المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علاقة المجاز المرسل - المنهاج الواضح للبلاغة - جـ ١

[حامد عونى]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌مقدمة

- ‌كلمة موجزة في تاريخ علوم البلاغة:

- ‌علم البيان

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: في تعريف علم البيان

- ‌المبحث الثاني: في الدلالة

- ‌مدخل

- ‌تقسيم اللفظ إلى: حقيقة، ومجاز، وكناية

- ‌المبحث الثالث: في التشبيه

- ‌مدخل

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌مبحث وجه الشبه

- ‌مدخل

- ‌التقسيم الأول:

- ‌التقسيم الثاني:

- ‌التقسيم الثالث:

- ‌التقسيم الرابع:

- ‌التقسيم الخامس:

- ‌التقسيم السادس:

- ‌مبحث الأداة

- ‌مدخل

- ‌تقسيم التشبيه باعتبار الأداة:

- ‌مبحث أغراض التشبيه:

- ‌تقسيم التشبيه باعتبار الغرض:

- ‌فصل في بيان مراتب التشبيه:

- ‌خاتمة:

- ‌الاختلاف في صيغة التشبيه:

- ‌مبحث الحقيقة والمجاز

- ‌مدخل

- ‌أقسام الحقيقة العقلية:

- ‌المجاز العقلي:

- ‌المجاز المفرد:

- ‌الاستعارة

- ‌مدخل

- ‌الاستعارة التصريحية:

- ‌الاستعارة في الفعل:

- ‌الاستعارة في الحرف:

- ‌تقسيم آخر للاستعارة التصريحية:

- ‌موازنة بين الاستعارات الثلاث:

- ‌قرينة الاستعارة التصريحية:

- ‌الاستعارة المكنية:

- ‌قرينة المكنية:

- ‌فصل في شرائط حسن الاستعارة:

- ‌المجاز المرسل

- ‌مدخل

- ‌علاقة المجاز المرسل

- ‌المجاز المركب

- ‌الاستعارة التمثيلية

- ‌المجاز المرسل المركب

- ‌المبحث الخامس: في الكناية

- ‌مدخل

- ‌أقسام الكناية:

- ‌تتمة:

- ‌علم البديع

- ‌مدخل

- ‌المحسنات المعنوية:

- ‌المحسنات اللفظية:

- ‌أسئلة لامتحانات رسمية:

- ‌نصوص امتحانات سابقة للنقل من الأولى إلى الثانية:

- ‌موضوعات الكتاب:

الفصل: ‌علاقة المجاز المرسل

‌علاقة المجاز المرسل

علاقات المجاز المرسل:

للمجاز المرسل علاقات عدة، أشهرها وأكثرها استعمالًا ما يلي بعد:

1-

السببية: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور سببًا في المعنى المراد كما تقدم في قولنا: "رعت الإبل الغيث" أي: النبات، ففي "الغيث" مجاز مرسل علاقته السببية؛ لأن المعنى الأصلي للغيث سبب في المعنى المراد الذي هو "النبات"، والقرينة قوله:"رعت" إذ إن الغيث لا يرعى.

2-

المسببية: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور سببًا عن المعنى المراد، كقولك:"أمطرت السماء نباتًا" أي: ماء "فالنبات" مجاز مرسل علاقته المسببية؛ لأن المعنى الأصلي "للنبات" مسبب عن المعنى المراد الذي هو "الماء"، والقرينة قوله:"أمطرت" إذ إن النبات لا يمطر.

3-

اللازمية1: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور لازمًا للمعنى المراد، أي: يلزم من وجود المعنى المراد وجوده، كما تقول: بزغ الضوء، تريد "الشمس" فالضوء مجاز مرسل علاقته اللازمية؛ لأن المعنى الأصلي للضوء لازم للمعنى المراد الذي هو "الشمس"، إذ يلزم من وجود الشمس وجود الضوء، والقرينة قوله:"بزغ" إذ إن البزوغ وصف لجرم الشمس، لا للضوء.

1 المراد باللزوم هنا عدم الانفكاك، لا مطلق ارتباط.

