الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في الطب فكانوا سبعة وفي الصيدلة ستة (1). وفسر باولي سنة 1905 (تحفظ) الجزائريين من دخول مدرسة (كلية) الطب تفسيرا غريبا هدفه إلقاء مسؤولية الجهل على الجزائريين أنفسهم، فقد قال إن هناك مادة ترجع إلى مرسوم 12 يوليو 1832 (قبل تأسيس مدرسة الطب) تقول بجواز ممارسة الأهالي للطب والجراحة على أهل دينهم دون امتحان مسبق. وهذا في الواقع يتنافى مع الممارسة، لأن الفرنسيين كانوا يعاقبون من مارس الطب الشعبي والجراحة من الأهالي بدون رخصة - وقد سبق ذلك عند الحديث عن الطب في الأوراس -. ومن جهة أخرى فإن (تصفية) التلاميذ كانت في يد الفرنسيين منذ الابتدائي، وهم الذين يسمحون أو لا يسمعون بمتابعة الدراسة، كما أن المنح كانت في أيديهم أيضا.
وهكذا نرى أن الأطباء والصيادلة الجزائريين الذين تخرجوا من مدرسة ثم كلية الطب والصيدلة كانوا من النوادر. فمن اثنين أو ثلاثة في منتصف القرن الماضي إلى سبعة (طب) وستة (صيدالة) في النصف الأول من هذا القرن.
الفلك
استمرت العناية بالفلك حسب الطريقة القديمة، ولكنه بالتدرج تأثر بالدراسات العلمية الحديثة، سيما منذ الحرب العالمية الأولى، وقد حدث ذلك مع انتشار التعليم والإصلاح. وهذا لا يعني أن علم الفلك، كما عرفه الأولون وقلده المتأخرون قد انتهى.
وإذا حكمنا من الإنتاج المتوفر في هذا العلم (الفلك)، فإننا نستطيع أن نؤكد بأنه قد تدهور أثناء العهد الاستعماري. فإلى عهد المجاوي (ت 1914)
(1) أرشيف إيكس (فرنسا)، رقم 61 H 10 وقد ظل العدد ثابتا (7 في الطب و 6 في الصيدلة) في إحصاء بوجيجا سنة 1936 أيضا. انظر المجلة الجزائرية 1938 SGAAN، ص 66.
والحافظي (ت 1948) لا نظفر بكتاب يعالج تعديل الكواكب ورصد حركات الأفلاك بالطريقة التي كان يستعملها ابن حمادوش وابن علي الشريف في القرن الثامن عشر، بل إن المزاول (ج. مزولة) قد تخلفت تقنياتها، وبقي الاعتماد في أغلب الأحيان على الظل وميلان الشمس والشروق والغروب ونحوها من علامات أوقات الصلاة.
وقد اهتم الفرنسيون بآثار الجزائريين في الفلك، وشمل البحث عن هذه الآثار مختلف اللجان التي تكونت، منذ اللجنة الإفريقية سنة 1833 إلى اللجنة العلمية 1839 إلى لجنة فيري سنة 1892. وقد أسس الفرنسيون مرصدا مهما في أعالي بوزريعة، قرب العاصمة. وعكفوا على دراسة الانتاج العربي في علم الفلك، سواء كان مكتوبا أو شفويا بناء على التقاليد والأساطير الموروثة، بما في ذلك خطوط الرمل، ومعرفة أسرار الحروف والأعداد. وإلى سنة 1935 كان الميلي يكتب عن تأثير (شمس المعارف) للبوني وغيرها فيقول:(ترى من تعلموا القراءة والكتابة من الجزائريين ينكبون على دراسة كتاب البوني المذكور، فيأخذون منه أقوالا وأعمالا مبنية على علم الحروف المنظور فيه إلى طبائع الكواكب المزعوم أنها الحاكمة في هذا العالم)(1).
وهكذا فإنه في الوقت الذي أسس فيه الفرنسيون المرصد ومدرسة العلوم (كلية العلوم فيما بعد) وغيرها من المنشآت العلمية لمعرفة قوانين الأشياء ودراسة العلوم بدقة وبملاحظة نقدية، كان الجزائريون بعيدين عن الروح العلمية، لجهلهم بتراث أجدادهم من جهة ولإغراقهم في الخيالات والشعوذة من جهة أخرى. ولنتصور أن أقصى عدد وصله الجزائريون في كلية العلوم بين الحربين هو أربعة عشر طالبا فقط. بينما تردد عدد منهم على مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال)، وزاول آخرون دروسهم العلمية في الابتدائي الفرنسي وفي المدارس الرسمية الثلاث.
(1) الميلي (رسالة الشرك)، ط. 2، 1966، ص 152.
