الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إجزائه إلى الأمور الخارجية عنه. وهو يشمل المنطق والحكمة والتصوف مثل المقولات العشر (1).
2 -
ميزان الحق في المنطق: تأليف سليم السمعوني، وهو ابن أخ الشيخ طاهر الجزائري. وكان سليم هذا شاعرا قوميا وجنديا مناضلا ومثقفا عصريا، انضم للقضية العربية، وكان ضحية طغيان جمال باشا حاكم دمشق خلال الحرب الأولى. وقد طبع كتابه على إثر الحرب (2).
3 -
شرح الجمل المجرادية: وضعه عبد القادر المجاوي، وقد سبق إلى شرحه عدد من العلماء، منهم عبد الكريم الفكون. ولكن المجاوي كان يتمتع بقدرة لم تكن لمعاصريه في فهم كتاب (الجمل) وتقديمه إلى طلابه على أكمل وجه. كان كتابا متداولا إذن، ولكنه غير متوفر للجميع، كما أن أسلوبه وأسلوب شراحه القدماء يجعل الرجوع إليه والاستفادة منه أمرا صعبا. وقد عرفنا أن المجاوي المتمرس على التدريس طول حياته كان أولى بوضع شرح على هذا الكتاب وإثراء المكتبة به.
4 -
رسالة في المنطق: تأليف محمد بن أبي شنب. لم تنشر إلا سنة 1928 قيل وفاته بسنة واحدة. وكان ابن أبي شنب من أعيان العلماء في أول هذا القرن، ألف وحقق مجموعة من المؤلفات، فلا غرابة أن يكون عمله في المنطق من آخر ما صدر له.
دراسات حول الإسلام والإصلاح
أدت صلات المسلمين بالعالم الأوروبي، سواء عن طريق الاستعمار أو التأثير التجاري ونحوه، إلى ظهور دراسات تناولت أوضاع المسلمين من وجهة نظر جديدة إلى حد كبير. كما أن النهضة الإسلامية والعربية المتمثلة
(1) إفادة من الشيخ محمد الطاهر التليلي، مراسلة في ديسمبر 1994. و (اتقان الصنع) مطبوع في بيروت، دون تاريخ.
(2)
ط. دمشق 1920. انظر عن سليم السمعوني فصل المشارق والمغارب.
في حركة الجامعة الإسلامية من جهة والقومية العربية (العروبة) من جهة أخرى، قد أدت بدورها إلى بلورة الفكر العربي الإسلامي وإعادة النظر في التراث والبحث عن بدائل. وهكذا بدأ الكتاب والقادة المتنورون ينشرون أفكارهم على المتعلمين من قومهم. وفي ضوء ذلك لا بد من التنويه بكتاب (أقوم المسالك) لخير الدين التونسي الذي ظهر في حدود 1867 وكان له أثر بارز في الجزائر، سيما بعد أن نشرته جريدة (المبشر) مسلسلا (1). وقد نوه به الأمير عبد القادر وحسن بن بريهمات (2)، وألف عبد القادر المجاوي رسالة (إرشاد المتعلمين)(3) بعد ذلك بعشر سنوات.
ومن نتيجة هذا الزخم ظهرت أبحاث وكتب ورسائل عالجت موضوع الإسلام وقابليته للتقدم والنهضة ومسايرة العصر، وموضوع الإصلاح الاجتماعي والديني كالدعوة إلى تجديد دور الزوايا ومناهج التعليم الإسلامية، وتدريس اللغات، وتقليد الغربيين، ونبذ الخرافات والبدع الضارة، ونحو ذلك.
كما ظهر مجتهدون استمدوا حججهم العقلية من التراث نفسه. وانطلقوا في سبيل النهضة. ونذكر من هؤلاء عبد الحميد بن باديس ومالك بن نبي وعبد الرحمن بن الحفاف. وقد كان على هؤلاء أن يوائموا بين تعاليم الدين وحاجات العمر، وأن يواجهوا مشكل التخلف بمختلف مظاهره.
وإليك الآن بعض العناوين التي تمكنا من الحصول عليها. وإذا تيسر لنا فإننا سنذكر أيضا بعض المعلومات عنها:
1 -
حكمة العارف بوجع ينفع: لحمدان بن عثمان خوجة. وهي رسالة ما تزال مخطوطة حسب علمنا، ألفها في اسطانبول، وتناول فيها مسألة
(1) ابتداء من 1868.
(2)
انظر دراستنا، (صدى دعوة خير الدين باشا التونسي في الجزائر) في الجزء الرابع من (أبحاث وآراء) دار الغرب الإسلامي، ط. يروت 1996.
(3)
ظهر سنة 1877 في مصر. انظر لاحقا.
(ليس في الإمكان أبدع مما كان) المنسوبة لأبي حامد الغزالي. ويذهب خوجة إلى تأييد هذه المقولة. وقد ناقش ذلك مناقشة مستفيضة. وحمدان خوجة كان من أعيان مدينة الجزائر عند الاحتلال، ومن التجار والمثقفين أيضا. ومن أسرة متنفذة دينا ودنيا. وحاول جهده في الحصول على إجلاء الفرنسيين عن الجزائر، وحين عجز هاجر إلى اسطانبول حيث توفي حوالي 1845. وله عدة مؤلفات منها (المرآة) الذي ضاع أصله العربي وبقيت طبعته الفرنسية، وكتاب (اتحاف المنصفين) الذي طبعه بالتركية باسم (سنى الاتحاف) وظل أصله العربي مخطوطا إلى أن نشره محمد بن عبد الكريم (1).
2 -
ذكرى العاقل وتنبيه الغافل: ألفه الأمير عبد القادر عندما كان في بروسة، أوائل الخمسينات من القرن الماضي. وقد تناول فيه قضايا العلم والفلسفة والدين والحكمة والكتابة. وكان كتابا أقرب إلى الفلسفة الإسلامية منه إلى الدين والشريعة. وقد ترجم الكتاب إلى الفرنسية أحد المستشرقين الفرنسيين - وهو غوستاف دوقا - سنة 1858. ويبدو أنه كان لنشاط هؤلاء المستشرقين ورجال الكنيسة وربما رجال الماسونية، أثر في تحرير هذا الكتاب. فبعد أن أطلق نابليون الثالث سراح الأمير من السجن، تلألأ اسم الأمير في عالم السياسة والفكر، وأثبت علماء الفرنسيين هذا الاسم (في ديوان العلماء من كل أمة وملة من أهل القرون الماضية)، كما يقول ابنه محمد في تحفة الزائر. وقد كتبوا إليه بذلك.
وكان رد الأمير على هذا التفضل أن كتب لهم رسالة ذكرى العاقل، وقسمها إلى مقدمة وثلاثة أبواب، وفي داخل الأبواب فصول. وقد جعل المقدمة في الحث على النظر والتأمل، ونبذ التقليد وذمه. وهذا من آثار التعمق في فهم الإسلام من جهة وربما من أثر التحدي الأروبي من جهة
(1) عندنا شريط من كتاب (حكمة العارف) عن نسخة أسطانبول. أما المرآة فقد ترجم عن الفرنسية إلى العربية. وأما اتحاف المنصفين، فقد نشر بالجزائر سنة 1968. انظر دراسة ان عبد الكريم عن (حمدان خوجة)، دار الثقافة، بيروت 1972، ص 129.
