الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قرينة الاستعارة التصريحية:
القرينة هي -كما سبق- الأمر الذي يجعله المتكلم دليلًا على أنه أراد باللفظ غير معناه الأصلي، وهي أيضًا لفظية، وغير لفظية.
فاللفظية: لفظ يلائم المشبه يذكر في الكلام؛ ليصرفه عن إرادة معناه الأصلي. مثال ذلك "في الأصلية" قولك: "كلمني بحر" فبحر مستعار للرجل العالم أو الكريم "استعارة أصلية" وقرينتها لفظ "كلمني"؛ لأن البحر الحقيقي لا يتكلم. ومثالها "في التبعية" قولك: "قتل علي خصمه بحادّ لسانه" استعار القتل للإيذاء الشديد بجامع الألم الأليم، ثم اشتق من القتل بمعنى الإيذاء الشديد "قتل" بمعنى آذى إيذاء شديدًا، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، والقرينة قولك:"بحاد لسانه" إذ ليس اللسان أداة قتل، وكل من القرينتين ملائم للمشبه "كما رأيت".
وغير اللفظية: أمر خارج من اللفظ، يصرف الكلام عن إرادة معناه الحقيقي كدلالة الحال، أو استحالة المعنى.
فمثال ما قرينته حالية: "أرى قمرًا" والسامع يرى فتاة حسناء مقبلة "فالقمر" مستعار للفتاة الجميلة "استعارة أصلية" وقرينتها دلالة الحال.
ومثال ما قرينته الاستحالة قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} شبه كثرة الماء كثرة جاوزت الحد بالطغيان بجامع تجاوز الحد في كلٍّ. ثم استعير الطغيان للكثرة، واشتق منه "طغى" بمعنى كثر حتى جاوز الحد "استعارة تبعية" والقرينة استحالة صدور الطغيان من الماء، إذ هو من شأن الإنسان، وكقول الشاعر:
جمع الحق لنا في إمام
…
قتل البخل وأحيا السماحا
استعير القتل للمحو والإزالة، واستعير الإحياء للإكثار. ثم اشتق من القتل "قتل" بمعنى أزال، ومن الإحياء "أحيا" بمعنى أكثر، على سبيل الاستعارة التبعية، والقرينة استحالة وقوع القتل على البخل والإحياء على السماح.
والقرينة إما أمر واحد أو متعدد. فالأول كما في قولنا: "رأيت بين الناس أسدًا" استعير لفظ "أسد" للرجل الجريء، والقرينة أمر واحد هو قولنا:
"بين الناس" لأن الأسد الحقيقي لا يرى بينهم؛ إذ هو حيوان غير مستأنس، وكقولهم: نطقت الحال بكذا فهو استعارة تبعية، قرينتها شيء واحد كذلك هو استحالة قيام النطق بالحال، والثاني كقول الشاعر:
فإن تعافوا العدل والإيمانا
…
فإن في أيماننا نيرانا1
يقول: إن كرهتم الإنصاف، وإقرار الأمور في نصابها، وأبيتم التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قهرناكم عليها بما في أيدينا من سيوف تلمع كمشعل النيران، استعير لفظ "النيران" للسيوف "استعارة أصلية" والقرينة على أن المراد بالنيران السيوف هي كل من "العدل والإيمان" باعتبار تعلق العيافة أي: الكراهة بهما، ووجه كون ذلك قرينة على أن المراد "السيوف" هو أن الذي يدعو إلى العدل والإيمان آخذ بالشريعة، وهي إنما تحمل من يخالف على الطاعة بحدّ السيف لا بالإحراق، وكقولهم:
رويدك، قد طغى حبي ودمعي
…
وبات القلب يحترق اشتياقا
استعير الطغيان للكثرة "كما تقدم" استعارة تبعية، والقرينة هي كل من الحب والدمع، باعتبار تعلق الطغيان بهما تعلق استحالة.
وقد تكون القرينة معاني ملتئمة، أي: مرتبطًا بعضها ببعض، بحيث يكون المجموع قرينة، لا كل واحد منها كما في قول البحتري:
وصاعقة من نصله تنكفي بها
…
على أرؤس الأقران خمس سحائب2
شبه أنامل يد الممدوح بالسحائب في عموم العطايا، ثم استعار لفظ "السحائب" لأنامل يده، وجعل القرينة على الاستعارة مجموع أشياء؛ فذكر أن هناك صاعقة، وأنها ساقطة من حد سيفه، منقلبة على رءوس الأقران، ثم ذكر عدد أصابع اليد،
1 "تعافوا" من عاف الشيء يعافه، إذا كرهه ومجّه، "الإيمان" الأول بكسر الهمزة: التصديق، والأيمان الثاني بفتح الهمزة: جمع يمين، والمراد اليد اليمنى.
2 الصاعقة في الأصل: نار سماوية تهلك من تصيبه، والنصل: حد السيف، وتنكفي: تنقلب، والأقران جمع قرن بكسر القاف وهو المماثل والنظير.