الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 -
رسالة يوغرطة، للشريف الساحلي، الجزائر 1947. وهو من المؤلفات التي وظفت الماضي من أجل الحاضر واستخدمت الرموز التاريخية لدفع الحركة الوطنية.
الأنساب والأشراف
كانت العناية بالأنساب وحفظها من أبرز سمات المجتمع العربي. وقد ظل الأمر كذلك إلى أواخر القرن الماضي. ويرجع ضعف الاهتمام بها إلى عدة عوامل أبرزها تحطيم كيان المجتمع على يد السلطة الفرنسية بدعوى القضاء على الارستقراطية العربية (والخيام الكبيرة)(1). وقد بدأ ذلك مع مطلع الستينات من القرن الماضي ولا سيما منذ التشريع المعروف بقانون الأرض (1863). فقد أدى في النهاية إلى اختفاء العائلات الكبيرة المحافظة على أنسابها وأصولها عن طريق الآباء والشيوخ، حتى أن أحد الحكام العامين (كامبون) قال في آخر القرن إنه لم يبق في الجزائر من العائلات الارستقراطية سوى الهباء.
وكانت العائلات تحتفظ بأنسابها في أوراق خاصة وفي شكل أشجار منظمة ومتفرعة أبا عن جد. وكانت كل عائلة تفتخر بشجرتها النسبية الموروثة عن أحد كبارها أو نسابتها. ولا تظهر هذه الأشجار/ الوثيقة سوى عند الحاجة إليها لإضافة مولود جديد أو تسجيل وفاة أو توزيع تركة يحتاج الأمر فيها إلى الرجوع إلى الأصل. وفي ميزاب مثلا يحتفظ القضاة بأشجار النسب لاستعمالها عند التقاضي. يقول العقيد بورا: إن القضاة هناك يحتفظون بأشجار النسب في أماكن ورسائل خاصة. وكانت مكتوبة على جلود الغنم المدبوغة. وقد طلب من قائد الناحية - اسمه بلالو، وكان قد
(1) الخيام الكبيرة مصطلح استعمله الفرنسيون ليرمزوا به إلى العائلات العربية الكبيرة ذات النفوذ الواسع في الأرياف (البادية) بالخصوص. وقد كتبنا بحثا عنوانه (آخر الأعيان أو نهاية الارستقراطية العربية في الجزائر) في مجلة (المنارة)، جامعة آل البيت، الأردن، عدد تموز، 1997.
تخرج من ثانوية الجزائر الفرنسية - أن يرى ذلك بعينه، فجاءه بنموذج على يد القاضي. وذكر أن من الأشجار النسبية ما يرجع إلى عشرة قرون خلت، وكانت محفوظة في الجلود، وكانت مطوية طيا خاصا وموضوعة في أنابيب من الحديد لحفظها واستعمالها عند الحاجة كمعرفة الأنساب وتقسيم التركات، ونحو ذلك (1).
وكان هدف الفرنسيين هو القضاء على الأصول العائلية وقطع آثار الماضي بعد أن ثبت لديهم أن معظم الثورات كانت بإيعاز أو بقيادة الأشراف والمرابطين والأجواد، وكل هؤلاء يرجعون في أصولهم إلى أنساب عريقة. ونحن لا نريد أن نقول إن هذه الأنساب صافية كلها وصادقة فيما يدعيه أصحابها. ولكننا نؤكد على أهمية حفظ الأنساب وعلاقة ذلك بردود الفعل ضد الفرنسيين. وقد ثبت لهؤلاء بعد التجربة أن الانتهازيين الجدد، أولئك الذين ليس لهم أصول عائلية، هم الذين أسرعوا في الذوبان في الفرنسيين وقبول نمط عيشهم والخضوع إليهم، خدمة للمصالح المشتركة. ولذلك مال الفرنسيون إلى هؤلاء بعد أن اعتمدوا في أول الأمر (حوالي ثلاثين سنة) على بعض المرابطين والأشراف والأجواد، واستفادوا من سمعتهم ونفوذهم.
وبتقادم العهد خيم الجهل بالأنساب ونسج النسيان والغموض خيوطهما على الذاكرة العائلية. وقد مر بنا في غير هذا أن الأجيال الجديدة لم تعد تهتم بالأنساب، وأخذ الفكر الغربي يحل محل الفكر الشرقي لدى طائفة المثقفين بالفرنسية، وانقطع هؤلاء عن أصولهم العائلية - رغم أن بعضهم كان من عائلات معروفة في التاريخ - بحكم جهلهم التام باللغة العربية، والتقاليد وأشجار النسب. وقد عرفنا نحن بعضا من هؤلاء فكانوا يملكون أشجارا نسبية ووثائق عائلية ولكن لا يدركون لها معنى، أو لا يفهمون عنها إلا فكرة غامضة.
(1) العقيد بورا BURAT (ميزاب وأسرارها) في مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر وشمال افريقية SGAAN، 1930، ص 172.
ولكن هذا لا يعني أن الانتساب قد اختفى. فقد وجدنا الانتماء إلى الأشراف قد ازداد اتساعا، نتيجة الفقر والاضطهاد. وأصبح من الشائع في القرن الماضي إن شيوخ الطرق الصوفية وبعض العناصر المعارضة للاحتلال قد لجأت إلى اختلاق أنساب تربطها بالشرف وترجع بها إلى أصول غامضة. ويجب التنبيه إلى أن فكرة الشرف لم تبق مرتبطة بأصول عرقية أو عربية أو الانتساب إلى آل البيت فقط، بل إن هناك عائلات شريفة في الأوساط البربرية سواء كان ذلك عن طريق اختلاط الدماء بالمصاهرات (وهناك البعض يجيزون الشرف من قبل الأب أو من قبل الأم أو من كليهما) أو كان عن طريق دعاوى أخرى كالانتماء إلى أشراف قريش أو بقايا الصحابة الذين نزلوا الجزائر أيام الفتح. وقد ظل الانتماء إلى الأدارسة والحسنيين، والساقية الحمراء والغرب (المغرب) علامة على حفظ الشرف والانتساب إلى آل البيت. أما الأنساب الأخرى القائمة على المجد السياسي والعسكري فقد ظلت متواترة ولكنها تأثرت بالأحداث التي عرفتها البلاد، كما ذكرنا (1).
وأمام هذه التطورات لم يبق للكتاب موضوعات كثيرة يعالجونها حول الأنساب. فقد اختفى الاستشهاد بكتب نسابة البربر التي كانت المصدر الأساسي لابن خلدون والتي كانت متوفرة على عهد أبي القاسم الزياني أوائل القرن التاسع عشر، مثل تواريخ سليمان بن إسحاق المطماطي، وهاني بن يصدور القومي، وكهلان بن أبي لؤي الأوربي (2). ولكن المستشرقين اطلعوا - دون الجزائريين ربما - على أعمال في أنساب بعض الأمراء والعائلات في العصور الإسلامية، مثل تاريخ سعيد العقباني في دولة بني زيان، وتاريخ ابن مرزوق المعروف بالمسند الصحيح الذي تناول فيه حياة
(1) انظر فقرة آخر الأعيان في الحركة الوطنية، وكذلك بحثنا (آخر الأعيان أو نهاية الارستقراطية العربية بالجزائر).
(2)
عالجها المستشرق رينيه باصيه في (الأرشيف البربري) تحت عنوان (النسابة البربر)، المجلد 1، ص 1 - 13. انظر مولاي بلحميسي (الجزائر من خلال رحلات المغاربة)، 19، ص 160 - 161.
السلطان أبي الحسن المريني. أما كتاب السلطان أبي حمو موسى المسمى واسطة السلوك، فقد نشر بتونس سنة 1862، ولا شك أن بعض الجزائريين قد اطلعوا عليه، كما اطلعوا على تاريخ ابن خلدون بعد ترجمته إلى الفرنسية في الخمسينات (1). وكذلك نشرت جريدة المبشر كتاب (عجائب الأسفار) لأبي راس، في حلقات، خلال الثمانينات من القرن الماضي. وقام بعض ضباط المكاتب العربية بترجمة ونشر بعض كتب الأنساب من أشراف غريس وغيرهم. وهكذا توفرت مادة طيبة عن الأنساب للمهتمين بها، ولكن المعنيين بالأمر كانوا في أغلب الأحيان غائبين عن هذه المنشورات.