أخرى. وكان الباب الأول في فضل العلم والعلماء، وتعريف العقل وفضل المدركات العقلية على المدركات الحسية. وأنهى الباب بخاتمة في بيان العلوم المحمودة والعلوم المذمومة. وخصص الباب الثاني لفضل العلم الشرعي. ومن نقاطه إثبات النبوة ومعرفة النبي، وفي المكذبين بالأنبياء والمرسلين. أما الباب الأخير فقد تناول فيه الكتابة وتعددها عند الأمم الأخرى وفي واضعي الكتابة، وفي الحروف العربية، ومن نقاطه حاجة الناس إلى التصنيف والتدوين (1).
3 -
ذكرى ذوي الفضل في مطابقة أركان الإسلام للعقل: ألفه محمد بن عبد القادر (ابن الأمير). وقد سار فيه على منوال كتاب والده السابق. واطلعنا على نسخة منه مطبوعة (2). وعاش محمد النصف الثاني من القرن الماضي، وهو فترة متوترة بين حضارة الشرق والغرب التي أشرنا إليها، وتفاعل معها في بعض كتبه الأخرى، كما سنرى، وكان يسير على هدى أبيه في مجموع آرائه.
وهذا الكتاب يقع في حوالي مائة صفحة (99 صفحة). وقد رتبه على مقدمة وسبعة عقود (وليس فصولا) وتتمة وخاتمة. وقد جعل المقدمة في أسرار وضع الشريعة في العالم. وافتتحها بنص طويل من محيي الدين بن عربي الذي تأثر به الأمير عبد القادر، أخذه من كتاب الفتوحات المكية، وهو نص يتعلق بأمل الأديان الذي قال ابن عربي انه واحد، ولكن الشرائع مختلفة، كما نقل محمد عن والده في (ذكرى العاقل) من كون أصل الدين واحدا والتفاصيل مختلفة، وكون الدين واحدا والأنبياء متعددين مثل مجموعة من الرجال أبوهم واحد وأمهاتهم شتى. وإن تكذيب بعضهم أو جميعهم أو تصديق البعض فقط قصور. ورد محمد على المستشرق (هانوتو) لسوء فهمه مقالة الأمير عبد القادر المترجمة، وهي أن أصحاب الأديان الثلاثة إخوة
(1) تحفة الزائر 2/ 63، وطه الحاجري (جوانب)، ص 48.
(2)
ط. مصر 1327.
يشبهون ثلاثة إخوة من ثلاث أمهات. وأرجع محمد مقالة أبيه تلك إلى سوء ترجمة غوستاف دوقا لنص والده، لأن الأمير إنما أقام مقالته على قول الرسول:» الأنبياء أولاد علات: أبوهم واحد وأمهاتهم شتى «.
وتتبع محمد بعد ذلك موجبات إرسال الرسل وظهور النبؤات وأسرارها، متخذا حججه من القرآن، وأشار إلى ما جاء في التوراة والإنجيل عن الأنبياء وأولاد نوح عليه السلام: سام وحام ويافث. وقد استغرقت المقدمة عدة صفحات (2 - 16).
أما العقود (أو الفصول) فكانت سبعة، وهي تدور حول عدة موضوعات دينية وأخلاقية واجتماعية. أولها: في أسرار بعث الرسل من أهل القرى المتوسطة في الأرض، وفي جنسهم ولسانهم، ثم في سر الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله. وتأتي بعد ذلك عقود في الطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج. وتناول في تتمة الكتاب ما أجمع عليه الأيمة الأربعة في الأركان الإسلامية، وما اتفقوا عليه من العبادات ولكنه خارج عن الأركان كصلاة العيدين وتكبيرة الإحرام. أما الخاتمة فهي في مكارم الأخلاق، ومنها وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم للإمام علي وكذلك لأبي هريرة.
ورغم أن محمد قد أكثر من النقول فإنه حاول أن يتناول الموضوع بطريقة عقلية، وأن يبرهن بطريقة عقلية كذلك. وقد استند في ذلك أيضا. على الفطرة. والخلاصة أن (ذكرى ذوي الفضل) ينطبق عليه ما حاول المؤلف إثباته وهو (مطابقة أركان الإسلام للعقل). وكان نفي ذلك أو إثباته موضوعا شائعا عندئذ طرحه المستشرقون وأجبروا المسلمين على الخوض فيه من جديد منذ عصر المعتزلة (1).
4 -
أنوار اليقين بل السيف المتين (؟) في قطع ألسنة من نقص الأيمة المجتهدين. لقدور بن محمد بن سليمان. وكان هذا من أعيان الصوفية في آخر القرن الماضي. وألف عدة رسائل في هذا الميدان. وهاجر إلى الحجاز.
(1) انتهى منه سنة 1325، وطبعه في القاهرة، سنة 1327 في مطبعة السعادة.
ولا نعرف ما إذا كان (الأيمة المجتهدون) هنا هم رجال التصوف أو رجال العلم الظاهري (1). وقد وضعنا عنوان هذا الكتاب هنا على أساس أن المؤلف يعني أيمة العلم وربما يكون من كتب التصوف.
5 -
حول تدوين علوم الإسلام: مداخلة قدمها القاضي شعيب بن علي الجليلي سنة 1307 (1889) أثناء مؤتمر المستشرقين الذي انعقد بالسويد (استكهولم). وقد وصفه من رآه بأنه تأليف جيد أملاه من حفظه في المؤتمر المذكور. ولم نستطع أن نتوصل إلى نسخة من هذا الأثر (2).
6 -
إقامة البراهين العظام على نفي التعصب الديني عن الإسلام: تأليف محمد بن مصطفى الكمال (خوجة) سنة 1901. وكان هذا الكتاب، كما يدل عنوانه، من وحي الوقت. فقد كثر التهجم على الإسلام والمسلمين، واتهام الإسلام بكونه السبب في تخلف المسلمين وتعصبهم، ولولاه لانساقوا في تيار الحضارة والتقدم، في نظر هؤلاء الخصوم، ولم يكن الكمال هو أول من عالج هذا الموضوع، وإنما كان من الذين شاركوا فيه بحماس وحجة. وكان الكمال متداخلا مع الفرنسيين، يصحح في جريدة المبشر ويدرس في المساجد الرسمية، وكان شاعرا، وكذلك كان تلميذا وفيا للشيخ محمد عبده وأفكاره الإصلاحية.
وفي هذا النطاق ألف (إقامة البراهين). وقد ترجم بعضهم الكتاب في الحال إلى الفرنسية بما مفهومه (التسامح الديني في الإسلام) ونشر مسلسلا في مجلة فرنسية عن الإسلام (3)، وتلقت القنصليات الفرنسية في العالم الإسلامي نسخا، من الكتاب لتوزيعها من أجل الدعاية. وراجعت الكتاب بعض الصحف والمجلات التي تهتم بالموضوع. وذكر أجرون أن الكمال اعتبر الشيخ عبده أستاذه (وعالم علماء الدنيا) وأنه سار على منواله في الدعوة
(1) تعريف الخلف 2/ 330.
(2)
مخطوطة ك 48 في الخزانة العامة - الرباط.
(3)
هي مجلة الإسلام R. de L'Islam 1902 .
