المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌الفصل الأولالعلوم الدينية

- ‌تمهيد

- ‌التفسير والدراسات القرآنية

- ‌القراءات ورسم القرآن

- ‌الحديث الشريف

- ‌الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌الفقه والأصول

- ‌في القضاء والأحكام

- ‌الردود والاعتراضات

- ‌مسألة تدوين الفقه الإسلامي

- ‌جهود أخرى في الفقه لبعض الجزائريين والمستشرقين

- ‌الفصل الثانيالعلوم الاجتماعية

- ‌المؤلفات الصوفية

- ‌في علم الكلام والمنطق

- ‌دراسات حول الإسلام والإصلاح

- ‌حول المرأة

- ‌موضوعات أخرى مختلفة

- ‌ظهور مالك بن بني

- ‌الفصل الثالثالعلوم التجريبية

- ‌الطب والتقاليد

- ‌ممارسات طبية في الأوراس

- ‌الطب السحري والخرافي

- ‌بعض المؤلفات في الطب والصحة

- ‌بعض التراجم

- ‌مدرسة الطب

- ‌الفلك

- ‌في الحساب والفرائض

- ‌علوم أخرى

- ‌مدرسة العلوم

- ‌الفصل الرابعالتاريخ والتراجم والرحلات

- ‌مفهوم التاريخ وتعريفاته

- ‌سيرة نبوية وتواريخ عامة

- ‌الأنساب والأشراف

- ‌تواريخ محلية (شرق البلاد)

- ‌تواريخ محلية (الغرب)

- ‌تواريخ محلية (الجنوب)

- ‌تاريخ الجزائر عموما

- ‌في التراجم والمناقب

- ‌المذكرات

- ‌الرحلات

- ‌المحتوى

الفصل: ‌تواريخ محلية (الغرب)

لصحراء الجزائر (1). والشيخ العروسي من علماء ومقدمي الزاوية التجانية في قمار وتماسين. وتوفي حوالي 1925. وكان الشيخ إبراهيم العوامر قد استفاد من المخدرة ونقل منها في كتابه الصروف في تاريخ سوف.

‌تواريخ محلية (الغرب)

نتبع في هذه الفقرة نفس الطريقة التي اتبعناها في الفقرة السابقة، فندرس تواريخ الناحية الغربية أو ولاية وهران القديمة وجزءا من ولاية الجزائر. ويبدو لنا من المؤلفات وأهلها أن هذه الناحية قد حظيت أكثر من الناحية الشرقية بمؤلفات هامة ومتعددة، فلماذا؟ هل كان للمقاومة الطويلة في الغرب دخل في ذلك؟ أو هل هناك دخل لحالة العلم والتصوف المنتشرة عندئذ بكثرة وصعود عدد من رجال العلم والدين إلى السلطة في عهد الأمير؟ ليس لدينا جواب واحد في ذلك. والملاحظ أن حركة التأليف قد استمرت طيلة القرن تقريبا، فمن مؤلفات مسلم بن عبد القادر وحسين خوجة في البداية إلى مؤلفات المزاري والشقراني والمشرفي والزياني في حوالي الثمانينات. ونلاحظ أيضا أن بعض المدن لم تحظ بمؤلفات، رغم شهرتها السابقة بالعلم والمكتبات، مثل تلمسان ومليانة ومعسكر ومستغانم ومازونة.

ومهما كان الأمر، فإن التأليف في الناحية الغربية خضع أيضا لنفس الظاهرة التي سادت في الناحية الشرقية، ونعني بذلك الاستجابة لطلب ضباط المكاتب العربية والمستشرقين الفرنسيين كتابة تواريخ وصفية من أهل العلم والقضاء والأعيان في الناحية. إن أشخاصا مثل ايسترهازي الذي كتب مبكرا تاريخ الناحية الغربية في العهد العثماني، وبروسلار الذي كتب عن الآثار العربية في تلمسان، والأب بارجيس الذي اهتم بتاريخ تلمسان في العهد الزياني بالخصوص، كانوا فى الحقيقة معتمدين على متعلمين جزائريين

(1) مراسلة من الشيخ محمد الطاهر التليلي، يوليو 1995. وللشيخ التليلي نفسه تقاييد عديدة في حوادث سوف وتاريخه ورجاله. وعمره الآن 87 سنة.

ص: 356

يكتبون لهم الخطوط العريضة ويبصرونهم بالتواريخ والأحداث البارزة، ثم يأخذون هم في الغربلة والتصفية والمقارنة ويحتكمون أيضا إلى الوثائق الفرنسية والإسبانة، وإلى خيالهم أحيانا بما يتفق وأهدافهم ومصالحهم في الجزائر، ثم يخرجون على الناس ببعض المؤلفات التي توحي بأنها جميعا من صنعهم الخاص. وننبه إلى أن بعض ما كان يكتبه الجزائريون للفرنسيين كان مجهول المؤلف تماما، كما حدث للتقييد المعروف باسم (إتمام الوطر في التعريف بمن اشتهر)، وأحيانا يكتفي الفرنسيون بقولهم (تأليف أهلي). وكانت بعض التقاييد تكتب تحت الإلحاح والحاجة من الطرفين: الفرنسي يحتاج المادة التاريخية، والجزائري: يحتاج الوظيف والزلفى.

ونلاحظ أنه وقع العبث ببعض المؤلفات التي كان أصحابها معروفون. فيقع تغييب الاسم ويبقى المؤلف مجهولا. وهناك عبث آخر، وهو نزع الصفحات الكاملة من المؤلفات المعروفة، كما حدث لسيرة مؤلف كتاب (طلوع سعد السعود). وقد وجدنا حوالي عشرين صفحة منزوعة من كتاب (القول الأوسط) للشقراني. وقس على ذلك. إن هناك تدميرا مستمرا لحركة التأليف، ولا سيما إذا كان فيها تعريض بما ارتكبه الفرنسيون في الجزائر من ذنوب. وهذه الظاهرة لا نكاد نجدها في المؤلفات التي تعاملت مع تاريخ قسنطينة.

فإذا عرفت ذلك، فلنشرع في ذكر المؤلفات وأصحابها بقدر ما نملك عنها من معلومات:

1 -

أنيس السهران ودليل الحيران، لمسلم بن عبد القادر الحميري. وهذا المؤلف كان من أعيان الكتاب والإداريين في وهران. وكان لقبه باش دفتر (كبير الكتاب) في الإدارة المخزنية. وكتابه جامع وكبير، ولكن ما بقي منه ليس جامعا ولا كبيرا. وقد توفي مسلم في أوائل الاحتلال (1249) سنة 1833. وبقي كتابه متداولا بين أيدي الضباط والمستشرقين الفرنسيين فترة

ص: 357

طويلة قبل أن يقوم المستشرق أدريان ديلبيش سنة 1874 بترجمته ونشره (1). ومحتوى الموجود من الكتاب يدور حول آخر بايات وهران وما وقع في عهدهم من الحوادث. ووقت تأليفه هو سنة 1814، ولكن يبدو أنه أضاف إليه أمورا بعد الاحتلال أيضا، لأننا نجد فيه تاريخا آخر وهو 1832. ولو عثر الباحثون على كل أنيس السهران لكان فيه فائدة عظيمة لمعرفة صاحبه بالأخبار والوثائق.

وقد ذكر المهدي البوعبدلي أن لمسلم بن عبد القادر كتابا آخر لم يذكر موضوعه، مما جعلنا نظن أنه قد يكون هو نفس التأليف. يقول البوعبدلي إن الكتاب الآخر كان بخط محمود بن حواء، ويرجع نسخه إلى سنة 1232 (قبل الاحتلال باثنتي عشرة سنة)، وعليه تقريظ من الشيخ أحمد بن الطاهر، قاضي أرزيو وشيخ الأمير عبد القادر. وأضاف الشيخ المهدي أن هذا الكتاب كان موجودا بالمكتبة الوطنية الجزائرية برقم 893 (2).

2 -

در الأعيان، تأليف آخر لأحد الخوجات أو كتاب المخزن في وهران أيام الحكم العثماني، والمؤلف هو حسين بن أحمد خوجة بن الشريف. وكان والد المؤلف (أحمد خوجة) أيضا من أعيان الكتاب، وأصل العائلة من مستغانم. وقد انتصب أحمد أيضا للتدريس في جامع وهران. وكان الأمير عبد القادر من تلاميذه هناك أثناء إقامة الأمير الجبرية مع والده في وهران على عهد الباي حسن بن موسى، وهو آخر البايات. ويبدو من اللقب (خوجة) أن العائلة قد تكون كرغلية، وقد تكون اكتسبت هذا التلقيب (الخوجة) بالوظيف.

(1) أدريان ديلبيش (المجلة الإفريية)، 1874. كما حقق رابح بونار منه الخاتمة فقط ونشره سنة 1974. وقد دفن مسلم بن عبد القادر في بلدة تارقة بمكان يعرف بسيدي المسعود. ويبدو أن بقية الكتاب قد ضاعت.

(2)

المهدي البوعبدلي (دليل الحيران)، ص 3، 45، وهامش 43 ص 49. والمعروف أن قاضي أرزيو المذكور قد حكم عليه بالإعدام ونفذ فيه لاتهامه بالتعامل مع الفرنسيين.

ص: 358

أما الابن، حسين خوجة، فهو الذي عاصر الاحتلال الفرنسي. ولا شك أنه كان من الذين خرجوا من وهران أثناء غزوها في شتاء 1830 - 1831، إذ تثبت الأحداث أنه لم يبق بوهران عندئذ سوى حوالي 300 من اليهود والعجزة. فهل التحق حسين خوجة بمستغانم موطن أهله، والتي احتلت بعد ذلك بقليل؟ إن ما يهمنا هنا هو أن حسين خوجة قد يكون ألف كتابه بطلب من أحد الفرنسيين أيضا. وقد يكون ألفه من وحي ظروف الاحتلال بعد أن توقف عن نشاطه الإداري ولازم بيته. ولا شك أن له من الوثائق العائلية والإدارية والقضائية ما يؤلف منه كتابا هاما. ولكن كتابه، مع ذلك، يعتبر مفقودا. وربما عبثت به الأيدي الفرنسية، كما ذكرنا، فأخذ منه مؤلفو الفرنسيين ما أرادوا ثم غيبوه، لأنه يستبعد أن يكون قد تلف تماما، وربما أخذه أحدهم إلى فرنسا وبقي في أوراقه الخاصة. ولكن البوعبدلي يخبرنا أن كلا من الزياني والمزاري قد أخذ من كتاب (در الأعيان)، ثم يقول إنه لا يظن أن الكتاب موجود (1). فإذا كان الأمر كذلك فالكتاب ظل موجودا إلى سنوات الثمانين من القرن الماضي. ونفهم من الشيخ البوعبدلي أن مسلم بن عبد القادر الحميري قد تولى الكتابة بعد حسين خوجة، فحين وقع الاحتلال كان المباشر للكتابة المخزنية في وهران هو مسلم وليس حسين خوجة.