ولا نريد أن نؤرخ هنا لأنساب القبائل الرئيسية في الجزائر، وهي في الواقع جزء من الخريطة العامة لسكان المغرب العربي منذ أقدم العصور. ورغم ذكر القبائل البربرية والعربية فإن الدماء قد امتزجت بالمصاهرات واختلطت الأنساب ببعضها، وأصبح من الصعب تمييز هذه القبيلة عن الأخرى في الواقع. إننا لا نجد تاريخا لأنساب هوارة وكتامة وزناتة وصنهاجة وغيرها في العصر الحديث. وكان الفرنسيون يكررون ما وجدوه في الكتب القديمة من أن الشاوية والحراكته وأولاد خيار من هوارة، وإن سكان منطقة البابور وأجزاء من الحضنة يرجعون إلى كتامة وأنهم قد تعربوا بالإسلام، وإن أهل زواوة قد تفرقوا في خدمة الممالك التي ظهرت مثل أشير وقلعة بني حماد. أما زناتة فقد انتشرت من وسط الصحراء إلى المغرب الأقصى، وقد تعربوا أيضا بالإسلام. وفي الجنوب نجد تارقة ولمطة حيث فروعها في منطقة الهقار. ومن تارقة كان مسلم بن عبد القادر، وهو كاتب لآخر بايات وهران. وفي الجنوب أيضا ينسبون إلى (التارقي) طبقا للذاكرة التاريخية وليس إلى الطوارق، كما يظهر من الكلمة التي فسرها بعضهم بأنها تعني الطوارق الذين يقطعون الطرق أو التوارك الذين تركوا الوثنية ودخلوا في الإسلام. ولكن أين المؤلفات التي تحدثنا عن أنساب هؤلاء وأولئك الآن؟.
(1) انظر تعليق محمد الشاذلي على النسخة المهداة إليه من تاريخ ابن خلدون، في كتابنا (القاضي الأديب).
وقد عرفنا في فصل سابق (1)، أن معظم النسابة المسلمين وكذلك التقاليد الشعبية (الشفوية) تنسب البربر إلى أصول عربية، سواء بالأصالة أو بطريق الولاء (2). وهناك من ينسبهم إلى قبائل حمير اليمنية، ومن ينسبهم إلى بني كنعان. ولكن ابن خلدون فصل الكلام في ذلك وأوضح أن هناك قبائل بربرية لها ميزاتها وأشرافها، وأن البربر يشتركون مع العرب في أمور ويختلفون عنهم في أخرى. وكان ابن خلدون قد اعتمد على النسابة من البربر، سواء كانت آراؤهم مدونة أو شفوية. وخاض بعض الفرنسيين في مسألة النسب العربي والبربري بهدف تركيز احتلالهم في الجزائر وليس بهدف علمي أو تاريخي. ومن الذين فعلوا ذلك العقيد كاريت والدكتور وارنييه والسياسي صابتييه. أما المؤرخ ستيفان قزال فقد كان مختلفا عنهم إذ حاول أن يدرس موضوع النسب البربري بتجرد. إلا أن إيميل غوتييه حاول الإساءة إلى التاريخ الإسلامي (العربي والبربري) متفقا في ذلك مع معاصره ألفريد بيل. وهكذا اضطربت الأقوال في الأنساب البربرية بدل أن تتضح. وقد ظل النسابة والمؤرخون المحدثون على الرأي القديم، وهو أن البربر من العرب العاربة أو من الشعوب التي تدامجت مع العرب حضاريا ونسبيا حتى لم يعد المرء يفرق بينهما إلا ببعض اللهجات والملامح.
يقول الشيخ إبراهيم أطفيش: البربر في الحقيقة من الحميريين رغم اختلاف المؤرخين في أصلهم، إنهم من الموجات المهاجرة من اليمن بعد سيل العرم، وكانا هم يقولون عن أنفسهم إنهم من الحميريين (وهذا الذي يجب أن يعتبر)(3). وجاء في كتاب (منابع الحضارة العالمية) لعبد الرحمن
(1) انظر فصل مذاهب وتيارات.
(2)
بالإضافة إلى المؤلفات التاريخية الإسلامية المعروفة، مثل المسعودي وابن حزم، انظر الروايات المنسوبة إلى كبار أهل زواوة سنة 1857 في المجلة الأفريقية، 1858. وقد ترجم النص السيد محمد واشق، ونشر في جريدة (الشعب) على ما أذكر أوائل الثمانينات. فقد كان معظمهم يتقدون أن أصولهم عربية.
(3)
إبراهيم أطفيش (كتاب الوضع)، ط 1، القاهرة، دون تاريخ ص 4 - 5، والكتاب =
ابن الحفاف أن أصل القبائل (الزواوة) فينيقيون - ساميون. ونحن نجد أقوالا شبيهة بهذه لدى الشيوخ: الإبراهيمي، وأبي يعلى الزواوي والفضيل الورتلاني. أما المصلحون كابن باديس، والسياسيون فقد اهتموا بالتركيبة الحاضرة للشعب الجزائري بقطع النظر عن الأنساب البعيدة وحكموا أن (الشعب) قد تكون عبر الزمن واندمج في بعضه وتلاحم وأصبح عجينة واحدة وعروة وثقى لا انفصام لها. وقد قال ابن باديس قولته الشهيرة:(إن ما وحدته يد الله لا تفرقه يد الشيطان)، وفي هذا المعنى قال الشاعر محمد العيد:
(فصار ابن مازيغ أخا لابن وائل).
ولنضرب مثلا على هذا التلاحم التاريخي بقبيلة نزليوة القاطنة بذراع الميزان. فقد كانت واحدة ولكنها تتألف من فروع هي: أولاد عيسى الذين قدموا من الصحراء، والقيروان وهم من بني فراوسن، وأولاد سالم ثم أولاد راشد وقد قدموا من ونوغة، وأولاد الشائب وهم مهاجرون من أولاد عبد الله القاطنين بزازوة في الصحراء، وأولاد يخلف، وهم مرابطون من بني خلفون. وكانت النزليوة من قبائل المخزن في العهد العثماني، ثم تولى عليها الحاج محمد بن زعموم (زعمون) هي وقبيلة فليسة (1)، وقل مثل ذلك ربما في قبيلة يسر والثعالبة والعمراوة وغيرها في المنطقة. ويمكننا أن ننقل هذه الخريطة إلى أي جزء آخر من القطر الجزائري لنعرف كيف تدامج السكان واختلطت الدماء والأنساب (2)، ولكن الجيل الحاضر يبدو أنه نسي هذه الظاهرة.
وفي الجزائر اليوم قبائل أخرى قد تكون نسيت أنسابها رغم أنها كانت إلى منتصف القرن الماضي حافظة لها ومعتزة بها. فأولاد عياد، وبنو قيل، والزراينة، والحرار، والشعانبة يرجعون إلى قبيلة أثبج، وهي مضرية - قيسية. وحميان، والعطاف، والديلم، والناظر، والسحاري، والزقدو، وأولاد نائل كلها ترجع إلى قبيلة زغبة. بينما أولاد يعقوب والذواودة والأرباع والطرود
= للجناوني. انظر رأي الطيب بن المختار في نفس الموضوع لاحقا.
(1)
انظر قان (ملاحظات تاريخية عن النزليوة) في المجلة الأفريقية، 1862، ص 424.
(2)
انظر ما كتبه لويس رين عن قبائل سوف فى المجلة الأفريقية، 1899، ص 120.
ينتسبون إلى قبيلة رياح. وهناك قبائل أخرى ترجع إلى القحطانية (أو المعاقل) مثل الأنكاد أو الحدج، وسكان الشلف الأدنى وسكان متيجة (الثعالبة)، كما يرجع بنو مزنى إلى قبيلة بني سليم، وهكذا.