ص: 134

4-

الملزومية: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور ملزومًا للمعنى المراد أي: يلزم من وجوده وجود المعنى المراد كما تقول: ملأت الشمس المكان، "فالشمس" مجاز مرسل علاقته الملزومية؛ لأن المعنى الأصلي للشمس ملزوم للمعنى المراد الذي هو "الضوء"، والقرينة قوله:"ملأت" فهو وصف للضوء لا للجرم المعروف كما لا يخفى.

5-

الكلية: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور كلًّا متضمنًا للمعنى المراد، كقوله تعالى:{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} أي: أناملهم، ففي {أَصَابِعَهُمْ} مجاز مرسل علاقته الكلية؛ لأن المعنى الأصلي للأصابع كل الأنامل، متضمن لها، والقرينة استحالة وضع الإصبع كلها في الأذن عادة.

6-

الجزئية: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور جزءًا من المعنى المراد، كقوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} أي: عبد مؤمن ففي {رَقَبَةٍ} مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ لأن المعنى الأصلي للرقبة جزء من العبد، والقرينة أن التحرير إنما يكون للذات كلها، لا لجزء منها؛ إذ إن العتق لا يتجزأ. وكقولهم:"بث الملك عيونه" أي: رقباءه جمع رقيب، وهو يرقب حركات العدو، ففي "العيون" مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ لأن المعنى الأصلي للعين جزء من الرقيب، والقرينة استحالة بث العيون وحدها. وكقول معبد بن أوس المزني1 في ابن أخته:

أعلمه الرماية كل يوم

فلما اشتد2 ساعده رماني

وكم علمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني

يريد: "فلما قال قصيدة" ففي لفظ "قافية" مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ لأن المعنى الأصلي للقافية جزء من القصيدة، والقرينة قوله:"هجاني" لأن الهجاء لا يتأتى من القافية وحدها، غير أنه يشترط لهذه العلاقة أحد أمور ثلاثة:

الأول: أن يكون انتفاء الجزء مستلزمًا لانتفاء الكل، كما في إطلاق الرقبة

1 هو شاعر مخضرم يحسن القول في باب الحكم، وفي الشعر الخلقي.

2 يروى بالسين المهملة من التسديد في الرمي، أي: الإصابة فيه.

ص: 135

على الذات في المثال الأول، إذ ليس من شك اليقين أن إعدام الرقبة إعدام للذات، فلا يصح حينئذ إطلاق اليد أو الرجل أو الأذن على الإنسان مجازًا مرسلًا؛ لأنها إجراء لا يستلزم انتفاؤها انتفاء الإنسان عادة.

الثاني: أن يكون للجزء مزيد اختصاص بالمعنى المقصود من الكل، كما في إطلاق العين على الرقيب في المثال الثاني، فإن المعنى المقصود من الرقيب هو الاطلاع والتجسس، ولا شك أن للعين مزيد اختصاص في تحقق هذا المعنى؛ إذ بانعدامها ينعدم معنى الرقابة، فإطلاق الإذن مثلا على الرقيب مجازًا مرسلًا لا يحسن، إذ ليس لها مزيد اختصاص بالمعنى المقصود من الرقيب.

الثالث: أن يكون الجزء أشرف بقية الأجزاء، كما في إطلاق القافية على القصيدة في المثال الثالث؛ إذ لا ريب أن القافية هي الأساس الذي تبنى عليه القصيدة، فهي إذًا أشرف التفاعيل وأولاها بالاعتبار، فلا يجوز إطلاق أي جزء آخر من أجزاء البيت على القصيدة مجازًا مرسلًا، إذ ليس له من الاعتبار ما للقافية.

7-

الحالية: أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور حالا في المعنى المراد، كقوله تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} أي: ففي جنة الله، فقوله:{فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} مجاز مرسل علاقته الحالية؛ إذ إن رحمة الله بمعنى نعمه وآلائه حالة في جنته، والقرينة استحالة ظرفية الرحمة بمعناها الحقيقي. ومثله قول الشاعر:

قل للجبان إذا تأخر سرجه

هل أنت من شرك المنية ناجي؟

يريد: إذا تأخر فرسه، أي: تقاعس ورجع إلى خلف خوفًا وجبنًا، "فسرجه" مجاز مرسل علاقته الحالية؛ لأنه حال فوق ظهر الفرس.