3 -

حملة الباي على شلالة من المعروف أن الباي محمد الكبير، باي معسكر ثم وهران، في العهد العثماني، قد حظي بعدة تآليف تحدثنا عنها في الجزء الثاني، ومنها رحلة هذا الباي إلى الجنوب - نحو الأغواط وعين ماضي وشلالة - وإذا شئت سميتها حملته على هذه المنطقة وإخضاعها لسلطته. وقد سجل ذلك كاتبه أحمد بن هطال الذي توفي في إحدى المعارك بين الدرقاويين والباي مصطفى المنزالي (2). ولا يهمنا الآن عمل ابن هطال لأنه كتب قبل العهد الذي ندرسه، ولكن يهمنا ما ألفه كاتب مغمور حتى الآن، واسمه محمد بن

(1) البوعبدلي (دليل الحيران)، هامش 44، ص 49. أيضا رسالة بعث بها إلى بتاريخ 10 - 10 - 1979.

(2)

بالإضافة إلى عملنا في الجزء الثاني انظر (دليل الحيران) بتحقيق البوعبدلي، المقدمة.

ص: 359

بلقاسم الزاوي، وعنوان عمله شبيه بعمل ابن هطال، وهو حملة الباي محمد الكبير على شلالة. ولا ندري إن كان العنوان من وضع المؤلف أو المترجم لويس برينييه. وكان السجع هو الغالب على العناوين العربية عندئذ. ونحن لم نطلع على الأصل العربي لنصفه، ولذلك سنعتمد على الترجمة المذكورة فقط.

يفهم من هذه الترجمة أن التأليف وقع بعد الاحتلال، أي سنة 1255 (1839). والغالب أن الزاوي ألف ما ألف بطلب من أحد ضباط المكاتب العربية، رغم أن شلالة في تلك الفترة (1839) ما تزال خارج نطاق الاحتلال. ولكن هل كان المؤلف يعيش في شلالة عندئذ أو في إحدى المدن المحتلة؟ إن بريييه يؤكد أن التأليف يتضمن المعارك التي خاضها الباي المذكور وجنوده ضد سكان شلالة الظهرانية (الشمالية). وفي ذلك تأكيد على أن الفرنسيين يريدون أن يعرفوا ويفخموا مشاعر الناس ضد (الحكم التركي) الظالم الجائر بالمقارنة إلى الفرنسي العادل المحسن (؟). ولكن برينييه لم يعجبه من الكتاب شيء سوى محتواه التاريخي، أما مؤلفه فقد وصفه بأنه شخص غير معتاد على نقل الأفكار شأن معظم العرب (؟)، حسب تعبيره. وقال عن ملاحظاته إنها ساذجة، وإن تراكيبه متواصلة وغير مفصولة الجمل، وإن أسلوبه مهلهل. أما التعاليق والفواصل ونحوها من تقنيات الكتابة فالمؤلف غريب عنها، حسب المترجم برينييه (1).

(1) لويس برينييه (حملة الباي محمد الكبير على شلالة) في (المجلة الإفريقية)، 1860، ص 175 - 186. ويفهم من هذا أن عدد الصفحات حوالي أحد عشر صفحة في الترجمة. فهل الأصل العربي كذلك أو هو مختصر؟ ومهما كان الأمر فهو يدخل فيما نسميه (تقييد) وليس كتابا. أما برينييه فهو الذي تولى حلقة الدراسات العربية سنة 1836 في الجزائر وظل على رأسها إلى وفاته سنة 1869. وقد ترجمنا له في فصل الاستشراق. وفي تعليق للمحرر بالمجلة الإفريقية بنفس المصدر، أن الضابط ديليني الذي تولى المكتب العربي بمعسكر، قد نشر (رحلة الباي محمد الكبير على شلالة) في جريدة (المونيتور الجزائري) في أعداد 5، 10، 15، 20 من فبراير 1847. وقال المحرر إن النصين مختلفان، رغم أنهما عن نفس الموضوع، فهل ما نشره ديليني غير النص الذي كتبه محمد الزاوي وترجمه برينييه؟.

ص: 360

4 -

طرس الأخبار، لأبي حامد العربي المشرفي. وهذا أحد المؤلفات الهامة التي تجمع أخبار الاحتلال ودولة الأمير عبد القادر وما أحاط ذلك من علاقات داخلية ودولية. والمشرفي من الجيل المخضرم الذي حضر الاحتلال وتكوين دولة الأمير، ثم هاجر إلى المغرب بعد الاستيلاء على معسكر وواقعة الزمالة (1843). وقد رجع إلى الجزائر حوالي 1849، ثم جاءها عابر سبيل بعد سنوات طويلة (1877). ولكن كتابه ألفه بعد هجرته الأولى، وفيه تعريض كبير بتصرفات الأمير وكونه قد تأثر (بأهل دائرته الفجار)، حسب تعبير المشرفي. ورغم أنه من قوم الأمير ومن أنصاره الأولين فإنه قد تأثر من بعض مواقفه التي رآها منافية للعدل، فاختار الهجرة. هذا رأيه الشخصي ورأي عدد من الجزائريين أمثاله عندئذ. وقد رأى المشرفي أن الدعوة إلى الهجرة الجماعية بدعوى استيلاء (الكافر) الفرنسي على الجزائر، غير وجيهة، وأنه من الواجب البقاء وعدم الهجرة، واستشهد بعد ذلك بعدة شواهد، ولا ندري كيف ينسجم ذلك مع خروجه هو من البلاد. وقد قلنا انه هاجر إلى المغرب الأقصى.

بنى المشرفي (طرس الأخبار) على مقدمة وسبعة فصول وخاتمة. والفصول هي:

- في سبب ظهور هذا الجنس من الإفرنج (الفرنسيين) وغزو الجزائر من سيدي فرج. فهو موضوع يتعلق بأصل الفرنسيين وحملتهم على الجزائر عامة. وهو يسمي الفرنسيين (الكفرة وعبدة الأصنام) ويقول (دمرهم الله) كلما ذكرهم، أو (أذلهم الله)، أو (كسر شوكتهم).

- في ذكر السنة التي وقعت فيها الحملة وما جرى بين الفرنسيين وبين الأتراك من حروب واحتلال مدينة الجزائر وافتراق المسلمين.

- في ذكر احتلال وهران والمرسي الكبير وخروج الناس منهما، وظهور مبعوث سلطان المغرب، الأمير علي.

ص: 361

- في ذكر قيام أهل غريس وبني عامر ومن والاهم واتفاقهم على الجهاد بدون أمير (لكن بقيادة الشيخ محيي الدين).

- في ذكر مبايعة الحاج (هكذا يلقبه المشرفي، وكل الناس عندئذ) عبد القادر على الجهاد وبعض الوقائع التي جرت حول الجزائر ووهران ومن مات فيها. وينفي المشرفي أن يكون الناس قد بايعوا عبد القادر على إمارة الجيش التي هي في نظره تختلف عن مبايعة الجهاد.

- في سبب استيلاء الفرنسيين على الجزائر عموما، من حدود المغرب إلى حدود تونس، وسبب (تشتت العربان).

- فيمن عاير أخاه بالتنصر

وقال له: اهجر معي إني مهاجر، وإن بقيت فأنت كافر، أي معالجة مسألة الهجرة من الجزائر.

فأنت ترى أن العمل يحتوي على الحملة والاحتلال وتقدم المقاومة ومعالجة عدة مواضيع متصلة بذلك كالمبايعة والإمارة والهجرة، وتدخل سلطان المغرب بتوسل من بعض الجزائريين، وباي تونس بالتحالف مع الفرنسيين. وقد عالج المشرفي أيضا موضوع الفتاوى التي كان يطلبها الأمير من أعيان رجال الدين في المغرب ومصر لتطبيق حكم الشريعة بالنسبة للضرائب والمعونات المالية أو بالنسبة للهجرة والتعامل مع العدو. وجاء على أجوبة الشيخ التسولي الشهيرة، والشيخ الحراق، والشيخ عليش المصري. ومن رأي المشرفي بقاء المسلم الذي غلبه النصارى على وطنه وعدم الهجرة، ولا يعتبر ذلك منه عصيانا أو كفرا، كما ذاع عندئذ على لسان فريق آخر. ومن رأيه أيضا أن سبب الاحتلال يرجع إلى كون فرنسا أرادت أن تسترد النقود التي دفعتها للجزائر (؟) مقابل موقفها المستقل من الدولة العثمانية، وهذه الفكرة موجودة في كتاب آخر ألفه عبد السلام بن محمد اللجائي بعنوان (المفاخر العلية). كما أن كتاب المشرفي يترجم لعدد من أعيان الناحية والعصر. وحاول أن ينبز سياسة الأمير وحاشيته، كما ذكرنا، وذهب حتى إلى التعريض بوالده حين قال إنه أوصى ابنه (الأمير) بالاعتماد

ص: 362

على الموظفين الرسميين وقتل الدرقاويين. وقد قلنا إن الكتاب يتعرض أيضا لدور محمد علي باشا مصر في احتلال الجزائر، وهو الدور الذي لم يتحقق، ولحلول نائب باي تونس بوهران أيام المارشال كلوزيل.

وإذا غربلت هذه الأفكار كلها، فقد تجد المشرفي من دعاة النفوذ الشريفي (حكم سلطان المغرب) في الجزائر. فأنت تراه يقف ضد العناصر الأخرى فيها، من الفرنسيين إلى العثمانيين، وضد تدخل تونس في وهران، وتحالف قبائل الزمالة والدوائر مع الفرنسيين. أما الجهة التي لم يهاجمها فهي النفوذ المغربي، كما ذكرنا.

