الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3-
المطلوب بها نسبة:
الثالثة: المطلوب بها نسبة1؛ كقول زياد الأعجم:
إن السماحة والمروءة والندى
…
في قبة ضُربت على ابن الحشرج2
فإنه حين أراد ألا يصرح بإثبات هذه الصفات لابن الحشرج جمعها في قبة؛ تنبيها
بذلك على أن محلها ذو قبة، وجعلها مضروبة عليه؛ لوجود ذوي قباب في الدنيا كثيرين، فأفاد إثبات الصفات المذكورة له بطريق الكناية1.
ونظيره قولهم: "المجد بين ثوبيه، والكرم بين برديه".
قال السكاكي2: وقد يظن هذا من قسم "زيد طويل نجاده"3، وليس بذاك؛ فـ "طويل نجاده" بإسناد "طويل" إلى النجاد تصريح بإثبات الطول للنجاد، وطول النجاد -كما نعرف- قائم مقام طول القامة، فإذا صرح من بعدُ بإثبات النجاد لزيد بالإضافة، كان ذلك تصريحا بإثبات الطول لزيد4، فتأمل.
وكقول الآخر:
والمجد يدعو أن يدوم لجيده
…
عقد مساعي ابن العميد نظامه5
فإنه شبه المجد بإنسان بديع الجمال في ميل النفوس إليه، وأثبت له جيدا على سبيل الاستعارة التخييلية، ثم أثبت لجيده عقدا ترشيحا للاستعارة، ثم خص مساعي ابن العميد بأنها نظامه، فنبه بذلك على اعتنائه خاصة بتزيينه، وبذلك على محبته وحده له، وبها على اختصاصه به، ونبه بدعاء المجد أن يدوم لجيده ذلك العقد على طلبه دوام بقاء ابن العميد، وبذلك على اختصاصه به6.
وكقول أبي نواس:
فما جازه جود ولا حل دونه
…
ولكن يصير الجود حيث يصير1
فإنه كنى عن جميع الجود بأن نكّره2، ونفى أن يجوز ممدوحه ويحل دونه فيكون متوزعا، يقوم منه شيء بهذا وشيء بهذا، و"كنى" عن إثباته له بتخصيصه بجهته بعد تعريفه باللام التي تفيد العموم3، ونظيره قولهم:"مجلس فلان مَظِنّة الجود والكرم" هذا قول السكاكي4.
وقيل: كنَى بالشطر الأول عن اتصافه بالجود، وبالثاني عن لزوم الجود له، ويحتمل وجها آخر؛ وهو أن يكون كل منهما كناية عن اختصاصه به، وعدم الاقتصار على أحدهما للتأكيد والتقرير، وذكرهما على الترتيب المذكور؛ لأن الأولى بواسطة5، بخلاف الثانية.
وكقولهم: "مثلك لا يبخل"، قال الزمخشري: نفوا البخل عن مثله، وهم يريدون نفيه عن ذاته، قصدوا المبالغة في ذلك فسلكوا به طريق الكناية؛ لأنهم إذا نفوه عمن يسد مسده وعمن هو على أخص أوصافه؛ فقد نفوه عنه، ونظيره قولك للعربي:"العرب لا تَخْفِر الذمم" فإنه أبلغ من قولك: "أنت لا تخفر".
ومنه قولهم: "أيفعتْ لِداتُه، وبلغت أترابه" يريدون: إيفاعه وبلوغه.
وعليه قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} 6 على أحد الوجهين وهو أن لا تجعل الكاف زائدة، قيل: وهذا غاية لنفي التشبيه، إذ لو كان له مِثْل، لكان كمثله شيء
وهو ذاته تعالى، فلما قال:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ} دل على أنه ليس له مثل1. وأُورد أنه يلزم منه نفيه تعالى لأنه مثل مثله، ورُدّ بمنع أنه تعالى مثل مثله؛ لأن صدق ذلك موقوف على ثبوت مثله؛ تعالى عن ذلك.
وكقول الشنفرى الأزدي في وصف امرأة بالعفة:
فإنه نبه بنفي اللوم عن بيتها على انتفاء أنواع الفجور عنه، وبه على براءتها منها، وقال:"يبيت" دون "يظل" لمزيد اختصاص الليل بالفواحش، هذا على ما رواه الشيخ عبد القاهر والسكاكي3، وفي الأغاني الكبير:"يحل بمنجاة".
وقد يظن أن هنا قسما رابعا، وهو أن يكون المطلوب بالكناية الوصف والنسبة معا، كما يقال:"يكثر الرماد في ساحة عمرو" في الكناية عن أن عمرا مضياف، وليس بذاك؛ إذ ليس ما ذُكر بكناية واحدة، بل هو كنايتان: إحداهما عن المضيافية، والثانية عن إثباتها لعمرو. وقد ظهر بهذا أن طرف النسبة المثبتة بطريق الكناية يجوز أن يكون مكنيا عنه أيضا كما في هذا المثال، ونحوه بيت الشنفرى المتقدم؛ فإن حلول البيت بمنجاة من اللوم كناية عن نسبة العفة إلى صاحبه، والمنجاة من اللوم كناية عن العفة4.