الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طريق علي بن الحاج موسى مكاتبة عنه. وقد توفي الشيخ الحرار سنة 1272.
وبناء على هذا الثبت فإن مشائخ الحرار الجزائريين هم: علي المانجلاتي، ومحمد بن إبراهيم بن موسى، ومصطفى الكبابطي، وعلي بن الأمين، وأحمد بن الكاهية، ومحمد واعزيز، وحمودة المقايسي. أما من غير الجزائريين فقد ذكر منهم محمد الصالح الرضوي. وكل هؤلاء أجازوه. وقد روى الحرار في إجازته لابن بريهمات تفاصيل عن دراسته وعن إجازة الرضوى له، وعن زيارة هذا للجزائر وإجازته لعدد من شيوخها. والحرار نسبة لصناعة الحرير وقد كانت في عائلته أمانة الحرارين. وقد رأى الكتاني إجازة الرضوي للحرار بخطه، وهي إجازة عامة أي في كل الكتب والعلوم (1). والإجازة منشورة في تعريف الخلف في بضع صفحات (121 - 125) والغالب أن ذلك هو ما يعنيه الكتاني بالثبت.
12 -
ثبت المكي بن عزوز: ويسمى (عمدة الأثبات). وله مؤلفات أخرى في الأسانيد والأثبات، ومنها الثبت الجامع.
الإجازات
الإجازة هي شهادة يمنحها شيخ لتلميذه وتكون عادة بطلب منه وتسمى في المصطلح استدعاء. وقد يكون الاستدعاء شعرا أو نثرا أو هما معا. والشيخ قد يكون عالما وقد يكون مرابطا. أما التلميذ فقد استعملناه بالمعنى العام لأن الآخذ قد يكون ندا للمانح، وإنما جرت العادة أن (يتبادل) الأنداد من العلماء والمرابطين الإجازات أيضا. ولكن الغالب هو أن الشيخ يجيز تلميذه بعد القراءة عليه وحضور درسه أو دروسه مدة طويلة أو قليلة، وقد يدوم ذلك جلسة واحدة وقد يصل إلى عدة سنوات. كما أن شيوخ التصوف
(1) انظر (تعريف الخلف) 2/ 121 - 125. وبعض هؤلاء الشيوخ ذكرهم عبد الحميد بك في تاريخه عند ترجمة محمد ابن العنابي وغيره. وذكر الكتاني أن الحرار توفي سنة 1273. انظر (فهرس) 1/ 341.
يجيزون تلاميذهم الذين سيصبحون (مقدمين) عنهم بعد الملازمة والاطمئنان إلى جدارتهم في تمثيل الطريقة.
هذا من الناحية النظرية التقليدية. ولكن من الناحية العملية، فان هذه الشروط قد اختلت في معظمها. فقد أصبحت الإجازة تمنح بدون شروط الحضور والملازمة والجدارة، بل كانت تمنح بالمراسلة والسماع. وقد تحدثنا عن ذلك في الجزء الثاني. وكذلك ضعفت عارضة العلماء واكتفى الطلبة بالأسماء والأوراق دون العلم نفسه. واستكثروا السفر وتحمل المشاق في سبيله. كما أن العلماء والمتصوفة أصبحوا يبحثون عن السمعة وتكثير السواد، وقل منهم من يلتزمون بالشروط العلمية والأخلاقية المطلوبة في تلاميذهم.
والإجازات التي نريد تناولها كثيرة ومتنوعة. منها ما تبادله الجزائريون فيما بينهم، ومنها طبعا الإجازات العلمية والإجازات الصوفية. كما أن هناك الإجازات التي منحها جزائريون لغيرهم والتي منحها غيرهم لهم. وكثير من نصوص الاجازات تعوزنا، وهي وإن توفرت لا تدل على باع طويل في هذا العلم وإنما هي في أغلبها كلمات قصيرة وعبارات متكررة. وقد اختفى منها الأسلوب القديم الذي ظهر عند بعض المجيزين عندما كانوا يجتهدون ويتفردون في تنميق إجازتهم حتى تصبح قطعة أدبية راقية، بالإضافة إلى فائدتها العلمية والتاريخية. ولسنا في حاجة إلى التأكيد على أن ضعف الأساليب يرجع إلى ضعف التعليم والثقافة، كما أن كرة الإجازات يدل على ابتذالها.
وقد يستغرب المرء كيف نتحدث عن الإجازات العلمية والصوفية والحال أن إطارات العلم قد انقرضت أو كادت وأن المؤسسات التي تخرج العلماء قد هدمت أو غيرت. والواقع أن ذلك أمر ملفت للنظر حقا. ولعل ضعف الثقافة ومحاربة اللغة العربية هو الذي جعل من بقي في الحياة العلمية والصوفية ينشدون الدعم من غيرهم عن طريق الإجازات. فقد كان
الجزائريون يجرون وراء ذلك من بعضهم أولا، ومن غيرهم ثانيا، عن طريق المراسلة في أغلب الأحيان، لأن السفر كان محدودا ومراقبا. وإذا زار بعض المشارقة الجزائر، مثل الشيخ الرضوى (1) والشيخ ظاهر المدني الوتري، أو شيوخ كانوا أصلا من الجزائر وعاشوا بالخارج ثم جاؤوا للزيارة، مثل الطيب بن المختار وأبي حامد المشرفي والمكي بن عزوز، التف حولهم العلماء والمتصوفة واستدعوهم للإجازة، كما سنرى. أما الجزائريون الذين خرجوا إلى المعاهد والمدن الإسلامية فقد حظوا بالإجازات سواء بقوا في الخارج أو رجعوا إلى وطنهم. وسنذكر منهم البعض أيضا. ولنبدأ بإجازات الجزائريين لبعضهم:
1 -
إجازة مصطفى الحرار: وهي إجازة لصهره حسن بن بريهمات سنة 1272. وهي مطلقة وقد خضعت لشروط الإجازة ومنها الحضور والمواظبة على الدروس والتلقي. وجاء فيها: (قد لزم دروسنا سنين، فحمل عنا من العلوم العقلية والنقلية ما فاق فيه كثيرا من معاصريه
…
ولما كان الإسناد حبل الشريعة الممدود، وبابه لطالبيه غير مسدود، إذ هو من خصائص هذه الأمة، ولم تزل الإجازة عادة الأجلة من الأيمة، أوصلته بما أوصلني به مشائخي، وأجزته بما أجازوني به في سائر العلوم العقلية والنقلية، وأذنته أن يروى عني جمع مروياتي ومسموعاتي على اختلاف أنواعها وتباين أجناسها، إجازة مطلقة عامة، بشرطها المعروف، وسننها المألوف، حسبما تلقيت ذلك). ثم ذكر مشائخه الذين تلقى عنهم العلم، وهم الذين أتينا على ذكرهم سابقا (انظر الأثبات). كما خص إجازته التي تلقاها من الشيخ الرضوي ببعض التفصيل. والمعروف أن حسن بن بريهمات قد أصبح من أعيان علماء الجزائر في القرن الماضي. وقد تحدثنا عنه في غير هذا. وكان له أولاد
(1) جاء الجزائر سنة 1261، وما زلنا في ريب من أمره، لماذا جاء حقيقة، وكيف سمح له الفرنسيون بطول الزيارة والاتصال؟ أما ظاهر المدني فقد زار الجزائر سنة 1297 زيارة سريعة. ولا ندري هدفه أيضا. انظر عن الرضوي كتابنا الحركة الوطنية، ج 1.