ومهما كان الأمر فإن للمشرفي آراء أخرى حول نفس الموضوع في كتبه العديدة. فله رحلات وأشعار وكتب تاريخية وكنانيش. وقد عالجنا ذلك في بحث عن حياته ومؤلفاته (1). أما طرس الأخبار فيظل متميزا بروح خاصة، وكأن صاحبه ألفه ليدلي بدلوه في الحياة السياسية عندئذ، فهو من هذه الناحية يشبه كتاب (المرآة) لحمدان خوجة، إذ يعالج مثله القضايا الساخنة عن قرب شخصي يجرده أحيانا من الموضوعية. وقد قيل إن محمد بن أبي شنب قد حقق طرس الأخبار، ولعله فعل أو بدأ فقط في تحقيقه، ولكنه لم ينشر لا أثناء حياته ولا بعد وفاته. ثم حاول الشيخ علي أمقران السحنوني تحقيق الكتاب بإشرافنا ووضع له خطة ومقدمات، ثم توقف عن عمله ولا ندري أين وصل فيه. وقد علمنا أنه اعتمد على سبع نسخ تقريبا، بعضها مصور فقط عن نسخ أخرى. ومعظمها في المغرب الأقصى (2).

(1) انظر (مؤلفات المشرفي) في كتابنا (أبحاث وآراء)، ج 2. وسبق أن نشرناها في مجلة (الثقافة) عدد خاص بالأمير 1983.

(2)

علي أمقران السحنوني، مخطط تحقيق (طرس الأخبار)، قدمه إلي في 2 فبراير 1983. ومن النسخ نسخة الكتاني بالخزانة العامة، الرباط، 496 ك، ونسخة المكتبة الملكية بالرباط 1476، ونسخة أخرى بالخزانة العامة - الرباط 6533، وأخرى فيها 4965، بالإضافة إلى نسختي المصورة، والنسخة التي قيل إنها عند ابن أبي شنب. وقبل وفاته ببضعة أشهر أرسل إلي المرحوم السحنوني نسخة من خطة بحثه عن طرس الأخبار.

ص: 363

5 -

كتاب الدوائر والزمالة وحركاتهم، وهو كتاب يجمع بين التاريخ والأنساب، ألفه أحد أعيان هذه القبائل المنخزنية الشهيرة وهو أحمد ولد قاضي، المعروف باشاغا فرندة، وقد أنقذ كتابه بنشره في المطبعة (1)، خلافا لبعض زملائه الذين ظلت كتبهم نهب الأيادي العابثة، كما ذكرنا. كان ولد القاضي من أعيان المخزن في غرب البلاد، وهو نفسه من قبائل الزمالة والدوائر، وكذلك المزاري مؤلف (طلوع سعد السعود). حكم ولد القاضي فرندة بلقب آغا، وكان له نفوذ واسع وسمعة في الناحية، ومع ذلك لم يحمه اللقب من غضب الفرنسيين عليه أحيانا وتوريطه في قضايا محلية معقدة، مثل قضية سيدي بلعباس (2)، سنة 1881. وحين ذكره أوغسطين بيرك الذي عاش في نواحي تيهرت وتولى الشؤون الأهلية، أظهر الامتعاض من ذكر اسم ولد القاضي، ولكن الفرنسيين استفادوا من تحالفهم مع الزمالة والدوائر، وحفظوا لهم بعض المصالح، واستدعوا رجالهم إلى فرنسا لحضور المناسبات الهامة إظهارا لتعاطفهم، ومن هؤلاء ولد قاضي نفسه. وسنرى أنه اغتنم فرصة وجوده في باريس سنة 1878 فكتب رحلة وقدم مطالب باسم الجزائريين تعتبر عندئذ مطالب جريئة (3). والكتاب الذي أصدره ولد قاضي سنة 1883 وأرخ فيه للدوائر والزمالة يعتبر تسجيلا لدورهم منذ الاحتلال ودورهم في التاريخ عموما باعتبارهم من الارستقراطية المخزنية المتنفذة. وفي الكتاب من على الفرنسيين وشكوى من حالة هذه القبائل بعد القوانين

(1) وهران، 1883.

(2)

في 1881 اعتقل الفرنسيون بعض الأعيان بدعوى أنهم كانوا يعقدون اجتماعا سريا في الليل، ومن بينهم أحمد ولد القاضي. كان ذلك في نواحي سيدي بلعباس، وكان الفرنسيون متوترين من العلاقة بين أحداث تونس التي احتلوها في نفس السنة والمؤامرات في الجزائر ضدهم. انظر كريستلو (المحاكم)، ص 235 - 236. ويقول كريستلو إن ولد قاضي كان ضد تدخل الارستقراطية الدينية في الحكم والسياسة. وكان يريد الاستفادة منها فقط. ولذلك عادى المرابط الحاج البشير بن خليل مما تسبب في نفي هذا الشيخ وسجنه في كورسيكا سنوات طويلة، ص 201.

(3)

انظر فصل العرائض من الحركة الوطنية، ج 1.

ص: 364

التي مست الارستقراطية (الأجواد) العربية بصفة عامة، مثل قانون الأرض سنة 1863، وسنة 1873.

ومن الملاحظ أن ولد قاضي ألف تاريخ الزمالة والدوائر (قبيلته) بعد أن يتخلص من الاتهام في التورط المذكور. وقد اعتبره بعض المؤرخين عملا دعائيا لصالح العائلة من جهة وصالح القضية الوطنية (الأهلية) من جهة أخرى (1). أما الكتاب نفسه فقد تحدث فيه عن دور القبائل المذكورة، وعن واقعة وادي التافنة التي حضرها. وأظهر فضل الزمالة والدوائر على الفرنسيين باعتبارهم أول من دخلوا تحت حكم فرنسا (1835)، وخاطروا بأنفسهم، وشاركوا في الحروب مع الفرنسيين وتعرضوا لذلك لهجومات الأمير عبد القادر، وقطع رأس زعيمهم مصطفى بن إسماعيل، بينما أصبح أولاده بعده مهملين. وقد اتبعوا نصيحة المارشال بوجو، بعد أن قسم الأرض عليهم جزاء لهم على خدمتهم، ونصحهم بحيازة الأرض والبناء عليها، وبذلك أحيوا الأرض الموات. أما الآن (الثمانيات) فقد سادهم القلق حول أملاكهم، إذ أن الدولة الفرنسية واحدة ولا يمكن تغيير المعاهدات حتى لو حدث تغيير في نظام المخزن. فكيف تسترجع فرنسا ما منحت أو تنقض عهدا التزمت به؟ إن ذلك أمر، كما قال (تشمئز منه النفوس وينكره العقل)(2).

6 -

وقريبا من هذا التاريخ ألف أحمد بن عبد الرحمن الشقراني رسالة في التاريخ سماها القول الأوسط في أخبار بعض من حل بالمغرب الأوسط. وهو عنوان كبير ومحتوى يوحي بالشمول، ولكنه في الواقع كتاب صغير وأخباره محدودة. لا ندري ما الوظائف التي تولاها الشقراني وكيف عاش حياته المادية ولا العلمية. ولكن ثقافته، كما تظهر في كتابه، تدل على أنه من النخبة المتعلمة والمتسيسة أيضا، ويعبر الشقراني عن مواقف مضطربة

(1) كريستلو، مرجع سابق، ص 236، هامش 30. وقد ذكره المزاري أيضا في طلوع سعد السعود، مما يبرهن على أنهما متعاصران. انظر الطلوع، ج 2، ص 156 - 162، وقد نقل عنه بعض الأمور.

(2)

أحمد ولد قاضي (كتاب الدوائر والزمالة)، وهران، 1883.

ص: 365

إزاء السلطة الفرنسية وإزاء الثورات التي حدثت سواء في عهده أو قبله. فهو يعطيك الانطباع على أنه ضد الثورات لأنها تؤدي إلى التهلكة والتشتت والتضييق على الناس، ولأنها غير شرعية ما دامت تفتقر إلى الاستعداد والعدل والدين. وهو في ذلك يتفق مع الجزائريين الآخرين الذين انتقدوا زعماء ثورة 1871، مثل ابن زكرى والزواوي. ومن جهة أخرى يقدم الفرنسيين على أنهم أمة غنية ومتقدمة الوسائل المادية التي لا يملكها الجزائريون، فكيف يطمعون إلى التغلب عليها بوسائلهم المحدودة. إنه يستنكر ما حدث للجزائريين من سخرة وظلم وتعسف، ولكنه في نفس الوقت يجعله رد فعل على الثورات الطائشة. وهو أيضا ينكر على الفرنسيين معاملتهم للجزائريين معاملة واحدة فالمحرم والمجرم في نظرهم مجرمون، بينما هو يريد أن يعامل كل فرد على قدر فعله. ولعله يشير بذلك إلى قوانين (الأندجينا) التي بدأ سنها في السبعينات وأعطيت شكلها الأخير في الثمانينات. وكانت تفرض العقوبة الجماعية، أي على الذين يستحقون العقوبة والذين لا يستحقونها. وكان موقفه من بوعمامة أكثر وضوحا. من موقفه من الثوار الآخرين: سي الأخضر، زعيم فليته، وأولاد حمزة سيدي الشيخ، والطوطي، والخويدي. ويخبرنا الشقراني أن ثورات هؤلاء تعتبر من علامات الساعة!.

ويبدو أن الشقراني كان يميل للمتصوفة أكثر من ميله إلى الأشراف الثائرين. وهم الذين يسميهم لويس رين (الأشراف المزيفين). فقد نوه الشقراني ببعض المتصوفة، وقال إن فرنسا لم تؤذهم وتركتهم لحالهم ما داموا مبتعدين عن السياسة، رغم شهرتهم، وعد من هؤلاء جماعة على رأسهم ابن الحمياني، وعدة بن غلام الله، ومحمد الموسوم، وابن تكوك المجاهري، والمجدوب محمد بن أبي سيف التراري، ومحمد بن بلقاسم الهاملي. وكان هؤلاء ينتمون إلى مختلف الطرق الصوفية، مثل الشاذلية والرحمانية، والسنوسية، والدرقاوية. ويوحي كلام الشقراني أن الجزائريين كانوا ينتظرون الفرج على يد معجزة، وكان متمسكا بالحكمة القائلة إن الشدة

ص: 366

لا تدوم. ولعله كان مؤمنا بزوال الاستعمار الفرنسي، ولكن بوسائل أخرى غير الثورات التي ينتج عنها في نظره، قمع جديد في كل مرة.