إلى التسامح فيما لا يتعارض مع الدين. وملأ الكتاب بالشواهد على كون الإسلام ليس دين تعصب. وقد اعتبر الكمال، مثل الشيخ عبده، الجهاد الحقيقي هو الذي يكون ضد الجهل والفساد، وذهب أجرون أيضا إلى أن الكمال دعا مثل شيخه إلى نوع من المساواة بين الجنسين. وكان ذلك هو الموضوع المفضل عندئذ بين العصريين الذين يحتفلون بالروح الليبرالية للقرآن (1).
وقد توفي محمد الكمال في الخمسين من عمره، وكان غزير العلم متفتح العقل. وقد نشر أعمالا أخرى في هذا المجال سنعرض إليها. ومن ذلك رسالة السيوطي (الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض). ولعلها طبعت بعد وفاته (2). وموضوعها يتماشى، كما يدل العنوان، مع قناعته الفكرية.
7 -
أوضح الدلائل في إصلاح الزوايا ببلاد القبائل: تأليف محمد السعيد بن زكرى. وهذا التأليف يدخل في نقد الأوضاع الاجتماعية والتعليمية عندئذ. فقد كانت بلاد الزواوة كثيرة الزوايا، وكانت تقاوم التدخل الفرنسي في شؤونها، وترتب عن ذلك نوع من التقوقع والجمود في برامجها وعقليات شيوخها. وكان ابن زكري من تلاميذ هذه الزوايا حيث قضى سنوات طويلة يتعلم القرآن فقط. وقد انتقد طريقة التعليم الإسلامي التي سادت إلى ذلك الحين ورآها غير مجدية، ودعا إلى التجديد في برامج الزوايا. وقد ذكر بالخصوص زاوية سيدي منصور، وتحدث عن شيوخها، ومنهم محمد الطاهر الجنادي والشيخ البوجليلي.
وقد رتب الكتاب على مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وفحوى الرسالة كلها هو التقريب بين الزواويين والفرنسيين بعد أن حدث بينهم ما حدث أثناء ثورة 1871، مما هو من وساوس الشيطان، حسب تعبيره. والشيخ بن ذكرى كان داعية وفاق بين (الفريقين) وقد وضحهما بقوله (وسكان الوطن القبائلي)
(1) أجرون (الجزائريون المسلمون) 2/ 915 وكذلك هامش 1، 2.
(2)
يذكر دبوز (نهضة) 1/ 128 أنها قد طبعت، ولكن دون ذكر السنة.
ورجال الجمهورية الفرنسية. وكان سيسمي رسالته (إرشاد الفريقين إلى ما به إصلاح ذات البين). ويكاد الإنسان يرى أن الشيخ ابن زكري كان موعزا له بكتابة كتابه في وقت كان فيه الفرنسيون يخشون من حدوث ثورة أخرى إذا قامت حرب أوروبية. وقد جاء بالآية التي تقول: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة} . وقال إن الجزائر قد تداولت عليها الدول، وأحدثها هي الدولة الفرنسية، وإذن فلا فائدة من الثورة. ولعل أهم الفصول هو الثالث الذي تحدث فيه عن عمارة الزوايا في نظره (1).
8 -
روح وفلسفة الشريعة الإسلامية: ألفه أبو بكر عبد السلام بن شعيب، وكان كوالده قاضيا ومدرسا بتلمسان. كان من هذه الفئة التي تأثرت بالثقافة الفرنسية والمحافظة مع ذلك على روابطها مع التراث العربي الإسلامي. وقد شارك أبو بكر في عدة مؤتمرات، وألقى عدة بحوث وكتب بعض المقالات حول الموضوع أعلاه، ومنه تدوين الفقه الإسلامي ومسألة العرف بتلمسان. ولكن طموحه، فيما يبدو، كان أكثر من إمكاناته الفكرية. فرغم جهوده لم يؤلف عملي ذا قيمة. ولكن أثره يرجع إلى سمعة والده، وسمعة شيخه وزميله المستشرق ألفريد بيل، وازدواجية لغته وثقافته في فترة ظهور ما أطلق عليه اسم النخبة. ولذلك نميل إلى تعليق الان كريستلو عندما قال عن رسالة (روح وفلسفة الشريعة) إنها تذكر الإنسان بعنوان كتاب مونتسكيو (روح القوانين)، ولكن شتان بين المؤلفين (2).
9 -
علاقة الدين بالفلسفة، بحث لعبد الحليم بن سماية، قدمه سنة 1905 إلى مؤتمر المستشرقين 14 بالجزائر. وكان عبد الحليم معروفا، في الساحة الفكرية منذ آخر القرن الماضي، ربما بشهرة والده علي بن سماية، وقد كان فنانا ومدرسا ومصححا في المبشر. كما أنه اكتسب شهرة بنزول الشيخ عبده في داره سنة 1903 مدة الزيارة التي دامت عشرة أيام. ويفهم من
(1) طبع أوضح الدلائل بالجزائر، 1903.
(2)
ظهرت رسالة أبي بكر، في تلمسان سنة 1904 بالفرنسية. انظر كريستلو (المحاكم الإسلامية)، ص 205.
تعاليق المعاصرين أن عبد الحليم كان له مخطوط تحت العنوان أعلاه، ورأى أن يقدم منه فصلا في المؤتمر، ثم يكون ذلك فرصة لطبع الكتاب على نفقة الحكومة التي كانت تشجع المطبوعات التي تخدم غرضها، ولكن خاب ظن عبد الحليم فقد قيل إن الحكومة لم تكن راضية عما جاء في الكتاب من أفكار (1).
ومهما كان الأمر، فإن الكتاب بقي في المهملات، حسب علمنا. وحتى الفصل الذي قرأه منه لم ينشر أيضا. ولولا تلخيص نقاطه من قبل ابن أبي شنب لما عرفنا محتواه. قدم ابن أبي شنب موضوعات مؤتمر المستشرقين بملخصات أساسية، ومنها بحث زميله ابن سماية. وبناء على ابن أبي شنب ان محتوى الكتاب هو: العلم نوعان علم الأبدان وعلم الروح (العقل Esprit) وما يميز الإنسان عن الحيوان، وثبات الحق رغم من يريد طمسه، والتجريدي تحكمه نفس قواعد الثابت، وللفنون علاقة متينة بالعقيدة، وأهمية التوكل على الله، والحكمة (الفلسفة؟) وتطبيقها على العقائد، والفلسفة ترهن على وجود الخالق. ثم الفرق بين العقل والشعور وعدم دقة الأخير، ووسائل معرفة المجرد، وتاريخ الأنبياء يؤكده التواتر، وتعدد الزوجات، والحجاب عند المرأة المسلمة، وعن الطلاق، وعن الرق، وعن الميراث.
وأعلن ابن سماية للمؤتمرين أنه لا غرض له من تأليف الكتاب سوى البحث عما يسعد الإنسان، ومعرفة أصله وملامحه. وفي مكان آخر ذكر ابن أبي شنب أن ابن سماية قرأ بحثه عن الإسلام كحقيقة مجردة لا تختص بشعب من الشعوب، وذكر ابن سماية خلال ذلك حقيقة المسلم في نصوص أوردها من القرآن والحديث، ومن ملامح الإنسان المسلم عنده: الصدق والإخلاص والمروءة والتواضع والعدل واحترام الجار. وختم ان سماية بحثه بقوله إن
(1) روى ذلك دبوز عن عمر راسم في الرسالة التي تركها مخطوطة بعنوان (تراجم علماء الجزائر). انظر دبوز (نهضة) 1/ 106 - 127.
