الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل في وصف السماء: أيقظتني ليلة دواعي الهموم، فنظرت نظرة في النجوم فإذا السماء روضة زاهرة، أو صرح أضواؤه مسفرة، أو غدير تطفو عليه القواقع، أو بنفسج نور أقاحه لامع، أو جمر في خلال رماد، كما قال الشاعر:
بساط زمرد بسطت عليه
…
دنانير تخالطها دراهم
ونهر المجرة1 يجري في سندسها، ويسري ليسقي ذوابل نرجسها، فبينما أسرع في درر الدراري2 نظري وأروض في رياضها جواد فكري، إذ هب نسيم السحر يروي عن أهل نجد أطيب الخبر، ثم تبسم الفجر ضاحكًا، واقتنص بازي الضوء غراب الظلام، وفض3 كافور النور مسك الختام.
1 بياض يبدو في السماء يشبه الهنر.
2 الدراري: النجوم.
3 بمعنى فك.
علم البديع
مدخل
…
علم البديع:
قلنا فيما سبق: إن أول من اخترع هذا العلم، وسماه بهذا الاسم عبد الله بن المعتز المتوفى سنة 296هـ، وإنه جمع منه سبعة عشر نوعًا، وقال:"ما جمع قبلي فنون البلاغة أحد، ولا سبقني إليه مؤلف، ومن أراد أن يقتصر على ما اخترعناه فليفعل، ومن رأى إضافة شيء من المحاسن إليه فله اختياره".
وقلنا: إن مجموع ما جمعه هو ومعاصره قدامة بن جعفر ثلاثون نوعًا، ثم اقتدى بهما كثير من ذوي الفضل كأبي هلال العسكري، وابن رشيق، إلى أن جاء صفي الدين الحلي المتوفى سنة 750هـ فنظم فيه قصيدة ميمية في مديح النبي صلى الله عليه وسلم جمع فيها ما نيف على المائة والخمسين نوعًا، وذكر اسم كل نوع بجانب
كل بيت، وجعل البيت شاهدًا له، ثم جاء بعده "الموصلي" وعارضه بقصيدة على غرار قصيدته، ثم جاء "الحموي" وعارضه كذلك، غير أنه التزم تسمية النوع في البيت. وهكذا طفق العلماء يؤلفون في هذا العلم القصائد والأراجيز، حتى نيف الأنواع على المائة والستين، بل على أكثر من ذلك، نقتصر منها على المهم المتداول حسبما يتسع له المقام.
توضيح الفرق بين علم البديع، وعلمي المعاني والبيان:
اعلم: أن الفرق بينهما هو أن علمي المعاني والبيان يبحثان في صلب المعنى المراد، غير أن الأول منهما يبحثه من حيث مطابقته لمقتضى الحال، أي: أن يكون الكلام موافقًا مدلوله لما تقتضيه الحال التي وقع فيها، وقد تقدم لك بيانه عند البحث في بلاغة الكلام، وأن الثاني يبحثه من حيث تأديته بطرق مختلفة في الوضوح، وقد سبق البحث فيه عند الكلام في تعريف علم البيان.
أما علم البديع:
فيبحث المعنى أو اللفظ، من حيث تزيينه وتدبيجه، وإلباسه ثوبًا من البهجة والبهاء، يسترق القلب ويستأثر اللب كما ستعرف بعد. ومن هنا يعلم أن أثر علمي المعاني والبيان في تحسين الكلام "ذاتي" في صميم المعنى، وأن أثر علم البديع فيه "عرضي" أي: بعد أن يكون الكلام مطابقًا لمقتضى الحال، واضح الدلالة على المعنى المراد.
فعلم البديع من علمي المعاني والبيان حينئذ بمثابة الطلاء الرائع من البناء الفخم، أو بمنزلة القلادة الثمينة من جيد الحسناء، فإن لم يكن الكلام مطابقا لمقتضى الحال، ولا واضح الدلالة على المعنى المراد كان البديع بمثابة الدر يعلق بأعناق الخنازير. إذا علمت هذا فاعلم أن:
علم البديع:
هو ما يعرف به وجوه تحسين الكلام، بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، ووضوح الدلالة على المعنى المراد.