الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عبد الحي الكتاني أن أحمد بن محمد بوقندورة الذي كان من علماء العصر وتولى الفتوى الحنفية وأصبح من المعمرين النساك، كان يروى الحديث عن علي بن الحفاف عن أبيه عن جده عن أحمد بن عمار. وقد أخذ الكتاني عن بوقندورة هذا، ورغم أن لدينا ملاحظات ذكرناها في مكانها عن هذا الشيخ (بوقندورة) فان ذلك لا ينقص من علمه في هذا المجال (1).
الأثبات
الثبت أو الفهرس هو سجل الشيوخ الذين درس عليهم الطالب، ويتضمن عادة أسماء شيوخهم أيضا، وهكذا؛ كما يتضمن أسماء الكتب التي درسوها وأخذها عنهم الطالب. وذلك هو ما يعرف بالسند والأسانيد. وتكون الأسانيد في العلوم، وقد تكون في الطريق الصوفي. ولكن المنهج واحد، وهو حفظ العلم والدين والشرف والنسب من الضياع. وهو الطريقة المثلى في تواتر الأجيال والرواة، ودقة الحديث والرواية. وإذا انقطعت الأسانيد اختلت المعرفة ودخل الزيف. هكذا كانوا يعتقدون، ولذلك كان أغلب أهل العلم والدين يحافظون على سجلاتهم أو فهارسهم التي نسميها هنا أثباتا. وهي تتضمن اسماء الكتب المدرسية واسماء الشيوخ ووفياتهم وأماكنهم وغير ذلك من المعلومات (2) إنها نوع من الشهادات التي يحصل عليها الطلاب اليوم. مضافا إليها الدقة والتوثيق، في الأصل على الأقل.
ولكن هذه الشهادات قد دخلها أيضا الزيف والرياء على مر العصور. وأصبحت بالتدرج تجمع للمباهاة والشهرة، عندما كانت الدفاتر والفهارس
(1) الكتاني (فهرس الفهارس) 1/ 122. عن بوقندورة انظر فصل السلك الديني والقضائي.
(2)
كنا أعددنا بحثا مطولا عن مناهج البحث عند المسلمين كلفتنا به جامعة آل البيت (الأردن) ضمن تكوين طلاب الدراسات العليا، وقد تضمن البحث فقرة عن الأثبات أو البرامج، وذلك سنة 1997.
تنسخ في لحظات، والمجالسة للعلم قد لا تدوم أكثر من ساعات، بل انها تحولت إلى مراسلات وسماعات. فكان ذلك من أسباب ضعف هذه الوسيلة التي كانت من أنبل الوسائل في تبادل المعرفة وتوثيقها. ولا شك أن ذلك راجع في أساسه إلى ضعف مستوى العلم بصفة عامة، واختفاء فحوله الغيورين عليه وعلى سمعتهم، وإلى ضعف الضمائر والركون إلى المجاملات وطلب السمعة (1).
وليست مهمتنا هنا نقد الطريقة ولكن وصفها. ولذلك فإننا سنواصل حديثنا عن الأثبات بذكر نماذج منها.
1 -
ثبت العباسي: وهو أحمد بن سعيد العباسي، عالم قسنطينة الذي سبقت إليه الإشارة. وثبته هذا يجمع أسانيده في الكتب الصحاح الستة. وقد جمعه له تلميذه الشيخ عبد الحميد الصائغ الحركاتي. ويرويه الكتاني من عدة طرق (2). ولكننا نعرف أنه كان للشيخ العباسي ولد اسمه محمد، تولى الوظائف الدينية والتعليمية في العهد الفرنسي، وكان للمستشرق شيربونو، فلماذا لا يكون ثبت العباسي عند ولده؟.
2 -
ثبت التواتي البجائي: وهو البشير التواتي البجائي الذي استوطن تونس. وكان عالما بالقراءات التي أخذها في تونس وفي مراكش، كما يقول الكتاني. غير أن هذا العلم كان شائعا وراسخا في الجزائر أيضا، سيما بلاد زواوة. وللشيخ التواتي ثبت اشتمل على أسانيده في القراءات. ولم نطلع عليه لنعرف إن كان منهم بعض الشيوخ الجزائريين. وقد توفي الشيخ التواتي سنة 1311 وفي هذا العهد كان من أبرز شيوخ القراءات، كما عرفنا، هو الشيخ علي بن الحفاف، وأبو القاسم البوجليلي. ولعل اسم (التواتي) يرجع إلى العالم الصالح محمد التواتي دفين بجاية الشهير وصاحب الزاوية بها والذي كان يعيش في أول القرن 16 ميلادي. ومهما كان الأمر فان الكتاني يروى ثبت
(1) للتوسع في هذا الموضوع انظر الجزء الثاني، فقرة (الأثبات).
(2)
الكتاني (فهرس الفهارس)، 2/ 832.
التواتي في القراءات عن الشيخ محمد المكي بن عزوز الذي يرويه عن صاحبه (1).
