الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن العملية كلها جاءت لإتمام اندماج الشريعة الإسلامية في القانون الفرنسي، وفتح أبواب التجنس والزواج المختلط، وما يترتب على ذلك من عواقب تؤدي إلى ذوبان الجزائريين في غيرهم. فالتدوين كان ممكنا في تونس ومصر وغيرهما حيث الشريعة سيدة نفسها تقريبا. ولكنه استحال أمام بلاد يسودها القانون الفرنسي باسم الاحتلال ويزعم محتلوها أن لها إسلاما خاصا بها يمكن التعايش بينه وبين القانون المذكور. وقد حاول موريس فيوليت خلال العشرينات، عندما كان حاكما عاما، إحياء المشروع عشية الاحتفال المئوي بالاحتلال، ولكنه فشل أيضا، ومنذئذ دفن المشروع (1).
من الذين كتبوا في الموضوع وأيدوا التدوين: أبو بكر عبد السلام الجليلي فقد كتب بحثا نشره في مجلة العالم الإسلامي سنة 1909 أيد فيه أعمال لجنة تدوين الفقه، وبسط القول في المذاهب الأربعة وأصول الفقه، وعارض الذين وقفوا ضد التدوين الذي رآه خطوة (تجديدية). ورأى أن التدوين إذا تحقق سيكون مفيدا للقضاة وغيرهم من رجال الدين. ولم يذكر ما إذا كان مفيدا أيضا في الحالات الاجتماعية التي أشرنا إليها. وكان المتجنسون (المطورنون) من المؤيدين للمشروع، كما سبق. وقد أكدنا على أن كاتب البحث هو ابن القاضي شعيب الشهير والذي كان حيا عندئذ، فهل هذا الرأي هو رأي والده أيضا؟ لنا أن نفترض ذلك (2).
جهود أخرى في الفقه لبعض الجزائريين والمستشرقين
في مجال الفقه أيضا قام بعض الجزائريين بترجمة نصوص فقهية والتعريف ببعض كتب الفقه الأساسية ورجال الفقه من أصحاب التراث.
(1) أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، ص 319. اللجنة التي عينها فيوليت شملت الشرشالي (توفي سنة 1930؟)، وأحمد لعيمش، ومحمد بلحاج، وعبد الرحمن الصديق، ومحمود كحول والحفناوي بن الشيخ، وابن الموهوب.
(2)
أبو بكر شعيب، مجلة العالم الإسلامي، يوليو - غشت، 1909، ص 446 - 456.
وشاركهم في ذلك بعض المستشرقين الذين كانوا يعملون مباشرة مع الإدارة، وكذلك أساتذة التعليم القانوني المتخصصين في الشريعة الإسلامية، بالإضافة إلى بعض القضاة الفرنسيين. كل هؤلاء انتجوا أعمالا تخدم الفقه من جهة وتخدم الإدارة بالطبع لأن المحاكم والمدارس والجهات المدنية والعسكرية تحتاج إلى معرفة مصادر التشريع الإسلامي وأصول الفقه وفروعه. وهكذا أخرجت المطابع منذ منتصف القرن الماضي عددا من المؤلفات أو المنشورات التي تلخص أو تعرف بكتب الفقه.
ومن أوائل من ترجم مختصر الشيخ خليل في الفقه المالكي الدكتور بيرون، وهو طبيب فرنسي اعتنق المذهب السان سيموني الاشتراكي، وعمل سنوات في مصر في المدارس الطبية (مديرا لها) التي أنشأها محمد علي باشا. وقد كتب بيرون عن الطب النبوي والطب العربي، وعن الأدب الجاهلي وغيره، ثم استدعته بلاده سنة 1857 لإدارة المدرسة السلطانية (المعهد الامبريالي) التي أسست عندئذ للدراسة العربية والمزدوجة. وتشهد ترجمته لمختصر خليل على معرفته للعربية وعلى اطلاعه على كتب التراث، ومنه الفقه، والترجمة موجهة، كما هو متوقع، إلى الإدارة الفرنسية، عسكرية ومدنية، وليس إلى الجزائريين. وقد تعين بيرون سنة 1864 لتفتيش المدارس الرسمية الثلاث التي كان الفقه من موادها الأساسية (1).