ورغم شهرة الجزائريين بتناول علم الفلك قدما، لصلته بالملاحة البحرية وأوقات الصلاة، فإننا لا نكاد نجد في العهد الاستعماري من ألف في الفلك إلا عددا ضئيلا جدا. ومنهم المكي بن عزوز وعبد القادر المجاوي والمولود الحافظي. وكان المجاوي مدرسا، فكان كتابه في الفلك تعليميا بالدرجة الأولى. أما الحافظي فقد مارس علم الفلك من خلال الدين، أي أنه كان يربط بين هذا العلم والصلاة ونحوها، كما أنه مارس التدريس أيضا. ولنذكر ما عرفناه من هذه المؤلفات:
1 -
نظم متروكات السوسي: والنظم للشيخ السعيد بن أبي داود، (ت. 1840) وكان هذا تلميذا للشيخ الحسين بن أعراب. وقد علق على النظم حفيد الناظم، وهو أحمد بن أبي القاسم بن أبي داود. وهو تعليق موجز، كما جاء في مراسلة مع الشيخ علي أمقران السحنوفي (8 مايو 1981).
2 -
الجوهر المرتب في الربع المجيب: تأليف المكي بن عزوز، ولا نعرف ما إذا كان مطبوعا.
3 -
الفريدة السنية في الأعمال الجيبية: تأليف عبد القادر المجاوي. وقد طبع سنة 1904 (1321)، على نفقة الإدارة الفرنسية. وربما كان الكتاب موجها إلى التلاميذ بتغطية من الحكومة، لأن المدارس الرسمية الثلاث كانت تدرس هذا العلم. ومما يلاحظ أن جل مؤلفات المجاوي (عدا إرشاد المتعلمين)(1) قد ألفها في فترة بقائه في العاصمة، وفي آخر عمره، رغم أنه أقام بقسنطينة قرابة ربع قرن. وقد تحدث في (الفريدة) عن الارتفاع أو بعد الشمس عن أفق البلد المعني، وعن ميلان الشمس وعرض البلد. وفي المقدمة التي وضعها المجاوي للفريدة لخص خطته وهدفه فقال: وبعد فهذه رسالة صغيرة الحجم، وعجالة مختصرة كثيرة العلم، في كيفية العمل بالربع المجيب في الأوقات، مشتملة على مقدمة وعشرين بابا وخاتمة فيما يتعلق بالتعديل والميقات.
(1) ط. القاهرة 1877. وكان المجاوي عندئذ في قسنطينة، مدرسا حرا.
وفي المقدمة أيضا تحديث المجاوي عن الأرض ودوائرها ومحيطها وأقاليمها وخطوطها. ويبدو المجاوي في هذا متأثرا. بالقدماء أمثال الإدريسي وابن حمادوش. وقد نقل عن علماء اشتهروا بعلم الفلك مثل مؤلف كتاب (سعود المطالع) وكتاب (تقويم البلدان) لأبي الفداء. وفي (الفريدة) حديث أيضا عن عدد الشهور وكيفية استخراج المنازل والفصول، واستخراج الشهور العربية، والفصول الأربعة.
ومن الأبواب حديث عن ارتفاع الشمس وغيرها من الأجرام في أفق البلد المعني. ثم معرفة جيب القوس وقوس الجيب. وفي ميلان الشمس وغايته. وتناول المجاوي أيضا عرض البلد وبعد القطر والأصل والمطلق. وضمن العشرين بابا التي اشتمل عليها الكتاب ساق المجاوي أراجيز لنظم المعاني التي يتناولها، وذلك يؤكد توجه الكتاب إلى التلاميذ. لأن حفظ بعض الأبيات من قبلهم كان مقصودا له. وقد خصص الخاتمة في معرفة الضرب والقسمة، وأخذ الجذور بربع الجيوب (1).
4 -
نظم في الفلك: منسوب إلى الشيخ محمد الطيب اليعلاوي. والنظم غير معروف (2). وقد عاش الناظم إلى حوالي 1296 هـ.
5 -
آلة بركار: من وضع سليم الجزائري، شهيد القضية العربية سنة 1916. وقد قيل إنه اخترعه، وهو آلة تحمل في الجيب، وكان يرسم بها الخطوط المتوازية والمستقيمة والدوائر (3).
6 -
شرح على رسالة في علم الميقات: وضعه الشيخ صالح السمعوني، أحد المهاجرين الجزائريين إلى الشام في القرن الماضي. وكان الشيخ السمعوني من المولعين بالفلك (4).
(1) ط. فونتانة، الجزائر 1903 (1320 - 1321)، ويقع في 85 صفحة.
(2)
من رسالة للشيخ محمد الحسن عليلي، 19 نوفمبر 1995.
(3)
زكي محمد مجاهد (الأعلام الشرقية) 2/ 30.