وأحفاد قلدوا سيرته دون أن يصلوا إلى درجته.
2 -
إجازة مصطفى بن عزوز: لعاشور الخنقي سنة 1285. وكان ابن عزوز هو مؤسس زاوية نفطة بعد هجرته من الجزائر إثر الاحتلال الفرنسي. وكان من شيوخ الزاوية جزائريون وتونسيون، منهم محمد المدني بن عزوز ابن عم مصطفى المذكور، وإبراهيم بن صمادح النفطي، وبعد أن درس الخنقي في الزاوية أكثر من عشر سنوات أجازه شيخه مصطفى في العلوم التي تلقاها والتي قال انها بلغت قرابة عشرين علما (؟). ومما طلبه منه شيخه أن يكف عن التعلم ويبدأ في التعليم، وأن لا يقبل الوظيف (وهي وصية عامة لكل تلاميذه)(حتى لا يتلوث علمي بما يقتضيه هذا الوقت السخيف، ولا سيما أنتم وطلبة الغرب (الجزائر)، فإياكم وطلب الوظيف على البعد والقرب. وأستحفظكم دينكم وأمانتكم وخواتم عملكم وهذا الكلام).
تلك هي وصية الشيخ مصطفى بن عزوز لتلاميذه، ومنهم عاشور الحنقي. وهي تذكرنا أيضا بوصية حمدان الونيسي لتلميذه عبد الحميد بن باديس. وكان مصطفى بن عزوز قد أخذ العلوم عن عدة مشائخ منهم محمد الأمير صاحب الثبت الشهير وأحد شيوخ الأزهر في وقته، وإبراهيم الباجوري المصري، ومحمد بن علي السنوسي مؤسس الطريقة السنوسية. وهو بدوره أجاز بالعلوم التي تلقاها عنهم وأسانيدهم وأثباتهم، الشيخ عاشور الخنقي. وكان الخنقي ممن روى عنهم الكتاني، كما ذكرنا. أما الطريقة الخلوتية فقد تلقاها الشيخ عاشور عن مصطفى بن عزوز عن شيخه عبد الحفيظ بن محمد (الخنقي؟). ثم تلقى عاشور الخنقي عن الشيخ محمد الحداد الصدوقي أثناء سجنه في قسنطينة وقبيل وفاته سنة 1873 (1).
(1) عاشور الخنقي (منار الإشراف)،. الجزائر، 1914، ص 1 - 38 من الخاتمة. يفهم من كلام الكتاني (فهرس) 2/ 550 أن الذي أجاز عاشور الخنقي هو محمد المدني بن عزوز وليس مصطفى بن عزوز. والمشهور أن الشيخ الحداد توفي سنة 1872.
3 -
إجازة الخنقي للزموري: وهو عبد القادر بن داود الزموري. أجازه شعرا في أبيات وردت في قصيدة عاشور الخنقي صغرى الصغرى، وقد أنشأها سنة 1328. وجاء في آخرها:
ومن أجل بني الأشراف آونة
…
من آل داود في زمورة الوزر
الأروع الشيخ عبد القادر ابن فتى
…
داود أفضل ما أهدى لها القدر
العالم العامل النور المضيء لها
…
وجه الصواب إذا ما ضلت الفكر
لله درك عبد القادر اتصلت
…
بنا قصيدتك التسي لها بهر
إلى الإجازة في نشر العلوم دعت
…
لاكن على الرمز والمفهوم يعتبر
لقد أجزتك في نشر العلوم كما
…
أجازنا مطلقا أشياخنا النشر
على شريعة تقوى الله والدعوا
…
ت للمشائخ حتى يكمل العمر (1)
وأوضح أن الزموري قد استدعى أو استجاز الشيخ الخنقي بقصيدة فأجازه. وكان ذلك حوالي 1909.
4 -
إجازة القاضي شعيب لعبد الحليم بن سماية. وقد جاء فيها أن ابن سماية اشتغل بسند رواية العلم ودرايته، وأنه طلب الإجازة فيه من مختلف العلماء فأجازوه، ومنهم القاضي شعيب. وكان هذا من وجوه تلمسان في أول هذا القرن، وقد ترجمنا له في غير هذا المكان. أما ابن سماية فهو من أعيان علماء العاصمة ومن أساتذة مدرسة الجزائر (الثعالبية) وكان من النشطين الذين عارضوا التجنيد الإجباري سنة 1912. وقد أجازه القاضي شعيب (بكل ما تصح له روايته أو تنسب إليه درايته من مقروء ومسموع ومؤلف وموضوع ومفرق ومجموع). وكان ابن سماية قد ذهب بنفسه إلى تلمسان لطلب الإجازة وزيارة الشيخ. وقد شملت الإجازة أيضا حديث الرحمن (الراحمون يرحمهم الرحمن
…
ارحموا من في الأرض يرحمكم مين في السماء). وذكر الشيخ شعيب أنه يرويه عن عبد الكبير الكتاني
(1) عاشور الخنقي (منار الإشراف)، ص 129.
الفاسي (1). والإجازة تقع في ورقة ونصف، وكانت عام 1329.