3 -
ثبت ابن السادات: وهو مصطفى بن أحمد بن السادات القسنطيني. وكان هذا يروى عن الشيخ محمد المكي البوطالبي الذي تولى التدريس في المدرسة الكتانية بقسنطينة، وكذلك تولى القضاء، وقد عاصر الاحتلال واختلط بالفرنسيين. وتوفى سنة 1281. ومصطفى بن السادات كان في آخر عمره عندما روى عنه الكتاني كراسة الإجازة التي تركها أحمد زروق البوني. فكان ابن السادات ناضجا في الستينات من القرن الماضي حين كتب سنة 1867 في جريدة المبشر يحث على التعلم ودخول المدرسة الفرنسية بقسنطينة. وقد ذكرناه في مكانه. ولا ندري كيف انتقلت كراسة البوني إلى البوطالبي، لأن الكتاني لم يكمل السلسلة. كما أننا نتساءل ماذا روى الكتاني عن مصطفى بن السادات في ثبته، لأننا إلى الآن نجهل شيوخ ابن السادات (2).
4 -
ثبت السنوسي: وهو محمد بن علي السنوسي. وقد ترجمنا له في فصل التصوف. وللسنوسي عدة أثبات في الواقع، بعضها مطول وبعضها مختصر. وربما كان أشهرها الثبت المسمى (السلسبيل المعين في السلاسل الأربعين). ويقول الكتاني إنه لخص فيه رسالة العجيمي في الطرق الأربعين وان السنوسي وصل سلاسله (أسانيده) بها من طريقه وزاد عليها بعض أسانيد مشائخه. ويقع هذا الثبت في نحو ست كراريس. وقد رآه الكتاني في كل من زاوية بقيرات من ضواحي مستغانم وفي المكتبة العامة بطنجة. وهو يرويه عن محمد بن محمد سر الختم الميرغني الإسكندري، عن غيره (؟) إلى المؤلف (3). وقد اطلعت منه على نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية في باب التصوف، فوجدناه ذكر فيه عددا من الطرق الصوفية وحث المريدين
(1) نفس المصدر، 1/ 231.
(2)
نفس المصدر، ص 239. وفصل مذاهب وتيارات عن حياة ابن السادات ونشاطه الصحفي. وقد وجدنا اسمه ضمن أعيان قسنطينة في التسعينات أيضا.
(3)
الكتاني (فهرس الفهارس) 2/ 1059.
على الأخذ بعدد كبير منها (1).
ويغلب على الظن أن (السلسبيل) هو نفسه الذي وصفه (لويس رين) في كتابه (مرابطون وإخوان) إذ ترجمه الفرنسيون واستفادوا منه لمعرفة مخططات وأفكار السنوسي والطريقة السنوسية عموما. وقال رين: ان السنوسي ذكر في هذا الثبت شيوخه ورحلته وأسانيده. أما الرحلة فقد ذكرها في المقدمة، والمقصود بها رحلته من الجزائر إلى المشرق على إثر الاحتلال الفرنسي. ويصف رين الفهرس أو الثبت بأنه صغير الحجم، وهو لا يتناسب مع وصف الكتاني بأنه يبلغ ست كراسات. وذكر رين أن الثبت قد احتوى على 150 كتابا بأسانيدها وكلها متصلة بعلوم الشريعة أو علم الظاهر. ولكن الكتاب يضم أيضا مجموعة من أسماء الطرق الصوفية التي أخذها أو تأثر بها والتي تمثل علوم الحقيقة أو الباطن. وروى السنوسي في هذا الكتاب (الثبت) أنه تنقل من مكان إلى آخر لطلب العلم وملاقاة الشيوخ المشاهير. وقد رأى منهم من كان يطمح إلى الوصول إلى ملك الملوك في التصوف، وبعضهم كان يكتفي بنيل الإجازة. ومن الأماكن التي ذكرها وهو راحل: الأعراض والجريد، وطرابلس الغرب، وسلاوة تونس وبرقة ومصر، وكذلك عدد من الأماكن النائية في الصحارى للوصول إلى الشيوخ الذين يريد، وقد ارتبط ببعضهم بصداقة متينة وتواصوا على العمل المشترك (2).
5 -
المنهل الروي للسنوسي أيضا: وعنوانه الكامل هو (المنهل الروي الرائق في أسانيد العلوم وأصول الطرائق). وقد قيل انه ثبت أو فهرس مختصر تحدث فيه السنوسي عن عدد من شيوخه (3).
(1) دار الكتب المصرية، تصوف، رقم 2567 وعلى الشريط رقم 14590، ومنه نسخة في مكتبة الإسكندرية، ج 3803.
(2)
رين (مرابطون وإخوان)، الجزائر، 1884، ص 485 - 486، هامش 1 - 2.
(3)
ط. القاهرة، 1954 في 107 صفحات. ط. 2 بيروت ضمن مجموع 1968. ومنه مخطوطة في الخزانة العامة - الرباط، ك 1243. ومنه أيضا نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية، تصوف، 3033 ج.
