الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجاز العقلي:
إسناد الفعل، أو ما يدل على معنى الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه لعلاقة، مع قرينة صارفة عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له أي: على حقيقته.
وذلك كإسناد الفعل المبني للفاعل إلى المفعول في قولك: رضيت عيشته، فقولك:"رضيت" فعل مبني للفاعل وكان حقه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي الذي هو صاحب العيشة، فيقال مثلًا: رضي محمد عيشته، لكنه أسند إلى المفعول الذي هو "العيشة" إسنادًا مجازيًّا؛ للمشابهة بين "العيشة" و"محمد" في تعلق الفعل بهما. فتعلقه "بمحمد" من حيث صدوره منه، وتعلقه "بالعيشة" من حيث وقوعه عليها "فالعيشة" حينئذ مسند إليه مجازي. ومنه قوله تعالى:{فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} فقد أسند فيه اسم الفاعل إلى ضمير "العيشة" إسنادا مجازيا، من إسناد ما هو بمعنى الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه.
وكإسناد الفعل المبني للمجهول إلى الفاعل في قولك: "غمر السيل" فقولك: "غمر" فعل مبني للمجهول، وكان حقه أن يسند إلى المفعول الحقيقي الذي هو "الوادي" فيقال: غمر الوادي، لكنه أسند إلى الفاعل الذي هو "السيل" إسنادًا مجازيًّا للمشابهة بين "السيل والوادي" في تعلق الفعل بهما، أما تعلقه "بالوادي" فمن حيث وقوعه عليه، وأما تعلقه "بالسيل" فمن حيث صدوره منه، فالسيل حينئذ مسند إليه مجازي. ومنه قولهم:"سيل مفعم" بفتح العين، بالبناء للمجهول بمعنى "مغمور" فقد أسند فيه اسم المفعول إلى ضمير "السيل" إسنادًا مجازيًّا من إسناد ما هو بمعنى الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه.
وكإسناد الفعل إلى المصدر في قولك: "جد جده" وكان حقه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي الذي هو "الإنسان" فيقال: جد الإنسان جدا، لكنه أسند إلى المصدر إسنادًا مجازيًّا للمشابهة بين المصدر والفاعل الحقيقي في تعلق الفعل بهما، فتعلقه بالمصدر من حيث إنه جزء مفهومه، وتعلقه بالفاعل الحقيقي من حيث صدوره منه، فالمصدر إذًا مسند إليه مجازي.
وكإسناد الفعل إلى ظرف الزمان في قولك: "صام نهاره" برفع "نهاره" على الفاعلية، وكان حقه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي، فيقال: صام محمد في نهاره، لكنه أسند إلى الطرف الذي هو "النهار" إسنادًا مجازيًّا؛ للمشابهة بين "محمد والظرف" في تعلق الفعل بهما، فتعلقه "بمحمد" من حيث صدوره منه وتعلقه "بالنهار" من حيث وقوعه فيه. فالظرف حينئذ مسند إليه مجازي، ومنه قولهم: نهاره صائم، وليله قائم فقد أسند فيهما اسم الفاعل إلى ضمير الظرف وهو "النهار" في المثال الأول
و"الليل" في المثال الثاني إسنادًا مجازيًّا، من إسناد ما هو بمعنى الفاعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه.
وكإسناد الفعل إلى ظرف المكان في قولك: جرى النهر برفع "النهر" على الفاعلية، وكان حقه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي الذي هو "الماء" فيقال: جرى الماء في النهر، لكنه أسند إلى الظرف الذي هو "النهر" أي: مجرى الماء إسنادًا مجازيًّا للمشابهة بين "النهر والماء" في تعلق الفعل بهما، فتعلقه بالماء من حيث صدوره منه، وتعلقه بالنهر من حيث وقوعه فيه، فالظرف حينئذ مسند إليه مجازي. ومنه قولهم: نهر جارٍ، فقد أسند فيه اسم الفاعل إلى ضمير الظرف وهو "النهر" إسنادًا مجازيًّا من إسناد ما هو بمعنى الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه.