8-

المحلية: هي أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور محلا للمعنى المراد، كقوله تعالى:{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} 1 أي: أهل النادي، ففي {نَادِيَهُ}

1 نادي القوم: مجتمعهم كالمنتدى.

ص: 136

مجاز مرسل علاقته المحلية؛ لأن المعنى الأصلي للفظ "النادي" محل للمعنى المراد الذي هو الأهل، والقرينة استحالة دعاء النادي بمعناه الحقيقي. وكقوله تعالى:{وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} أي: أهل القرية "فالقرية" مجاز مرسل علاقته المحلية؛ لأن القرية بمعناها الحقيقي محل لساكنيها، والقرينة استحالة سؤال القرية بمعناها الأصلي أي: على أحد الاحتمالين في المثالين1.

9-

الآلية: أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور آلة، ووسيلة للمعنى المراد، كقوله تعالى:{وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} أي: ذكرًا صادقًا وثناء عطرًا فيمن يأتي بعدي من الأمم، ففي {لِسَانَ صِدْقٍ} مجاز مرسل علاقته الآلية؛ لأن اللسان بمعناه الأصلي آلة وواسطة للذكر الحسن الذي هو المعنى المراد، والقرينة: استحالة بقاء هذه الجارحة بمعناها الحقيقي فيمن يأتي من الأمم بعد. ومنه قول الشاعر: "أتاني لسان منك لا أستسيغه" أي: ذكر لا يسر، أطلق عليه اللسان مجازًا مرسلًا؛ لأنه آلة الذكر، وقرينته استحالة إتيان اللسان بمعناه الحقيقي.

10-

اعتبار ما كان: وهو أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور سابق الحصول على المعنى المراد، كقوله تعالى:{وَآتُوا الْيَتَامَى 2 أَمْوَالَهُمْ} يريد البالغين، ففي لفظ {الْيَتَامَى} مجاز مرسل علاقته اعتبار ما كان؛ لأن المعنى الحقيقي "لليتيم" سابق الوجود على المعنى المراد، وهو "البالغ"، والقرينة على أن المراد باليتامى البالغون منهم الأمر بدفع الأموال لهم أي: تمكينهم منها بالتصرف فيها، ولا يكون ذلك إلا بعد البلوغ.

11-

اعتبار ما يكون: أن يكون المعنى الأصلي للفظ المذكور مستقبل الحصول ظنًّا أو يقينًا. فالأول كقوله تعالى: {إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا} يريد "عنبًا" يئول عصيره إلى خمر، ففي قوله:{خَمْرًا} مجاز مرسل علاقته: اعتبار ما يكون، أي: ما يئول إليه عصيره فيما بعد من الاختمار، فالمعنى الحقيقي للخمر مستقبل الوقوع وإنما

1 والاحتمال الآخر أن يكون مجازًا بالحذف.

2 اليتامى: جمع يتيم، وهو من الإنسان صغير فقد أباه، ومن الحيوان رضيع فقد أمه.

ص: 137

كان هذا المآل مظنونًا؛ لاحتمال أن يقوم حائل دون الاختمار، والقرينة على أن المراد العنب لفظ "الخمر" لأنها عصير والعصير لا يعصر، ومثل قوله تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} أي: بطفل يئول إلى غلام. والثاني قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} يريد: إنك سوف تموت، وإنهم سوف يموتون، فالتعبير "بميت" مجاز مرسل علاقته اعتبار ما يكون أي: ما سيئول إليه حالهم من المصير المحتوم، والقرينة على التجوز مقام الخطاب؛ لأن من مات فعلا لا يخاطب.

12-

المجاورة: أن يكون الشيء مجاورًا لآخر في مكانه كإطلاق "الراوية" على القربة في قولك: "خلت الراوية من الماء" تريد: القربة، ومعنى الراوية في الأصل "الدابة" التي يستقى عليها، فالراوية حينئذ مجاز مرسل علاقته المجاورة؛ لمجاورة الدابة للقربة عند حملها، والقرينة لفظ "خلت" لأن الذي يخلو من الماء هو الوعاء، لا الحيوان. ومما علاقته المجاورة إطلاق العلم على الظن، أو العكس لتقاربهما في المعنى فهما متجاوران.