وفي النصف الثاني من القرن الماضي عاش بالجزائر مستشرق فرنسي آخر، وهو هوداس، اهتم كثيرا بالتراث الإسلامي وترجم منه. وقد بدأ حياته بالجزائر معلما في الثانوية الرئيسية منذ 1863، أستاذا للغة العربية. وتعاون مع زميله مارتيل الذي كان أستاذا بمدرسة الحقوق، على ترجمة كتاب (تحفة الحكام) لابن عاصم في الفقه. وقيل إن مدة الترجمة قد دامت قرابة عشر سنوات (2).
(1) عن حياته انظر فصلي التعليم والاستشراق.
(2)
هنري ماصيه (الدراسات العربية في الجزائر)1930. ولد هوداس في لواري، سنة 1840 وتوفي سنة 1916، عن زيارة الوزير كومبس انظر فصل التعليم. وعن حياته انظر فصل الاستشراق.
وكان ادمون فانيان أستاذا أيضا في مدرسة الآداب قبل أن تتحول إلى كلية. ويشهد له فهرس المخطوطات الذي وضعه عن المكتبة الوطنية بالجزائر على مدى معرفته بالمناهج واطلاعه على التراث العربي الإسلامي. ويهمنا هنا ترجمته وجهوده في ميدان الفقه والشريعة. فقد ذكر مترجموه أنه نشر جزءا من مختصر سيدي خليل وهو باب الجهاد (وقد كان ممنوعا في الخطب والتدريس على علماء المسلمين) وباب الزواج والطلاق. ونشر كذلك كتاب الخراج لأبي يوسف يعقوب. كما أن فانيان نشر رسالة ابن أبي زيد القيرواني المشهورة في الفقه. وهي تعتبر الثانية بعد مختصر خليل في الشهرة بين طلبة العلم، وربما تكون الأولى بالنسبة للمبتدئين منهم (1).
وبعد حياة مغامرة في لاروشيل والجزائر استقر أرنست ميرسييه في قسنطينة. ويهمنا من أعماله هنا نشر التراث، ولا سيما الفقه. ومن أعماله في مجال الفقه ما نشره عن الأملاك في بلاد المغرب طبقا للمذهب المالكي، ومن كتبه حالة المرأة المسلمة في شمال افريقية، والملكية العقارية الإسلامية في الجزائر (2).
أما موتيلانسكي فقد اهتم بالمذهب الإباضي على الخصوص. ثم اللهجات البربرية في الصحراء والجنوب، سيما غدامس والهقار وميزاب. وقد أخذ ينشر منذ 1886 عن القرارة وعن المذهب الإباضي، ومن أبرز أعماله في المجال الذي نحن بصدده، نشره لمدونة ابن غانم في المذهب الإباضي، وقد قال عنه زميله رينيه باصيه إنه قدم عنها الصورة الوحيدة الباقية من المخطوط (يعني كتاب المدونة)، أما الصورة الأخرى لها فقد اختفت، حسب قوله، وبعد ذلك نشر موتيلانسكي (المخطوط البربري لزواغة) في
(1) ماصيه (الدراسات). انظر المجلة الافريقية، سنة 1931. وكان قد ولد سنة 1846 في ليياج. وتوفي سنة 1931.
(2)
انظر كلمة التأبين التي كتبها ج. فاغبلون في مجلة (روكاي)، 1908، ص 15 - 19. وكذلك فصل الاستشراق.
باريس 1906، أي سنة قبل وفاته، وكان ينوي تقديم طبعة كاملة منه. ولذلك دعا باصيه العارفين باللهجة البربرية والفقه الإباضي إلى استكمال مشروع موتيلانسكي (1). ومما يذكر أن موتيلانسكي قد تعرف جيدا على الشيخ محمد بن يوسف أطفيش الذي كان عندئذ ذائع الصيت وغزير الانتاج. وقد أصدر أطفيش سنة 1886 شرح كتاب النيل، كما سبق.