وبعض هذه القبائل أو تلك لها أنساب في الشجرة الصوفية وأخرى في الشجرة السياسية. وقد اهتم رجال الطريقة القادرية بسيرة الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي تنتسب إليه الطريقة، ولا سيما كتاب العشماوي. واهتم الفرنسيون في عصر دراسة الطرق الصوفية بهذه الشجرة العريقة، فتناول لويس رين ذلك في كتابه (مرابطون وإخوان)، ثم جاء دور ديبون وكوبولاني في آخر القرن (1897). ولم يفت رجال الكنيسة الكاثوليكية أيضا أن يدلوا بدلوهم في هذا الميدان. فقام القس (الأب) جياكو بيتي، وهو من الآباء البيض وكان يقطن ويعمل في ورقلة ويتنقل عبر الصحراء، بترجمة نص كتابين، وهما (كتاب النسب) للعشماوي، وكتاب (العرف العاطر) لعبد السلام القادري (1). وقد كانت عائلات كثيرة في الجزائر تذهب إلى أن أصولها قادرية، سواء بالنسب الصوفي أو الشرفي، مثل عائلة الأمير عبد القادر، وعائلات أخرى في بجاية والعاصمة. ومن الجدير بالذكر أن كتاب النسب للعشماوي قد نشره أيضا في وقت لاحق الهاشمي بن بكار ضمن كتابه (مجموع النسب)، وسنشير إليه.
ولنذكر الآن بعض المؤلفات التي عالجت موضوع الأنساب خلال العهد الذي ندرسه، وكذلك المؤلفات التي تقف ضد المغالاة في ادعاء الشرف، وردود الفعل. ولا شك أن هذا موضوع شائك عند بعض الناس. غير أننا لا نهتم هنا بغير الجوانب التاريخية (2).
(1) انظر جياكوبيتي (كتاب النسب) المجلة الأفريقية، 1908، في حلقات، انظر أرقام المجلة الآتية: 244، 255، 269. وقد قام المترجم بذلك في الأبيض سيدي الشيخ 1905، وراجع الترجمة في ورقلة بعد ذلك.
(2)
عالج الهواري التواتي في بحث له بعنوان (الاعتزاز بالجدود والنظام الرمزي الشريفي في المغرب الأوسط خلال القرن 17 م (في مجلة (أرابيكة) مجلد 39، سنة 1992، =
1 -
كتاب القول الأعم في بيان أنساب قبائل الحشم، تأليف الطيب بن المختار الغريسي. وهو في حجم صغير، ومطبوع (1). وكانت نية المؤلف هي بيان أنساب الحشم لأن هناك من خاض فيها وخلط في ذلك وسمى كتابه رسالة على عادة القدماء، (مقتصرا على ما تدعو (إليه) الحاجة من مشاهر القبائل ورؤساء الفضائل وأعيان الأشراف دون الحاشية والأطراف). وقد رتبه على مقدمة وثلاثة فصول، أطولها وأهمها هو الأول. وفي المقدمة بين معنى الحشم في اللغة والمصطلح. فهي في اللغة تعني الحياء أو الغضب، وقال المؤلف إن المعنيين صالحان هنا لأن قبائل الحشم يتميزون بالحياء والغضب أيضا. أما في المصطلح فيعني مطلق الأنصار. وقد كان الحشم يدعون بالرواشد والراشدية، ولكنهم منذ دخلوا في خدمة بني زيان (القرن الثامن الهجري) أصبحوا يسمون بالحشم أي الأنصار. أما لفظ الأشراف فقد انجر إليهم لسكناهم غريس إذ كان سكان غريس يسمون بالأشراف. ويفهم من ذلك أن إطلاق الأشراف على الحشم ليس في الحقيقة ولكن بالتبعية للمكان. ومثلهم في ذلك الزناتيون الذين يجاورون الأشراف ويسكنون غريس ويختلطون بالحشم.
وفي الفصل الأول ذكر الطيب بن المختار أشراف غريس، وهو يطلق عليهم كلمة المرابطين، رغم أنه ليس كل مرابط شريفا، ثم ذكر من سماهم الأشراف حقيقة، فمنهم:
- أولاد دحو بن زرفة. وهؤلاء أصلهم من الأندلس من بني حمود الذين تولوا الملك هناك، واشتهروا في العهد العثماني وعهد الأمير
= ص 1 - 24. وهو بالفرنسية. تناول فيه مجموعة من المؤلفات التي أرخت للأشراف في الناحية الغربية، منها عقد الجمان، للتجيبي، وفتح الرحمان للراشدي، وغيرهما. وأشار الهواري إلى وجود كتاب في التوثيق من تأليف حسن بن محمد العطار، الجزائر (؟)، ذكر فيه أخبارا عن الأشراف.
(1)
طبع مطبعة ابن خلدون، تلمسان، 1961، ضمن كتاب (مجموع النسب) للهاشمي بن بكار، ص 329 - 355.
عبد القادر، ثم خمدت شهرتهم، لأسباب لم يذكرها، وربما يكون من بينها إبعاد (السادة) الأشراف بالتدريج عن النفوذ، كما ذكرنا، بعد قانون الأرض، والتنازع بين أصحاب الشرف وأصحاب الرياسة في معسكر خلال الخمسينات. ومهما كان الأمر فإن من علماء أولاد دحو: عبد القادر بن السنوسي، ومصطفى بن عبد الله. وكان أولاد دحو في تنافس مع أولاد دوبة.
- أولاد سيدي عمر بن دوبة، وكانت لهم الرياسة في أولاد ابن دوخة وغيرهم. ومنهم ابن آمنة بن دوخة خال الأمير عبد القادر.
- أولاد أحمد بن علي، وجدهم (أحمد) هو أول من استوطن غريس. كان أبوه يسمى سيدي علي بن عيسى، وقد قدم من وطن بني عامر. ومن علمائهم: أحمد بن التهامي والد مصطفى بن التهامي، خليفة الأمير عبد القادر علي معسكر وصهره.
- أولاد سيدي محمد بن يحيى، وهم من مغراوة، وكانت لهم الرياسة في أولاد بنفريحة الذين كان فيهم الجاه أكثر من العلم.
- المشارف، ويتصل نسب هؤلاء بإدريس، ومنهم عبد القادر المشرفي، صاحب زاوية الكرط بمعسكر، وحفيده ابن عبد الله سقاط (سقط) الذي كان من علماء الوقت، وهاجر إلى المغرب بعد 1843.
- مهاجة، وهي متصلة أيضا بإدريس والأشراف.
- أولاد سيدي أحمد الورغي (بورغية)، وأصلهم من المغرب الأقصى (أشراف؟).
- أولاد سيدي العيد، ومن علمائهم: محمد بن حواء (ولعل منهم الطاهر بن حواء، شاعر الأمير، انظر فصل الشعر).
- أولاد سيدي عبد القادر بن المختاري، وهم أدارسة، ومنهم الأمير عبد القادر (وكذلك الطيب بن المختار، المؤلف).
وذكر في الفصل الثاني العرب الذين ليسوا أشرافا وإنما سكنوا غريس
أيضا. ومن تعليقاته هنا أن البربر هم الذين قطنوا بلاد المغرب ودافعوا عنها ضد الأمم الأجنبية، قبل العرب. ثم قص قصة افريقش وكيف جاء بالعرب على رأس التبابعة الحميريين وأقام ببلاد المغرب فترة ثم رجع عنها، تاركا وراءه، كما قال المؤلف، قبيلتي كتامة وصنهاجة الحميرتين. وقد اندمجت القبيلتان في البربر وتكلموا لغتهم وتزيوا بزيهم وخدموا ملوكهم، إلى أن لم يبق لكتامة وصنهاجة ذكر في العرب. وبقي البربر هم أسياد بلاد المغرب إلى أن حل به الإسلام فرجحت الكفة للعرب من أجل الدين. وفي هذا الفصل أيضا حديث عن قبيلة قريش وغيرها من العرب والعائلات المتفرعة والتي لعبت دورا في المنطقة.