الإسلام يمكن تلخيصه في الثلاثية المعروفة عندئذ: الحرية والمساواة والأخوة (1).
ومن سوء الحظ أن هذا الكتاب لم يطبع في عهد جونار، ولا نعرف أنه طبع بعد ذلك، رغم أن مؤلفه عاش طويلا بعد تقديمه وشارك في الحياة السياسية والثقافية بجهود معتبرة (2).
10 -
مستقبل الإسلام: لمحمد بن رحال. ليس هذا كتابا ولكنه مشروع كتاب، إنه بحث في حالة المسلمين والإسلام أمام هجمة الغرب والمسيحية. ألقى ابن رحال هذا البحث في مؤتمر المستشرقين في باريس، سنة 1897. ثم نشره في مجلة متخصصة في العلاقات الدبلوماسية (3) وصف ابن رحال حالة النهضة الإسلامية أمام مدفع الحضارة الغربية، كما قال. وأخبر سامعيه وقراءه أن جهل المسلمين جعلهم يردون بقوة وامتعاض ورفض لكل ما جاء من الغرب ولو كان في صالحهم. ودعا أوروبا إلى أن تتدارك الوضع. وتنبأ بأن المسلمين سينهضون لا محالة سواء برضى أوروبا أو عدم رضاها. إن بحث ابن رحال يسير في تيار حركة الجامعة الإسلامية عندئذ. ومن الصدف أن إلقاءه كان في سنة وفاة جمال الدين الافغاني. وكانت دعوة الشيخ محمد عبده قد امتدت إلى تونس والجزائر، وكذلك امتدت آثار السلطان عبد الحميد الثاني في المنطقة، وتجند علماء الفرنسيين لدراسة هذه الظاهرة الإسلامية.
لقد تعرضنا إلى حياة محمد بن رحال في مناسبة أخرى. والواقع أنه كان هنا شديد اللهجة وصريحا أمام الأوروبيين. كان يعرف المناورات منذ
(1) ابن أبي شنب (تقديم أعمال المؤتمر باللغات الإسلامية) في المجلة الافريقية، 1905، ص 323 - 324، 327.
(2)
من ذلك دوره في رفض التجنيد الإجباري، سنة 1911 - 1912، انظر ترجمتنا له.
(3)
مجلة المسائل الدبلوماسية والاستعمارية Q.D.C عدد 12، 1901. انظر عن بحث ابن رحال أيضا فصل (مذاهب وتيارات).
كان والده قاضيا للأمير عبد القادر ثم آغا في نواحي ندرومة. وقد تعلم محمد في المدارس الفرنسية ولكنه لم ينفصل عن المدرسة العربية والطرق الصوفية فظل وفيا لتراث العائلة والإسلام. كان يكتب ويحاضر بالعربية والفرنسية، ومطلعا على أوضاع المسلمين ماضيا وحاضرا، بخلاف الاندماجيين المعاصرين له. ومن أوائل ما نشر محمد ترجمة لموضوع عن السودان الغربي في القرن السادس عشر الميلادي نقلا عن كتاب (نزهة الحادي) للأفراني (1). وتابع ابن رحال حالة التعليم في البلاد العربية، وطالب منذ 1887 بنشر اللغة العربية في الجزائر. ودافع عن حقوق الجزائريين أمام لجنة جول فيري سنة 1892. وقد ظل على مواقفه المتحدية إلى العشرينات من هذا القرن. ولذلك قلنا إن بحثه وإن لم يكن كتابا فهو مشروع يشبه ما عرفناه عن كتاب ابن سماية.
11 -
الدعاية إلى سبيل المؤمنين: تأليف إبراهيم أطفيش. وهو ابن أخ محمد بن يوسف أطفيش الشهير. هاجر إبراهيم إلى تونس تم مصر، وشارك في الحياة السياسية والدينية والفكرية حيثما حل. وأسس الصحافة. وكان صديقا للزعيم الليبي سليمان الباروني. وعاصر أحداثا كبيرة مرت بالعالمين العربي والإسلامي، وشارك في بعضها مثل المؤتمر الإسلامي بالقدس الشريف.
وفي سنة 1923 (1342) نشر كتابه (الدعاية) في مصر حيث كان نزيلا. وهو كتاب في قضايا الوقت التي يتعرض لها العالم الإسلامي، إضافة إلى فوائد العلوم الآتية: التاريخ والجغرافية والفلك والإنشاء (الأدب) والصحافة والصحة، واللغات الأجنبية، وترجم فيه لعلماء أمثال الثميني وأطفيش، وابن مسكويه. وعالج فيه موضوع التقليد والتجديد. وقد أهدي كتابه إلى روح عمه المذكور، معتبرا إياه من المجتهدين. وحمل إبراهيم على
(1) في نشرة الجمعية الجغرافية لمنطقة وهران، 7/ 1887. انظر عنه عبد القادر جغلول (عناصر ثقافية) ص 51. وكذلك كريستلو (المحاكم)، ص 245. وفي الجزء الخامس من آثار الشيخ محمد البشير الإبراهيمي إلى تأثير محمد بن رحال وأشاد به. انظره.
الأدعياء والمفسدين ومن يتذرعون بالدين ويخفون غايات شخصية، ولهم صلات (بالسلطة الاستبدادية). وذكر الأحزاب الإصلاحية التي ظهرت ومن عارضها من الخاملين. وقال ان (وطننا أصيب منذ أمد ببعض الحائرين، فجروا عليه الغباوة والجهالة. ولكن أشخاصا، تصدوا لذلك ونادوا بالنهضة والعلم وخدمة الدين).
يتلخص الكتاب في كونه دعوة إلى الإصلاح وإلى الدين الصحيح في نظره. وإلى العمل من أجل ذلك، والمحافظة على ثوابت الدين. وإحياء ما اندرس من المبادئ ورفض الاستكانة والجمود والدعوة إلى مجاراة العاملين من الأمم. وقال إن الفلسفة جيدة في حد ذاتها وانها هي التأمل في آيات الله ولا تعني، كما يفهم البعض، سوء العقيدة في الدين والإلحاد فيه. واعتبر الفلسفة أقساما: الإلهية وهي العبادات، والسياسية وهي تدبير الأحكام، والمدنية، وهي الأعمال التي يؤديها الإنسان من تجارة وصناعة، ثم أخلاقية وهي النفس وتهذيها. ودعا إبراهيم أطفيش إلى أن يتعلم المفتون والفقهاء شتى العلوم بما فيها الهندسة والكيمياء، لأن كثيرا من المستحضرات تأتي من أوروبا، فإذا أفتوا كانوا على بينة. وفي نظره أن الغربيين أهل جد واجتهاد وعلى المسلمين ألا يقفوا أمامهم مكتوفي الأيدي (1).
12 -
الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير، تأليف محمد السعيد الزاهري (2). وقد بدأ الزاهري حياته الفكرية بالشعر والمقالة. وكان من أبرز
(1) إبراهيم أطفيش (الدعاية إلى سبيل المؤمنين)، القاهرة، المطبعة السلفية 1923، 176 صفحة. وقد تعرض أطفيش إلى رسالة وزعها بعضهم وتضمنت أفكارا غريبة مثل ذم العلوم الفلسفية والعصرية، وذم الأسلوب العصري في التعليم، ومدح الخمول والاستكانة والحكم على رجال النهضة بالضلال، ونحو ذلك من الدعاوى. انظر ص 4 - 12 من ديباجة الكتاب. عن حياة إبراهيم أطفيش انظر محمد ناصر في جريدة (السلام)، الحلقة الأولى 31 يناير 1991. وأيضا كتاب الجزائر لأحمد توفيق المدني، ص 94.
