الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول: في تعريف علم البيان
معناه في اللغة: الكشف والإيضاح، أما معناه في الاصطلاح فهو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد، في تراكيب متفاوتة في وضوح الدلالة عليه، بمعنى أن يكون تركيب أوضح في الدلالة من تركيب آخر.
وموضع هذا الفن: هو هذا الإيراد للمعنى الواحد في التراكيب المختلفة، في وضوح الدلالة.
فالمعنى الواحد "كالجود" مثلًا، يمكنك إذا كنت ملمًّا بمسائل هذا الفن، عالمًا بأصوله وقواعده أن تؤديه من طرق مختلفة في وضوح الدلالة عليه.
فتارة من طريق التشبيه، فتقول:"محمد كالبحر في الإفاضة" فتشبه بالبحر محمدًا وتلحقه به في هذا المعنى.
وتارة عن طريق الاستعارة، فتقول:"رأيت بحرًا على فرس يداعب أقرانه" فتشبه محمدًا بالبحر في الإفاضة، ثم تستعير لفظ البحر له كما ستعرفه بعد.
وتارة عن طريق الكناية، فنقول:"محمد كثير الرماد" فإن كثرة الرماد تدل على كثرة إحراق الحطب الدالة على كثرة الطبخ، وهذه تدل على كثرة الأكلة، وهذا دليل الجود، فكثرة الرماد حينئذ كناية عن الجود.
فهذه التراكيب الثلاثة تؤدي معنى واحدا هو الجود "كما رأيت" وأول هذه التراكيب أوضح من الثاني في تأدية هذا المعنى، والثاني أوضح من الثالث، وكل ذلك سيأتي لك مفصلًا في محاله، ومثل الجود "الشجاعة".
فتارة يعبر عنها من طريق التشبيه، فيقال:"محمد كالأسد في الشجاعة".
وتارة عن طريق الاستعارة، فيقال:"رأيت أسدًا يخطب القوم على المنبر".
وتارة عن طريق الكناية، فيقال:"زارنا أبو الحرب" فإن أبوته لها كناية عن ملازمته إياها كما يلزم الأب ابنه، وهذا كناية عن شجاعته.
وأوضح التراكيب دلالة على هذا المعنى هو الأول، ويليه الثاني، ثم الثالث، وهكذا دواليك.
تنبيهان:
الأول: إن "ال" في لفظ "المعنى" الوارد في التعريف المذكور للاستغراق العرفي، أي: كل معنى واحد يدخل تحت قصد المتكلم.
فلو استطاع إنسان أن يورد معنى "الجود" في تراكيب مختلفة في الوضوح دون غيره من المعاني، لم يكن بمجرد ذلك عالمًا بعلم البيان، بل لا بد أن يستطيع ذلك في كل معنى يدخل تحت قصده وإرادته ا. هـ.
الثاني: إن في التعريف تقييدين؛ تقييد المعنى "بالواحد"، وتقييد التفاوت "بوضوح الدلالة على المعنى".
أما الأول: فالغرض منه الاحتراز عن المعاني المتعددة المؤداة بطرق متفاوتة في وضوح الدلالة عليها، بأن يكون هذا الطريق مثلًا في معناه أوضح دلالة من الآخر في معناه؛ كأن تعبر عن معنى الجود مثلًا بقولك:"محمد كالسحاب" في الفيض، ثم تعبر عن معنى الشجاعة بقولك:"مر أسد فحياني" فمن الواضح أن التركيب الأول في معناه أوضح دلالة من الثاني في معناه، ومثل هذا ليس من علم البيان في شيء؛ لأن المعنى في العبارتين مختلف، والشرط: أن يكون المعنى في العبارتين واحدًا "كما عرفت".
وأما الثاني: فالقصد منه الاحتراز عن التفاوت في مجرد اللفظ، لا في وضوح الدلالة، كما إذا أوردت معنى واحدًا في تركيبين مترادفين، وأنت عالم بمدلولات الألفاظ فيهما، كأن تقول مثلًا: نكهة1 فم محمد كالطيب، ثم تقول: رائحة ثغر محمد كالند2، فمثل هذا ليس من مباحث علم البيان؛ لأن التركيبين متماثلان في وضوح الدلالة على المعنى، والاختلاف إنما هو في اللفظ والعبارة فقط. والشرط: أن يكون الاختلاف في وضوح الدلالة "كما علمت".
1 رائحة الفم.
2 نوع من الطيب.