وكإسناد الفعل إلى السبب في قولك: "بنى الأمير القصر" وكان حقه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي الذي هو "العملة" إذ هم البانون حقيقة، فيقال: بنى العملة القصر بأمر الأمير، لكنه أسند إلى السبب الباعث الذي هو "الأمير" إسنادًا مجازيًّا للمشابهة بين "الأمير والعملة" في تعلق الفعل بهما، فتعلقه "بالأمير" من حيث إنه سبب في البناء، وتعلقه "بالعملة" من حيث صدوره منهم، فالأمير إذًا مسند إليه مجازي، ومنه قوله تعالى:{يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا} فقد أسند فيه الفعل إلى ضمير {هَامَانُ} إسنادًا مجازيًّا من إسناد الفعل إلى السبب وهكذا. ومما تقدم تعلم أن:
علاقة المجاز العقلي:
هي مشابهة المسند إليه المجازي للمسند إليه الحقيقي في تعلق الفعل بكل منهما، وإن اختلفت جهة التعلق كما عرفت مما سردناه عليك من الأمثلة.
وقرينة المجاز العقلي:
هي الأمر الصارف عن أن يكون الإسناد على حقيقته؛ لأن المتبادر إلى الفهم عند انتفاء القرينة هو الحقيقة، بمعنى أن ظاهر الكلام بغض النظر عن القرينة يفيد أن الفعل، أو ما في معناه مسند إلى ما حقه أن يسند إليه.
والقرينة نوعان: لفظية، ومعنوية:
فاللفظية: هي لفظ يذكر في الكلام يصرفه عن حقيقته، وبدل على التجوز في الإسناد كما تقول:"هزم الأمير خصمه وهو في قصره" فهو "كما ترى" إسناد الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه؛ لأن الأمير لم يفعل شيئًا، والذي سوغ إسناد الهزيمة إليه أنه سبب فيها، والقرينة الدالة على هذا التجوز قولك:"وهو في قصره" إذ دل على أن الهازم غير الأمير.
والمعنوية: شيء خارج عن اللفظ، يصرف الكلام عن حقيقته، ويدل على التجوز في الإسناد، وذلك أحد أمرين:
الأول: أن يكون قيام المسند بالمسند إليه مستحيلًا عقلًا، أو عادة. فمثال المستحيل عقلًا قولهم:"محبتك جاءت بي إليك" فإسناد المجيء إلى ضمير المحبة مجاز عقلي أسند فيه الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه، والذي سوغ هذا الإسناد أن المحبة سبب في المجيء، وقرينة المجاز استحالة قيام المجيء بالمحبة عقلًا. والمراد بالمستحيل عقلًا: ما كان مستحيلًا بالضرورة، وهو ما لو خلا العقل ونفسه لعده محالًا على البديهة كما في المثال المذكور. ومثله قولك: أقدمني بلدك، حق لي عليك. فالقرينة على التجوز في الإسناد استحالة قيام الإقدام بالحق عقلًا. ومثال المستحيل عادة قولهم: هزم القائد الجيش، فإسناد هزيمة الجيش إلى القائد مجاز عقلي، قرينته استحالة أن يهزم القائد الجيش وحده في العادة، وإن أمكن ذلك عقلًا.
الثاني: أن يكون الكلام صادرًا عن الموحد كأن يقول المؤمن: قوست ظهري أحداث الزمان، وأشابت رأسي نوائبه، فهذان الإسنادان من قبيل المجاز العقلي، أسند فيهما الفعلان إلى غير ما حقهما أن يسندا إليه بناء على أن أحداث الزمان ونوائبه سبب في التقويس والإشابة، وقرينة التجوز فيهما صدور هذا القول من مؤمن يرى أن الله تعالى مصدر الأفعال كلها.
وليس هذا مما استحالته عقلية حتى يكون داخلًا في الأمر الأول؛ إذ لم يجمع ذوو العقول على استحالة مثل هذا بدليل أن كثيرًا من العلماء ذهبوا إليه، وقالوا به، واحتجنا في الرد عليهم إلى الدليل.
فالقرينة في هذين الأمرين معنوية؛ إذ لم يكن في الكلام لفظ صريح يدل على التجوز في الإسناد.
وإن كان المجاز في ذات اللفظ بأن نقل من معناه الموضوع له إلى معنى آخر، فإما أن يكون هذا اللفظ مفردًا، أو مركبًا.