أما الفصل الثالث، وهو قصير جدا، فقد خصصه لقبيلة زناتة أو الموجود منها في غريس والذين اندمجوا في الحشم، وقد استبعد أن تكون زناتة من العرب، ولكنه قال إنها قد اندمجت في البربر. ويعرف الزناتيون من غيرهم بعد استبعاد العناصر الأخرى، فهم ما عدا الأشراف والأجواد والعرب الآخرين (1).
والطيب بن المختار من أقارب الأمير عبد القادر، وقد ذهب إليه في الشام وزاره في فرنسا سنة 1865، ومدحه بالشعر، وظل على صلة به طيلة حياته، وقد تولى القضاء في الجزائر، ربما بتدخل من الأمير. وظل في القضاء إلى تقاعده سنة 1881، وكان عضوا، في مجلس معسكر خلال الخمسينات، وعضوا في لجنة قاستنبيد في الستينات، وهي لجنة وضعت أسسا لسير القضاء الإسلامي والتدخل في شؤونه وأخذ صلاحيات القضاة المسلمين وإعطائها إلى قضاة الصلح الفرنسيين (2). وكان قد درس على
(1) يذكر الهاشمي بن بكار أنه استلف نسخة (القول الأعم) من خزانة الحاج العربي بن عبد الله شنتوف.
(2)
كريستلو (المحاكم)، ص 52 - 277، ويقول هذا المصدر إن الطيب بن المختار كان متهما بقتل ابن عم له. وكان متزوجة من عائلة بوطالب. وله أخ عمل أيضا في القضاء إلى تقاعده. ويقول كريستلو إن الصلة مع الأمير قد دعمت لأسباب سياسية. =
مصطفى بن التهامي وابن عبد الله سقاط المشرفي، ودرس في القرويين على أبي عبد الله محمد المجاوي (والد عبد القادر المجاوي) الذي هاجر إلى فاس. وكان الطيب بن المختار منافسا لابن عمه حسن بن الشرقي كما كان محمد بن الشرقي معاصرا ومنافسا. للأمير (1). وكان محمد هذا عالما ومفتيا بمعسكر زمن الأمير، وكان والد الطيب بن المختار من أعيان العلماء أيضا.
2 -
شرح محمد بن الأعرج السليماني على منظومة بغية الطالب في ذكر الكواكب، لعيسى بن موسى التجيني الغريسي. والكواكب هنا هم الأعيان أو السادات (الأشراف) كما سماهم صاحب الشرح. وكان هؤلاء الأعلام قد عاشوا في عصر الناظم أو قريبا منه، وهم مجموعة من العلماء والصلحاء، من أهل غريس والراشدية. وقد عاش الناظم في القرن العاشر الهجري (توفي سنة 962). وهو عمل أقرب إلى التصوف منه إلى التاريخ والأنساب. ولكننا أوردنا الحديث عن الشرح هنا لأن ابن الأعرج اعتمد في شرحه على المؤلفات التي ألفت حول الأشراف بالمنطقة. وقال إنه قام بالشرح لأن والده قد حثه على ذلك، ولأن النظم قد احتوى على مجموعة من (السادات) وقد أطلق على شرحه اسم (تسهيل المطالب لبغية الطالب).
وقام ابن الأعرج بالتعريف بالناظم، فقال إنه من أهل غريس ومن بني توجين الذين هم فرع من زناتة، سكان جبل الونشريس، ثم تحدث عن شيوخه في المغرب ومعسكر. وقد اعتمد ابن الأعرج في شرحه على مؤلفات سابقة له منها كتاب (القول الأعم) للطيب بن المختار، كما اعتمد على (فتح الرحمان) للراشدي. واتبع ابن الأعرج أبيات الناظم في الشرح، وقلما خرج عنها إلى الأحداث التاريخية والأنساب الفرعية، فاكتفى بالحديث عن سكان
= وعنه انظر أيضا ابن بكار، ص 143 - 144. فصل السلك الديني والقضائي.
(1)
يقول ابن بكار إن محمد بن الشرقي هم بالهجرة إلى المشرق، فقيل له في الهجرة نحو الشام حيث ابن عمه الأمير، فقال أهاجر إلى من يشفع في وفيه - يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم.
غريس والأشراف هناك، وأعقاب الناظم وغيره من العلماء والأولياء. وتبدأ المنظومة هكذا:
بدأت ببسم الله ربي ومالكي
…
مجيبي ومنقذي عند النوائب
وصليت ثانيا على خير خلقه
…
محمد المختار من آل غالب
ألا إن أهل الله ملجأ هارب
…
وغنية محتاج و (بغية طالب)
رجال كرام أدبوا فتأدبوا
…
بآداب تنزيل من الله غالب (1)
فأنت ترى أن طابع النظم هو التصوف، ولكن هل كان ابن الأعرج أيضا على نفس الهوى؟ إن كتابه (زبدة التاريخ) ومعاصرته للأحداث الكبرى في القرن الماضي وبداية هذا القرن تجعلنا نقول إنه سيسلك في شرحه منحى آخر. وها هو قد اعتمد الأدب وقوة البيان من جهة، والتصوف من جهة أخرى.
3 -
منظومة (الفتح) لشعيب بن علي الجليلي، قاضي تلمسان، وهي أرجوزة نظم بها (عقد الجمان النفيس في أعيان شرفاء غريس).
4 -
الحدائق الزاهرة الغصون في ذكر آبائي إلى النبي الكريم، لإدريس بن محفوظ الدلسي، ترجم فيه لأسرته التي هاجرت من الجزائر (دلس) إلى تونس، وقال إنهم أشراف (2).
5 -
قبائل الشرفة (الأشراف)، كتاب من تأليف محمد بن بوزيد، وعنوانه كتاب (الحقيقة). ونحن لا نعرف عن المؤلف أكثر مما ذكره المترجم والمستشرق الفرنسي (آرنو) الذي نشر منه قطعة في المجلة الإفريقية (3). فمن هو المؤلف؟ وما عصره؟ وما كتابه بالضبط؟ وما قيمته
(1) توفي ابن الأعرج سنة 1340 (1921). عن شرح ابن الأعرج انظر الهاشمي بن بكار (مجموع النسب)، ص 357 - 401. وكان النظم وشرحه قد طبعا في مطبعة ابن خلدون، بتلمسان، 1381.
(2)
محمد محفوظ (تراجم المؤلفين التونسيين) 3، وقد توفي الدلسي سنة 1934.
(3)
المجلة الإفريقية 17، ص 208 - 214.
العلمية؟ سيظل كل ذلك مجهولا إلى أن تتوفر معلومات كافية.
6 -
منظومة في الأنساب و (التصوف) قالها مصطفى المختاري في الشيخ الهاشمي بن علي بوشنتوف ونسبه. والهاشمي المذكور هو جد الهاشمي مؤلف كتاب (مجموع النسب). وهي في بضعة أبيات، وصفه فيها بأنه:
رئيس أهل العلم والدراية والفقه والتفسير والرواية (1)
ولا شك أن هذا العمل يدخل في أنساب أشراف غريس الذين تحدث عنهم الطيب بن المختار في كتابه (القول الأعم). والناظم مصطفى المختاري هو جد الأمير عبد القادر، وقد توفي بعين غزالة (ليبيا).
7 -
ألف عبد الله حشلاف، قاضي الجلفة في وقته، كتابا، في الأنساب أيضا، عنوانه سلسلة الأصول في شجرة أبناء الرسول. وهو مطبوع؟ وقد وصفه الشيخ أحمد توفيق المدني بقوله:(صديقنا الفاضل القاضي النزيه) وأخبر المدني كذلك أن (سلسلة الأصول) فيه فوائد تاريخية جليلة، ولعل المقصود بالتاريخ هنا الأنساب على الخصوص. وذكر مصدر آخر أن لحشلاف كتابا في الأشراف والأنساب عنوانه (بهجة الأنوار في نسب آل بيت النبي المختار) وقيل إنه ذكر فيه بعض العائلات الشريفة في الجزائر (2).