وقد تناول الأحداث بطريقة عكسية. فقد بدأ بالأحداث المعاصرة له، كثورة بوعمامة، ثم تراجع إلى الأحداث السابقة لها، وهكذا إلى أن وصل إلى العثمانيين وغيرهم. ولكن عمله كان استعراضا سريعا للأحداث وليس دراسة لها. ولم يبوب عمله بطريقة منهجية. وإنما أخضعه لطريقة الأحداث نفسها، وهو متواضع في مؤلفه فليس هو بصاحب دعوى، ولذلك سمى تأليفه (تقييدا)، وهو في الواقع كذلك.

يقول في تبرير إقدامه على التأليف: (إني لما رأيت مغربنا الأوسط قد سكنته أمم وانقرضت، وملكته ملوك وانفرضت

أردت

أن أجمع فيه ما قيدته ونقل ما وجدته، والواقع الذي شاهدته، وسميت هذا التقييد بالقول الأوسط

ماشيا فيه القهقرا (كذا)، سالكأ فيه مسلك السادات الفقرا) (1). ويقول عن بوعمامة، وذلك في بداية عمله:(ثار رجل من أولاد سيدي الشيخ بالقبلة يقال له أبو عمامة، على الفرنسيس (يريد)(2) قطع دولتهم الراسخة، ومملكتهم الراسية الرامخة (؟) ويكون أحق بها وأهلها

) وأضاف عنه إن بوعمامة كان قد ظهر أول مرة في الصحراء وظل يتردد هناك بدون فائدة كثيرة، ونسب إليه قتل العمال الأسبان، بغير حق (واتهمه بالسفه وكونه لا يتعظ، مع العجز والظلم، ولذلك لم يطعه الناس. وبعد أن كان الفرنسيون يهربون إليه أصبح هو الذي يهرب منهم. فهو (يتبع الخلوات كالطارق، ويتردد فيها كالسارق). وذكر الشقراني أن الفرنسيين قد لجأوا إلى اتهام كل المسلمين بالثورة، فسلطوا عليهم (السخرة والركبة وشددواعليهم، وضيقوا، عقوبة لهم، كأن الضر جاء من جميعهم

ووقع الهرج والفزع بين الناس

ولم تبق حرمة لمن كان يستحقها من الناس وصار المسلم من أبغض ما يبغض عندهم (الفرنسيين)).

(1) هذه الكلمة كانت عادة تطلق على المتصوفة وأتباعهم.

(2)

أضفنا كلمة (يريد) لربط المعنى.

ص: 367

ومن نتائج ثورة بوعمامة، حسب ما جاء في الشقراني، أن الفرنسيين قد أقاموا ضده التحصينات وملأوها بالجيوش والمدافع، وغزوا بعض المواطنين، وسفكوا دماءهم، وسبوا نساءهم وذراريهم (وأخذوا أموالهم وأمتعتهم وأخرجوهم من ديارهم). (وما جاء ذلك إلا بسببه) واتهم بوعمامة بحرق خصومه والتمثيل بهم خلافا للفرنسيين. وأخبرنا أن الدولة تنقطع بالظلم والجور، ولا تنقطع بالشرك والكفر. وحتى هدم الفرنسيين لضريح سيدي الشيخ ونبش قبره جعله الشقراني من نتائج ثورة بوعمامة، ولولاه لما فعل الفرنسيون ذلك بالضريح وعظامه (1). وكيف غفل بوعمامة عن عظمة فرنسا وجيوشها الجرارة وقطاراتها التي تجوب البلاد على قضبان الحديد، (بقدرة الله القدير) وهي التي تتراسل بالبرق أيضا في زمن قصير. فالشقراني هنا يبدو منبهرا بالتقدم العلمي والعسكري والصناعي الفرنسي. ولم يبق للجزائريين إلا الخوف من ذلك والاتعاظ والصبر.

أما بوعمامة فقوته في نظر الشقراني لا تتجاوز 700 فارس، ثم إنه لم يحصل على البيعة الشرعية، فكيف يطيعه الناس؟ إنه مجرد ثائر متمرد كالثوار الذين سبقوا في العهد العثماني أو العهد الفرنسي، مثل عبد القادر بن الشريف الدرقاوي، ومحمد التجاني في العهد (التركي)، ومثل موسى الدرقاوي (بوحمار) في عهد الأمير. ثم ذكر الثوار الذين أشرنا إليهم (عبد الرحمن الطوطي الدرقاوي، وأبو سيف الخويدي، والأزرق الفليتي

) الذين ثاروا ضد الفرنسيين، ولكنهم لم ينالوا سوى التعب، وقد عرضوا حياتهم وحياة أتباعهم للفناء، فهم جميعا من الذين جاء في الحديث أنهم الستون الكاذبون الذين يسبقون ظهور (المهدي). ونلاحظ أن الشقراني لم يذكر سوى ثوار الجهة الغربية. أما الزعماء الدينيون (المتصوفة)، فهم في نظر الشقراني (كسائر المسلمين ينتظرون الفرج وزوال الحرج، وانتظار الفرج واجب، والعسر لا يدوم على إحد).

(1) يفهم من ذلك أن الشقراني يلوم الفرنسيين على ما ارتكبوه من فظائع ولكن بصفة غير مباشرة، فهو يجعل بوعمامة هو السبب.

ص: 368

وفي جزء آخر من كتابه تحدث الشقراني عن الأتراك وعن احتلال وهران من قبل الفرنسيين، ثم تناول بيعة الأمير ومقاومته إلى نهايتها، ولكن باختصار. وقد وصل حديثه إلى مهاجمة الفرنسيين بني شقران سنة 1845 (1261). وشمل الكتاب أيضا الحديث عن المجاعة والوباء الذي حل بالجزائر سنتي 1867 - 1868 (1284 - 1285) وقد أحسن الوصف في هذه الصفحات القليلة (حوالي أرسل صفحات) عن هذه النكبة التي عاصرها والتي أودت بحياة الآلاف من الجزائريين. واستعار معلومات غزيرة من (عجائب الأسفار) لأبي راس الناصر حول القبائل التي سكنت الناحية مثل مغراوة وبني يفرن. ولا نراه قد جاء بجديد من عنده. ولكننا لاحظنا انقطاعا في النص امتد من صفحة 49 - 70، فهل المقطوع أيضا منقول من عجائب الأسفار؟ ثم لماذا القطع؟.

وآخر تاريخ مذكور في كتاب (القول الأوسط) هو سنة 1303، وبذلك يكون الكتاب مؤلفا بعد هذا التاريخ. ونحن نعلم أنه تعرض أيضا إلى وفاة الأمير التي كانت سنة 1300 (1883). وبذلك يكون الكتاب قد ألف وسط الثمانينات (1). ولكن من هو الشقراني نفسه؟ إلا لا نملك عنه الآن سوى المعلومات الواردة في كتابه. ورغم قربه من مدار القرن فإن صاحب (خريف الخلف) قد أهمله. والمؤلف كما تدل نسبته يرجع إلى سكان جبال بني شقران قرب مدينة معسكر.

7 -

دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران، لمحمد بن يوسف الزياني، وهذا من المؤلفات التي طبعت حديثا وتعرضت لتاريخ وهران وتاريخ الناحية عموما منذ عدة عصور. ولهذا الكتاب ولمؤلفه أيضا أهمية خاصة سنتعرض إليها. لقد اعتمد الزياني على النقل بصفة عامة ولم

(1) اطلعنا على نسخة كانت في حوزة محمد بن عبد الكريم. وقد قام ناصر الدين سعيدوني بتحقيق (القول الأوسط) ونشره سنة 1989 بدار الغرب الإسلامي، بيروت.

ص: 369

يعالج الأمور من جهة نظره أو بناء على معطيات حديثة إلا في الجزء الخاص بالاحتلال الفرنسي أو القريب منه. ولكنه غلف ذلك بضباب من نوع خاص، كما سنرى. أما الكتب التي اعتمد عليها فهي مؤلفات ابن خلدون وأبي راس، وحسين خوجة، ومسلم بن عبد القادر الحميري. ويبدو من مقدمة الكتاب أن الزياني كان متحمسا لموضوعه وكأنه جاء لتصحيح خطأ شائع حول بناء وهران وما قيل في تاريخها. ويذهب البوعبدلي الذي حقق دليل الحيران إلى أن الزياني قد اعتمد على المشافهة أيضا، ورجع إلى الأدب الشعبي. وكان أسلوبه يعتمد السجع بكثرة، رغم عدم احترام قواعد اللغة.

ومن المعروف أن الزياني قد عاصر الاحتلال الفرنسي وتثقف ثقافة مخضرمة. وكانت أسرته تتولى الوظائف في العهد العثماني، ومنها عمه أحمد بن يوسف الزياني الذي كان مستشارا لبعض البايات، حوالي (1170 هـ). وكانت الأسرة تقطن بلدة برج عياش (برج ولد المخفى اليوم)، الواقعة قرب معسكر. وهي من الأسر العلمية والسياسية. أما المؤلف فقد تولى للفرنسيين عدة وظائف قضائية ابتداء من سنة 1861 ببلدة البرج، وقد استمر في هذا الوظيف مدة طويلة إذ وجدناه قاضيا أيضا في وادي تليلات سنة 1883، ثم في سيق. ويغلب على الظن أنه بقي على قيد الحياة إلى مدار القرن الميلادي تقريبا (حوالي 1320). وإذا أخذنا هذه التواريخ في الاعتبار علما أنه قد يكون من الذين درسوا في المدارس الشرعية الفرنسية الثلاث (مدرسة تلمسان مثلا) التي تأسست سنة 1850. وأنه تولى القضاء في عهد المملكة العربية وما بعدها، سيما عقد الثمانينات حين انطلقت الحملة ضد القضاء الإسلامي لإدماجه في القضاء الفرنسي. وكان منصب القضاء نفسه منصبا سياسيا، لأنه كان يعني العمل تحت مظلة المكاتب العربية العسكرية قبل 1870 وتحت مظلة الولاة الفرنسيين المدنيين بعد ذلك. وما سنقوله عن رأي الزياني في حكم الفرنسيين قد يكون نابعا من وظيفه وتجربته في القضاء وعلاقته مع الفرنسيين هذه المدة الطويلة. والغريب أننا لا نجد له ذكرا في

ص: 370

كتاب كريستلو الذي خصصه لدراسة المحاكم ودور القضاة في معسكر ونواحيها وقسنطينة ونواحيها (1).

