الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتراض على السكاكي في تعريف التخييلية:
ومنها أنه فسر التخييلية بما استُعمل في صورة وهمية محضة قدّرت مشابهة لصورة محققة هي معناه، كلفظ "الأظفار" في قول الهذلي1؛ فإنه لما شبّه المنية بالسبع في الاغتيال على ما تقدم، أخذ الوهم في تصويرها بصورته، واختراع مثل ما يلائم صورته ويتم به شكله لها من الهيئات والجوارح، وعلى الخصوص ما يكون قوام اغتياله للنفوس به؛ فاخترع للمنية صورة مشابهة لصورة الأظفار المحققة، فأطلق عليها اسمها2.
وفيه نظر؛ لأن تفسير التخييلية بما ذكره بعيد؛ لما فيه من التعسف3، وأيضا فظاهر تفسير غيره لها بقولهم:"جعل الشيء للشيء كجعل لبيد4 للشمال يدا" يخالفه؛ لاقتضاء تفسيره أن يجعل للشمال صورة متوهمة مثل صورة اليد، لا أن يجعل لها يدا؛ فإطلاق اسم اليد على تفسيره استعارة، وعلى تفسير غيره حقيقة، والاستعارة إثباتها للشمال، كما قلنا في المجاز العقلي الذي فيه المسند حقيقة
لغوية1 وأيضا فيلزمه أن يقول بمثل ذلك -أعني بإثبات صورة متوهَّمة- في ترشيح الاستعارة2؛ لأن كل واحد من التخييلية والترشيح فيه إثبات بعض لوازم المشبه به المختصة به للمشبه، غير أن التعبير عن المشبه في التخييلية بلفظه الموضوع له، وفي الترشيح بغير لفظه3، وهذا لا يفيد فرقا، والقول بهذا يقتضي أن يكون الترشيح ضربا من التخييلية، وليس كذلك4. وأيضا فتفسيره للتخييلية أعم من أن تكون تابعة للاستعارة بالكناية، كما في بيت الهذلي5، أو غير تابعة بأن يتخيل ابتداء صورة وهمية مشابهة لصورة محققة، فيستعار لها اسم الصورة المحققة، والثانية بعيدة جدا، ويدل على إرادته دخول الثانية في تفسير التخييلية أنه قال6: "حسنها بحسب حسن المكنيّ عنها متى كانت تابعة لها، كما في قولك: "فلان بين أنياب المنية ومخالبها" وقلما تحسن الحسن البليغ غير تابعة لها؛ ولذلك استُهجنت في قول الطائي:
لا تسقني ماء الملام فإنني
…
صَبّ قد استعذبت ماء بكائي7
فإن قيل: لِمَ لا يجوز أن يريد بغير التابعة للمكني عنها التابعة لغير المكني عنها؟ قلنا: غير المكني عنها هي المصرح بها؛ فتكون التابعة لها ترشيح الاستعارة، وهو من أحسن وجوه البلاغة، فكيف يصح استهجانه؟ ".
وأما قول أبي تمام فليس له فيه دليل؛ لجواز أن يكون أبو تمام شبه الملام بظَرْف الشراب؛ لاشتماله على ما يكرهه الملوم، كما أن الظرف قد يشتمل على ما يكرهه الشارب؛ لبشاعته أو مرارته؛ فتكون التخييلية في قوله تابعة للمكني عنها، أو بالماء نفسه1؛ لأن اللوم قد يسكن حرارة الغرام كما أن الماء يسكن غليل الأُوام، فيكون تشبيها على حد "لُجَيْن الماء" فيما مر2، لا استعارة. والاستهجان على الوجهين3؛ لأنه كان ينبغي له أن يشبهه بظرف شراب مكروه، أو بشراب مكروه4؛ ولهذا لم يُستهجَن نحو قولهم:"أغلظت لفلان القول، وجرّعته منه كأسا مُرَّة، أو سقيته أمرّ من العلقم"5.