8 -
وقد ألف الشاعر عاشور الخنقي كتابه أو ديوانه منار الإشراف ونظم عدة قصائد في أنساب البوازيد وأولاد نائل وغيرهم. ويمكن القول إنه (تخصص) في موضوع الأشراف في وقته، ونصب نفسه للدفاع عنهم، واعتبر عصاتهم من المغفور لهم. وقد لاقى في سبيل ذلك العنت والإرهاق والسجن، وهاجمه بعض المعاصرين هجوما عنيفا، ومهم محمد الصالح بن
(1) الهاشمي بن بكار (مجموع النسب)، ص 139. والمنظومة تقع على صفحات 145 - 147، وكذلك توجد ترجمة للناظم مصطفى المختاري على ص 150.
(2)
المدني (كتاب الجزائر)، ص 95. ومفتاح (أضواء)، مخطوط.
مهنة، ومحمد بن عبد الرحمن الديسي (1)، وربما الشيخ الطيب العقبي أيضا. واعتصم هو بذوي النفوذ والجاه في الجزائر وغيرها. فناصره الشيخ محمد بن بلقاسم الهاملي والشيخ السعيد بن زكرى وأحد قياد القل، كما اعتصم بالشيخ أبي الهدى الصيادي نقيب الأشراف في السلطنة العثمانية على عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وببعض أعيان المغرب الأقصى أيضا.
ومهما يكن من أمر، فقد نعت الشاعر عاشور الخنقي نفسه بأنه (كليب الهامل) أي المنافح والمدافع عن الشيخ الهاملي والزاوية الرحمانية هناك، وبأنه خادم الأشراف ومقبل نعالهم، وقد أثار زوبعة في الجزائر آخر القرن الماضي وظلت متصلة إلى العشرية الأولى من هذا القرن. وكان موضوع النسب الشريف هو أساس هذه الزوبعة. ولعل الذي ساعد على انتشار صداها أن عاشور قد أعلن عن فكرته في الوقت الذي كان فيه الفرنسيون يرون الخطر كل الخطر في بقايا الطرق الصوفية. وكانوا يدرسون كيفية التغلب عليها واختراقها وتطويقها ومعرفة شبكاتها الخارجية، حسب دعواهم. ولكن السبب المباشر، فيما يبدو، هو نشر ابن مهنة بعض الآراء النقدية لما جاء في رحلة الورتلاني عن الأشراف (2).
ومنذ 1897 كتب ديبون وكوبولاني عن قضية عاشور الخنقي/ وابن مهنة، وما انجر عنها من مؤيدين ومعارضين، وذكرا أن السلطات الفرنسية قد تدخلت (لتهدئة الأوضاع). ولم يذكر المؤلفان المشار إليهما اسم عاشور ولا ابن مهنة، ولكن القرائن تدل على ذلك. ونفهم من النص أن ابن مهنة قد اشتكى من عاشور الذي اعتبره خارجا عن الدين (زنديقا). وقد وصف ديبون وكوبولاني ابن مهنة بأنه (رجل دين عميق الديانة) وأنه كان قد كتب على هامش أحد الكتب (رحلة الورتلاني) التي تتحدث عن الأشراف بأن الشريف الحقيقي هو الذي يخشى الله، أما الشريف المزيف كالذي يرتكب الجرائم
(1) شارك الديسي في مهاجمة عاشور برسالة عنوانها (الساجور للعادي العقور).
(2)
انظر رحلة الورتلاني كما نشرها في تونس، محمد الصالح بن مهنة والحواشي التي وضعها على النص.
والسرقات، فلا يستحق أي تقدير، وكل الأديان متفقة على ذلك. ولا شك أن هذا الكلام، وإن كان في ظاهره حقا، يساعد الفرنسيين الذين كانوا يرون أن سبب (التعصب) في الجزائر والثورات ضدهم هم الأشراف المزيفون (1). وعندما قرأ عاشور تعليق ابن مهنة على الأشراف ثارت ثائرته وهجاه بالشعر اللاذع، وسلط عليه لعنات السماء، حسب تعبير ديبون وكوبولاني، واعتبره قد تجرأ على مقام الأشراف الذين قال إنهم سواء عدلوا أو ظلموا فالله يغفر لهم، بل مغفور لهم قبل وجودهم. وسمى ديبون وكوبولاني عاشور (إخوانيا) أي أنه كان منتميا إلى إحدى الطرق الصوفية، وهي هنا الرحمانية التي كانت فرنسا تعتبرها على رأس قائمة أعدائها، سيما إذا عرفنا أن عاشور كان قد تلقى الورد على الشيخ الحداد نفسه في سجن قسنطينة، كما قال.
وقد انقسم الناس فرقتين حول هذا الموضوع الحساس عندئذ. وانتشر شعر عاشور في مدح الأشراف وهجاه ابن مهنة. ولا ندري مشاركة هذا في الموضوع بعد تعاليقه على رحلة الورتلاني وشكواه من تهجمات زميله. فهل كتب ابن مهنة أيضا ضد عاشور أو اكتفى بدروسه في الجامع الكبير بقسنطينة وتآليفه التي دعا فيها إلى الإصلاح والابتعاد عن الخرافات. ولكننا نعرف أن الموضوع قد تطور بينهما إلى فصل ابن مهنة نفسه عن وظيفه سنة 1905 وتفتيش منزله واتهامه بانتقاد الحكومة وتنظيماتها، واحتجاز كتبه فترة من الوقت، ثم عفى عنه ورجع إلى عمله، ولكن حياته لم تطل بعد ذلك. فهل ذلك يرجع إلى صراعه ضد خصومه من أنصار الأشراف مهما كان حالهم، بل من أنصار الركود الذي يحاول هو أن ينفيه عن الناس، ومن ثمة تكون الإدارة الفرنسية لها ضلع أيضا في الموضوع. ومهما كان الأمر، فإن هذه الإدارة كانت هي الرابحة في النهاية، لأنها عرقلت عمل الرجلين وضحت بهما معا حين أدخلت عاشور السجن ونفته سنوات طويلة، وعزلت ابن مهنة عن جمهوره وتلاميذه بعض الوقت، رغم أنه كان (عميق الديانة) كما قال ديبون
(1) انظر لويس رين (مرابطون وإخوان)، الجزائر، 1884، المقدمة.
وكوبولاني (1). وقد كتبت جريدة (الأخبار) أن ابن مهنة قد تراجع عن انتقاد الحكومة، وأن موقفه كان يتعلق بالعقائد (الدين والأشراف) وليس بالسياسة، ولذلك أعادته السلطات الفرنسية إلى وظيفه (2). وكان ذلك من تلاعب إدارة الشؤون الأهلية بأعيان المسلمين لترويضهم.
لا نريد هنا أن ندرس حياة عاشور ولا حياة ابن مهنة، بل سنكتفي بوصف كتاب (منار الإشراف) باعتباره من كتب الأنساب (3). بدأه بمقدمة مسجعة وطويلة تدل على تمكن عاشور من اللغة والأدب التقليدي في ذلك الوقت الجدب. وكان قد تثقف في الخنقة ونفطة وكانت له موهبة قوية في الحفظ والاستيعاب. وقد أشاد في المقدمة بآل البيت، عصاتهم وظالميهم، وحييهم وبذيهم، وبرئيهم وجريمهم، وذكيهم وغبيهم. (على أن الإيمان وما يعلق به من الأوصاف معلق كتابا وسنة وإجماعا على القوةة في الأشراف). وذكر أن الكتاب (الديوان) يشتمل على خطبة وخاتمة بينهما خمسة تصانيف، وهي أربع قصائد في فضل عصاة الأشراف ومواليهم من الأطراف. كما ذكر أن الكتاب موجه للرد على ابن مهنة (عدو) الأشراف، حسب تعبيره. وقد وصفه بمختلف الأوصاف البذيئة، وأطلق عليه أسماء الزنادقة ونحوهم مثل مسيلمة الكذاب، وأبي جهل، وابن سلول، والغريب أنه اعترف بأن الذي أوعز إليه بالرد على ابن مهنة هو الشيخ محمد بن بلقاسم الهاملي (الشريف الحسني البوزيدي) حتى لا يقتدي ضعفاء العقول بابن مهنة.
