشبيه باعتبار الوجه أيضًا إلى ثلاثة أقسام: واحد، ومنزل منزلة الواحد، ومتعدد. فالواحد: ما لا تركيب فيه ولا تعدد "كالحمرة" في قولك: خده كالورد و"كالكرم" في قولك: محمد كحاتم و"كالهداية" في قولك: العلم كالنور، فوجه الشبه في هذه المثل شيء واحد "كما ترى".
والمنزل منزلة الواحد: ما كان الوجه فيه هيئة مركبة، انتزعها العقل من عدة أمور، بحيث لا يصلح واحد منها على انفراده وجه شبه كقول الشاعر:
والبدر في كبد السماء كدرهم
…
ملقى على ديباجة زرقاء
فوجه الشبه "كما ترى" مجموع الهيئة المركبة من عدة أشياء هي ظهور صورة بيضاء، مشرقة مستديرة، في رقعة مبسوطة زرقاء، ولا يصح "بلاغة" جعل واحد من هذه الأشياء وجه شبه على حدة؛ لأن القصد تشبيه الطرفين في هذه الهيئة المجتمعة.
وإنما نزل القسم منزلة الواحد؛ لأن الوجه فيه مركب من أشياء تضامّت وتلاصقت حتى صارت كالشيء الواحد، لا يقبل التجزئة. وإنما لم يكن واحدًا حقيقة لتركيب الوجه من هذه الأشياء، ولا تركيب في الواحد.
والمتعدد:
ما كان وجه الشبه فيه عدة أمور، جعل كل منها وجه شبه على حدة كما في قولك: هذه الفاكهة كالتي أكلناها أمس في الطعم، واللون، والرائحة. وكما في قولك: عباس كأخيه في الطول والضخامة والوسامة، ومثله في الحلم، والكرم، والذكاء. فوجه الشبه في هذه المثل أمور متعددة، كل منها يصلح أن يكون وجه شبه على انفراده؛ إذ ليس القصد تشبيه الطرفين في هيئة مركبة من هذه الأمور، بل في كل واحد منها على حدة.
تنبيهان:
الأول: إن الفرق بين الوجه المركب من عدة أشياء، وبين المتعدد هو أن المركب منظور فيه إلى مجموع الأشياء، والهيئة المركبة منها باعتبارها وحدة لا تتجزأ، إذا حذف أحدها اختل التشبيه، كما في قول الشاعر المتقدم:
والبدر في كبد السماء كدرهم
…
ملقى على ديباجة زرقاء
فإن وجه الشبه فيه مجموعة الأمور المتقدم ذكرها، وهي ظهور صورة بيضاء، مشرقة، مستديرة، في رقعة زرقاء، مبسوطة، فلو حذف من هذه المجموعة واحد "كالاستدارة أو الإشراق" مثلًا لم يتم التشبيه بين الطرفين. أما الوجه المتعدد، فإن المنظور فيه إلى أمور متعددة، يقصد جعل كل واحد منها على استقلاله وجه شبه بحيث لو حذف أحدها لم يختل التشبيه كما في المثال السابق في تشبيه الفاكهة بأخرى في الطعم، والرائحة، واللون؛ فإنك لو حذفت اللون مثلًا، أو الطعم، أو الرائحة لم يختل التشبيه إذ ليس الغرض جعل وجه الشبه الهيئة الحاصلة من مجموع هذه الأمور، بل المراد جعل كل واحد وجه شبه، من غير أن يتقيد أحدها بالآخر ا. هـ.
الثاني: إذا كان وجه الشبه مركبًا وجب أن يكون الطرفان مركبين أو مقيدين، أو أحدهما مركبًا، والآخر مقيدًا ولو تقديرًا؛ وذلك أن وجه الشبه قائم بالطرفين، منتزع منهما، وليس معقولا أن تقوم هيئة مركبة من عدة أمور بشيء واحد، أو أن تنتزع من شيء واحد. فوجه الشبه "في البيت السابق" هو الهيئة المركبة من الأشياء المذكورة، وتلك الهيئة لا يمكن أن تقوم بشيء واحد، ولا أن تنتزع منه. كذلك وجه الشبه في تشبيه الشمس بالمرآة في كف الأشل هو الهيئة الحاصلة من جملة أشياء هي: الاستدارة، والإشراق، وتموجه الناشئ من الحركة السريعة المتصلة، وأحد الطرفين فيه وهو "الشمس" وإن أفرد لفظًا هو مقيد معنى بجملة قيود هي: الإشراق المتموج، والحركة السريعة المتصلة، والاستدارة، وبهذا صح أن يكون منتزعًا للهيئة المذكورة.