واهتم دومينيك لوسياني، رغم أنه إداري أكثر منه عالما بالاستشراق، بالدراسات الفقهية والتراث العربي الإسلامي. فنشر سنة 1896 (الرحبية) في الفرائص في نصها العربي والترجمة الفرنسية. وكانت الرحبية مقررة في المدارس الرسمية وحتى الزوايا. وقد قال فانيان الذي راجعها في المجلة الأفريقية، أن معرفة الرحبية واجبة وكذلك ترجمتها. وكان نشرها على يد لجنة للترجمة والنشر ألفتها الحكومة العامة بالجزائر، وربما عاونه أبو يعلي الزواوي في شبابه، ومحمد السعيد بن زكري. ولا ندري إن كان قد نشر أيضا. كتاب (أعز ما يطلب) لابن تومرت. وقد قلنا انه ساهم في تحضير مشروع تدوين الفقه الإسلامي مع زميله موران أستاذ الشريعة في كلية الحقوق، ولكنه فشل فيه. ومن نشاطه أيضا نشره (كتاب الحوض) في الفقه وهو بالبربرية، وقد استحضر نسخه من عدة جهات. وترجمه إلى الفرنسية مع النص الأصلي (2).
وكذلك قام عدد من الجزائريين المتصلين باللغة الفرنسية بالتعريف بكتب التراث الفقهي أو ترجمتها تمشيا مع هذا التيار أو ذلك، إما للنفع المادي إذا كانت من الكتب المقررة في المدارس وإما النفع المعنوي استجابة
(1) ترجمته في مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال إفريقية، كتبها أرمون ميسبلي، 1907، ص 119 - 121. انظر أيضا ر. باضيه (تقرير عن الدراسات البربرية والهوسة، في المجلة الإفريقية، 1908، ص 259. انظر كذلك فصل الاستشراق.
(2)
عن حياته ونشاطه الآخر انظر بول مارتي (مجلة العالم الإسلامي) 1920، ص 1 - 9. مع صورته. وقد نشر كتاب (الحوض) مسلسلا في المجلة الافريقية. وقمنا نحن بالتعريف بهذا الكتاب في كتابنا أبحاث وآراء ج 4.
لشروط الترقيات والسمعة والاندماج في بوتقة المثقفين الفرنسيين. ولكن الملاحظ أن الجزائريين الذين كتبوا في هذا السياق قليلون. إننا نجد لهم أعمالا هامة حول المعاجم واللهجات والتاريخ المحلي والفولكلور ونحو ذلك، أما الدراسات الفقهية فرغم شيوعها فإنها قليلة لديهم.
نوه عدد من الكتاب بما قام به أحمد لعيمش. وقد كان محاميا ومتصلا اتصالا وثيقا بالفقه الإسلامي والقانون الفرنسي. وكان مدرسا في مدرسة تلمسان الرسمية، وعضوا في عدة لجان تهتم بموضوع الشريعة. قام أحمد لعيمش بترجمة جزء من بداية المجتهد، لابن رشد. واكتفى من الترجمة ببابي الزواج والطلاق (1). والمعروف أن المحاكم الإسلامية لم يبق لها منذ آخر القرن الماضي ما تنظر فيه من المسائل الفقهية في المعاملات، سوى الأحوال الشخصية.
ويشبه ذلك ما كتبه أحدهم (مجهول؟) حول الصوم عند المسلمين طبقا لما جاء في رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2). وهكذا كان الاهتمام بالعبادات في هذا المجال أكثر من المعاملات. وفي هذا الصدد ساهم محمد قندوز بمحاضرة في الجمعية الجغرافية، ثم نشرها في مجلتها بعنوان (انطباعات صائم)، وهي عن رمضان وتقاليده الدينية والاجتماعية وآدابه العامة أثناء أيامه ولياليه (3).
(1) بداية المجتهد ترجمة أحمد لعيمش، الجزائر 1926، 306 صفحات. انظر سابقا (الإنتاج الفقهي).
(2)
المجلة الافريقية 1906، ص 393 - 402. ولعل محمد صوالح هو صاحب هذا العمل.
(3)
محمد قندوز في (مجلة الجمعية الجغرافية) SGAAN، 10 مايو، 1927، ص 523 - 534.