وبعد خطبة الكتاب التي استغرقت 52 صفحة، ذكر قصيدة (حسن الأمل) التي يسميها الكبرى، وقصيدة (كشف الخفاء) المختصرة من الأولى،
(1) ديبون وكوبولاني (الطرق الدينية) الجزائر، 1897، ص 248.
(2)
الأخبار، 11 صفر 1323 (16 أبريل، 1905). تناولنا موضوع الهجاء الذي صدر عن عاشور في فصل الشعر. وقد هجا عاشور أيضا عبد القادر المجاوي وشبه درسه بالسوق. وسنتعرض إلى ذلك.
(3)
عاشور الخنقي (منار الإشراف)، الجزائر، 1332 (1914). وقد درسنا هذا الديوان من الناحية الشعرية وحياة صاحبه في فصل الشعر.
وقصيدة (أعجوبة الإطراف) المخمسة للسابقة، وقصيدة (غاية الإنصاف) التي يسميها صغرى الصغرى. وهذه هي القصائد الرئيسية التي تناول فيها موضوع الأشراف وأنسابهم وفضائلهم. أما ما جاء بعد ذلك فهو نوع من الإضافات (1).
وقد انتصر في القصيدة الكبرى (حسن الأمل) إلى السلطات العثمانية، والغريب أننا لا نجد أية إشارة إلى اسم الأفغاني في شعر الخنقي الذي رجعنا إليه، بينما وجدناه يشيد بالسلطان عبد الحميد، ويعتبر آل عثمان من الأشراف، ونوه بأبي الهدى الصيادي، نقيب الأشراف في اسطانبول وشيخ الإسلام بها، كما قال. ونفهم من كلام عاشور أن ابن مهنة قد يكون رد على كتاب لأبي الهدى الصيادي اسمه (ضوء الشمس) واتهمه بالكفر وشنع عليه. وإذا عرفنا مكانة الصيادي في الدولة العثمانية والعالم والإسلامي علمنا مدى اتساع الموضوع الذي طرقه كل من ابن مهنة وعاشور، سيما في تلك الفترة (العشرية الأخيرة من القرن الماضي) التي اشتد فيها الاهتمام الفرنسي بالعالم الإسلامي (2).
والشخصيات الأخرى التي مدحها كرر فيها النسب الشريفي أيضا، من ذلك مدحه لأبي التقى، ومحمد السعيد بن زكرى، وعبد القادر بن رزيق. ففي الأول - وهو دفين برج بوعريريج - قال إنه نظم القصيدة (استشفاعا به عند الملك الوهاب)، وأبو التقى ممن قدم من فاس:
إليك أبا التقى مولى الموالي
…
حقيق، لو دروا، شد الرحال
لينتجعوا هماما هاشميا
…
سريا من ذؤابة خير آل
شريفا فاطميا حيدريا
…
سلالة تاج أرباب الكمال (3)
وفي ابن زكرى الذي سعى إلى إخراجه من السجن وعودته إلى الحياة
(1) يقول وقع الفراغ من تجميعه وترقيعه وترتيبه وتذنيبه (تذيله) في 13 صفر، 1332 (1914)، ص 168. انظر أيضا فصل الشعر.
(2)
(منار الإشراف)، ص 36 من الخاتمة، انظر كذلك فصل الشعر.
(3)
(منار الإشراف)، ص 159 - 163.
العامة. وكان ابن زكري من أهل زواوة ومن أشرافهم، كما قال عن نفسه وأكد ذلك عاشور الذي اعتبره من آل هاشم ومن الأدارسة:
إلى العلم الفرد السعيد محمد
…
سليل أبي العباس قطب الورى الزكرى
خليفة عليا هاشم في خلالها
…
بقية افتاء الأدارسة الزهر (1)
أما عن ابن رزيق فقد خصه بقطعة نوه فيها أيضا بشرفه، واعترف أنه هو الذي انتشله من براثن الجوع في قسنطينة، وساعفه (حالا ومالأ) فقال فيه:
لله عبد القادر بن رزين
…
مفتاح أغلاق العنا والضيق
ولد الفتى الفياض زين العابدين
…
ابن الحسين ابن النبي المصدوق (2)
ولعاشور قصيدتان في أشراف البوازيد الذين يقول إنه منهم، وكذلك شيخه الهاملي. واعتبرهم من أقطاب السياسة والقطابة أيضا. والقصيدة الأولى رائية ومذكورة في (المنار)، والثانية دالية، وقد عثرنا عليها في سريانة. وقد نقل شرف البوازيد عن ابن فرحون وأبي راس وغيرهما. وهم، حسب دعواه، منتشرون، من جبل عمور غربا إلى بسكرة شرقا:
جد البوازيد الضراغمة الذي
…
بالأربعينات استبد عن البشر
وعلى الرياسة والسياسة لابسا
…
تاج الخلافة أربعون على ظفر
وعلى القطابة في السياحة أربعون
…
مسلما لأخيه فيما قد شجر (3)
وفي الدالية كرر شرف البوازيد وافتخر بأصله وسماها (العقد الفريد في فضائل البوازيد)، وهي طويلة، ويذهب إلى أن آل عثمان والمقرانيين والشيخ الهاملي منهم. ومهما كان موضوعها فالقصيدة تعتبر من عيون الشعر في ذلك الوقت، وقد قالها سنة 1314 (1896). وبدايتها:
أبرق على وادي جدي يصعد
…
فبشر أن الحي بالري مسعد
(1) نفس المصدر، ص 30 - 31.
(2)
نفس المصدر، ص 21 - 22.
(3)
نفس المصدر، ص 58 - 60.
أم انهل نور من منارة خالد
…
يدل على أن البلاد ستسعد
وما سائر الأشراف إلا جواهر
…
ونحن البوازيد اليتيمة تفرد (1)
9 -
قصة أولاد عبدي وأولاد زيان، تقييد كتبه صالح باي بن محية (كذا) بن عمر، وهو أحد كتاب (خوجات) المكتب العربي في أولاد عبدي، أواخر القرن الماضي. ولم نطلع عليه ولكن من اطلع عليه نقل عنوانه الكامل هكذا (هاته أوراق فيهن (كذا) قصة أولاد عبدي وأولاد زيان من دخولهم إلى هنا عام 443 إلى هذا الوقت، وفيهن قصة بورك بن علي، سنة 1893). ولا نعرف أن هذا التاريخ هو تاريخ كتابة التقييد أو تاريخ قصة بورك بن علي (2). ويبدو أن عرض صالح باي من تقييده، هو بيان أن أولاد عبدي قد حافظوا على عاداتهم القديمة، دون أن نعرف الآن ما هي. وقد جاء ذلك في وقت كان فيه المستشرقون الفرنسيون يركزون على دراسة اللهجات المحلية ويصنفون (الأهالي) حسب أصولهم.
10 -
تاريخ الأشراف، لإبراهيم العوامر، ولعله هو الجزء الخامس بالأنساب والذي نشر مع كتاب (الصروف في تاريخ الصحراء وسوف) لنفس المؤلف. وعلى كل حال فقد ظهر باب الأنساب ضمن كتاب الصروف. ولم يظهر فيه أنه مهتم بالأشراف، وإنما الأنساب من حيث هي. فإذا كان له كتاب آخر عن الأشراف فإننا لم نطلع عليه ولا ندري من أشار إليه غير عادل نويهض (3).
وفي باب الأنساب تحدث إبراهيم العوامر عن قبائل سوف وأصولها وعددها وأماكن استيطانها. ونوه بالأنساب ونادى بضرورة معرفتها وحفظها. وبناء عليه فإن قبائل سوف كلها عربية، ومعظمها طرود وعدوان وفروعهما
(1) حصلت على نسخة منها من بلدة سريانة، كما ذكرت، كما سلمني نسخة منها الأخ أحمد بن السائح (بسكرة) في 3 يناير 1990. انظر أيضا فصل الشعر.