ورغم ذلك فإن الزياني لم يكن معزولا ولا مغمورا. فكتابه (دليل الحيران) قد استغله الفرنسيون أمثال ايسترهازي وأخذ منه آخرون مثل مواطنه المزاري. كما أن الزياني كان على علاقة مع علماء الوقت مثل علي بن عبد الرحمن مفتي وهران، وهذا هو الذي كاتبه سنة 1320، حسبما جاء في تعاليق الشيخ البوعبدلي. وقد استنتج من ذلك أن وفاة الزياني كانت بعد هذا التاريخ. وقد رأى البوعبدلي بعض الفتاوى للزياني وبعض التعاليق على الكتب وكذلك المراسلات.

أما تأليفه فالبوعبدلي انتقده من عدة وجوه. منها الاعتماد على النقل الكثير، ومنها عدم إبداء الرأي فيما ينقل مما جعله أحيانا ينقل الأخطاء كما هي. وقد ذكرنا أن الزياني كان لا يخضع لقواعد العربية ويتخذ أسلوب السجع. أما مزيته، حسب البوعبدلي، فتظهر في أنه جمع في كتابه ما كان متفرقا، بل ما أصبح مفقودار مثل (درء الشقاوة) لأبي راس، ودر الأعيان لحسين خوجة. ومن مزايا كتابه أيضا تعرضه لأحداث المغرب الأقصى. ومن جهة أخرى ضم دليل الحيران تراجم لعلماء وملوك وأعيان. ولكن بعضهم كان معروفا، مثل ترجمة إبراهيم التازي، مما جعل الشيخ البوعبدلي يختصرها لأنها معروفة في غيره (2). ورغم تولي الزياني القضاء وعيشته عيشة مخضرمة بين مجتمعه والمجتمع الفرنسي، وتطور الأحداث من حوله، فإنه كان يروي الكرامات في تراجم الأولياء والصالحين.

وقبل أن ننتهي من الحديث عن حياة الزياني نقول إنه أورث لأحد أبنائه

(1) اطلع كريستلو على نص (أقوال التأسيس) المنسوب للزياني، ولكنه قال إن مؤلفه مجهول، وإنه في الأرشيف الفرنسي. انظر كريستلو (المحاكم) ص 260 - 261.

(2)

محمد بن يوسف الزياني (دليل الحيران) تحقيق الشيخ المهدي البوعبدلي، ط الجزائر 1979، المقدمة.

ص: 371

الإمامة أيضا. فقد كان له ابن تولي الإمامة بمسجد سيق، وهو مسجد، حسب البوعبدلي، حر بناه صهره، وبقي هذا الابن (ولا نعرف اسمه) في الإمامة إلى أن توفي، وكان من فقهاء الوقت. أما إبنة الزياني فقد كانت متمردة ومعروفة (بالقايدة حليمة)، وكانت متزوجة من رجل له مكانة في العهد العثماني (؟)، وقد كانت متمردة على الحجاب، فكانت تحضر الحفلات الرسمية سافرة وتشارك في الفروسية وتستقبل الوفود. وقبل وفاتها أول الحرب العالمية الثانية أدت فريضة الحج واستبدلت لقب القايدة بالحاجة (1).

أما محتوى الكتاب فهو أساسا عن وهران ونواحيها، كما سبق، ولكنه يتعرض أيضا لتاريخ الجزائر عموما في العهد العثماني، وشمل ذلك الحديث عن البايات، وعن الفتح الثاني لوهران، أي استرجاعها من يد الاسبان (1791). وخصص مكانا بارزا لثورة الطريقة الدرقاوية ضد بايات الغرب، معتمدا على عدة مصادر منها مؤلف مفقود لأبي راس، وكذلك الشعر الشعبي. ومثل معظم المؤلفين الجزائريين في عهد الاحتلال الفرنسي كان الزياني أيضا قاسيا على بعض البايات، فأظهر ظلمهم وتعسفهم. ولا ندري ما إذا كان الزياني قد ألف كتابه بطلب من بعض الفرنسيين، شأن عدد من مواطنيه، الذين كانوا يريدون من مؤرخي الجزائر أن يمهدوا لهم الأرض وأن يصفوا لهم أحوال البلاد والحكام والرجال والطرق الصوفية، ثم يتدخلون هم للتحليل والتعليق والاستنتاج. ورغم أن البوعبدلي يقول إن ايسترهازي قد أخذ من دليل الحيران، فإننا بالرجوع إلى التواريخ نستبعد ذلك. فايسترهازي ألف كتابه سنة 1838 ونشره بعد سنتين. ويغلب على الظن أن الزياني لم يكن عندئذ سوى يافع، فكيف يكون قد ألف كتابا ينقل عنه الآخرون؟ ولعل حماس الزياني إلى تصحيح ما كتبه الأجانب عن وهران يدل على أنه هو الذي قد يكون اطلع على كتاب ايسترهازي وليس العكس. ومن الأسف أننا لا نعرف الآن متى ألف الزيانى كتابه.

(1) نفس المصدر، المقدمة. وفي هذه المسألة استغراب، فكيف يكون زوجها من العهد العثماني وتؤدي فريضة الحج خلال الحرب العالمية الثانية؟.

ص: 372

قسم الزياني دليل الحيران إلى جزئين أو قسمين رئيسيين: وقد جعل القسم الأول في أربعة فصول تضمنت التعريف بمدينة وهران، وتسميتها وتأسيسها، وعلماءها وأولياءها، ثم حكامها عبر الزمن. ولا سيما منذ إسلام زعيم مغراوة على عهد الخليفة عثمان بن عفان. أما القسم الثاني فقد بدأه بعهد السلطان الزياني أبي حمو موسى الثاني. وتناول فيه أيضا النزاعات بين الزيانيين والمرينيين، واحتلال الإسبان لوهران، ثم العهد العثماني الذي توسع فيه إلى غير وهران. وفي نهاية هذا القسم جعل فصلا ملفتا للنظر وهو عن دولة الفرنسيين، وقال إن الكلام على (الإفرنج) سيكون في سبعة مواضع. ولكن البوعبدلي الذي حقق المخطوط لم يظفر بمحتوى هذا الموضوع، وفي ظنه أن المؤلف توقف عن الكتابة خشية العواقب إذ أنه لم يرد أن يتورط في إبداء رأيه في الاحتلال والنظام الاستعماري. ولجأ بدلا من ذلك إلى التنبؤات (1). ونفهم من هذا أن الزياني قد أكمل كتابه ولكن بطريقة غامضة، فهل ذلك ينسجم مع ما سنقوله عن الكتاب المنسوب إليه باسم (أقوال التأسيس؟).

ولكن قبل ذلك نود أن نذكر نقطتين حول الزياني أيضا، الأولى حول تعريفه للتاريخ، والثانية ذكر الكتاب الآخر المنسوب إليه. عرف الزياني (علم التاريخ) تعريفا، غير واضح، إذ اكتفى بقوله إنه (من العلوم التي ينبغي الاعتناء بها ولا تجعل في زوايا الإدخار)، واعتبره ضروريا في وقته بالخصوص إذ هو وقت ظهرت فيه الجهالة والضلالة، حسب تعبيره، وجن فيه الليل وأدبر النهار، وسكت فيه أهل العلم ولازموا غض الأبصار. وهكذا فإن علم التاريخ قد ينفض غبار الجهل، وينير جوانب الليل الحالك الذي ساد الجزائر. وقد أخذ الزياني بعد ذلك يذكر نماذج من الجهل والغفلة حين اعتقد الناس أن باني وهران هم غير العرب والمسلمين، بينما كان بانيها هو خزر المغراوي الزناتي في القرن الثالث الهجري.

(1) الزياني، دليل الحيران، مقدمة المحقق، ص 13.

ص: 373

وقد نسب إلى الزياني كتابان آخران أحدهما هو (الدرة النقية في حسن مقاصد الدولة الفرنسية). ونحن مع هذا الكتاب في حيرة من أمرنا، فالاسم الذي مع الكتاب هو محمد بن يوسف فقط وليس معه النسبة (الزياني). ولكن الأسلوب المسجع والموضوع يدلان على أنه له، رغم عدم الجزم بذلك. ولم نستطع رؤية سوى صفحة واحدة من المخطوط، وفيها الديباجة، ولكن الجملة الأساسية التي تعطينا ظروف التأليف والهدف منه مبتورة. ويبدو أن الذي بترها يعرف أهميتها. ومن جهة أخرى فنحن في حيرة جديدة، لأن عنوان الكتاب، إذا صح أنه له، فيه دلالة واضحة على أنه مدح في الدولة الفرنسية. وهذا بخلاف كتاب (أقوال التأسيس) الذي سنتحدث عنه. ورغم أن (الدرة النقية) ليس في تاريخ الجزائر ولا غربها فإننا اضطررنا لذكره هنا لنوضح علاقته بالزياني وبكتابه الآخر المشار إليه، والموقف من الفرنسيين (1).

وإليك ما وجدناه في الصفحة الفريدة من (الدرة النقية)، يقول محمد بن يوسف، بعد الحمدلة:(وبعد، فإنه لما صدرت الأحكام الإلهية من خدور الغيوب السماوية، بتحالفنا مع الدولة الفرانسوية، المتسببة لنا في المنافع الدنيوية والسعادة الأبدية، وكان البعض من أهالي هذا القطر الذين ضربت على عقولهم سرادق الجهل والغباوة، قد انطبعت في عقولهم بعض أراجيف مختلفة من ذوي الأطماع الذميمة). (من هنا انقطع الخبر). وكان المؤلف سيجيب بعد ذلك على جملة (ولما صدرت

) ونلفت النظر إلى تعبير (تحالفنا مع الدولة الفرانسوية)، فهل يعني الاحتلال أو الاندماج؟ أما التحالف بالمعنى السياسي المعروف فغير وارد هنا.

8 -

ونصل الآن إلى الكتاب الذي يثير الجدل والمنسوب أيضا إلى الزياني، وهو أقوال التأسيس فيما سيقع بالمسلمين من دولة الفرنسيس،

(1) اطلعنا فقط على صفحة واحدة في أوراق سلمني إياها محمد بن عبد الكريم الزموري. وهي عندي، وليس بعد صفحة الدياجة تواصل.

ص: 374

والعنوان مختلف أحيانا، إذ هو في بعض النصوص (أقوال التأسيس عما وقع وسيقع من الفرنسيس). والعنوان الأول فيه التنبؤ بالمستقبل فقط، وهو يتناسب مع نسبة الكتاب إلى أبي راس الذي توفي قبل الاحتلال (1). أما العنوان الثاني فيتلاءم مع نسبة الكتاب إلى الزياني، لأنه يذكر ما جرى في الجزائر على يد الفرنسيين وما سيحدث منهم أيضا، فهو يجمع بين الماضي والمستقبل.