13-

البدلية: وهو أن يكون الشيء بدلًا عن آخر، كإطلاق القضاء على الأداء في قوله تعالى:{فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} يريد: "فإذا أديتم"؛ لأن الإتيان بالصلاة في وقتها يسمى أداء لا قضاء، فالتعبير بالقضاء بدلا عن الأداء مجاز مرسل علاقته "البدلية" والقرينة مقام الخطاب؛ إذ إن الخطاب مع من يوفون الصلاة في أوقاتها، ومثل هذا يسمى عندهم أداء.

14-

المبدلية: وهي أن يكون الشيء مبدلًا عنه آخر، كإطلاق الدم على الدية في قول شاعر يتبرم بعشرة زوجه ويتوعدها بالزواج عليها:

أكلت دمًا إن لم أرعك بضرة

بعيدة مهوى القرط طيبة النشر1

يريد: أكلت "دية"، ففي قوله:"دما" مجاز مرسل علاقته "المبدلية"

1 راعه: أخافه، والضرة بفتح الضاد: إحدى الزوجتين أو الزوجات، والقرط: ما يعلق في شحمة الأذن، وبعيدة مهوى القرط: كناية عن طول عنقها.

ص: 138

فإن الدم مبدل منه الدية، والدية يأخذها ولي الدم بدلًا عنه، والقرينة قوله:"أكلت" لأن الدم المسفوك لا يؤكل.

15-

العموم: وهو أن يكون اللفظ المذكور دالًّا على العموم، شاملًا لكثيرين؛ كإطلاق لفظ {النَّاسَ} على محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ففي {النَّاسَ} مجاز مرسل علاقته العموم، والقرينة حالية.

16-

الخصوص: وهو أن يكون اللفظ المذكور دالًّا على الخصوص، كإطلاق اسم أبي القبيلة "كتميم أو تغلب" على القبيلة قبل أن يغلب عليها.

17-

التعلق الاشتقاقي: وهو أن يكون اللفظ مشتقًّا منه غيره، كإطلاق المصدر على اسم المفعول في قوله تعالى:{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أي: مخلوقه، وقوله تعالى:{وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} أي: معلومه، فكل من الخلق والعلم مجاز مرسل علاقته ما بين المصدر واسم المفعول من الربط الاشتقاقي.

18-

التقييد والإطلاق: هو أن يكون الشيء مقيدًا، ثم يطلق عن قيده كما في إطلاق "المشفر" على شفة "زيد" مثلًا في قولك:"مشفر زيد يسيل دمًا" تريد شفته، فالمشفر "في الأصل" للبعير خاصة، ثم أطلق عن هذا القيد، وأريد به مطلق شفة، فصح إطلاقه على شفة زيد باعتبارها فردًا من أفراد هذا المطلق، فيكون مجازًا مرسلًا علاقته التقييد والإطلاق. ومثله إطلاق "المرسن" على أنف المرأة في قول الشاعر:"وفاحمًا ومرسنًا مرسجًا" فالمرسن في الأصل أنف البعير؛ لأنه موضع الرسن منه، ثم أطلق على قيده وأريد به مطلق أنف، فصح إطلاقه على أنف المرأة باعتباره أحد أفراد هذا المطلق، فهو مجاز مرسل علاقته التقييد والإطلاق1.

ويصح في مثل هذين المثالين أن تكون العلاقة المشابهة؛ وحينئذ يكون

1 والمجاز المرسل في المثالين ذو مرتبة واحدة، فإذا أطلق المشفر على شفة زيد لا باعتبارها أحد أفراد مطلق شفة، بل باعتبارها خصوص شفة زيد، كان المجاز المرسل ذا مرتبتين، ومثل هذا يقال في المرسن وأشباهه.

ص: 139

اللفظ "استعارة" بأن تشبه شفة زيد بمشفر البعير في الغلظ والتدلي، ثم يستعار لها لفظ "مشفر" -ومثل هذا يقال في "المرسن"- فاللفظ الواحد قد يكون مجازًا مرسلًا واستعارة باعتبارين، فإن اعتبرت العلاقة بين الطرفين غير المشابهة كان اللفظ "مجازًا مرسلًا"، وإن اعتبرت العلاقة المشابهة كان اللفظ "استعارة"، والعبرة بقصد المتكلم وإرادته، فإن لم يعلم قصده بأن لم تقم قرينة عليه احتمل اللفظ الأمرين.