(2)
بعض هذا الكتاب قد نشر في مجلة (الحديقة) المصرية لمحب الدين الخطيرب. =
الكتاب والشعراء خلال العشرينات والثلاثينات ومن أكثرهم غيرة على الوطن والدين، قبل أن تتقلب به ظروف الحياة. ومن بحوثه في الإصلاح والنهضة ومن وحي التبشير (التنصير) الذي كان يقوم به الآباء البيض في الجزائر، كتب الكتاب الذي نحن بصدده. ومحور الكتاب هو التصدي للتبشير الذي كان يمثله في الجزائر جمعية الآباء البيض والأخوات البيضاوات. وقد كشف الزاهري عن وسائل المبشرين والمبشرات، ودعا المسلمين إلى القيام بدور فعال لنشر الإسلام وحماية الشباب، ولا سيما الفتيات. والأمثلة التي ذكرها كانت من واقع الحياة، ولذلك كانت تبدو كأنها قصص اجتماعية (1).
13 -
روح السعادة وسر الشهادة في الحسنى وزيادة: تأليف أحمد بن يحيى الأكحل. وهذا المؤلف كان من الشعراء والكتاب الشباب عند ظهور كتابه، ومن تلاميذ جيل من العلماء على رأسهم المجاوي وابن سماية وكحول. وينتمي أحمد الأكحل حسب الشائع، إلى الأشراف، وكان معتزا بذلك في حينه فكان يذكر عبارة (الحسني) اسمه. وكان معتزا بشيوخه فجعلهم يقرظون كتابه. والكتاب صغير ولكن أفكاره كبيرة. فهو يتناول الدعوة إلى النهضة الإسلامية والعربية بتبني العلوم العصرية والرقي طبقا لتعاليم الإسلام. وفيه دعوة حارة إلى الجزائريين ليستيقظوا مع تمسكهم بالإسلام. ومن محتوى الخمس والعشرين صفحة التي تضمنها: أساس المدنية الحقة، والإسلام والرقي (عبارة حلت محل عبارة التقدم التي طالما رددها الفرنسيون قبل ذلك)، وتقدم الإسلام بالعلم، والثبات والأعمال، والتعليم القويم، والحكمة الدينية (2).
= وربما كان نشره في كتاب على يديها، وكنا نملكه، أما مؤلفه الزاهري فقد اغتيل سنة 1956 بهدف غامض. فهل هو ضحية العروبة أو ضحية المصالية؟.
(1)
انظر مجلة (الحديقة) المجلد 8، ص 192 - 206. وكان الزاهري قد كتب ذلك في تلمسان سنة 1347.
(2)
الجزائر 1925 (1343). ممن قرظه بالشعر والنثر هذه الأسماء: الحفناوي بن الشيخ المدرس بالجامع الأعظم ومؤلف (تعريف الخلف)، وعبد الحليم بن سماية المدرس =
14 -
تمهيد لدراسة الإسلام: تأليف عبد الرحمن بن الحفاف، ظهر الكتاب خلال العشرينات، ودرس فيه المؤلف حياة الرسوله وتطور المدنية الإسلامية، ورد على بعض الشبهات التي كان بعض الغربيين يثيرونها. ونوه به المعاصرون، فقال أحمد توفيق المدني ان الكتاب ظهر في وقت انتشر فيه الزيغ والإلحاد بين الشباب، وتناول فيه المؤلف (مختلف المواضيع الإسلامية التي طالما اتخذها أعداء الإسلام وسائل للطعن فيه
…
ثم بسط القول في المدنية الإسلامية بما يشفي الغليل، وساق شهادات المنصفين من مؤرخي الإفرنج). وقال المدني إن كتاب ابن الحفاف إذا قرأه المسلم المتشكك يزول شكه، وإذا قرأه الشاب الذي لم يطلع على الحقائق يتحصن به ويزداد إيمانا (1). ومن المفهوم أن الكتاب ليس دينيا بالمعنى الضيق، وإنما هو في الحضارة الإسلامية وتاريخها ورجالها وكيف وصلت إلى أوروبا، ومآلها.
والمؤلف من أسرة ابن الحفاف الشهيرة في الجزائر. ولعل والده أو جده هو علي بن الحفاف المفتي، المتوفى سنة 1890 (1307). ومؤلف أحد الكتب في القراءات، وكان على هذا من كتاب الأمير عبد القادر. ولا نعرف الأن الكثير عن حياة مؤلف (تمهيد لدراسة الإسلام). ويفهم من اللغة التي كتب بها أنه من تلاميذ المدارس الفرنسية، وربما كان قد درس في ثانوية الجزائر وكلية الآداب على مجموعة من المستشرقين، وحين شب ونضج أراد أن يصحح ما سمع منهم عن الإسلام وحضارته. وكان له في تراث عائلته وبلاده ما يحصنه ضد الاندماج، كما تحصن محمد بن رحال قبله، وقد وصف محمد بن العابد الجلالي مؤلف (التمهيد) بأنه (العالم البحاثة المطلع) وأنه عالج في كتابه تأثير الحضارة الإسلامية على العالم مستشهدا بآراء العلماء
= بالمدرسة الرسمية (الثعالبية)، وهو شيخ المؤلف، ومحمود كحول الإمام بالجامع الأعظم. ومحمد مصطفى بن المكي بن عزوز، ومحمد بن عبد الرحمن العلمي، ومصطفى فخار، مفتي المدية. عن أحمد الأكحل انظر أيضا كتاب (شعراء الجزائر)، للسنوسي، و (المرآة الجلية) لابن عبد الحكم مجلة (هنا الجزائر).
(1)
أحمد توفيق المدني (تقويم المنصور) السنة 5، 1348، ص 315.
والفلاسفة من كل أمة. ونوه بالكتاب لخلوه من الخرافات والأساطير، ولكونه اكتفى بالضروري ولا سيما بالنسبة لمن لا يعرف إلا الفرنسية (1).
15 -
منابع الحضارة العالمية: تأليف عبد الرحمن الحفاف أيضا. وقد ظهر هذا التأليف بعد الأول بأكثر من ربع قرن. ومنه نفهم أن المؤلف من المتخصصين في الفلسفة وأنه اهتم بدراسة الحضارات العالمية، وبقي يبحث في بقاياها في الحضارات القديمة. وأن من أساتذته الفرنسيين ليون غوتييه أستاذ اللغة والفلسفة في كلية الآداب الجزائر، وكان غوتييه قد اهتم بآثار ابن رشد وابن طفيل وابن سينا وغيرهم من الفلاسفة المسلمين.