6 -
الشموس الشارقة للسنوسي أيضا: وعنوانه هو (الشموس الشارقة في أسانيد بعض شيوخنا المغاربة والمشارقة): وهو في مجلدين. وواضح أنه كتاب مطول في مرويات الشيخ السنوسي. ولم نعرف أنه طبع، وكان الكتاني قد حصل على وصف للكتاب من حفيد المؤلف، أحمد الشريف السنوسي، وقد أخبره أنه ما يزال في مبيضته.
7 -
البدور السافرة في عوالي الأسانيد الفاخرة للسنوسي أيضا. وهو ملخص لكتابه السابق (الشموس الشارقة). وذكر الكتاني أن البدور اشتمل على ذكر من لقيهم السنوسي من الشيوخ وأجازوه. وقد رتب الكتاب على مقدمة وثلاثة أبواب. فالمقدمة تضمنت حياته من النشأة إلى البلوغ. وشمل الباب الأول ذكر بعض الشيوخ، وفيه سبعة فصول. أما الباب الثاني فقد تحدث فيه عن العلوم الشرعية التي تحصل عليها. وأما الثالث فقد ضمنه ما وصل إليه من طريق الإجازة العامة، وفيه فصلان وتكملة. وانتهى الكتاب بخاتمة. وقد حصل الكتاني على نحو الكراستين من البدور السافرة (1).
8 -
الكواكب الدرية في أوائل الكتب الأثرية للسنوسي أيضا: وهو من المؤلفات الإسنادية الهامة، وقد اشتمل على عدة أبواب اختص كل باب منه بـ (أوائل) ما فيه وأشهره. مثلا أوائل بعض كتب الأيمة العشرة، موطأ الإمام مالك، ومسانيد الأيمة الثلاثة والكتب الستة في الحديث. وهذا هو الباب الأول منه. وضم الباب الثاني أوائل بعض مشاهير السنن، وهي عشرة. ثم الباب الثالث في أوائل بعض مشاهير المسانيد وهي عشرة. وهكذا إلى الاثنى عشر بابا. وقد جعل الخاتمة في أربعين طريقة من الطرق الصوفية. وقال الكتاني ان هذا (ترتيب عجيب وأسلوب غريب بين كتب الأوائل والأثبات)(2).
9 -
التحفة في أوائل الكتب الشريفة للسنوسي أيضا: ويرويه الكتاني
(1) الكتاني (فهرس) 1/ 246 - 247. وإيضاح المكنون 2/ 1097.
(2)
نفس المصدر 1/ 104.
عن الشيخ عاشور الخنقي، صاحب كتاب منار الإشراف. وكان الخنقي قد أخذه عن شيخه في زاوية نفطة محمد المدني بن عزوز عن المؤلف السنوسي (1).
وللسنوسي فهارس أخرى ذكرها الكتاني وذكر أنه يرويها عنه بطرق مختلفة. منها سوابغ الأيد في مرويات أبي زيد، والمسلسلات العشرة المنتخبة من فهرس أبي سالم العياشي.
وكل ذلك يدل على أن السنوسي لم يكن فقط مؤسس زاوية وطريقة وباعث فكرة هزت مدة طويلة أركان الغرب في افريقية، ولكنه كان مؤلفا كثير التآليف، وعالما غزير العلم، راويا لكتب الحديث وأمهات الطرق الصوفية والأسانيد الموصلة إلى العلوم سواء كانت ظاهرية أو باطنية. وربما لا نجد من يشبهه في هذا المنهج سوى شيخه أبي راس الناصر. رغم أن أبا راس كان مكرسا حياته للتدريس والتأليف ولم يؤسس طريقة صوفية. والمعروف أن الشيخ السنوسي قد توفى سنة 1859.
10 -
الكوكب الثابت في أسانيد الشيخ أبي طالب: (محمد بن علي المازوني - أبو طالب)، تأليف عبد القادر بن المختار الخطابي. وربما يكون هذا المؤلف من العائلة السنوسية أيضا لأنها تنتسب - كما يقولون- إلى الخليفة عمر بن الخطاب. والشيخ عبد القادر هذا نجهل حياته الأولى، ولا نعرف الآن سوى أنه هاجر إلى مصر وتوفى بها سنة 1916 (1336). وقيل ان ثبته يقع في مجلد وسط. ولم يذكر الكتاني أنه اطلع عليه أو حصل منه على نسخة كعادته (2).
11 -
ثبت الحرار: وهو مصطفى بن الحاج محمد الحرار. كتب الثبت باسم صهره حسن بن إبراهيم المعروف بريهمات. وهو ثبت سجل فيه مروياته عن شيوخه الجزائريين وكذلك الشيخ محمد الصالح الرضوي البخاري عندما زار الجزائر سنة 1261. وقد روى الكتاني هذا الثبت من عدة طرق، منها
(1) نفس المصدر.
(2)
الكتاني (فهرس) 1/ 382.