الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو "خمس" فاتضح من مجموع ذلك كله أنه أراد بالسحائب أصابع اليد؛ لما بينها وبين السحائب من جامع النفع، وعموم العطاء.
قد يقال: إن قوله: "وصاعقة من نصله" كافٍ في الدلالة على الاستعارة، وكذا قوله:"على أرؤس الأقران"، وكذلك تحديد العدد بالخمس، فالقرينة إذًا متعددة وليست معاني ملتئمة متضامنة كما قيل، ويجاب بأن الاستعارة لا يكتمل وضوحها إلا بهذه الأمور مجتمعة. وقد يجاب بأن المراد بالتئام المعاني ارتباطها، لا على وجه العطف المؤذن بالاستقلال.
تنبيه:
ما تقدم من أن القرينة قد تكون أكثر من أمر واحد كما في قول الشاعر المتقدم: "وإن تعافوا العدل""البيت" مبني على جواز تعدد القرينة، وهذا هو الرأي الأغلب؛ إذ لا مانع من اعتبار كل واحد قرينة على حدة.
وقال بعضهم: لا يجوز القرينة؛ لأن الصرف عن إرادة المعنى الحقيقي، إن كان بمجموع الأمور المذكورة، فالقرينة هي تلك الأمور مجتمعة، لا كل واحد منها، وإن كان أحدها كافيًا في الصرف على المعنى الأصلي، فلا حاجة لما عداه، فيعتبر تجريدًا؛ لأنه في التصريحية من ملائمات المشبه.
الاستعارة المكنية:
هي في اصطلاح جمهور البيانيين: لفظ المشبه به المستعار في النفس للمشبه، والمحذوف المدلول عليه يذكر لازمه كقول أبي ذؤيب الهذلي1:
وإذا المنية أنشبت أظفارها
…
ألفيت كل تميمة لا تنفع2
1 اسمه خويلد بن خالد، أحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية.
2 "أنشبت": علقت و"ألفيت": وجدت و"التميمة": خرزة تجعل معاذة، تعلق بعنق الصبيان؛ صونًا لهم عن العين أو الجن على زعمهم.
يقول الشاعر: إذا حان الأجل عجزت عنده الحيل، ولا مرد لقضاء الله.
وإجراؤها أن يقال: شبهت المنية بالأسد في اغتيال النفوس، ثم استعير في النفس لفظ الأسد "للمنية" بعد تناسي التشبيه، وادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به ثم قدر حذفه، ودل عليه بذكر لازمه وهو "الأظفار" على سبيل الاستعارة المكنية، وكقول الشاعر:
وإذا العناية لاحظتك عيونها
…
نم فالمخاوف كلهن أمان
يقول: إذا حاطك الله بعنايته، وكلأك بعين رعايته كنت بمأمن من كل سوء، وفي حصانة من كل شر.
وإجراؤها بالقياس على ما تقدم أن يقال: شبهت العناية بإنسان في الانتفاع، ثم استعير في النفس لفظ "إنسان" للعناية بعد التناسي والادعاء المعروفين، ثم قدر حذفه، ودل عليه بذكر لازمه وهو "العيون" على سبيل الاستعارة المكنية، وكقول الشاعر المتقدم:
ولئن نطقت بشكر برك مفصحًا
…
فلسان حالي بالشكاية أنطق
والاستعارة في لفظ "حالي" شبه الحال بإنسان ناطق في الدلالة على المقصود، ثم استعير في النفس لفظ "إنسان" للحال، بعد التناسي والادعاء، ثم دل عليه بعد تقدير حذفه بذكر لازمه، وهو "اللسان" على سبيل الاستعارة المكنية.
ففي هذه الأمثلة الثلاثة حذف لفظ المشبه به، وكني عن مدلوله بذكر لازمه، ثم أثبت هذا اللازم للمشبه المذكور، وكل ما كان من هذا القبيل ففيه استعارة مكنية.
"ففي المثال الأول" حذف لفظ المشبه به وهو "الأسد" وبقي المشبه وهو "المنية" وكني عن المشبه به بذكر لازمه وهو "الأظفار" ثم أثبت هذا اللازم للمنية، فقيل:"أظفارها".
"وفي المثال الثاني" حذف لفظ المشبه به، وهو "الإنسان وبقي المشبه" وهو