5 -
إجازة الزقاي: وغيره لمحمد بن أبي سيف البحيري. والزقاي هو محمد بن عبد الله الذي عاش في منتصف القرن الماضي، وتلقى العلم في الأزهر الشريف بمصر ثم رجع إلى الجزائر وتولى عدة وظائف منها إدارة مدرسة تلمسان الرسمية وعضوية المجلس الفقهي والكتابة الصحفية أحيانا. وقد أجاز غير واحد من معاصريه. أما البحيري فهو حسب ما جاء في تعريف الخلف: محمد بن علي بن أبي يوسف البحيري الصابري أصلا العبادي دارا (2). ونفهم من تعريف الخلف أن البحيري أصبح أيضا من مدرسي مدرسة تلمسان الرسمية، ربما في عهد إدارة الزقاي لها. وأن البحيري بلغ من العلم شأوا أهله للإفتاء أيضا. ومن شيوخه والده الذي حفظ القرآن على يديه في وهران، كما درس عليه علوم اللغة العربية. ومن وهران انتقل إلى زاويتهم بالعين الكبيرة من جبل اترار بولهاصة، وكانت الزاوية على اسم عمه، وهو أبو العباس أحمد بن أبي سيف. ومن هناك توجه للدراسة على أحمد بن هني بمازونة وحصل منه على إجازة أيضا. ثم درس بمعسكر على أعيان المشارف. وبعد أن نال قسطا من التعلم عاد إلى زاويتهم وتولى بها التدريس، ولا ندري تاريخ ذلك، كما لا ندري متى حج وجاور. فقد قيل انه حج أربع مرات وجاور أربع سنوات. وكانت له في ذلك فرصة للدراسة أيضا على مشائخ الحرمين، ومنهم سراج الدين المدني ومحمد بن علي السنوسي. ونفهم من دراسته على السنوسي أن ذلك كان قبل مغادرة السنوسي الحجاز إلى مصر وليبيا. وكان السنوسي قد توفي بليبيا سنة 1859. ومهما كان الأمر فانا نفهم أن البحيري قد أصبح من تلاميذ السنوسي في العلم والطريقة. فقد أجازه فيهما. فمتى رجع إلى الجزائر وشارك في التدريس بمدرسة تلمسان الرسمية؟ ذلك ما لا نعرفه حتى الآن. والغالب أن يكون ذلك خلال الستينات. وهو الزمن الذي كان فيه محمد
(1) مخطوط الخزانة العامة - الرباط، ك 48.
(2)
تعريف الخلف 2/ 344.
الزقاي أيضار مديرا للمدرسة المذكورة.
6 -
إجازة السنوسي: لمحمد المدني بن عزوز. والمقصود بالسنوسي محمد بن علي الذي سبقت إليه الإشارة في هذا الفصل. وكان في إقامته بالحجاز وقبل انتقاله إلى ليبيا وزاوية جغبوب، يجيز الجزائريين الواردين للحج والعمرة والهجرة. ومنهم من ذكرناه. ومحمد المدني هو ابن عم مصطفى بن عزوز مؤسس زاوى نفطة، ومن شيوخ الشاعر الخنقي الشهير. وهو المدني بن أحمد بن إبراهيم بن عزوز البرجي، كما ذكر الكتاني، نسبة إلى برج طولقة ولاية بسكرة الآن. وكانت الإجازة لمحمد المدني عامة.
7 -
إجازات علماء الجزائر: للمكي بن عزوز. وهو محمد المكي بن مصطفى بن عزوز البرجي. ولد حوالي 1270 في نفطة بعد هجرة والده إليها من برج بن عزوز على أثر الاحتلال الفرنسي لنواحي بسكرة، وقد تناولناه في عدة مناسبات. ويقول الكتاني عنه انه رغم كونه شيخ طريقة كان (من المطلعين على الأفكار العصرية
…
وهذا نادرة النوادر في زماننا هذا الذي كثر فيه الإفراط والتفريط) (1).
أما الإجازات التي حصل عليها من علماء الجزائر فنذكر هذه الأسماء، كما أوردها الكتاني، وهي من ضمن ثمانين شيخا أجازوه في العالم الإسلامي، وكان الكتاني قد تبادل معه الإجازة وحصل منه على معلومات لو جمعت لجاءت في مجلد، كما قال. وهو يروى عنه كل مؤلفاته. وإليك أسماء الجزائريين الذين أجازوه: علي بن الحاج موسى، ومحمد بن بلقاسم الهاملي، وقد أخذ عنه الطريقة الرحمانية أيضا، ومحمد بن الأمير عبد القادر،
(1) الكتاني (فهرس) 2/ 856 - 861. وقد ذكرناه باختصار في فصل الجزائر في المغارب والمشارق، سيما دوره في السياسة العربية. وقد توفي باسطانبول سنة 1934 وكتب عنه بعض الجزائريين في الشهاب وغيره. كان المكي بن عزوز رحماني الطريقة، ولكننا لا نعرف أنه كان (شيخ طريقة) كما قال الكتاني.
صاحب كتاب تحفة الزائر، ومحمد المكي بن الصديق الخنقي، ومصطفى بن عزوز، وهو والده، وعلي بن عثمان شيخ زاوية طولقة الرحمانية، والمفتي علي بن الحفاف صاحب التأليف الهام في علم القراءات، وعلي بن الرحمن خوجة، وهو جده لأمه (1). وابن أبي القاسم الديسي (من الديس قرب بوسعادة) وربما يكون من عائلة صاحب كتاب تعريف الخلف، ومحمد بن القزادري، ومحمد العربي بن محمد التارزي بن عزوز، وعمر بن مصطفى بويراز نزيل تونس وهو من عائلة أحمد توفيق المدني، وأبو راس المازوني حفيد أبي راس الناصر (ويقول الكتاني ان الاستدعاء للإجازة قد حصل ولكنه لا يدري إن كان نالها منه)(2).
8 -
إجازتا ابن عزوز والونيسي: لابن طعيوج. والمقصود محمد المكي بن عزوز سابق الذكر، وحمدان الونيسي أحد علماء قسنطينة وشيخ ابن باديس. وقد تحدثنا عن الونيسي في غير هذا. وأما بلقاسم طعيوج فهو أحد علماء ومتصوفة زواوة، وتوفي سنة 1932. وقد تناولناه في فصل آخر. ولا نملك الآن نصي الإجازة، وإنما حصلنا على خبر وجودهما بالمراسلة (3).
9 -
إجازة المنور بن البشير إلى بلهاشمي بن بكار. وكان الشيخ المنور عمدة معهد سيق العلمي حيث درس ابن بكار حوالي عشر سنوات ولازم شيخه فيه. وبعد الإجازة استمر ابن بكار في المعهد المذكور مدرسا، ونائبا عن شيخه في الصلاة خمس سنوات. وهذه الإجازة عامة في العلوم
(1) هو علي بن عبد الرحمن خوجة بن سماية والد الشيخ عبد الحليم بن سماية المشهور. وكان علي بن سماية من موظفي جريدة المبشر، وقد تحدث عنه إيميل ماسكري في كتابه (رؤى وذكريات إفريقية). وكان معلمه في اللغة العربية والدين الإسلامي، بدروس خاصة. وكلمة خوجة تدل على المهنة (الكتابة)، كما قد تدل على أن أصل عائلة ابن سماية عثماني/ تركي.
(2)
الكتاني (فهرس) 2/ 856 - 861.
(3)
مراسلة علي أمقران السحنوني، أبريل، 1979.
التي تلقاها مثل الفقه والنحو والبلاغة. وقد ساق ابن بكار صيغة الإجازة في كتابه. ومما جاء فيها:
(أما بعد، فإن أحلى ما يتحلى به الإنسان، وأعلا ما يتجلى به أهل العرفان، الجد والاجتهاد في مسالك العلوم، والأخذ بالأعناق لنيل المنطوق والمفهوم، سيما الأحكام الإلهية والعلوم الشرعية
…
ولذلك هاجر الأوائل عن الأهل والوطن، وهجروا لذيذ التمتع عارجين أصعب سنن). وتحدثت الإجازة عن بلهاشمي بن بكار وفطنته العلمية وهجرته في سبيل التحصيل. وكونه لازم شيخه ما ينيف عن الأربع سنوات، وتلقيه العلوم التي تلقاها الشيخ نفسه عن أشياخه، واستعداده للرجوع إلى وطنه (معسكر؟) لنشر العلم بين قومه. وكونه طلب الإجازة من شيخه فأجازه (بكل مروياتي وما صح من مسموعاتي)(1).