إلى غير ذلك من علاقات المجاز المرسل، فهي لا تقف عند هذا العدد، وإنما أحصينا لك أشهرها، وأكثرها استعمالًا.

تنبيهان:

الأول: اعلم أن القصد من العلاقة: أن يتحقق ارتباط بين الشيئين على أي وجه، فإطلاق الدال على المدلول مثلًا في قولك:"فهمت الألفاظ" أي: معانيها "مجاز مرسل" علاقته يصح أن تكون "المجاورة"، على اعتبار أن الدال وهو "اللفظ" مجاور للمدلول الذي هو "المعنى. ويجوز أن تكون العلاقة "المحلية" على اعتبار أن الدال محل للمدلول، إذ الألفاظ "كما يقولون" قوالب للمعاني، وإذًا فنوع العلاقة ليس وقفًا على ما ذكرنا، وإنما يرشدك إليها الذوق، ويدلك عليها فهم الكلام.

الثاني: مما تقدم يعلم أن المراعى في علاقات المجاز المرسل جانب المعنى المنقول عنه اللفظ المذكور في الكلام، فإن كان المنقول عنه سببًا في المنقول إليه كانت العلاقة السببية، وإن كان مسببًا كانت العلاقة المسببية، وهكذا فالعلاقة في نحو "رعينا الغيث" السببية؛ لأن المعنى المنقول عنه لفظ "الغيث" سبب في المعنى المنقول إليه وهو "النبات"، والعلاقة في نحو:"أمطرت السماء نباتًا" المسببية؛ لأن المعنى المنقول عنه لفظ "النبات" مسبب عن المعنى المنقول إليه وهو "الغيث". وإنما روعي في العلاقة جانب المعنى المنقول

ص: 140

عنه اللفظ؛ لأنه الأصل فهو أولى بالمراعاة. وقيل: يراعى فيها جانب المعنى المنقول إليه؛ لأنه المراد، وبناء عليه تكون العلاقة في المثال الأول "المسببية" وفي المثال الثاني "السببية" عكس القول الأول. وقيل: يراعى الجانبان معًا، فينص حينئذ على الأمرين فيقال: علاقة المجاز السببية والمسببية، أو الحالية والمحلية، وهكذا، ففي المسألة أقوال أرجحها الأول.

تمرين:

1-

عرف المجاز المرسل، ثم وضح التعريف بمثال تختاره من إنشائك، مع بيان علة تسميته "مرسلًا" ولِمَ لم يسم "استعارة" مع أن اللفظ فيه مستعار معناه الأصلي لمعنى آخر؟

2-

بين المجاز المرسل، ووضح علاقته وقرينته في العبارات والأبيات الآتية بعد:

1-

عمت أياديك الورى.

2-

تبث الحكومة الأمن في أرجاء البلاد.

3-

شربت ماء النيل.

4-

شربت البن.

5-

غرست القطن في أرضنا.

6-

قرر المجلس الأعلى كذا وكذا.

7-

أقمنا في نعيم ورفاهية.

8-

{وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا} .

9-

{وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} .

10-

أرانا الله وجوهكم في خير.

11-

{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} .

12-

تناولت من الطبيب الشفاء.

13-

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

14-

سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا

بأنني خير من تسعى له قدم

15-

تسيل على حد الظباة نفوسنا

وليست على غير الظباة تسيل

الجواب على السؤال الثاني:

1-

في "أياديك" مجاز مرسل علاقته السببية؛ إذ إن المراد بالأيادي العطايا

ص: 141

واليد الحقيقية سبب في إيصالها إلى مستحقها، والقرينة قوله:"عمت" إذ العموم لا يناسب اليد بمعناها الحقيقي.

2-

في "الأمن" مجاز مرسل علاقته المسببيه؛ إذ إن المراد: رجال الأمن وهو مسبب عنهم، والقرينة في قوله:"تبث" لأن الأمن بمعناه الحقيقي لا يبث، وإنما الذي يبث رجاله.