وقد خطط ابن الحفاف ليكون كتابه في جزئين. ولكننا لا نعلم إلا الجزء الأول منه الذي صدر سنة 1955. وقد تحدث فيه عن بابل والفنيقيين ومكانة المغرب العربي (شمال افريقية). واختار شعار كتابه مقولة بكون. R Bacon: العلم هو الغاية وهو المصير الأعلى لأحوال الإنسانية. وأهدى كتابه إلى روح غوستاف لوبون مؤلف كتاب (حضارات الشرق القديم)، وكتاب (الحضارة العربية) ثم (حضارة الهند). وتضمن كتاب (المنابع) مدخلا خصصه لتاريخ الحضارات القديمة، مصرية وصينية وغيرهما. ثم تخلص إلى الحضارة العربية مفندا أنها حضارة بدون أصول منطلقة فقط مع الإسلام، وقال ابن الحفاف إن الحضارة العربية ممتدة في اللغة العربية قبل الإسلام وفي اللغات الكلدانية والسريانية والسومرية. وأعلن ابن الحفاف منذ هذا المدخل، أنه باحث عن آثار الحكماء والفلاسفة خدمة للعلم والإنسانية. ومن رأيه أن المكان أو الموقع هو الذي نتج اللغة دون اعتبار لأصل سكانها، واستنتج من ذلك أن مجال اللغة العربية مجال واسع وغير منحصر في الجزيرة العربية كما زعمه البعض.
وتضمن كتاب (المنابع) الفصول الآتية:
(1) محمد بن العابد الجلالي (تقويم الأخلاق)، 1927، ص 175 - 176. ويقع (تمهيد في دراسة الإسلام) في 150 صفحة.
1 -
التاريخ التقريبي لتأسيس بابل.
2 -
عن الزراعة في بابل.
3 -
عن الصناعة فيها.
4 -
عن فن العمارة.
هذا عن القسم الأول من الكتاب. أما القسم الثاني فهو عن تاريخ فينيقيا، وفيه أيضا فصول:
1 -
تاريخ فينيقيا.
2 -
فن العمارة.
3 -
في الصناعة.
4 -
في الملاحة البحرية.
5 -
البوصلة الحرية.
6 -
اكتشاف فنيقيا لأمريكا.
7 -
تأسيس المدن والمراكز الفنيقية.
وأما القسم الثالث من الكتاب فقد خصصه لأصل الزواوة (القبائل)، وفيه أيضا فصول:
الأول: في تاريخهم.
الثاني: في جغرافية الشمال الإفريقي.
الثالث: في اللغة.
والرابع: في الدين.
وخلاصة رأيه تتمثل في إثبات أصالة الحضارات الشرقية - السامية. وقد قال إن الزواوة فنيقيون - ساميون (1).
(1) عبد الرحمن بن الحفاف (منابع الحضارة العالمية)، الجزائر 1955، 115 صفحة بالفرنسية. وعن كتابه (تاريخ الأبجدية) انظر فصل اللغة والأدب.
منذ أوائل هذا القرن ظهرت مؤلفات حول الإصلاح والإسلام الصحيح وإنكار البدع والخرافات. وكان ذلك استجابة لداعي النهضة الإسلامية، والدعوة السلفية. وقد شارك في هذه الحركة عدد من العلماء والكتاب، منهم الرسميون الذين كانوا موظفين في الإدارة الفرنسية، أمثال المجاوي وابن الموهوب والعوامر، ومنهم الأحرار أو المتقربون من الأحرار، أمثال مبارك الميلي وابن باديس وأبو يعلى الزواوي والمولود الزريبي. فلنتتبع الآن بعض هذه الآثار:
16 -
اللمع في نظم البدع (1): لعبد القادر المجاوي. والمجاوي بدأت دعوته الإصلاحية تظهر منذ 1877. حين أصدر رسالته (إرشاد المتعلمين). وهو في اللمع يواصل ذلك التيار في شرحه لقصيدة نظمها تلميذه ابن الموهوب وسماها (المنصفة). ونفس القصيدة قد شطرها إبراهيم بن عامر (العوامر) السوفي ونشر التشطير في جريدة الفاروق، وسمى التشطير (مطالع السعود)(2). ومن ذلك يظهر أن ابن الموهوب هو الذي انطلق في دعوته الإصلاحية بصوت قوي منذ مطلع هذا القرن، ووجد من يدعمه في دعوته سواء في العاصمة أو حتى في الواحات البعيدة مثل وادي سوف.
17 -
بدور الأفهام للمولود الزريبي: تحدثنا عنه في العقائد. ولا نرجع إليه هنا إلا لنقول انه احتوى أيضا على آراء في الإصلاح الإسلامي وتجربة المؤلف في الجزائر - في مسقط رأسه بزريبة الوادي، وفي الأوراس، وباتنة، ثم في العاصمة. وكان قد تأثر غالبا بالحركة الإصلاحية في المشرق، وبما كان يشاهده في الجزائر من تناقضات حيث الأوربيون يعملون نشطين ومسيطرين بينما المسلمون خاملون كسلاء ومغلوبون على أمرهم. فقال إن أصل الطرق، مثل طريقة الجنيد صحيح ولكن الخلفاء هم الذين حرفوها.
(1) الجزائر، 1902.
(2)
جريدة الفاروق عدد 50، 1914. وعنوان التشطير (مطالع السعود في تشطير أدبية الشيخ المولود).
وقال عن الرقص الصوفي وعن الوجد انه جائز في حق بعض الشيوخ الأوائل ولكن لا يجوز تقليدهم من أناس هم في منتهى قواهم العقلية. (وبهذا اغتر أناس فزعموا أن الرقص والصراخ والتصفيق حيث اشتهر من بعض الصوفية فهو جائز لتلامذتهم)(1). واستنكر بعض الممارسات الأخرى لإثبات المحاصة في الأرض العروشية. وكان الزريبي يخطط لوضع رسالة ضد البدع. (كان أملي أن أضع رسالة تتكفل بذلك - البدع -، والله يسعفنا في الأقوال والأفعال). وكان ينوي كذلك إيراد أفكاره الإصلاحية في (قالب هذا الشرح الشريف) ثم عدل عن ذلك، وظل متمسكا بوضع رسالة خاصة. لكننا لا نعلم أنها قد صدرت عنه، رغم أنه وضع انموذجا لها في شكل مقدمة وتمهيد. ولعله تعرض إلى ذلك في شرحه على قدسية الأخضري (2).
18 -
الإسلام الصحيح: لأبي يعلى الزواوي. وهو كتيب طبعه في مطبعة المنار في مصر سنة 1335 بعد رجوعه إلى الجزائر، وجعله في شكل سؤال وجواب. وقال إن بعضهم قد سأله أن يضع مثل هذا الكتيب في (الإسلام الصحيح على قواعده الأصلية، المتفق عليها لا المختلف فيها، من غير التزام ما لا يلزم، مما أحدثه بعض القوم، ومن غير اعتماد مذهب دون مذهب، إذ المذاهب كلها محدثة، وبالأخص الأربعة المرضية). والإسلام الصحيح إذن مجموعة من آراء الزواوي في علم الكلام والنبوة وأخبار الرسول صلى الله عليه وسلم، والقرآن، والإجماع، وأركان الإسلام وغير ذلك من شؤون الحياة وعلاقتها بالإسلام في عصر المؤلف. والزواوي يعلن عن موقفه صراحة في الحجاب والتصوف والأخلاق (3).
وكان الزواوي قد تولى الخطابة والإمامة في جامع سيدي رمضان
(1) انظر عن ذلك أيضا كتاب الشيخ أبي القاسم طعيوج في فقرة التصوف.
(2)
الزريبي (بدور الأفهام)، ص 16، 25، 30، 173 - 177. انظر أيضا (شعراء الجزائر) فقد ذكر له السنوسي شرحا على قدسية الأخضري وغيرها. وقد كتبنا عنه بحثا.
(3)
راجع الكتاب عبد القادر المغربي - صديق الزواوي، وعضو المجمع العلمي بدمشق - في مجلة المجمع المذكور.