10 -
إجازة الإحريزي: (الحريزي) لليجري. والإحريزي هو الشيخ السعيد بن عبد الله الإحريزي السطوري. ولا نعرف عنه الآن إلا القليل وهو أنه كان عند الإجازة في جامع سيدي الصوفي ببجاية. وربما كان إماما، وذلك سنة 1334 ومن شيوخه في المعقول والمنقول نذكر الحسن الأخليفي، ومحمد بن جمعة القلي، ويحيى بن حمود الورتلاني، ومحمد الطاهر بن المختار المايني. وهي إجازة عامة إلى الشيخ السعيد بن علي اليجري (في جميع ما صحت لي درايته وثبتت لي روايته، من منقول ومعقول، كما أجازني بذلك أشياخي الفحول) وبداية الإجازة هكذا، (وبعد، فقد التمس مني من حسن بي ظنه، واعتقد أن قربنا جنة، الأخ في الله والمحب من أجله، الداعي إلى الله بقوله وفعله
…
). وكان الشيخ السعيد اليجري من علماء الوقت، وتوفي سنة 1951 (2).
(1) الإجازة بتاريخ 22 شعبان عام 1339 (أول مايو 1921)، انظر ابن بكار (مجموع النسب) نص الإجازة ص 178 - 179.
(2)
نسخة من الإجازة قدمها إلينا محمد عليلي بن الشيخ السعيد اليجري. وهي بخط جميل، بتاريخ 22 يونيو 1991. ومما يذكر أن الشيخ السعيد الاحريزي (الحريزي) =
11 -
إجازات الجيلالي: ونقصد بها الإجازات التي حصل عليها الشيخ عبد الرحمن الجيلالي من شيوخه الآتية أسماؤهم: المولود الزريبي، وعبد الحليم بن سماية والحفناوي بن الشيخ. ونحن إلى الآن لم نطلع على نصوص الإجازات التي قيل انها في صحيح البخاري. وقد تكون عامة، ذلك أن المشائخ الثلاثة ممن كانوا يجمعون بين عدة علوم عقلية ونقلية، ولهم باع طويل في فن الإنشاء والأدب، أما الشيخ الجيلالي فهو صاحب تاريخ الجزائر العام. وقد تناولناه في فصل التاريخ (1).
12 -
إجازات بعض علماء الجزائر: وتونس والمغرب للشيخ علي البوديلمي. فقد ذكر مترجما الجيلاني بن عبد الحكم في (المرآة الجلية) أن هذا الشيخ قد أجيز من شيوخه في البلدان المذكورة. وذكر منهم مجموعة من كل بلد، ومنهم ابن باديس في قسنطينة ومعاوية التميمي في تونس وعبد الحي الكتاني في المغرب. وجاء في (المرآة الجلية) أن نصوص الإجازات متوفرة عند صاحبها. ويغلب على الظن أن بعضها على الأقل مكتوب بأسلوب رفيع، وأنها علمية وليست صوفية. على أن الشيخ علي البوديلمي كان أيضا من أهل الطرق الصوفية، فلعله أخذ من شيوخها إجازات، سيما الرحمانية والدرقاوية (العليوية)(2).
…
هذا عن الإجازات في مجال العلوم، أما الإجازات الصوفية، فهي كثيرة بين الجزائريين. ومن الصعب الإحاطة بها. وسنحاول هنا الإلمام بنماذج من الإجازات المكتوبة والممنوحة من كبار الشيوخ لتلاميذهم. وكذلك إلى زملائهم ومعاصريهم الذين يلتمسون منهم الإجارة. ونقصد
= كان أحد شيوخ علي البوديلمي الذي أصبح من مدرسي جامع تلمسان منذ 1943. نظر عنه فقرة التفسير.
(1)
من بحث لأحد طلابنا في الماجستير، وهو الصادق دحاش 1993.
(2)
انظر كتاب (المرآة الجلية)، ص 351 - 357.
بالصوفية هنا ما كان موضوعه في التصوف كالأذكار والمصافحة وبعض العبارات المنسوبة. ومعنى ذلك أن الذي يكتب هذا النوع من الإجازات قد لا يكون هو نفسه مرابطا أو شيخ طريقة، بل قد يكون من العلماء الموظفين في القضاء والسلك الديني والعاملين في التدريس والتأليف. كما حدث مثلا بين المفتي بن الحفاف والقاضي شعيب، وهكذا.
1 -
إجازة الشيخ الحداد: للبوجليلي. فقد أجاز محمد الحداد شيخ زاوية صدوق الرحمانية تلميذه ومقدمه محمد بن أبي القاسم البوجليلي العباسي، وجمعت الإجازة علم الفقه وبركة الطريقة (كل ما فتح الله به عليه على أيدينا، من فقه وطريقة رحمانية، بل وجميع ما يؤذن فيه شرعا في حياتي، واستخلفته في ذلك بعد مماتي. فمن أخذ عنه في ذلك كان كمن أخذ عني، ومن خالفه فقد خالفني). وكان الشيخ الحداد قد وقع الإجازة هكذا: (ورقمه ببنانه الفانية الفقير إلى المالك الجواد، محمد امزيان ابن الحداد، رحم الله ضعفه). وقد أرسلت الإجازة إلى البوجليلي من سجن قسنطينة حيث كان الشيخ الحداد يقضي آخر أيامه، مع الشيخ الطاهر اليتورغي (1).
2 -
إجازة محمد بن علي بن مالك إلى البوجليلي أيضا: وكان ابن مالك من أساتذة زاوية عبد الرحمن اليلولي حيث درس البوجليلي. والإجازة شملت علم القراءات والتصوف. وهي قصيرة، ولا يذكر فيها ابن مالك عمن أخذ ذلك وإلا هي شهادة على ما أخذه منه البوجليلي أثناء الدراسة: (أما بعد، فأنا أعلم الواقف على كتابنا هذا من الأمة العاملين بالسنة والكتاب، بأني قد أجزت تلميذنا
…
في جميع ما أخذه عني من القراءات نحوا، وتجويدا، فهما وأداء، وما أخذه عني عهدا ووردا صحيحا، لوقوع حقيقته
(1) من مقالة لعلي أمقران السحنوني عن البوجليلي. وقد وجد علي أمقران نص الإجازة في مكتبة ابن أبي داود. وكان لويس رين قد رأى أنه من الحكمة أن يعين الشيخ الحداد خليفة عنه ابن الحملاوي وليس البوجليلي. فإذا صحت هذه الإجازة فانها تجعل البوجليلي هو الخليفة من بعده.