رجح البوعبدلي نسبة هذا للزياني لبعض الاعتبارات. منها أن الزياني قد جعل آخر فصل في كتابه (دليل الحيران) عن الدولة التاسعة، وهم الفرنسيون، كما مر بنا، ثم لم يواصل عمله حتى لا يتورط في مواضيع سياسية عند الحديث عن الاحتلال والمقاومة. فيكون الزياني قد عالج بدايات الاحتلال أو ما جرى مع الفرنسيين في كتابه (أقوال التأسيس) وليس في دليل الحيران. ولكنه لم يتوقف عند ذلك، بل إنه سلك لتبرئة نفسه عدة وجوه:

- أنه جعل أقوال التأسيس في شكل تنبؤات وتكهنات وليس في شكل وقائع تاريخية. فهو هنا يتحدث عن المستقبل من باب المهدويات التي شاعت في المغرب العربي منذ المهدي الشيعي ثم المهدي بن تومرت.

- أنه لم ينسبه لنفسه، وإنما نسبه إلى عالم وحافظ ومؤرخ وهو أبو راس الناصر، الذي كتب عن أحداث التاريخ كما كتب عن أرهاط الجان. وقد قلنا إن أبا راس كتب أيضا عن الحملة الفرنسية على مصر. وهو متوفى قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر.

- أن الزياني سجل أقوال التأسيس في قائمة مؤلفات أبي راس، رغم أن أبا راس قد ترجم لنفسه وذكر مؤلفاته دون أن يذكر من بينها (أقوال التأسيس).

(1) درسنا أبا راس الناصر وقارنا أعماله بأعمال عبد الرحمن الجبرتي من بعض الوجوه، كعناوين الكتب، والموضوعات، وهما متعاصران، وقد تناول أبو راس الحملة الفرنسية على مصر أيضا. انظر (أبحاث وآراء) ج 2.

ص: 375

ويبدو أن الزياني الذي كان على صلة وطيدة بالإدارة الفرنسية، كان يعرف جيدا خوف هذه الإدارة من كل ما هو ضدها. فحذر الجزائريين من عواقب الأحداث التي جرت مع الفرنسيين. وهذا هو معنى ما وقع وما سيقع معهم وقد شاع أقوال التأسيس بين المتعلمين، سيما في آخر القرن الماضي وخلال الحرب العالمية الأولى. وتناقلته الأيدي، وثارت ثائرة الإدارة الفرنسية عندما علمت بذلك، لأنها كانت تخشى ما قد يقود إليه من تورات. وكان المستشرقون والضباط يحذرون دائما من استعمال الجزائريين الألغاز والرموز والتنبؤات. فأخذوا يبحثون عن هذا الكتاب ويتلفون نسخه، رغم أنه غير مطبوع، وتتبعوه حتى في المكتبات الخاصة والمنازل وعند المشكوك فيهم من المتعلمين. ويقول الشيخ المهدي البوعبدلي إن السلطات الفرنسية قد سجنت الكثير من المتعلمين (الطلبة) لظنها أنهم يملكون منه نسخا (1).

ونفهم من ذلك أن الزياني قد وضع على عمله اسم أبي راس، واطمأن على ذلك، فلم يواجه أية تهمة مباشرة من السلطات الفرنسية. ومعنى ذلك أن المؤلف كان معلوما ولكنه ليس الزياني. أما كريستلو فقد أشار إلى (أقوال التأسيس) بطريقة أخرى. وبناء عليه فالتأليف كان مجهول المؤلف، ولكنه غير أبي راس بالتأكيد عنده، لأن مؤلف (أقوال التأسيس) كان يعرف أحداث العصر، من حادثة فاشودا بين الفرنسيين والإنكليز إلى أزمة المغرب وتدخل ألمانيا. وكان المؤلف أيضا من القضاة العارفين بالسياسة الفرنسية. وقد تنبأ بسقوط الطغاة وتغيير الوضع الاستعماري في الجزائر. ويذهب السيد كريستلو إلى أن المؤلف كان خلدونيا في تحليله وليس مهدويا في تنبؤاته وخرافاته، كما قد يتبادر إلى الذهن. وقد اطلع عليه هذا الباحث الأمريكي في الأرشيف الفرنسى. ويقول كريستلو إن الكتاب قد ظهر عند ثورة بنى شقران سنة 1917

(1) البوعبدلي، مقدمة دليل الحيران، ص 13. ولم يذكر الشيخ البوعبدلي أدلة على هذه الدعوى.

ص: 376

منسوبا إلى أبي راس (1). ولا نظن أن الزياني قد عاش حتى أدرك هذه الثورة.

والنص الذي أورده كريستلو من هذا التأليف يتلخص في عدة نقاط: أن النكبات والعذاب سيحل بالبلاد، وسيعم الظلام بدل النهار، وستحدث غرائب في العصر. وسينخفض المرتفعون ويعلو المنخفضون. وستحل نقمة الله السريعة بالطغاة، وليس هناك مفر من هذا العقاب. إن بعض العلماء قد سخروا أنفسهم لخدمة الجهلة والأغنياء، وأصبح أبناء الفضلاء يخدمون العالم المسيحي، مظهرين حبهم لهم، باستعدادات عظيمة، ويقول: يا إلهي إن الصالحين قد اختفوا! وقد رأى كريستلو أن في النص استنكارا لما آل إليه أمر النخبة الجزائرية والعلماء المسخرين وأولئك الطموحين من المستغربين الشباب الذين رموا بأنفسهم في عربة التوسع الامبريالي الفرنسي منذ 1900، راضين بالتنازل عن القدر المحترم من المعاش والحد الأدنى من الاحترام الثقافي.

أما عن العنوان فهو عند كريستلو (الأخبار ذات التأسيس فيما يقع بين المسلمين والفرنسيس) وذات التأسيس هنا تعني ربما الأخبار الصادقة، ونعلم أيضا أن (الأخبار ذات التأسيس) كان متداولا منذ نهاية القرن الماضي، وأن المتعلمين كانوا يضيفون إليه عند المناسبات والأحداث، وكانوا أيضا يضيفون إليه أسماء أشخاص. فلم تأت سنة 1917 حتى كثرت نسخه واختلفت عن بعضها، بل كان فيه الحذف أحيانا. ويبدو أن مخطوطات أخرى قد وجدت في ناحية وهران على نمط هذه (الأخبار)، وكانت هي أيضا تخضع للزيادة والنقصان، بمرور الزمن. ومن ثمة خاف الفرنسيون من انتشار العدوى السياسية. وعلى هذا يكون أقوال التأسيس أو الأخبار ذات التأسيس عبارة عن منشور سياسي جمع بين الطريقة التقليدية وهي التنبؤ، والطريقة الجديدة وهي الحديث عن الوقائع بأسلوب إعلامي مثير. ولعل الزياني (أو غيره) قد كتبه أيام الحرب على القضاة التي جرت في الثمانينات من القرن الماضي، وكانت الشريعة

(1) كريستلو (المحاكم)، ص 260 - 261، عن الأرشيف الفرنسي 16 H 9. وقعت ثورة بني شقران سنة 1914 وليس 1917.

ص: 377

الإسلامية من ضحايا تلك الحرب إذ نجح الفرنسيون في تجريد القضاء الإسلامي من نفوذه إلا في الأحوال الشخصية كما عرفنا.

ويرى المهدي البوعبدلي أن أقوال التأسيس من عمل الزياني، كما ذكرنا، وأنه إنما نسبه لأبي راس للتقية فقط. وكان البوعبدلي يملك نسختين منه. وقد أكد له الشيخ الطيب زدور، أحد فقهاء وهران والذي كان والده على صلة شخصية بالزياني، أن (الأقوال) من تأليف الزياني. وقال إن الحكومة الفرنسية شددت في التفتيش عن نسخه سيما خلال الحرب العالمية الأولى. (ومزقت من أجل ذلك خزائن وأتلفتها). ولكن الكتاب، مع ذلك، بقي متداولا بين متعلمي وهران. ولم يذكر البوعبدلي الفرق ين النسختين اللتين كانتا في حوزته، وإنما قال إن إحداهما كتبها صاحبها (أي الناسخ) بخطوط مختلفة، سنة 1262. وهذا التاريخ مبكر جدا للأحداث التي ذكرها كريستلو، فلا بد أن بعضهم قد أضاف إليه ثورة بني شقران وغيرها. أما النسخة الأخرى فيقول البوعبدلي إنها تقع في كراسة خاصة. ويبدو أن أقوال التأسيس قد انتشر في الجزائر ووصل إلى زواوة وغيرها (1).

وقد لاحظ البوعبدلي أيضا اختلاف النسخ في تفاصيل الأحداث، ولكنه قال إن الجوهر واحد. واعتبر هذه الرسالة، كما سماها، شبه مذكرات عن فترة الاحتلال الأولى وإنما صاغها الزياني في شكل تنبؤات وليس سردا تاريخيا، رغم أن الأحداث في الواقع تاريخية ومعروفة. خذ مثلا تجهيز الحملة الفرنسية ونزولها في سيدي فرج وما حدث مع الباشا حسين، واحتلال وهران بعد احتلال متيجة، ومبايعة الأمير وحروبه الطويلة وما وقع من الغارات والغزوات، إن هذه كلها وقائع وليست خيالا. ونلاحظ أن الزياني كان في برج المخفى، وكان المخفى من الذين عاقبهم الأمير، ولذلك نحس أن الزياني اتهم الأمير بقتل العلماء وأهل الدين، مما تسبب في هزيمته، في نظره. كما تعرض الزيانى (أو غيره) فى هذا الكتاب الصغير والخطير إلى

(1) البوعبدلي، رسالة خاصة في 10 أكتوبر، 1979. ووصلتني منه أيضا رسالة أخرى فى 23 مارس 1980.