بالعاصمة بعد رجوعه من إقامته الطويلة في سورية ومصر. والظاهر أن ثمن طبع الكتاب قد ساهم فيه أحد أثرياء العاصمة وهو محمد (مماد) المانصالي الذي يوجد اسمه في أول الكتاب. وقد ألف الزواوي كتبا صغيرة الحجم تذهب كلها هذا المذهب، وتساند الإصلاح وتدعو إلى تطهير الدين الإسلامي من الشوائب والبدع. منها:
19 -
جماعة المسلمين: وكانت إقامة الزواوي بالجزائر قد طالت وتعرف على مشاكلها وضم ذلك إلى رصيده، في أحوال العالم الإسلامي. وفي نظره أن (جماعة المسلمين) هي الوحيدة الباقية للإسلام بعد إلغاء الخلافة وفقدان شروط القضاء. ونفهم من تقديمه لهذا الكتاب أنه كتب عملا موسعا في هذا الموضوع، ثم اختصره. ولذلك فإننا لا نملك إلا المطبوع منه، وهو في حجم صغير أيضا (1). وربما تكون بعض الكتب التي سنشير إليها ما هي في الواقع إلا فصول وأبحاث في هذا الصدد، نعني مما كتبه حول جماعة المسلمين المطول.
هاجم الزواوي في كتابه هذا دولة الموحدين لعقيدتها في المهدوية (فكرة الإيمان بالمهدي المنتظر التي بثها ابن تومرت). وذكر الزواوي أن عبارة (الحمد لله وحده) التي نبدأ بها الآن كتاباتنا موروثة عن الموحدين. وقد شبه رسالته في جماعة المسلمين برسالة ابن أبي زيد القيرواني في الفقه، ورسالة التوحيد للشيخ محمد عبده، ورسالة القشيري في التصوف. والواقع أن الزواوي كثيرا ما يخرج عن الموضوع إلى نقد السلطة الفرنسية وتسلطها على شؤون الإسلام في الجزائر وإهمالها لأمور التعليم العربي والدين والقضاء والحسبة. وفيه آراء شخصية هامة حول أوضاع الجزائريين في مختلف العهود، ومحاولات فرنسا التفريقية داخل الجزائر. ومن ذلك أن الفرنسيين أقاموا (المكاتب العربية) لكي تكون هي البلديات التي يحكم الفرنسيون من خلالها الشعب الجزائري، ثم ألغوها - بعد 1870 - وأحلوا
(1) ط. الإرادة (تونس)، 1948 (1367)، 75 صفحة. وعليه تقريظ للعقبي.
محلها المدارس الفرنسية في نواحي زواوة لأنها إلزامية. وذكر أن الناس قد هاجروا إلى العاصمة وهم لا يعرفون سوى الفرنسية، وقد حاول هو تقريعهم ولكن بدون جدوى. وأخبرنا أن أهل زواوة قد نادوا بتعلم العربية والخضوع للقضاء الإسلامي ومنافسة المدارس الفرنسية وتوريث الإناث، ونحو ذلك خلافا لما كانت تريده منهم السلطات الفرنسية.
أعجب الزواوي بعمله في جماعة المسلمين، رغم اختصاره، وقال إنه:(لم أسبق إليه، وأنا أبو عذره، وأنا لم أقف على أن أحدا من الإخوان الكرام الكاتبين في العالم العربي الإسلامي كافة أو في وطننا الجزائر خاصة طرقه أو كتب فيه). وقد دعا الزواوي إلى إقامة هذه الجماعة الإسلامية لكي تقوم بما قامت به القلة من الصحابة الذين اجتمعوا بعد وفاة الرسول، وأكد أن الموقف يقتضي منهم ذلك. وقد كشف الطيب العقبي في تقريظه لجماعة المسلمين أنه اطلع على الأصل المطول الذي لخص منه الزواوي رسالته. وخلاصة رأي الزواوي: أن تختار كل جماعة إسلامية في كل حي أو قرية إماما تتوفر فيه شروط الإمامة، وهي كونه ذكرا مسلما عاقلا بالغا. عارفا بما لا تصح الصلاة إلا به. وبذلك يؤلفون وحدات قيادية، ما دام الإمام العام (الخليفة) غير متوفر. ولكن الزواوي لم يقل ماذا يفعل أيمة المسلمين إذا تناقضت أحكامهم مع أحكام السلطة القائمة، وهي ليست منهم. ورفع الزواوي شعاره (لا حياة لأمة مات لسانها). داعيا إلى ضرورة تعلم اللغة العربية والقرآن مستدلا بقول الإمام الشافعي في وجوب تعلمها لأنها مما يتوصل به إلى واجب، والقاعدة أن ما يتوصل به إلى واجب فهو واجب.
20 -
فصول في الإصلاح: للزواوي أيضا. جاء في كتابه (الخطب) أن له عدة مؤلفات منها (فصول في الإصلاح). كما ذكره في (تاريخ الزواوة) المطبوع في دمشق سنة 1924. ومن ذلك ندرك أن فصوله قديمة، وربما كتبها عندما كان في المشرق. وجاء في صفحة 65 من تاريخ الزواوة قوله عن الإصلاح: اكتفي هنا بما حررته في كتابي الإصلاح حين كلامي على زوايا الجزائر عموما وعلى زوايا الزواوة خصوصا. وفي هذا الكلام أورد الزواوي
آراء في الإصلاح حقا، ومنها تقليد أوروبا في الأمور التي ليست من جوهر الدين. واستشهد في ذلك بآراء جاء بها زميله عبدالقادر المغربي عن الإصلاح الإسلامي (1).
وللزواوي مؤلفات أخرى لم نطلع عليها ولم نعرف عنها سوى ما ذكره هو في (الخطب) من كونها من (تآليفه) ومن ذلك:
21 -
الخلافة قرشية. ونفهم منه أنه على رأي عبد الرحمن الكواكبي (ومعظم الأيمة الأولين) في جعل الخلافة الإسلامية عربية وفي قريش. وعلى المرء أن يرجع إلى المخطوط نفسه ليعرف بالضبط حقيقة رأيه ومستنداته. ولا نظن أن هذا الكتاب قد طبع إلى الآن.
22 -
رسالة الشرك ومظاهره: لمبارك الميلي الهلالي. وهي كتاب في أصول الإصلاح الاجتماعي والعقائدي. وتعتبر مصدرا أساسيا لمعرفة الاهتمام الذي بنت عليه جمعية العلماء حركتها الإصلاحية، والذي قامت عليه الدعوة الإصلاحية في المشرق أيضا منذ ابن تيمية والشوكاني ثم محمد عبده. يقول الشيخ العربي التبسي الذي أجاز (رسالة الشرك) باسم المجلس الإداري لجمعية العلماء: إن ما اشتملت عليه رسالة الشرك ومظاهره
…
هو عين السنة، وإن هذه الرسالة تعد من الكتب المؤلفة في نشر وردع البدع. ولذلك قرر المجلس الإداري بالإجماع (أحقية ما اشتملت عليه هذه الرسالة العلمية المفيدة، ويوافق المجلس مؤلفها على ما فيها ويدعو المسلمين إلى دراستها والعمل بها فيها، فإنه العمل بالدين)(2).
