الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف الوضع:
والوضع تعيين اللفظ للدلالة على معنى بنفسه1.
فقولنا: "بنفسه" احتراز من تعيين اللفظ للدلالة على معنى بقرينة -أعني المجاز- فإن ذلك التعيين لا يسمى وضعا، ودخل المشترك في الحد؛ لأن عدم دلالته على أحد معنييه بلا قرينة لعارض -أعني الاشتراك- لا ينافي تعيينه للدلالة عليه بنفسه2.
وذهب السكاكي إلى أن المشترك "كالقَرْء" معناه الحقيقي هو ما لا يتجاوز معنييه؛ كالطهر والحيض غير مجموع بينهما3.
قال: "فهذا ما يدل عليه بنفسه ما دام منتسبا إلى الوضعين، أما إذا خصصته بواحد إما صريحا، مثل أن تقول: "القرء بمعنى الطهر"، وإما استلزاما، مثل أن تقول: "القرء لا بمعنى الحيض"؛ فإنه حينئذ ينتصب دليلا دالا بنفسه على الطهر بالتعيين، كما كان الوضع عينه بإزائه بنفسه".
ثم قال في موضع آخر4: "وأما ما يظن بالمشترك من الاحتياج إلى القرينة في
دلالته على ما هو معناه؛ فقد عرفت أن منشأ هذا الظن عدم تحصيل معنى المشترك الدائر بين الوضعين".
وفيما ذكره نظر؛ لأنا لا نسلم أن معناه الحقيقي ذلك. وما الدليل على أنه عند الإطلاق يدل عليه؟ ثم قوله: "إذا قيل: القرء بمعنى الطهر أو: لا بمعنى الحيض، فهو دال بنفسه على الطهر بالتعيين" سهو ظاهر؛ فإن القرينة كما تكون معنوية، تكون لفظية، وكل من قوله:"بمعنى الطهر" وقوله: "لا بمعنى الحيض" قرينة1.
إنكار الوضع:
وقيل: دلالة اللفظ على معناه لذاته2، وهو ظاهر الفساد؛ لاقتضائه أن يمنع نقله إلى المجاز وجعله علما ووضعه للمضادين؛ كالجون للأسود والأبيض؛ فإن ما بالذات لا يزول بالغير، ولاختلاف اللغات باختلاف الأمم.
وتأوله السكاكي -رحمة الله3- على أنه تنبيه على ما عليه أئمة علمي الاشتقاق والتصريف؛ من أن للحروف في أنفسها خواص بها تختلف؛ كالجهر، والهمس، والشدة، والرخاوة، والتوسط بينها، وغير ذلك، مستدعية أن العالم بها إذا أخذ في تعيين شيء منها لمعنى لا يهمل التناسب بينهما؛ قضاء لحق الحكمة4 كـ "الفَصْم""بالفاء" الذي هو حرف رخو لكسر الشيء من غير أن يبين5، والقَصْم "بالقاف" الذي هو حرف شديد لكسر الشيء حتى يبين، وأن للتركيبات6 كالفَعَلان والفَعَلى بالتحريك كالنزوان والحيدى وفعُل مثل شرف وغير ذلك، خواص أيضا7، فيلزم فيها ما يلزم في الحروف، وفي ذلك نوع تأثير لأنفس الكلم في اختصاصها بالمعاني.