الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقسيم المجاز المفرد إلى مرسل واستعارة:
والمجاز ضربان: مرسل، واستعارة؛ لأن العلاقة المصححة إن كانت تشبيه معناه بما هو موضوع له فهو استعارة، وإلا فهو مرسل، وكثيرا ما تطلق الاستعارة على استعمال اسم المشبه به في المشبه1، فيسمى المشبه به مستعارا منه، والمشبه مستعارا له، واللفظ مستعارا2، وعلى الأول لا يشتق منه؛ لكونه اسما للفظ لا للحدث3.
المجاز المرسل وعلاقاته: علاقة السببية والمجاورة:
الضرب الأول: المرسل، وهو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه4؛ كاليد إذا استعملت في النعمة؛ لأن من شأنها أن تصدر عن
الجارحة، ومنها تصل إلى المقصود بها1. ويشترط أن يكون في الكلام إشارة إلى المولي لها2؛ فلا يقال:"اتسعت اليد في البلد"، أو"اقتنيت يدا" كما يقال:"اتسعت النعمة في البلد"، أو "اقتنيت نعمة"، وإنما يقال:"جلت يده عندي، وكثرت أياديه لدي" ونحو ذلك.
ونظير هذا قولهم في صفة راعي الإبل: "إن له عليها إصبعا"3. أرادوا أن يقولوا: "له عليها أثر حذق" فدلوا عليه بإصبع؛ لأنه ما من حذق في عمل يد إلا وهو مستفاد
من حسن تصريف الأصابع، واللطف في رفعها ووضعها، كما في الخط والنقش.
وعلى ذلك قيل في تفسير قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} 1 أي: نجعلها كخف البعير، فلا يتمكن من الأعمال اللطيفة، فأرادوا بالإصبع الأثر الحسن، حيث يقصد الإشارة إلى حذق في الصنعة لا مطلقا، حتى يقال2:"رأيت أصابع الدار، وله إصبع حسنة، وإصبع قبيحة" على معنى: له أثر حسن، وأثر قبيح، ونحو ذلك.
وينظر إلى هذا قولهم: "ضربته سوطا"؛ لأنهم عبروا عن الضربة الواقعة بالسوط باسم السوط، فجعلوا أثر السوط سوطا. وتفسيرهم له بقولهم:"المعنى ضربته ضربة بالسوط" بيان لما كان الكلام عليه في أصله.
ونظير قولنا: "له علي يد" قول النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه: "أسرعكن لحوقا -ويروى لحاقا- بي أطولكن يدا"، وقوله:"أطولكن" نظير ترشيح الاستعارة، ولا بأس أن يسمى ترشيح المجاز، والمعنى3: بسط اليد بالعطاء، وقيل: قوله: "أطولكن" من الطَّوْل بمعنى الفضل؛ يقال: "لفلان على فلان طَوْل" أي: فضل؛ فاليد على هذين الوجهين4 بمعنى النعمة، ويحتمل أن يريد: أطولكن يدا بالعطاء؛ أي: أمدكن، فحذف قوله:"بالعطاء" للعلم به5.
وكاليد أيضا إذا استعملت في القدرة؛ لأن أكثر ما يظهر سلطانها في اليد، وبها يكون البطش، والضرب، والقطع، والأخذ، والدفع، والوضع، والرفع، وغير ذلك من الأفعال التي تنبئ عن وجود القدرة ومكانها. وأما اليد في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
"المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم" فهو استعارة1، والمعنى أن مَثَلَهم مع كثرتهم في وجوب الاتفاق مثل اليد الواحدة، فكما لا يتصور أن يخذل بعض أجزاء اليد بعضا، وأن تختلف بها الجهة في التصرف، كذلك سبيل المؤمنين في تعاضدهم على المشركين؛ لأن كلمة التوحيد جامعة لهم.
وكالرواية للمَزادة مع كونها للبعير الحامل لها؛ لحمله إياها2، وكالخفض في البعير، مع كونه لمتاع البيت لحمله إياه. وكالسماء في الغيث، كقوله:"أصابتنا السماء" لكونه من جهة المظلة. وكالإكاف في قول الشاعر:
يأكلن كل ليلة إكافا3
…
أي: علفا بثمن الإكاف4.