الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاستعارة في الحرف:
مثاله قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} .
اعلم أن لام العلة موضوعة لترتب ما بعدها على ما قبلها، ترتب العلة على المعلول، كما تقول: اشتريت هذا الكتاب لأقرأ فيه؛ فإن القراءة مترتبة على الاشتراء، وعلة باعثة عليه.
إذا علمت هذا، فاعلم أن "اللام" في الآية المذكورة مستعملة في غير ما وضعت له؛ لأن ما بعدها -وإن كان مترتبًا على ما قبلها- ليس علة باعثة عليه؛ ذلك أن آل فرعون لم يلتقطوا موسى عليه السلام ليكون لهم عدوًّا وحزنًا، وإنما التقطوه ليكون حبيبًا لهم وسرورًا، لكن لما كانت النتيجة المترتبة على التقاطهم هي العداوة والحزن لا المحبة والسرور، شبه العداوة والحزن المترتبان على الالتقاط في الواقع بالمحبة والسرور اللذين كانا ينبغي أن يترتبا عليه، ثم استعملت اللام فيه تجوزًا.
وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبه العداوة والحزن المترتبان على الالتقاط بالعلة الحقيقية التي هي "المحبة والسرور" بجامع الترتب على الالتقاط في كل، فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه ترتب العداوة والحزن على الالتقاط يترتب العلة الحقيقية عليه بجامع مطلق ترتب شيء على شيء، ثم استعيرت "اللام" الموضوعة لترتب العلة الحقيقية على الالتقاط لترتب غير العلة الحقيقية عليه، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثله قوله تعالى: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} فلفظ {فِي} موضوع لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين، كما تقول: الماء في الكوز، فإن الماء مظروف في الكوز، والكوز ظرف له، وحينئذ فكلمة {فِي} في الآية مستعملة في غير ما وضعت
له؛ لأن ما بعدها لا يصلح أن يكون ظرفًا لما قبلها على الحقيقة، لكن لما كانت الجذوع متمكنة من المصلوبين تمكن الظرف من المظروف، شبهت الجذوع بالظرف الحقيقي في التمكن، ثم استعير لها لفظ {فِي} تجوزًا في التعبير.
وإجراء الاستعارة فيه أن يقال: شبهت الجذوع المستعلى عليها بالظروف الحقيقية بجامع التمكن في كل، فسرى هذا التشبيه إلى تشبيه تلبس الجذوع بالمصلوبين بتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين بجامع مطلق تلبس شيء بشيء، ثم استعيرت {فِي} الموضوعة لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين لتلبس الجذوع المستعلى عليها بالمستعلى، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية.
ومثله قولهم: "محمود في نعمة" فلفظ "في" كما علمت موضوع لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين كما في المثال السابق، وحينئذ فلفظ "في" في المثال المذكور مستعمل في غير ما وضع له؛ لأن ما بعده لا يصلح للظرفية الحقيقية "كما ترى" لكن لما كانت النعمة متمكنة من "محمود" تمكن الظرف من المظروف، شبهت النعمة بالظرف الحقيقي واستعمل فيها لفظ "في" تجوزًا.
وتقرير الاستعارة فيه على نحو ما سبق، فتشبه النعمة بالظرف الحقيقي بجامع التمكن في كل، ثم يسري هذا التشبيه إلى تشبيه تلبس النعمة بمحمود بتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين، بجامع مطلق تلبس شيء بشيء، ثم تستعار "في" الموضوعة لتلبس الظرف بالمظروف الحقيقيين لتلبس النعمة بمحمود على سبيل الاستعارة التبعية، وهكذا يقال في أمثال ما ذكر.
وسميت الاستعارة في الحروف تبعية؛ لأنها تابعة لتشبيهين سابقين عليها "كما رأيت"، وهذا القدر كافٍ في تسميتها "تبعية".
تنبيه:
علمت مما سبق في استعارة الحرف أنه لا بد من تشبيهين يسبقانها، أحدهما في مدخول الحرف، والثاني في معناه. فالتشبيه في آية:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} جرى