وبالإضافة إلى ذلك قرظ الشاعر محمد العيد رسالة الشرك بقصيدة معبرة مطلعها:
(1) تاريخ الزواوة، ص 62 - 86. وكان المغربي قد نشر آراءه في جريدة (المؤيد) المصرية عدد 24 ذي الحجة، 1327. ويسميه الزواوي (محبنا).
(2)
رسالة الشرك ومظاهره، ط. 2، بيروت 1966 (مكتبة النهضة الجزائرية)، ص 6. ظهرت ط. 1. سنة 1937.
شراع الالة الدين للأتباع
…
ودعا إليه الخلق بالإقناع (1)
اعتمد الميلي على مصادر عديدة ذكر بعضها في بداية الكتاب حين قال انه اطلع على عدد من المصادر أثناء الطبع، بعد أن كان قد نشر كتابه فصولا في البصائر. وذهب إلى أنه لم يطلع من قبل على كتاب مؤلف على النسق الذي ألف به هو كتابه والغرض الذي وضعه من أجله. وبعد الانتهاء من الكتابة أهدي إليه كتاب (صيانة الإنسان) فوجد فيه نبذة منقولة عن (تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد) تأليف محمد بن إسماعيل الصنعاني، وفي هذا الكتاب بعض من كتاب (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) لمحمد بن علي الشوكاني. فوجد الميلي الكتابين الأخيرين في موضوع رسالة الشرك، وقال انه لم يكن قد اطلع عليهما قبل تحرير مقالاته ونشرها في البصائر. والمعروف أن الميلي رجع إلى المقالات وهذبها ونقحها قبل الإقدام على طبعها في كتاب. كما أنه اتصل قبل طبع رسالته بكتاب (فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد) هدية بعث بها إليه السيد محمد نصيف من جدة. والكتاب الأخير ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد استفاد منه الميلي فوائد قال انه ألحقها بمكانها من رسالته (2). وفي آخر رسالة الشرك بالمراجع والمصادر، وهي مقسمة إلى كتب اللغة وآدابها، وكتب الحديث ورجاله. وعدد هذه القائمة 28 مرجعا. ومن التفاسير نجد: تفسير الثعالبي، وتفسير المنار، وفتح القدير للشوكاني، وكذلك تفاسير الرازي والقرطبي والزمخشري والسيوطي. أما الحديث فنجد موطأ الإمام مالك وبعض شروحه.
تناول الميلي في كتابه موضوعات عديدة كلها تدور حول حاجة الشعب والعصر إلى الإصلاح، وضرورة العمل بالكتاب والسنة والابتعاد عن البدع
(1) وقد وصفه الميلي بشاعر الجزائر الفتاة و (حسان) الدعوة الإصلاحية وكميت الفرقة الناجية، انظر رسالة الشرك، ص 9 - 10.
(2)
رسالة الشرك، ص 15.
والخرافات الدخيلة في نظره على الدين الإسلامي. وهكذا أقام دعوته على التوحيد الذي ابتعد عنه المسلمون رغم أن الإسلام قام على أساسه، وعلى اجتناب الشرك كاستعمال الوسائط والعقائد الضارة التي نهى الإسلام عنها. والميلي كان يؤمن بالتجديد الإسلامي ودور العلماء في بعث العمل بالقرآن والسنة النبوية. وهو يؤمن بالحديث الذي رواه البخاري:(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).
ويتلخص محتوى رسالة الشرك في عدة عناوين نجدها مفصلة في داخل الرسالة أكثر مما هي مفصلة في صفحة المحتوى. فهناك عدة عناوين تدور كلها حول الشرك: بيانه، ومظاهره في القرآن، والأحاديث، والشرك لدى القدماء، وأنواع العبادات والتصرفات والكرامات والولايات، وما يتعلق بعلم الغيب والكهانة والسحر وما إليها. وكذلك أنواع البدع والتصوف وألقاب المتصوفة كالقطب والبدل، ثم الخرقة والشيخ والميثاق، وغيرها. وقد نبه إلى طريقة سلب الأموال من عند الناس والزيارات، وبعض الممارسات المؤثرة سلبا على العامة كالزردات. وختم الرسالة بالحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو شعار المصلحين في مختلف العصور، ولا سيما في عصر الميلي، وقد نوه الميلي بقصيدة الشيخ الطيب العقبي التي نشرها في جريدة (المنتقد) تحت عنوان (إلى الدين الخالص) واعتبرها بيانا واضحا لما يدعو إليه وحربا على (حكومة القطب) أو رجال التصوف المنحرفين، وهم من سماهم جماعة (ديوان الصالحين).
وكانت صحيفة (المنتقد) هي التي شنت منذ 1924 هذه الحرب ضد المذكورين. وقد نشر فيها الميلي نفسه مقالة تحت عنوان (العقل الجزائري في خطر) وذلك في العدد السادس من الجريدة. ويبدو أن الدوائر الاستعمارية قد استاءت من المقالة (1). أما قصيدة العقبي المذكورة فقد نشرها في العدد الثامن من الجريدة واعتبرها الميلي (أول معول مؤثر في هيكل المقدسات
(1) رسالة الشرك، ص 284.
الطرقية). ولا يعلم مبلغ ما تحمله هذه القصيدة من الجرأة، ومبلغ ما حدث عنها من انفعال الطرقية، إلا من عرف العصر الذي نشرت فيه وحالته في الجمود، (والتقديس لكل خرافة في الوجود). وقد أوردها الميلي كاملة في كتابه، كما ذكرنا. ومطلعها:
ماتت السنة في هذي البلاد
…
قبر العلم وساد الجهل ساد (1)
انتقد الميلي الطرق الصوفية على تفننهم في وضع الإسناد لكي يربطوا طرقهم الصوفية بكبار الزهاد، ولو كان فيها الضلال، ورأى أن الشيخ أحمد بن سالم التجاني قد (اختصر الإسناد وادعى أنه تلقى طريقته من خاتم الأنبياء من غير واسطة لا ويذكر أتباع التجانية أن (يوم النظرة) عندهم هو اليوم الذي (وقف فيه الشيخ التجاني بعد أن جمع أحبابه على ربوة قرب عين ماضي ووضع على رأسه قطعة ذهبية لكي يرى من بعيد، ونادى في الجموع بضمان الجنة لمن رآه سبعة أجيال)(2). أما الحنصالية فقد أباح لهم شيخهم الملاهي وتمتيع أنفسهم بما تشتهي (3). وقد أورد أمثلة مما روى أو شاع عن بعض أهل التصوف في وقته، مثل الطيب بن الحملاوي والحسين القشي والعربي بن حافظ.
وهكذا فإن رسالة الشرك تعتبر دراسة لوصف حالة الإصلاح والمصلحين وحالة المرابطة والمرابطين في مرحلة معينة من تاريخ التخلف الفكري في الجزائر وفي العالم الإسلامي. وكان المؤلف يمثل صوت جمعية العلماء الإصلاحية، وكان قد تولى إدارة جريدتها وشارك في تحرير جرائدها الأخرى وفي التعليم بمدارسها، وكذلك شارك في كتابة التاريخ الوطني والدفاع عن هوية الجزائر العربية - الإسلامية ضد المسخ الذي خططت له
(1) نفس المصدر، ص 284 - 288، انظر أيضا محمد الهادي السنوسي (شعراء الجزائر في العصر الحاضر). ترجمة الشيخ الطيب العقبي.
(2)
رسالة الشرك، ص 267، 277.
(3)
نفس المصدر، ص 280.