على شريعة كاملة وأحكام نافذة. ومن أخذ عنه الورد كأنه أخذ عني، بل هو أفضل مني، وإنما أسعفته بذلك لحسن ظنه. بتاريخ 1275 (1859)(1).
3 -
إجازة عامة لعلي بن عثمان الطولقي: نذكر نموذجا للإجازة التي كان الشيخ علي بن عثمان صاحب زاوية طولقة في القرن الماضي يعطيها لمقدميه ولمن يسألها من تلاميذه الذين يثق في ولائهم للطريقة الرحمانية. وكانت زاوية طولقة في عهدي علي بن عمر وعلي بن عثمان من أكبر المراكز العلمية والصوفية في الجنوب، وكانت تتبعها إلى حين زاوية نفطة وزاوية سيدي سالم بالوادي. والإجازة تحدد أذكار الطريقة وأوقاتها، وتحث على العمل بها وعلى الطاعة والحضرة للاتباع، وعلى الصبر والتسليم والمؤاخاة والتعاون، مع التبشير بأن داخل الطريقة سيفوز حسبما ورد في الحديث النبوي. ونحن لا نحكم على ذلك هنا، فقد ذكرنا ما فيه الكفاية حول هذا الموضوع في كتابنا الحركة الوطنية وكذلك في فصل التصوف حيث بينا علاقات الزوايا بالسياسة الفرنسية عندئذ.
بدأت الإجازة بهذا الأسلوب: (من خديم شيخه علي بن عثمان بن علي بن عمر الطولقي إلى كافة أحبابنا وإخواننا الواقفين على جوابنا هذا
…
أما بعد، فإني أذنت وأجزت إجازة تامة شاملة الحامل المنور الصالح العامل الحاذق الأديب العارف بربه، ولدنا قلبا لا صلبا، سيدي
…
أن يعطي أوراد طريقتنا الخلوتية (الرحمانية) المتصل سندها إلى خير البرية، صلى الله عليه وسلم. وصفة التلقين هي أن يمسك إبهام يمين الطالب وتول له: غمض عينيك واسمع إلهي وتبعني). وبعد أن ذكر في عدة سطور طريقة التلقين وما يقوله الملقن وما يردده التابع، وعدد المرات، ختم الشيخ إجازته بقوله:(ومن أخذ عنه كأنما أخذ عني. وعليكم بطاعته، ومداومة الحضرة، صباحا، ومساء مجتمعين ليحصل المدد النبوي، وعليكم بمؤخاة (في الأصل: مخاوات) بعضكم
(1) من مقالة لعلي أمقران السحنوني.
بعضا، وعليكم أيضا بالصبر والتسليم لخلق الله، وتعاونوا على البر والتقوى، وجدوا واجتهدوا في ذكركم لتدخلوا في حزب الطريقة المنورة، فإن من دخلها دخل في حزب وضمانة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن دخلها كمن دخل سفينة نوح، وكمن دخل مقام إبراهيم
…
) بتاريخ 28 جمادي الثانية 1302 (1).
4 -
إجازة القاضي شعيب: إلى محمد بن عبد الرحمن الديسي. وكلاهما من العلماء ولكن الإجازة كانت في موضوع صوفي وهو أوراد الطريقة الشاذلية. وكان الديسي قد طلب الإجازة من زميله. وكانت بينهما صلة علمية دلت عليها المراسلات المستمرة بينهما وشرح الديسي للعقيدة التي وضعها القاضي شعيب، وهو الشرح الذي سنتعرض إليه في علم الكلام. وكلاهما له عدد معتبر من التآليف معظمها في غير التصوف. وفي الإجازة ذكر القاضي شعيب مصادره أو أسانيده في الطريقة الشاذلية. أخذها أولاد عن شيخه مولاي الحبيب بن موسى بن هنان (2) الخالدي، وهذا أخذها عن الحاج أحمد بن عبد المؤمن الغماري، عن شيخه مولاي العربي الدرقاوي. وبعد موت الشيخ الخالدي سنة 1297 أخذ عن وارث سره وبركته الحاج عبد الله بن عدة بن الشويرف - المشرفي - المتوفى سنة 1298.
كما ورد عليه خطاب من قدور بن سليمان المستغانمي تضمن الإذن له مطلقا في الطريقة الشاذلية. وكان قدور بن سليمان هذا قد تتلمذ على الشيخ محمد الموسوم صاحب زاوية قصر البخاري الشاذلية، وأخذ هذا عن شيخه عدة بن غلام الله، وهذا عن شيخه سيدي العربي بن عطية الونشريسي، دفين تونس، وهذا عن شيخه مولاي العربي الدرقاوي، مؤسس الطريقة الدرقاوية.
(1) ديبون وكوبولاني (الطرق الدينية الإسلامية) الجزائر، 1897، ص 401.
(2)
ذكر القاضي شعيب في كناشه أن الشيخ الحبيب بن موسى الخالدي المذكور من آل سيدي خالد دفين شرقي وادي مكرة (مقرة) من أرض بني عامر، كان من أهل التصريف (الكرامات) عندما هاجر بنو عامر إلى المغرب هاجر هو إلى سبخة وهران ثم رجم عندما رجعوا. وكان يرى أن الهجرة الصورية قد انقطعت.
تاريخ الإجازة هو: 18 جمادي الثانية 1321 (11 سبتمبر 1903)(1). ونلاحظ أن الخطاب الذي يشير إليه القاضي شعيب بالنسبة لقدور بن سليمان قد جاءه من الحجاز حيث ارتحل ابن سليمان إلى هناك مهاجرا (2).
ومما جاء في إجازة القاضي شعيب للديسي (وبعد، فانه
…
ورد علي كتاب كريم من أخ عظيم ولي صميم، فضله مشهور، وسعيه مشكور، يلتمس مني الإجازة في الأوراد الشاذلية العلية
…
ألا وهو الإنسان الكامل
…
الشيخ سيدي الحاج محمد بن عبد الرحمن الديسي
…
فأسعفته حينا بمرامه
…
وأجزت له أن يأخذ عني تلكم الأوراد، وأن يأخذ فيها أيضا لمن أراد من الوراد) وبعد هذا ذكر سنده الذي أشرنا إليه.
5 -
إجازة القاضي شعيب للشيخ الهاشمي بن مولاي أحمد. وهي تتعلق بالحديث المسلسل بالأولية. وقد التمس منه المجيز ذلك له ولأولاده وأحفاده. ولا ندري الآن من هو المجاز، ولعله مين أسرة ابين بكار المعسكرية. وهي بتاريخ 1333 (3).
