الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تشبيه المركب بالمركب:
الثاني: تشبيه المركب بالمركب، وهو ما طرفاه كثرتان مجتمعتان؛ كما في قول البحتري:
ترى أحجاله يصعدن فيه
…
صعود البرق في الغيم الجَهَام3
لا يريد به تشبيه بياض الحُجول على الانفراد بالبرق، بل مقصوده الهيئة الخاصة الحاصلة من مخالطة أحد اللونين4 بالآخر. وكذلك المقصود في بيت بشار5،
ولذلك وجب الحكم بأن "أسيافنا" في حكم الصلة للمصدر1، ونصب الأسياف لا يمنع من تقدير الاتصال؛ لأن الواو فيها بمعنى مع2؛ كقولهم:"لو تُركت الناقة وفصيلها لرضعها".
ومما ينبه على ذلك أن قوله: "تهاوى كواكبه" جملة وقعت صفة لليل؛ فإن الكواكب مذكورة على سبيل التبع لليل، ولو كانت مستبدة لشأنها لقال:"ليل وكواكب".
وأما بيت امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
…
لدى وكرها العناب والحَشَف البالي3
فهو على خلاف هذا، فإن أحد الشيئين فيه -في الطرفين- معطوف على الآخر، أما في طرف المشبه فبيّن، وأما في طرف المشبه؛ فلأن الجمع4 في المتفق كالعطف في المختلف؛ فاجتماع شيئين أو أشياء في لفظ تثنية أو جمع لا يوجب أن أحدهما أو أحدها في حكم التابع للآخر، كما يكون ذلك إذا جرى الثاني صفة للأول أو حالا منه أو ما أشبه ذلك، وقد صرح بالعطف فيما أجراه بيانا له من قوله:"رطبا ويابسا"5.
وهذا القسم ضربان:
أحدهما: ما لا يصح تشبيه كل جزء من أحد طرفيه بما يقابله من الطرف الآخر،
كقوله:
غدا والصبح تحت الليل بادٍ
…
كطِرْف أشهب ملقى الجِلال1
فإن "الجلال" فيه في مقابلة "الليل"، ولو شبهه به لم يكن شيئا. وكقول الآخر:
كأنما المريخ والمشتري
…
قُدّامه في شامخ الرفعه
منصرف بالليل عن دعوة
…
قد أسرجت قدامه شمعه2
فإن "المريخ" في مقابلة "المنصرف عن دعوة"، ولو قيل:"كأن المريخ منصرف بالليل عن دعوة" كان خَلْفا من القول3.
والثاني: ما يصح تشبيه كل جزء من أجزاء أحد طرفيه بما يقابله من أجزاء الطرف الآخر، غير أن الحال تتغير، ومثاله قوله:
وكأن أجرام النجوم لوامعا
…
درر نثرن على بساط أزرق4
فإنه لو قيل: كأن النجوم درر، وكأن السماء بساط أزرق، لكان تشبيها صحيحا، لكن أين يقع من التشبيه الذي يُريك الهيئة التي تملأ القلوب سرورا وعجبا من طلوع النجوم مؤتلقة متفرقة في أديم السماء، وهي زرقاء زرقتها الصافية؟!