(2)
عبد الحميد زوزو، أطروحة الدكتوراه عن الأوراس، ص 169، هامش 2 من الجزء الثاني (مخطوطة).
(3)
معجم أعلام الجزائر، الفهارس، حرف (ت)، ط. 1.
ومن والاهما. وبعد أن تحدث عن نسب بني هلال وبني سليم ذكر القبائل بالتفصيل في كل بلدة من بلدان سوف المعروفة في وقته، وهي: الوادي، وكوينين وقمار وتاغزوت والدبيلة وسيدي عون والزقم والبهيمة، وكذلك القبائل المجاورة مثل الربايع والشعانبة. ولا شك أن منطقة سوف تشمل الآن بلدانا أخرى كثيرة العمران من مختلف القبائل القديمة والطارئة مثل: الرقيبة وورماس وغمرة والتجديدة. وليس كل ما ذكره إبراهيم العوامر محل تسليم من الباحثين، ولكنه كان خبيرا بهذا العلم واستعان على ذلك بالمصادر المختلفة، وتلك كانت خلاصة أبحاثه (1).
11 -
مزيل الخفاء (انظر تواريخ الجنوب).
12 -
تذكرة المبادى في خبر المعاش والمعاد تأليف عبد الكريم بن أحمد (انظر تواريخ الجنوب).
13 -
تاريخ سيدي مبارك بن ناجي، دفين خنقة سيدي ناجي. ذكر غوستاف ميرسييه أنه حصل من القايد الأخضر بن حسين على مذكرة عن تاريخ العائلة، ولا سيما أصل جدهم سيدي ناجي. واعترف ميرسييه أنه حذف منها ما يتصل بتاريخ العائلة بعد الاحتلال الفرنسي (ربما للزلفى التي استعملت بهذا الصدد) وإظهار خدماتها لفرنسا. ثم ترجم الباقي من المذكرة وجعل لها عنوانا هو (أصل سيدي المبارك بن قاسم بن ناجي، تاريخ ظهوره).
وبناء على المذكرة فإن الأصل يرجع إلى الخليفة الثالث عثمان بن عفان، فقد هاجر أجداد سيدي ناجي من المدينة المنورة إلى سورية في العهد الأموي، وبقوا هناك إلى ظهور العباسيين، ثم انتقلوا مع الأمويين إلى الأندلس. وبعد سقوط الأندلس هاجر أجداده إلى تونس. وفي تونس عاش
(1) إبراهيم العوامر (الصروف)، مرجع سابق، باب الأنساب، ص 612 - 335. عن قبائل سوف انظر أيضا لويس رين (مملكة الجزائر في عهد الداي الأخير) رقم 500. ومقالته في المجلة الأفريقية 1899، ص 120.
سيدي قاسم وسيدي ناجي. وبعد وفاتهما غادرها سيدي مبارك إلى ورقلة حيث كثر أتباعه، ثم جاء إلى ناحية بسكرة حيث استقر فترة وحصل هناك على الأرض، وفي سنة 1602 انتقل إلى صحراء الزاب الشرقي وأسس زاوية سيدي ناجي في الخنقة وعمرها وأنشأ قناة للسقي. وتوفي سنة 1621. ويبدو أن إنشاء الزاوية كان يرجع، كما لاحظ المترجم ميرسييه، إلى الصراع الذي حصل مع الشابية، وقد تولى الابن الثالث لسيدي مبارك شؤون الزاوية واسمه سيدي أحمد، وهو آخر ولد من أولاد سيدي مبارك، وأحمد هذا هو جد عائلة ابن حسين بن ناصر. وقد عظم شأن الزاوية واشتهرت في عهد أحمد. واعترف به دايات تونس وأعفوه من الضرائب، سيما يوسف باشا ومحمد باشا. ومحمد باشا هو الذي حارب الخنانشة سنة 1644 وأخضعهم. وقد مات أحمد بن ناصر سنة 1667، فخلفه ابنه محمد الطيب وتوفى هذا سنة 1695، وترك إبنين هما سيدي عبد الحفيظ وسيدي محمد الذي تولى مكان أبيه. وأما عبد الحفيظ فقد غادر الخنقة واستقر في المزارع. وهكذا تستمر الوثيقة تتحدث عن الحفداء إلى عهد محمد الطيب بن حسين الذي كان في عهد الحاج أحمد، آخر بايات قسنطينة. وهو الذي كان موجودا أثناء الاحتلال. وقد منح الفرنسيون إلى عبد الحفيظ ظهيرا يثبته على ما هو عليه. ثم تحدثت الوثيقة عن وضع الخنقة أثناء مقاومة الأمير عبد القادر، وفي عهد خليفته الحسين بن عزوز، الخ (1).
14 -
كتاب مجموع النسب والحسب والفضائل والتاريخ والأدب في أربعة كتب، من جمع وتأليف الشيخ محمد الهاشمي بن بكار، مفتي معسكر في وقته (1961). والكتب الأربعة التي يعنيها هي: القول الأعم للطيب بن المختار، وكتاب النسب للعشماوي، وشرح منظومة التجيني لابن الأعرج، وقد أتينا على ثلاثتها. أما الرابع فهو منظومة ابن بكار نفسه مع حاشية وضعها بنفسه عليها، وقد سمى ذلك (نسمات رياح الجنة
…
).
(1) غوستاف ميرسييه (روكاي)، 1915، ص 154 - 165.
وقال ابن بكار عن نفسه إنه من الأشراف، وأنه حسيني، بالإضافة إلى كونه راشديا غريسيا، وكان من أتباع الطريقة الطيبية الشاذلية. وقد سبق للطيب بن المختار أن ذكر بعض أجداده، وأكد ابن بكار أن التاريخ من أبرز العلوم، وعرفه تعريفا قديما غامضا، فقال إن جهابذة كل أمة وطبقة من الأجيال قد اعتنت به، ولكنه لاحظ، عن حق ربما، أن أهل زمانه قد فقدوا الاهتمام بالتاريخ والأدب، وأخبار الأوائل والنسب. (وعطلت فيه (أي الزمان) مشاهد العلم العربي ومعاهده). وقد دفعه إلى نشر الكتب المذكورة الخوف عليها من الضياع إذ أن طبعها ينقذها من الإهمال والتلف. وقال إن هدفه من ذلك هو (خدمة للعلم والدين والوطن)(1).
15 -
ذكر الشيخ محمد السعيد الزواوي (أبو يعلى) سنة 1947 أن له كتابا بعنوان أصل البربر بزواوة. وقد كتب ذلك بعد علاجه في مقاله لمسألة البربر والمازيغية تعليقا على ما نشره السيد محمد المهدي بن ناصر التونسي حول الموضوع. وأكد الزواوي أن أصل البربر من حمير وأنهم عرب قحطانيون أو عرب عرباء. ورجع إلى خبرته (وهو منهم) وإلى نسابتهم، ثم إلى المؤرخين المسلمين أمثال ابن حزم وابن خلدون، بالإضافة إلى المدني والميلي (2).
ولا ندري إن كان (أصل البربر بزواوة) هو نفسه الكتاب الذي ألفه الزواوي سنة 1918 بالقاهرة وطبعه في دمشق، سنة 1924 بعنوان (تاريخ الزواوة). ومهما كان من أمر فإن أصل هذا الكتاب هو المشروع الذي فكر فيه الزواوي منذ 1912 حين كان يعمل بالقنصلية الفرنسية بدمشق (3). وقد كتب المشروع وأرسله إلى الشيخ طاهر الجزائري الذي كان لاجئا في مصر،
(1) الهاشمي بن بكار (كتاب مجموع النسب
…
)، ط. تلمسان، 1961، في 459 صفحة. انظر المقدمة.
(2)
جريدة (الإصلاح) للعقبي، عدد 69، تاريخ 28 نوفمبر 1947، من رسالة للشيخ علي أمقران السحنوني، 1996.
(3)
درسنا هذا المشروع فى كتابنا (أبحاث وآراء فى تاريخ الجزائر)، ج 2.