6 -
إجازة ابن الحفاف: للقاضي شعيب، وكلاهما سبق ذكره. وهي في موضوع الاسم الأعظم (آية الكرسي) وفي المصافحة. وفي الإجازة تفاصيل ذكر الاسم الأعظم، وقراءة سورة الإخلاص في ليلة الجمعة أو الاثنين وعدد المرات وأوقات القراءة (4). وتاريخها 1304. ويذكر ابن الحفاف أنه أخذ سند المصافحة عن الشيخ محمد الصالح الرضوي عندما زار الجزائر سنة 1261.
7 -
إجازة من محمد بن عبد الرحمن الديسي إلى القاضي شعيب. وهي
(1) الخزانة العامة - الرباط، مخطوط ك 48.
(2)
عن ذلك انظر فصل التصوف. وكذلك سابقا.
(3)
الخزانة العامة - الرباط، ك 48.
(4)
الخزانة العامة - الرباط، ك 48. والإجازة كتبت بصيغة المتكلم سنة 1304، ثم نقلها أبو بكر مصطفى ولد يعلي سنة 1347 (1928).
شعرية وتقع في ثمانية عشر بيتا (1). وهناك إجازات صوفية أخرى لا تكاد تحصى.
…
وبالإضافة إلى ذلك نتعرض إلى الإجازات التي تبادلها الجزائريون مع علماء المشرق والمغرب. وهي كثيرة أيضا، ولكن أكثرها من علماء المشرق والمغرب إلى الجزائريين. ولعل ذلك راجع إلى كثرة المهاجرين منهم في سبيل العلم الذي لم يجدوه في وطنهم. أما المشارقة والمغاربة فقلما جاؤوا إلى الجزائر لتحصيل العلم. وإنما حلوا بها زائرين أو عابرين.
ومن الجزائريين الذين منحوا الإجازات لعلماء المشرق والمغرب نذكر محمد بن العناني، وأبو حامد المشرفي، والأمير عبد القادر، وابنه محمد، والشيخ طاهر الجزائري، والمكي بن عزوز، ومحمد بن علي السنوسي، والقاضي شعيب ومحمد بن عبد الرحمن الديسي. ويبدو أن هذا النوع من التبادل قد خف منذ الحرب العالمية الأولى. وكان ذلك راجعا ربما إلى انتشار التعليم الحديث القائم على تلقي العلوم في المدارس ونيل الإجازات في شكل شهادات رسمية من قبل مؤسسة وليس من قبل فرد. كما أن التصوف قد خفت حدته بانتشار التعليم والوعي السياسي والدعوة إلى الإصلاح ومقاومة الاستعمار. وأصبح الذي يريد أن يجيز أحدا ما عليه إلا أن ينوه به في كتاب أو صحيفة، كما أصبح طلب العلم بالدراسة النظامية والانخراط في البرامج التي توصل المراحل النهائية من كل علم. وهكذا توارى، ولا نقول اختفى، اللجوء إلى طلب الإجازات التقليدية. وأبرز علمائنا منذ 1920 لا نعرف لهم إجازات كالتي كانت في الماضي اللهم إلا إذا حصلوا عليها قبل التاريخ المذكور. غير أننا سنرى أن الظاهرة لم تختف
(1) نصها عند علي أمقران السحنوني. وقد ذكر أن للشيخ محمد أمزيان بن الحداد إجازة إلى محمد الحفناوي بن أبي القاسم بن إبراهيم الغول، أحد أقارب صاحب تعريف الخلف.
تماما، خصوصا عند العلماء التقليديين، ورجال التصوف والمرابطين.
1 -
أول ما يلفت النظر هو كثرة الذين أجازهم محمد صالح الرضوي من علماء الجزائر، فقد بلغوا قرابة العشرين، ويذكر الكتاني عن المكي بن عزوز صاحب (عمدة الأثبات) أن الرضوي قد أعطى وكالة لأحد هؤلاء العلماء، وهو عبد الرحمن بن الأمين (1)، لينوب عنه في منح الإجازة لمن أراد بعده. فكتب ابن الأمين أسانيد الشيخ على أوراق بيضاء ووضع ختمه عليها وجعلها جاهزة للإجازة. وفي ذلك ابتذال للإجازة نفسها وهوان للعلم. ومع ذلك فاننا نلاحظ أن بعض الذين حظوا بإجازة الرضوي كانوا قد أثبتوا وجودهم العلمي كالحرار وابن الحفاف وعلي بن سماية والعمالي وابن الحاج موسى. والغريب أن إجازة الرضوي كانت في علم الحديث وروايته، وكذلك في التصوف.
ونقل الكتاني عن ابن عزوز قوله: (ما يتعجب منه أن المترجم (الرضوي) مع جولاته شرقا وغربا ما وجد مجازا منه في غير الجزائر إلا قليلا). ولذلك بقي اسم الرضوي متواترا بين علماء الجزائر حتى جعله ابن أبي شنب من الجسور التي عبر بها صحيح البخاري إلى الجزائر. وقال الكتاني انه قد حصل بجولان الرضوي في تونس والجزائر والمغرب (روجان لعلم الحديث ورواته، فانه نشر أسانيده وبث علومه. ولا يزال ذكره بالجزائر إلى الآن غضا طريا كأنه خرج منها البارحة)(2). وقد أجاز الرضوي أيضا بعض علماء المغرب وتونس. وإجازات الرضوي للجزائريين في العهد الفرنسي تذكرنا بإجازات مرتضى الزبيدي لهم في العهد العثماني، رغم اختلاف المكان، فالزبيدي أجازهم من مصر والرضوي أجازهم في بلادهم نفسها.
(1) لعله أحد أبناء المفتي الشهير علي بن عبد القادر بن الأمين الذي توفي قبل الاحتلال بقليل. انظر عنه التاريخ الثقافي، جزء 2.
(2)
الكتاني (فهرس) 1/ 432. انظر عن الرضوي فصل المشارق والمغارب أيضا.
2 -
إجازة الشيخ بخيت المطيعي: لعبد الحميد بن باديس، وكان ابن باديس قد أدى فريضة الحج سنة 1913، ولعله كان يفكر في الهجرة، تقليدا لشيخه الونيسي، وكانت أسرة ابن باديس قد فكرت في الهجرة في آخر القرن الماضي، أو كان ابن باديس متفاديا للتجنيد الإجباري الذي فرضه الفرنسيون سنة 1912. وفي طريقه لقي بعض المشائخ في مصر ومنهم الشيخ محمد بخيت الذي منحه الإجازة، ربما بطلب منه، كما جرت العادة، ولكننا لا نملك الآن صورة للإجازة ولا لطلبها (1).