3-

في "ماء النيل" مجاز مرسل علاقته الكلية؛ إذ المراد بعض مائه والنيل كل لهذا الجزء المشروب، والقرينة قوله "شربت" لأن النيل لا يشرب كله.

4-

في البن مجاز مرسل علاقته اعتبار ما كان؛ إذ المراد القهوة، وهي كانت قبل ذلك بنًّا، والقرينة قوله: شربت؛ إذ إن البن بمعناه الحقيقي لا يشرب.

5-

في القطن مجاز مرسل علاقته اعتبار ما يكون؛ إذ إن المراد الحب الذي سيئول قطنا فيما بعد في غالب الظن، والقرينة قوله: غرست لأن القطن بمعناه الأصلي لا يغرس، وإنما يجنى.

6-

في المجلس مجاز مرسل علاقته المحلية؛ إذ المراد رجال المجلس وهو محل لهم، والقرينة قوله:"قرر" لأن صدور القرار في المجلس بمعناه الحقيقي محال.

7-

في "نعيم ورفاهية" مجاز مرسل علاقته الحالية؛ إذ المراد المكان الحال فيه النعيم والرفاهية، والقرينة استحالة الإقامة في النعيم والرفاهية بمعناها الحقيقي.

8-

في {السَّمَاءَ} مجاز مرسل علاقته المحلية؛ إذ إن المراد الغيثُ، والسماء محل له، والقرينة قوله:{أَرْسَلْنَا} لأن لمرسل هو الماء لا السماء.

9-

في {الْأَنْهَارَ} مجاز مرسل علاقته المحلية أيضًا؛ إذ المراد الماء الذي يجري في الأنهار، والقرينة قوله:{تَجْرِي} لأن الجري من شئون المياه، لا من صفات الأنهار.

ص: 142

10-

في وجوهكم مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ إذ المراد الأشخاص أنفسهم والوجه جزء الإنسان، والقرينة عقلية إذ لا معنى لأن يراد رؤية الوجه وحده.

11-

في {يَدُ اللَّهِ} مجاز مرسل علاقته السببية؛ إذ إن المراد القوة، واليد منشأ هذه القوة وأكثر ما يظهر سلطان القدرة في اليد؛ فيها الضرب، والبطش، والدفع، والقطع، والقرينة عقلية إذ لا معنى لوضع اليد الحقيقية فوق أخرى.

12-

في الشفاء مجاز مرسل علاقته المسببية؛ إذ إن المراد الدواء، والشفاء مسبب عنه، والقرينة استحالة شرب الشفاء بمعناه الأصلي.

13-

في القلوب مجاز مرسل علاقته الجزئية؛ إذ المراد الذات، والقرينة قوله:"تستعبد" لأن الاستعباد إنما يكون اللذات، لا لأجزاء منها.

14-

في "قدم" محاز مرسل علاقته الجزئية أيضًا؛ إذ إن المراد: "الإنسان الساعي" والقدم جزء منه، والقرينة قوله:"تسعى" لأن السعي من القدم وحدها محال.

15-

في "نفوسنا" مجاز مرسل علاقته الكلية؛ إذ المراد: "دماؤها" والنفس كل يتضمن الدم وغيره، والقرينة قوله:"تسيل" لأن السيلان من صفات الدم.

تمرين يطلب جوابه على نحو ما تقدم:

وكنت إذا كف أتتك عديمة

ترجي نوالًا من سحابك بلت

غرست الورد في البستان. "كذلك يعادي العلم من هو جاهل". قامت البلاد وقعدت لهذا النبأ. "تجري الرياح بما لا تشتهي السفن". فرجعوا إلى أنفسهم أي: آرائهم. حكمت المحكمة بكذا. شربنا الزبيب.

بلادي -وإن جارت علي- عزيزة

وأهلي -وإن ضنوا علي- كرام

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي

وأسمعت كلماتي من به صمم

أين الذي الهرمان من بنيانه

ما قومه، ما يومه، ما المصرع؟

{وَجَاءَ رَبُّكَ} . {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} . {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} . {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} .

فشككت بالرمح الأصم ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرم

فهمت الكتاب أبرّ الكتب

فسمعا لأمر أمير العرب

ص: 143