وطلب منه أن يكتب تاريخا على ذلك النسق لزواوة، نظرا لشهرة الشيخ طاهر وخمول الزواوي. ثم وقعت الحرب العالمية وانتقل الزواوي أيضا إلى القاهرة، والتقى بالشيخ طاهر، بل ومكث معه خمس سنوات. وكان من الطبيعي أن يرجع الحديث بينهما عن تاريخ الزواوة. ويبدو أن الشيخ طاهر كان منشغلا بأمور السياسة وغيرها، أو كان غير مقتنع بالمشروع عندئذ، فوجه الزواوي إلى كتابة عمل آخر يفيد أهل زواوة وهو التعريف بلغتهم وقواعد نحوها. وقام الزواوي بذلك ونشر عدة مقالات في (المجلة السلفية) بمصر. ولكن فكرة تاريخ الزواوة لم تفارقه أيضا. وهكذا عكف على تأليفه وانتهى منه سنة 1918 كما ذكرنا، أي قبل رجوع الشيخ طاهر إلى دمشق ووفاته فيها سنة 1919 (1).
ونحن لن ندرس (تاريخ) الزواوة، ولكن أنسابهم، كما جاءت في كتاب الزواوي المذكور. فقد خصص الفصل الثاني منه إلى هذا النسب، وخصص الثالث لذكر محامدهم وخصائصهم. ويذكر الزواوي نفسه أنه شريف النسب من بني هاشم وأن مولده ومنشأه بزواوة، وأنه قرأ في زواياها. وقال في الديباجة إن هناك من طلب منه القيام بتحرير هذا التاريخ وإنه سيقتصر فيه على (تبيين نسهم وذكر شيء من فضائلهم وما قيل فيهم وما كان لأوائلهم). وهدفه من ذلك، وهو أيضا هدف من طلب منه الكتابة في الموضوع، هو الرد على القائلين بأن الزواوة برابرة رومان. (فانتدبني كثير من الزواوة (2) لتحرير شيء بما يتعلق بهم وبنسبهم). وقد ذكرنا في غير هذا أن السياسة الفرنسية كانت قائمة عندئذ على فصل الزواوة (القبائل) عن بقية الجزائريين بدعوى أن الزواوة من جنس غير البربر وغير العرب. والغريب أن
(1) توفي الشيخ طاهر بعد رجوعه إلى دمشق في العهد العربي الجديد. ولعل الشيخ الإبراهيمي الذي حل بدمشق سنة 1917 قد لقى الشيخ طاهر قبل وفاته. والمعروف أن سورية قد فرضت عليها فرنسا الانتداب (الاستعمار) باسم عصبة الأمم سنة 1920.
(2)
ولعل منهم الشيخ طاهر الجزائري نفسه.
الزواوي في (تاريخ الزواوة) قد عدل عن رأيه فيهم في مشروعه المذكور (سنة 1912) إذ اعتبرهم عندئذ من الجنس الآري، كما كان شائعا في الأدبيات الفرنسية. فهل أثر عليه في ذلك الشيخ طاهر الجزائري بعد لقائه به في القاهرة؟ أو اقتنع هو بعد البحث وأدرك المخطط السياسي الفرنسي؟.
ومهما كان الأمر، فإن الزواوي قد ساق عدة آراء في أصل الزواوة، ومنها رأي الشيخ طاهر، وكان ذلك سنة 1915 حين لقائهما في مصر. فقد أخبره الشيخ طاهر أن الزواوة تمتد مواطنهم من طرابلس الغرب إلى قصور كتامة بالمغرب الأقصى. وحين عارضه الزواوي بأن الزواوة في الواقع المشاهد هم (سكان جرجرة اليوم)، أجابه الشيخ طاهر بأن ذلك غير صحيح لأن (العرب لما احتلوا افريقية اختلطوا بهم، والحال أنهم (أي الزواوة) عرب الأصل من اليمن، من شعوب حمير، ولغة حمير غير لغة مضر
…
) (1) وأضاف الزواوي أن قبائل الزواوة كثيرة، وأن مواطنها بين خليج الجزائر إلى بجاية، وهي إحدى عواصم الزواوة، ثم إلى جيجل. (نصف دائرة، فهؤلاء هم المعروفون والمشهورون بالزواوة).
وقد أوضح الزواوي أنه قضى في البحث عشر سنوات عن أصل الزواوة ونسبهم لكي يجيب على ما إذا كانوا عربا أو بربرا. وهذه هي نتائج بحثه، كما قال. وقد رجع إلى من كتب قبل ابن خلدون وإلى من كتب بعده، مشارقة ومغاربة. ثم رجح الاعتماد على ابن خلدون في نسب الزواوة لعدة اعتبارات منها: أن ابن خلدون مغربي - أندلسي - يمني، وأنه درس في بجاية، وأنه جاء إلى زواوة مبعوثا من قبل أحد السلاطين، وأنه عمل حاجبا لأبي عنان المريني، وأن أحد أساتذته زواوي. وهكذا يصبح ابن خلدون أكثر علما بأهل زواوة من غيره وهو لذلك (أحق الشهادة عليهم، مع أدلة أخرى وبراهين قاطعة).
ومن أقوال ابن خلدون في ذلك أن كتامة وصنهاجة من شعوب اليمن،
(1) الزواوي (تاريخ الزواوة)، ص 18.
جاء بهما افريقش بن صيفي مع من أنزل بإفريقية من الحامية. كما ذكر ابن خلدون أن الزواوة من كتامة، وبذلك يكون الزواويون من العرب العرباء، أي القحطانية الحميرية، فهم أبناء يعرب بن قحطان (1). وفي رأي الزواوي أن هناك شواهد تؤكد ذلك، منها الأسماء والأعلام اليمانية الباقية إلى الآن في زواوة. من ذلك ما وجده في بعض المصادر (الرحلة الحجازية) من أن الذي بنى سد مأرب الشهير هو (آيت عمرو، ملك سبأ)، والمعروف أن سبأ هو أخ حمير. وقد لفتت لفظتا (آيث عمرو) نظر الزواوي لأنهما مستعملتان في الزواوة. ثم استشهد باسم (تيزي أمقران) الموجود علما على قرية أو مكان شرقي الخليج العربي - الفارسي. ومن ذلك تشابه الخط الحميري والبربري (الخط المسند)(2). ومن ذلك أيضا كلمة (ذو) المشهورة في اليمن والتي استعملها الحميريون حتى سموا بالأذواء، ومنهم يزيد بن النعمان المعروف ذو الكلاع، ورأى الزواوي أن أصل ذلك هو كلمة (آيث) التي تعني (ذوي) عند الزواوة.
والخلاصة عنده أن كتامة وصنهاجة من حمير وأن حمير يرجع إلى يعرب بن قحطان. (فالزواوة إذن عرب مستعربة وعرب عرباء بأصلهم المتقدم). فهم عرباء لأنهم حميريون وهم مستعربة لأنهم دانوا بالإسلام والقرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من ولد إسماعيل المستعرب (3).
وأخيرا نذكر أن الزواوي قد أهدى كتابه إلى شخصية شريفة أيضا، تقيم في الناحية وتحتفظ لنفسها بنسب قديم، وهو أحمد بن علي الشريف (الهاشمي العلوي الفاطمي الزواوي). وقد خاطبه بقوله: (مولاي، كان
(1) الزواوي (تاريخ الزواوة)، ص 12 - 15.
(2)
نفس المصدر، ص 19 - 21. ذكر أن اطلع في المجلة الآسيوة أن علماء الآثار اكتشفوا الخط الحميري في قرية من قرى أفريقية وكان منقوشا على حجر، ص 22.
(3)
نفس المصدر، ص 22 - 26. من شواهده أيضا أن كثيرا، من طباع البربر وأخلاقهم وعاداتهم متماثلة ومتمازجة بطبائع العرب مثل اتخاذ البيوت من الوبر والشعر والطين والحجر والظعن والإقامة، والشجاعة والكرم وركوب الخيل.