3 -
إجازة الطاهر بن عاشور: لمحمد العيد. والطاهر بن عاشور من عمداء الزيتونة وكان معروفا بعلمه ومؤلفاته وفتاويه. أما محمد العيد فهو الشاعر الذي سجل شعره أطوار النهضة الإسلامية في الجزائر، وكان من تلاميذ الزيتونة بعض الوقت. ولكن الإجازة لم تأت أيام الطلب، وإنما جاءت سنة 1372 عندما كان محمد العيد مدرسا في عين مليلة. والإجازة تتعلق بكتب الحديث وكتب الأدب والشريعة الإسلامية (2). ومن الواضح أن محمد العيد هو الذي يكون قد طلب الإجازة، ولكننا لا نملك صيغة ذلك. وربما ضمن طلبه قصيدة لا نعرفها. فالجائزة لا تأتي هدية ولكن باستدعاء كما ذكرنا.
4 -
إجازات الكتاني للجزائريين: ذكر عبد الحي الكتاني في (فهرس الفهارس) عددا من علماء الجزائر الذين أجازهم وأجازوه. ومنهم القاضي شعيب، وعلي بن الحاج موسى. وما يلفت النظر هو أن إجازة الكتاني للقاضي شعيب جرى حولها نقاش بينهما سيما حول (دلائل الخيرات). وكان الكتاني قد أرسل إلى القاضي بعض الأعمال للفائدة وفي بعضها أسانيد
(1) الحركة الوطنية 2/ 391، ط. 4، بيروت 1990. ومقالة حمزة بوكوشة (مع ابن باديس): في مجلة (المعرفة)، أبريل 1964.
(2)
محمد بن سمينة (محمد العيد)، ط. الجزائر، 1987، ص 155 - 158. والشيخ بخيت هو الذي أجاز أيضا المولود الزريبي، انظر ترجمته.
والده، وسمى بعضها (منية القاصد في بعض أسانيد الأستاذ الوالد)، وهو فهرس، كما قال:(ألفه باسم صديقنا العالم الصالح الناسك المعمر، قاضي تلمسان الشيخ شعيب الجليلي) وهو في نحو كراسين، والعمل الثاني الذي أرسله إليه هو (المباحث الحسان المرفوعة إلى قاضي تلمسان). وهو في كراسة. ويقول الكتاني عن عمله الأخير انه (مباحث إسنادية انتقادية تتعلق بإجازات قاضي تلمسان - شعيب الجليلي -
…
من شيوخه).
وعبارة (الانتقادية) تدل على أن الكتاني أراد تصحيح ما جاء في بعض مراسلات وإجازات القاضي شعيب. وقد تسبب ذلك في إحراج القاضي حتى تفادى المراسلة الطويلة معه، كما اعترف ببعض ما وقع فيه وصححه، يقول القاضي شعيب عن طلب الكتاني منه الإجازة أن العظم قد وهن منه واشتعل الرأس شيبا (وجمدت القريحة وخمدت الفكرة، والذهن فاتر من مطالعة النوازل وتصفح الدفاتر
…
مع زيادة شغل البال
…
بهذا البلد الصادق عليه وعلى أهله قول القائل:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
…
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وقول الآخر:
لم يبق صاف ولا مصاف
…
ولا أمين ولا ثمين)
وطلب من الكتاني أن يأخذ الإجازة التي بعثها (القاضي شعيب) إلى بعض علماء المغرب وأن ينسخ، بعد ذلك، إجازتنا (وضم ذلك إلى ما يصلكم)، أي أنه اختصر الطريق فكتب إليه قليلا وأحاله على ما كتب للآخرين.
وكان القاضي شعيب قد كتب في إحدى مراسلاته مع الكتاني أنه أخذ (دلائل الخيرات) إجازة من الشيخ علي بن عبد الرحمن مفتي وهران، فناقشه الكتاني ذلك في (المباحث الحسان) وأكد له أنه إنما أخذ دلائل الخيرات إجازة منه (أي الكتاني). فأجاب القاضي بأن ذلك صحيح، وأنه بعد إجازة
الكتاني له فيه أخذه أيضا من قاضي وهران عندئذ الشيخ أحمد بن حسن الشريقي المختاري (1).
وتبادل الكتاني أيضا الإجازة مع علي بن الحاج موسى. وكان هذا من الجيل الذي عاصر الاحتلال في عنفوانه، وتولى أبوه أحمد بعض الوظائف الدينية، كما توظف ابنه في القضاء وغيره بعض الوقت، ثم تفرغ للتصوف والعبادة والتأليف، وكانت وظيفته قيما على ضريح الشيخ عبد الرحمن الثعالبي داخلة في الوظائف الرسمية أيضا لأن أجرها يأتي من إدارة الشؤون الأهلية، التي يشرف عليها الفرنسيون، وإنما هي أقل عرضة للاختلاط بهم وأقل مسؤولية في الدنيا. وقد وصفه الزوار والرحالة بالعلم والورع، مثل محمد بيرم الخامس. وقد ترجم له الكتاني باختصار، ولا توجد إلى الآن ترجمة وافية عنه. وأورد الكتاني سلسلة نسبه في حوالي تسعة جدود، وكانت عائلتهم من جبل بوزقزوك (يكتبها الكتاني بوزكزة)، أي جبل بني زقزوك قرب جبل العمال من سلسلة الجبال الواقعة حول العاصمة. وكانت لهم زاوية في جبل بوزقزوك.
وهذه المعلومات وجدها الكتاني بخط علي بن الحاج موسى نفسه متحدثا عن أصله وعائلته (2). ولد علي بن الحاج موسى في العاصمة، سنة 1244 أثناء حصار الفرنسيين لمرسى الجزائر وقبيل الاحتلال. وأخذ بها العلم عن والده ثم عن الشيخ مصطفى بن الحرار وطبقته، ومنهم ربما الكبابطي والمانجلاتي، وواعزيز الخ. وفي 1261 أجازه محمد الصالح الرضوي وكان سنه عندئذ سبعة عشر عاما فقط (!) ثم أجازه أبو حامد المشرفي سنة 1294 (1878)، وكذلك علي بن ظاهر الوتري المدني سنة
(1) الكتاني (فهرس) 2/ 590. انظر أيضا الخزانة العامة - الرباط، مخطوط ك 48.
(2)
جدوده، كما جاؤوا في الكتاني ونقله هو عن المترجم نفسه هم: علي بن أحمد بن الحاج موسى، ابن عبد العزيز بن أحمد زروق، ابن الحسين بن محمد الكبير المعروف بشائب الذراع، بن عبد العزيز بن محمد، بن عبد الرحمن، بن مقبل البوز كزاوي. وقد عرف بجده الأول: الحاج موسى.
1297.
كما سبقت إلى ذلك الإشارة. وتلقى كذلك إجازات أخرى من بعض علماء المغرب منهم محمد بن جعفر الكتاني عن طريق المكاتبة من فاس، سنة 1301، وأبو محمد التاودي بن المهدي ابن الطالب ابن سودة سنة 1303. وقد استمع هذا من ابن الحاج موسى لحديث المسلسل بالفاتحة. ومن جهة أخرى حصل ابن الحاج موسى على إجازة من المكي بن عزوز، ومن ابن خليفة المدني الذي توفي في المغرب سنة 1306. ويذهب الكتاني إلى أن الرجلين الأخيرين قد تراسلا مع ابن الحاج موسى وتبادلا معه الإجازات. (كلاهما تدبج معه وكنا لبعضها عدة إجازات).