ص: 378

موضوع الهجرة، واقتراب أهل الطمع من الفرنسيين، واستبدال القوانين، ونقض أحكام القضاة المسلمين، وتصيير المسلمين خداما للفرنسيين، وإلى اغتصاب الأرض من مالكيها، وتعطيل المساجد والاستيلاء على الأوقاف، وتفشي الفجور وكثرة المقاهي والأسواق والفنادق، وسباق المتعلمين من أجل الوظائف، وطمع الأذلاء في المناصب العليا، وجعل الزكاة غرامة، وتجنيس اليهود (1870) وصعودهم إلى مستوى جنس الفرنسيين ودخولهم في حزبهم. وقال إن أكثر الجيش الفرنسي سيصبح من العرب. ولكن الدائرة ستدور على الفرنسيين في الحرب العالمية الأولى، كما دارت عليهم في حربهم مع بروسيا (1).

وفي النسخة الثانية تفاؤل وتحذير، إذ يطلب الكاتب من الجزائريين ألا يقنطوا من رحمة الله، وينفي بنفسه أن تكون أخباره مجرد تنبؤات. ويزعم أنه وقد كشف له عن التصريح بالبداية ولم يكشف له عن التصريح بالنهاية (ولكني نهيت عن الإظهار، كما هو شأن هذه الأسرار، ولقد قالوا صدور الأحرار قبور الأسرار

وإلى هنا أشد عنان اللسان، وللحيطان آذان، ورب كل يوم هو في شأن). فالنهاية هنا رغم غموضها متفائلة، كما تلاحظ. وعنوان هذه النسخة مختلف قليلا أيضا، فهو (التأسيس فيما سيقع بالمسلمين من دولة الفرنسيس). أما النسخة الأولى فقد ذكرها البوعبدلي هكذا:(الأخبار ذات التأسيس فيما وقع وسيقع مع الفرنسيس). ومن ثمة نرى أن العناوين متقاربة ولكنها مختلفة، وهي تحتفظ بكلمتين أساسيتين هما التأسيس والفرنسيس، مع الإشارة إلى الأحداث ماضيا ومستقبلا. ومن الواضح أن منشورا دعائيا

(1) البوعبدلي، مقدمة دليل الحيران. انظر المقارنة مع النسخة الثانية في نفس المصدر. ويبدو أن هذه النسخة متأخرة في كتابتها عن الأولى، إذ تعود إلى أوائل الحرب العالمية الأولى (أحداث بني شقران 1917؟)، كما قال كريستلو. ويمكن الجمع بين ما ذهب إليه البوعبدلي وكريستلو إذ من الممكن أن يكون الزياني قد ألف النسخة الأولى أثناء حياته من (أقوال التأسيس) أو الأخبار ذات التأسيس، ثم جاء آخرون وأضافوا إليها ما بدا لهم من أحداث، إلى ثورة بني شقران.

ص: 379

كهذا كان له وقع على الفرنسيين أكثر من عدة عرائض ووفود ومقالات صحفية في آخر القرن الماضي وبداية هذا القرن. ولا ندري الآن ما تأثير هذا المنشور الخطير على الرأي العام الإسلامي عندئذ، سيما الشبان الذين كان عليهم أن يؤدوا الخدمة في الجيش الفرنسي، وفي أحداث بني شقران والأوراس، بل وفي ثورة عين التركي سنة 1901.

9 -

ومن أبرز الكتب التي تناولت تاريخ وهران والناحية الغربية عموما كتاب (طلوع - أو طلعة - سعد السعود في شأن وهران وجيشها الأسود). واشتهرت نسبة هذا الكتاب إلى إسماعيل بن عودة المزاري. وهو كتاب ضخم ضم تواريخ قديمة وحديثة، ودولا كثيرة، وتوسع فشمل فترة الاحتلال الفرنسي، ثم حياة قبيلتي الدوائر والزمالة، أو المخزن، وكان المؤلف من الدوائر. وربما لم تحظ أي منطقة في الجزائر بعمل تاريخي كبير بهذا الحجم.

وقبل أن نتحدث عن المؤلف وعن فصول الكتاب وظروف التأليف، نذكر بعض المعلومات عن المخزن كما كان شائعا في القرن الماضي. فالعبارة في الحقيقة تعني السلطة الرسمية، أو من يمثلها، وبعد اختفاء النظام العثماني في الجزائر بقي المخزن متمثلا في القبائل التي كانت تتعامل مع ذلك النظام بالخدمة والطاعة، وكانت تكسب منه الجاه والنفوذ والمال. وقد تعامل بعضهم مع الأمير، وعارضه آخرون لأسباب عديدة، منها أنه قدم عليهم أهل الدين والمرابطين وسوى بين الناس في الضرائب والخدمة، فما كان من بعض أهل المخزن إلا أن عرضوا خدماتهم على الفرنسيين على أن يتمتعوا بما كانوا يتمتعون به من امتيازات في العهد العثماني. فوافقهم الفرنسيون على ذلك مؤقتا لأنهم كانوا في أشد الحاجة إلى من يخدمهم من أهل البلاد ليضربوا الصفوف ببعضها (فرق تسد)، ثم داروا عليهم بعد أن انتهت الحاجة منهم. ومن أوائل من عرض خدماته على الفرنسيين من المخزن قبيلتا الدوائر والزمالة (اتفاق الكرمة 1835). وكان على رأسهم عندئذ مصطفى بن إسماعيل، عم مؤلف الكتاب، وابن عودة المزاري، والد مؤلف الكتاب. وبالإضافة إلى ذلك هناك قبيلة البرجية الكبيرة، والتي كان يقودها محمد

ص: 380

المخفي. لقد كان المخزن إذن يتمتعون بامتيازات عديدة، منها الإعفاءات من الضرائب، ومنحها الاقطاعات من الأراضي، مقابل الحرب إلى جانب السلطة سواء عند الفتن الداخلية أو عند الغارات الخارجية.

وكان المخازنية هم الفئة الغنية والمتنفذة، وهم الأجواد ورجال السيف والبارود، والفرسان الذين يتقنون الرماية وركوب الخيل، ويمتازون بالشجاعة والإقدام. وكانوا هم عمدة الدولة الذين تنتصر بهم على أعدائها. وهم الأسود، الذين عناهم مؤلف (طلوع سعد السعود). لقد كانوا يمثلون الإقطاعية أو الارستقراطية، كما يسميها الفرنسيون. فهم الأغنياء المترفون أكثر من غيرهم، وهم سكان الأبراج والخيام الكبيرة إذا سكن غيرهم الأكواخ ونحوها. وهم فرسان الميدان ولابسو الحرير والثياب الوتيرة، وهم أهل القهوة والشاي والدخان التي لا تتوفر لغيرهم عادة، وهم ذواقة الشعر وأناشيد الفخر والحماسة. وكانوا فخورين بأصولهم وهندامهم وطبقتهم الاجتماعية. ولكنهم مع ذلك لا يؤلفون طبقة متماسكة، بل قد تكون بينهم خصومات وحتى حروب. وهم على حذر من رجال الدين والمرابطين، يحترمونهم، ولكنهم يخافون نفوذهم لدى العامة، ولذلك كانوا، حتى في زمن الاحتلال الفرنسى، فى أشد الخصام والحذر منهم. وقد أشرنا إلى العلاقة المتوترة بين آغا فرندة والمرابط. ومنذ الستينات أخذ الفرنسيون يعتمدون على رجال الدين بدل رجال السيف (المخازنية). وإلى 1835 كان أهل الدوائر والزمالة والبرجية مع المقاومة تحت لواء الأمير، ثم أخذوا يتخلون عنه وينضمون للفرنسيين ضده. ويضاف إليهم الكراغلة في كل من تلمسان ومستغانم، ثم بعض الطرق الصوفية مثل التجانية والطيبية (1).

ذكرنا هذه الخلفية لتعلم أن إسماعيل بن عودة المزاري مؤلف (طلوع سعد السعود)، كان من هذه الطبقة المخزنية، وكان والده وعمه من أعيانها

(1) بهذا الصدد انظر دراسة محمد غالم (مقاومة الأمير عبد القادر) في (مجلة الدراسات التاريخية) عدد 8، ص 40 - 42.

ص: 381

وقوادها. فهو جواد من أهل السيف والحرب وليس من أهل العلم والقلم. فما هي حياته؟ إن ترجمته مجهولة إلى اليوم، ورغم أنه ترجم لنفسه في طلوع سعد السعود فإن الصفحات المعنية بذلك (538 - 545) قد بترت من الكتاب بفعل فاعل، حرصا عليها أو خوفا منها. وكل من تعرض له ولكتابه وجد فقط أن اسمه هو إسماعيل بن عودة المزاري، وأن والده محمد المزاري كان من كبار الزمالة والدوائر وكان آغا في آخر العهد العثماني وبداية العهد الفرنسي، وكان محمد (ابن عودة) المزاري قد حالف الأمير عبد القادر فترة وولاه هذا على قومه، ولكن اتفاق 1835 لم يترك له المجال لمواصلة التحالف فانضم إلى عمه مصطفى بن إسماعيل وأصبحا حليفين للفرنسيين (1). أما إسماعيل المزاري فقد تثقف على يد الأسرة الزيانية، ولا سيما محمد بن يوسف صاحب كتاب دليل الحيران. وعاش إلى أواخر القرن الماضي، أي بعد 1897، ولكن تاريخ وفاته غير معروف. وهذه العلاقة بينهما - المخزنية والعلم - ستتطور إلى دورها في الكتاب الذي نحن بصدده.

ونسبة الكتاب إليه ما تزال مشكلة بين الباحثين: هل الكتاب كله له أو جزء منه فقط أو ليس له فيه سوى الاسم؟ ويقال إن أول من أثار الضباب حول هذه النسبة هو الضابط مارسيل بودان حوالي 1924، وذلك حين تعرض إلى كتاب (الطلوع) ومؤلفه. وخلاصة رأيه أن المزاري كان من رجال المخزن وليس من رجال العلم، وليس له دور في الكتابة والبحث، وإنما استبد على بعض المؤلفين الحقيقيين أمثال شيخه محمد بن يوسف الزياني، مقابل ولاية القضاء وبعض المصالح الدينية. فالكتاب أصلا من تأليف الزياني. ويدل على ذلك أن الزياني قد ترك آخر جزء فى كتابه (دليل الحيران)

(1) في رسالة من يحيى بوعزيز (29 يونيو، 1989) أن محمد المزاري استمر في خدمة الفرنسيين إلى تقاعده. ثم ذهب إلى الحجاز وجاور بمكة، ثم رجع إلى الجزائر واستقر فترة بالعاصمة، ثم حل بسهل ملاتة حول وهران، وأخيرا استقر بهذه المدينة إلى وفاته سة 1862. وقد ترجم له ابنه في الطلوع ترجمة واسعة وضمنها شجرة النسب العائلي.

