الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استعارة معقول لمحسوس:
وأما استعارة معقول لمحسوس، فكقوله تعالى:{إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} 1 فإن المستعار له كثرة الماء وهو حسي، والمستعار منه التكبر، والجامع الاستعلاء المفرط، وها عقليان2.
أقسام الاستعارة باعتبار المستعار:
الأصلية، والتبعية:
وأما باعتبار اللفظ3 فقسمان؛ لأنه إن كان اسم جنس، فأصلية كـ "أسد" و"قتل"4، وإلا فتبعية؛ كالأفعال والصفات المشتقة منها الحروف؛ لأن الاستعارة
تعتمد التشبيه، والتشبيه يعتمد كون المشبه موصوفا1، وإنما يصلح للموصوفية الحقائق2 كما في قولك:"جسم أبيض وبياض صافٍ" دون معاني الأفعال والصفات المشتقة منها والحروف3.
فإن قلت: فقد قيل في نحو "شجاع باسل، وجواد فياض، وعالم نحرير": إن باسلا وصف لشجاع، وفياضا وصف لجواد، ونحريرا وصف لعالم4، قلت: ذلك متأول بأن الثواني لا تقع صفات إلا لما يكون موصوفا بالأول5.
فالتشبيه في الأفعال والصفات المشتقة منها لمعاني مصادرها6، وفي الحروف لمتعلقات معانيها؛ كالمجرور7 في قولنا:"زيد في نعمة ورفاهية"؛ فيقدر التشبيه في
قولنا: "نطقت الحال بكذا، والحال ناطقة بكذا" للدلالة بمعنى النطق1.
وعليه في التهكمية قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 2 بدل "فأنذرهم"، وقوله تعالى:{إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} 3 بدل "السفيه الغوي"، وفي لام التعليل4 كقوله تعالى:{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} 5 للعداوة والحزن الحاصلين بعد الالتقاط بالعلة الغائية للالتقاط6.
ومما يتصل بهذا أن "يا" حرف وضع في أصله لنداء البعيد ثم استعمل في مناداة القريب؛ لتشبيهه بالبعيد باعتبار أمر راجع إليه أو إلى المنادى؛ أما الأول فكقولك لمن سها وغفل وإن قرب: "يا فلان"، وأما الثاني فكقول الداعي في جُؤَاره:"يا رب يا ألله" وهو أقرب إليه من حبل الوريد؛ فإنه استقصار منه لنفسه، واستبعاد لها من مظانّ الزُّلْفى ومما يقربه إلى رضوان الله تعالى ومنازل المقربين؛ هضما لنفسه، وإقرارا عليها بالتفريط في جنب الله تعالى، مع فرط التهالك على استجابة دعوته والأذن7 لندائه وابتهاله.
واعلم أن مدار قرينة التبعية1 في الأفعال والصفات المشتقة منها على نسبتها إلى الفاعل، كما مر في قولك:"نطقت الحال"، أو إلى المفعول؛ كقول ابن المعتز:
جمع الحق لنا في إمام
…
قتل البخل وأحيا السماحا2
وقول كعب بن زهير:
صبّحنا الخزرجية مرهفات
…
أباد ذوي أرومتها ذووها3
والفرق بينهما أن الثاني مفعول ثانٍ دون الأول. ونظير الثاني قوله:
نقريهم لهذميات نقد بها
…
ما كان خاط عليهم كل زراد4
أو إلى المفعولين الأول والثاني؛ كقول الحريري:
وأقري المسامع إما نطقت
…
بيانا يقود الحرون الشموسا5
أو إلى المجرور كقوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} 6
قال السكاكي7 "أو إلى الجميع؛ كقول الآخر:
تقري الرياح رياض الحزن مزهرة
…
إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا8
فيه نظر9