وكان ابن الحاج موسى قد دخل في عدة طرق صوفية أيضا، ومنها القادرية والشاذلية. أخذ ذلك عن جماعة، كما يقول الكتاني، من الجزائريين والحجازيين والشاميين. ولم يذكر له الكتاني عنايته بترجمة حياة أحمد بن يوسف الملياني، دفين مليانة، وصاحب المواقف السياسية أوائل الفتح العثماني للجزائر، وكان شاذليا. ومن تآليفه (ابن الحاج موسى) في ذلك كتاب (ربح التجارة) الذي سنعرض إليه في التصرف. وذكر الكتاني أن ابن الحاج موسى كان بصدد إعداد فهرس بمروياته. ولم يذكر أنه أتم عمله. كما ذكر أن له مجموعة من الإجازات قد آلت إليه، أي إلى الكتاني. وقد أخبره بذلك سنة 1322. ويبدو أنهما لم يتقيا وإنما دار ما دار بينهما بالمراسلة. وقد توفي ابن الحاج موسى عام 1330 (1913)(1).
5 -
إجازة أخرى للكتاني: إلى محمد ين عبد الرحمن الديسي. والواقع أن الإجازة قد جرت بينهما مبادلة. وكان الديسي من رعيل الفحول من العلماء، لازم بحكم عاهة فقد البصر زاوية الهامل تلميذا وأستاذا. ويبدو أنه خرج مرة واحدة للحج، لأن الكتاني ينعته بالحاج. وبلغت تأليفه خمسة وعشرين مؤلفا، ومعظمها رسائل صغيرة في العلوم التي كان يدرسها وفي
(1) الكتاني (فهرس) 2/ 788 - 789. انظر أيضا محمد بيرم (صفوة الاعتبار) 4/ عنه انظر أيضا فصل المكتبات.
الأدب. وبعضها شروح، وهو في ملازمته التدريس رغم طول المدة يشبه معاصره عبد القادر المجاوي، فقد تفرغ كل منهما له، وأخرجا التلاميذ المشهود لهم. ولا نعرف أنهما تلاقيا أو تراسلا، مع ذلك. وكان الديسي من علماء القراءات والتجويد أيضا. وكانت له حافظة نادرة. وقد عرفنا أنه لم يكن على علاقة جيدة مع الشاعر عاشور الخنقي الذي انتصر للأشراف ولو كانوا عصاة. وكان الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي يكرمهما معا. وقد تحدثنا على ذلك في محله. ودامت مدة إقامة الديسي بالزاوية حوالي أربعين سنة، إذ دخلها في أوائل الثمانينات، وتوفي سنة 1922. ولم نطلع إلى الآن على إجازته للكتاني ولا إجازة هذا له (1). ويذكر صاحب تعريف الخلف أنه قد بعث له يسأله عدة أسئلة عن المرأة وعن علماء الجنوب وغيرها. وهي الأسئلة التي طلب الإجابة عليها السيد (آرنو) الفرنسي مدير جريدة المبشر في وقته. فالتجأ صاحب التعريف إلى شيخه الديني (2).
6 -
اجازة المكي بن عزوز: للشيخ الطاهر العبيدي. أما المكي بن عزوز فقد سبق الحديث عنه، وأما العبيدي (3) فهو أحد علماء سوف الذين تولوا التدريس في الجامع الكبير بتقرت طيلة حياته تقريبا. تخرج على يد عبد الرحمن العمودي ومحمد العربي موسى في الوادي وأكمل تعليمه في تونس (الزيتونة؟) وتبادل المراسلات مع علماء الوقت وقرظا بعضهم أعماله مثل محمد بن عبدالرحمن الديسي وابن باديس. وله منظومات عديدة في فنون شتى معظمها في الفقه. وكان أخوه أحمد العبيدي في الوادي يقاربه علما ووظيفة.
(1) عن الديسي انظر عمر بن قينة (الديسي)، الجزائر، 1976. وزكي محمد مجاهد (الأعلام الشرقية) 3/ 130، (وتعريف الخلف) 2/ 407، ودبوز (نهضة) 1/ 79 - 80.
(2)
تعريف الخلف 2/ 417.
(3)
انظر عنه كتابنا (تجارب في الأدب والرحلة) فصل (مراسلة غريبة بين ابن باديس وأحد علماء سوف).
7 -
إجازة عمر بن الطالب بن سودة إلى علي بن عبد الرحمن بن محمد بن والي، مفتي وهران. وهي إجازة عامة (1). وابن سودة أحد علماء المغرب وأعيانه. وعلي بن عبد الرحمن كان من علماء الدين والطريقة. وقد ترجمنا له بما توفر لنا من معلومات في فصل التصوف. وكانت بينه وبين علماء المنطقة، مثل الشيخ القاضي شعيب، مراسلات. وكان في نفس الوقت مقدما للطريقة التجانية متوليا للفتوى عدة سنوات في آخر القرن الماضي. وهو غير معروف بالتأليف. ولا ندري إن كان قد أجاز هو أيضا. ابن سودة، أو كانت الإجازة من جانب واحد، وربما كان ابن عبد الرحمن من خريجي مدرسة تلمسان الرسمية.
8 -
إجازة بعض علماء المغرب: لأحمد بن السنوسي بن خليل الغريسي. وكان هذا الشيخ قد انتقل إلى فاس للدراسة العادية وجرى له امتحان على يد لجنة مؤلفة من شيوخ القرويين وهم: محمد كنون، وأحمد البناني، وأحمد القادري والهادي السقلي وشيخ آخر اسمه الطيب (بن كيران؟). وكان كاتب اللجنة هو أحمد بن إدريس، وشمل الامتحان العلوم العربية والشرعية مثل مختصر خليل ورسالة الوضع والأصول، والنحو والمنطق والبيان ثم الحساب والفلك. وبعد الامتحان منحوه الإجازة وأذنوا له في التدريس. ولا شك أن هذا كان بداية التغيير الذي أشرنا إليه، فهو قد حصل على إجازة جماعية - إذا صح التعبير - ونال شهادة من مؤسسة. وربما كان في صيغة الإجازة بعض البقايا التقليدية (2). وكان ذلك سنة 1896.
9 -
إجازة في التصوف والطريقة المدنية (الشاذلية) من محمد أحمد بن عبد الله السفاقصي إلى سيدي يحيى بن أحمد، مقدم أولاد نائل.
(1) الكتاني (فهرس) 1/ 342.
(2)
ابن سديرة (كتاب الرسائل)، ص 202. جاء التاريخ في هذا المصدر هكذا: 26 رجب 1896، أي الجمع بين الشهر الهجري والعام الميلادي. وليس لدينا مصدر آخر الآن لتصحيح ذلك.