ص: 382

معلقا وذكر أنه سيتناول فيه الاحتلال الفرنسي (الدولة التاسعة). ونتج عن ذلك أن (الطلوع) قد احتوى هذه الدولة التاسعة (الاحتلال الفرنسي) وكذلك تاريخ الدوائر والزمالة وأهل المخزن. ويقر بودان بأن الجزء الأخير فقط (وهو المخزن) قد يكون من تأليف المزاري. وله أدلة على ذلك، من بينها أن مؤلف هذا الجزء ذكر أن ذلك هو المقصود بالذات (عين المراد) من كل التأليف. ومنها أن الحديث عن العهد الفرنسي أولى بالزياني الذي وعد بذلك في دليل الحيران منه بالمزاري. كما أن الأساليب اللغوية والظروف التاريخية تساعد على نسبة الطلوع في أغلبه إلى الزياني وليس إلى المزاري (1). ولم نر من قارن أيضا بين عمل أحمد ولد قاضي عن الدوائر والزمالة (وهو أيضا منهم) وما جاء عنهم في كتاب (الطلوع).

يتألف الطلوع من خمسة مقاصد (وليس فصولا)، تتشابه في ترتيبها مع ترتيب (دليل الحيران) للزياني، غير أن هذا استعمل الفصول بدل المقاصد. الأول في تأسيس مدينة وهران، والثاني والثالث في تراجم الرجال من العلماء والأولياء، والرابع وقد شمل 486 صفحة من أصل المخطوط الذي يحتوي على 582 صفحة، تناول فيه أخبار وهران والدول المتعاقبة عليها، وقد حشاه بمعلومات تاريخية منقولة عن غيره، كما سنذكر، أما الخامس الذي سماه (عين المراد) والذي لا يمثل سوى جزء ضئيل (حوالي 50 صفحة) من المخطوط الضخم، فهو عن تاريخ أهل المخزن وأعيانهم الذين تولوا حكم الناحية الغربية في عهود مختلفة. وبذلك يبدو الكتاب وكأنه خاص فعلا بتاريخ وهران من أقدم العصور إلى وقت المؤلف، وظهر أن في الكتاب حشوا لا علاقة له بالموضوع كحديث المؤلف عن دول وملوك فرنسا وإسبانيا. فهل ذلك راجع إلى كون هاتين الدولتين استعمرتا وهران أو إلى كون الضباط الفرنسيين قد تدخلوا في خطة التأليف ووجهوا المؤلف إلى التوسع والاستطراد؟.

(1) ابن عودة المزاري (طلوع سعد السعود)، تحقيق يحيى وعزيز، طبع دار الغرب الإسلامى، بيروت، جزآن، 1990.

ص: 383

إن مصادر (الطلوع) تساعد على ذلك. فقد اعتمد مؤلفه (أو مؤلفاه - مؤلفوه؟) على الكتب العربية والأجنبية. وأهم الكتب العربية المؤلفة حول الناحية هي مؤلفات أبي راس والحميري (مسلم بن عبد القادر) والحسين خوجة، والشقراني والزياني (على فرض أن الكتاب ليس له)، ولعل ابن خلدون أيضا. وبالإضافة إلى ذلك اعتمد الطلوع على مؤلفات تعرضت إلى حكام فرنسا واسبانيا، وعلى تأليف (ايسترهازي) حول الحكم العثماني للناحية الغربية، وكذلك على (ما تنبري)(1). فهل كان المزاري والزياني على دراية باللغة الفرنسية أو الإسبانية ليستعينا بها على تأليف عمل مثل الطلوع؟ أما حياة الزياني فلا تدل على ذلك، رغم أنه كان يعرف بعض الفرنسية، وأما حياة المزاري فهي - كما قلنا - مجهولة إلى الآن.

والعنوان الأصلي للكتاب هو (طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود)، وأحيانا ترد عبارة جيشها مكان مخزنها. ولكن المحقق أو الناشر قد اختار الإضافة والإشهار للعنوان فأصبح (طلوع سعد السعود في أخبار وهران والجزائر وإسبانيا وفرنسا إلى أواخر القرن التاسع عشر). إن محتوى الكتاب يشمل كل ذلك فعلا، ولكن المخطوط كان بعنوان مختصر ومركز على (عين المراد). وقد لاحظ الذين درسوا الطلوع أن صاحبه لم يكن مؤرخا ناقدا أو معللا دقيقا للأحداث. وإنما كان يسردها بعد نقلها من مظانها دون تدخل. ورغم أن حياة الأمير عبد القادر ومقاومته وتاريخ الدوائر والزمالة أصبح معروفا، فإن الطلوع يقدم وجهة نظر خاصة حول ذلك كله، لأسباب منها أن المؤلف كان يعبر عن المواقف الصعبة التي اتخذها زعماء العهد الأول من الاحتلال. ومن الجيد أن يقارن الباحثون بين ما جاء في كتاب الطلوع وكتاب ولد قاضي عن الدوائر والزمالة أيضا.

(1) محمد غالم، مرجع سابق، والدول التسع المشار إليها - وقد وردت أيضا في كتاب الزياني - هي الأمويون، والعبيديون (الفاطميون) والمرابطون، والموحدون، والزيانيون، والمرينيون، والإسبان، والأتراك، والفرنسيون. وحين تحدث عن الأمير أثناء العهد الأخير كان الموقف منه مشابها لموقف الزياني، انظر ما سبق.

ص: 384

وقد لاحظ المحقق أن مستوى التأليف أيضا ضعيف. فالمقاصد غير متوازنة في مادتها (وقد لاحظنا أن بعضها كان يشمل بضع صفحات، وبعضها يشمل المئات). وبالإضافة إلى الحشو والاستطراد والأخطاء التاريخية، هناك أيضا الأخطاء اللغوية وضعف الأسلوب. أما مصادره فكثيرة، إذ بلغت حوالي الخمسين. ولكن الاعتماد عليها غير متوازن أيضا. وقد جاءت فيه معلومة جديدة عن كفاح الأمير وطريقة انهزامه، خلافا للرواية المتواترة حتى الآن. ومهما كان الأمر فإن تاريخ الانتهاء منه غير معروف، ويرجح الشيخ البوعبدلي أن يكون ذلك حوالي الستينات من القرن الماضي، ولكن وجود اسم الحاكم العام لويس تيرمان في آخر عهده 1890 يدل على أن الانتهاء منه كان أوائل التسعينات، رغم أن المكتوب لا يشمل العهد الفرنسي كله إلى نهاية التأليف. والغريب أن البوعبدلي يذهب إلى أن المزاري يتميز بالموضوعية والنزاهة ومحاولة تبرير تصرفات عشيرته وموقفهم من الأمير، لتداخل قبيلة بني عامر (1).

10 -

في سنة 1912 ألف أحد المترجمين باسم يحيى/ ياسين (لأنه رمز إلى اسمه بحرف Y). كتابا بعنوان مازونة العاصمة القديمة للظهرة. والمؤلف من مازونة، وكان مترجما احتياطيا في الإدارة، ولعله كان يعمل في سلك القضاء. وظهر التأليف في سلسلة تسمى (الجزائر كما يتحدث عنها ويصفها أهلها). واعتمد المؤلف على ما قاله ابن خلدون من أن مازونة قد أسسها المغراويون (مغراوة) في القرن السادس الميلادي. وأنها لخصوبتها وأهمية موقعها قد تداول عليها الطامعون. ودخلت التاريخ في عدة مناسبات منها أحداث الظهرة الشهيرة، سواء في ثورة 1845 حين قاد بومعزة حملة ضد الفرنسيين أو المقتلة التي عرفها أولاد رياح (غار الفراشيش) في نفس السنة، على يد العقيد بيليسييه. وكانت مازونة مركز علم وتعليم أيضا، ومحطة لأهل الأندلس الذين تركوا فيها بصماتهم الحضارية. وفي زمن المؤلف كانت

(1) البوعبدلي، رسالة منه إلي بتاريخ 10 أكتوبر، 1979.

ص: 385

مازونة ما تزال جذابة كما كانت، ومركزا للطرق الصوفية حيث تجد كل واحدة منها مكانا للنشاط وجذب المريدين. كما كانت تحتوي على خمسة مساجد، ومدرسة قديمة (سنة 1850 افتتح الفرنسيون المدرسة الرسمية هناك، ثم حولوها إلى تلمسان)، ومكتبة هامة.

إن هذا التعريف السريع بمدية مازونة ليس تاريخا بمعنى الكلمة، ولكنه ضم معلومات تاريخية. وكان المؤلف قد نشر بعض المقالات في جريدة (الأخبار) عن مازونة ثم جمعها ونشرها في هذا الكتيب الذي يعتبر من المؤلفات الاجتماعية، إذ يضم أيضا معلومات عن التقاليد الشعبية، وبعض الصور (1).

11 -

تقييد كتبه عبد القادر بن قارة سليمان حول عائلته. وكان عبد القادر هذا قايدا، والقيادة وظيفة إدارية رسمية، غير أنها أصبحت خالية من النفوذ حين كتابة التقييد (1908). وقد سجل عبد القادر هذا بعض تواريخ أفراد عائلته وتوليهم القيادة للفرنسيين بل وقبل الفرنسيين أيضا. فالعائلة عريقة في الوظائف المخزنية، حسب التقييد. فقد تولى أبوه سبع سنوات. وكان زمان ولايته يدعى (عام الشر)، ومع ذلك كان يواسي الناس ويخرج لتفقد الأمن. ومن هذه العائلة من مات مقتولا (كذا) أي شهيدا، أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830. ومنهم محمد بن قارة سليمان الذي شارك الأمير في المقاومة. ولم يذكر التقيد أنه تولى وظائف للفرنسيين بعد هزيمة الأمير. وإنما قال إنه أدى فريضة الحج سنة 1313 عندما بلغ 89 سنة من عمره. وقد أدركته الوفاة قبل استكمال الحج. وبقي أولاده مشتغلين بالتجارة. ويبدو من التقييد أن القايد عبد القادر هو ابن محمد بن قارة سليمان (2).

(1)(مازونة العاصمة القديمة للظهرة)، المطبعة الجزائرية، 1912، 50 صفحة. مراجعة ل. بوفا في (مجلة العالم الإسلامي)، مارس 1913، 331 - 332.

(2)

أوغست كور (الاحتلال المغربي لتلمسان) في (المجلة الإفريقية)، 1908، ص 65.

ص: 386