(4)
محمد مطيع الحافظ ونزار أباظة (علماء دمشق وأعيانها)، دار الفكر المعاصر ودار =
7 -
ساعات شمسية: للمولود الحافظي. وهذا ليس عنوان كتاب ولكنه صنعة أجادها الحافظي الذي كان ماهرا في وضع الجداول ومحبا لعلم الفلك حتى أصبح مرجعا فيه من المتأخرين. وقد كتب في هذا العلم مقالات عديدة نشرها في مثل الشهاب والنجاح. ورغم أننا لا نعرف مؤلفات الحافظي الأخرى فإن بعضهم قد ذكر أنه وضع عملين: الأول كتاب كبير تركه مخطوطا عندما كان في القاهرة عند صديق له يدعى الزايدي التواتي. وهذا المخطوط في الفلك والجغرافية والهيئة. وقيل إن والد علي أمقران السحنوني قد رآه. وأما العمل الثاني الذي قام به الشيخ الحافظي فهو إعداد ربع مجيب من الخشب صنعه أيضا وهو بمصر وسلمه إلى صديقه التواتي. وقد قام التواتي بتسليم هذا العمل إلى زاوية ابن سحنون بتاغراست (1).
أما الساعات الشمسية فهي ثلاث، وضعها الحافظي عندما كان أستاذا بزاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي، وما تزال آثار الساعات الشمسية في الزاوية. وذهب بعضهم إلى أن الحافظي قد ترك مقالات (وربما مؤلفات)، ولكنها ضاعت فيما ضاع أثناء الثورة.
والحافظي من مواليد بوقاعة قرب سطيف، سنة 1895، وبعد أن نال حظا من التعلم العام في الزوايا والكتاتيب، سافر إلى تونس حيث عمه، ولم يدرس في الزيتونة، بل عمل في بيع تذاكر القطار (2)، ثم سافر إلى مصر في تاريخ مجهول، وانخرط في طلبة الأزهر الشريف. وبعد أن مكث طويلا رجع
= الفكر، دمشق/ بيروت 1991، 2/ 672.
(1)
رواية علي أمقران السحنوني، وقد قال إن أحد الضباط الفرنسيين قد أخذ الروح المجيب أثناء ثورة التحرير، فاختفى. مراسلة منه يوم 17 مارس، 1980.
(2)
في تونس درس الفلك على الفلكي التونسي الشيخ مطيبع وابراهيم صمادح. أما صديقه الزايدي (غير المعروف لدينا) فقد لقيه بمصر. وكان الحافظي يعرف اللغة الفرنسية، وربما تعلمها في مسقط رأسه قبل سفره إلى تونس. انظر مراسلة علي أمقران السحنوني، 17 مارس 1980، ورسالة أحمد مريوش عن العقبي، معهد التاريخ، جامعة الجزائر.
إلى الجزائر في تاريخ مجهول أيضا، وربما هو منتصف العشرينات. واشتهر بعلم الفلك وهو بمصر، كما ذكرنا، ولما رجع إلى بلاده انطلق كغيره من العلماء في دروس الإصلاح والكتابة الصحفية. ولكنه لم يكن مثل ابن باديس ولا العقبي ولا الإبراهيمي في التوجه إلى الجمهور العريض. وقد قصد التعليم بالزوايا، وكان في أول أمره من أنصار الحركة الإصلاحية وساهم في تأسيس جمعية العلماء (سنة 1931). وفي اجتماع السنة الموالية تزعم الحافظي التيار المحافظ الذي أراد أن تكون جمعية العلماء صورة أخرى من جمعية الطرق الصوفية والزوايا، التي تحركها الإدارة الفرنسية. وربما كان الحافظي آلة فقط في ذلك الصراع بين أنصار الإصلاح والتحرر وبين أنصار الانتماء الطرقي والتبعية.
وعندما فشل ذلك التيار المحافظ وانتصر تيار ابن باديس وزملائه، أسس الحافظي وأنصاره جمعية موازية باسم (جمعية علماء السنة) سنة 1932، ودام على رئاستها حوالي سنتين، ثم فشل المشروع كله لأسباب نجهلها الآن. وبقيت في الساحة جمعية العلماء الأصلية، وكان الحافظي قد كسبته بعض الزوايا مثل زاوية عمر بن الحملاوي. وعند افتتاح المعهد الكتاني سنة 1947 كان الحافظي هو رئيسه الشرفي. وكان الحافظي قد نافس ابن باديس وعارض العقبي، وتحالف مع عاشور الخنقي. وخلال وجود الحافظي في الحركة الإصلاحية كتب مقالات طويلة في شؤون الاجتماع والدين والأخلاق والفلك في الصحف. وقد عاش إلى 3 فبراير 1948، ومع ذلك كان إنتاجه قليلا ومساهمته أقل من اسمه وعلمه. ولا ندري سبب الأفول الذي حل به أثناء حياته. ولعل تردده بين الإصلاح وعدمه أو بين الإصلاح التحرري المتسيس والإصلاح الطرقي الراكد، هو الذي كان وراء أفوله. وما تزال آثاره غير مجموعة (1).
(1) جاء في مراسلة من محمد الصالح الصديق إلى علي أمقران السحنوني 6 نوفمبر 1994، (وقد حصلت على نسخة منها) أن لجنة جمع آثار العلماء قد انتهت من آثار ابن باديس، وبدأت في جمع آثار الحافظي ثم أبي يعلي الزواوي. واللجنة المذكورة =