الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتاريخ الزواوة شأن عظيم وأنتم من الأعاظم، وكان لهم نسب كريم، وأنتم من الأكارم
…
فأهديه إلى سيادتكم العظمى، ولكم فيه الكلمة العليا).
تواريخ محلية (شرق البلاد)
(1)
نقصد بالتواريخ المحلية في النواحي الشرقية المؤلفات التي تعرضت إلى قسنطينة وإقليمها المعروف في العهد الحفصي والعهد العثماني وأثناء الاحتلال الفرنسي إلى منطقة زواوة غربا. وفي هذا المجال ستجد أن المؤلفات قليلة، ومعظمها تناولت مدينة قسنطينة نفسها. ولا نكاد نجد تواريخ عن عنابة وتبسة وسطيف وغيرها من المدن أثناء الاحتلال. ولكن الفرنسيين استكتبوا الجزائريين في ذلك وأصدروا مؤلفات حولها، فيها معلومات تاريخية من وجهة نظرهم وغيبوا آثار الجزائريين التي اعتمدوا عليها، كما فعل شارل فيرو بالنسبة للسلسلة التي سماها مدن الشرق الجزائري. وسنتبع نفس الطريقة التي اتبعناها في الأنساب. فنذكر ما نعلم عن المؤلفات والمؤلفين، وإذا عدمنا هذه المعلومات اكتفينا بذكر العنوان والإشارة إلى المصدر، تاركين ذلك للباحثين اللاحقين ليكملوا الموضوع.
1 -
الفريدة المؤنسة أو تاريخ بايات قسنطينة في العهد العثماني، من الاستيلاء العثماني على قسنطينة إلى احتلالها من قبل الفرنسيين وسقوط نظام الحاج أحمد باي. والمؤلف وهو محمد الصالح العنتري، كان من عائلة خوجات وموظفين في الإدارة العثمانية. وكان أبوه من أعيان المدينة وقيل إن الحاج أحمد قتله عند التحضير للحملة الفرنسية، لأنه أرسله إلى قائد الحملة نواحي قالمة للتفاوض، وعندما رجع أحمد العنتري هول عليه ضخامة الأسلحة والجيوش الفرنسية فاتهمه بالعمالة. هكذا دخل الابن (محمد الصالح) إلى موضوعه، فكان متحمسا لكتابة تاريخ يشنع فيه على الحاج
(1) لم نعثر على تواريخ خاصة بالبليدة والمدية وشرشال وغيرها من مدن وأهالي الوسط. أما مدينة الجزائر فقد تركت بشأنها تقاييد.
أحمد وسلفه ويبرر الاحتلال الفرنسي وخدمته هو للمحتل الجديد. وكان الضابط بواسوني، في الحقيقة هو الذي طلب منه كتابة هذا التاريخ، إذ كان بواسوني من الارستقراطية العسكرية، ومن الضباط المهتمين بالدراسات العربية وتاريخ المنطقة، وكان رئيسا للمكتب العربي (بلدية عسكرية) منذ إنشائه في قسنطينة حوالي 1843. وقد نشر هو نفسه بعض المؤلفات مثل (الفارسية) لابن قنفذ (1).
ويبدو أن العنتري قد ألف عمله وهو شاب مندفع، إذ بقي على قيد الحياة إلى ما بعد سة 1877. وقد اعتمد على وثائق أبيه، وكان هذا الأب أيضا مهتما بالتاريخ وله فيه بعض التقاييد. وكان العنتري (الابن) من أصحاب الخطوط الجيدة، وقد رأينا ذلك. وتلك عادة الخوجات قديما. ولا شك أنه استفاد أيضا من وثائق المحاكم والعائلات. وقد كتب عمله بأسلوب بسيط ومنظم. وهو في الواقع لا يؤرخ للعصر والمدينة والناس، ولكنه يذكر البايات حسب تواريخ ولايتهم وما حدث في زمن كل واحد منهم وما أنشأ كل باي من مآثر. وقد خصص للحاج أحمد قسما كبيرا في الكتاب، لأنه من جهة يهم الفرنسيين ولأن العنتري نفسه قد عاصر جزءا من عهد هذا الباي.
ومنذ ظهور كتاب العنتري، الذي طبع حوالي 1847 في قسنطينة بالعربية (2)، أخذ المترجمون وضباط المكاتب العربية ينقلون عنه دون ذكره أحيانا. ومن هؤلاء فايسات الذي كان مترجما ومدرسا في قسنطينة، فقد التهمه التهاما في عمله الذي سماه (تاريخ بايات قسنطينة في العهد العثماني) ثم أرنست ميرسييه (3) الذي أرخ لقسنطينة، وكذلك شارل فيرو. ويبدو أن المترجم أحمد (نيقولا) الأنبيري قد استفاد منه أيضا في كتابه المسمى (علاج السفينة). ويمكن القول إن تاريخ العنتري، رغم شباب مؤلفه وسرعة تنفيذه، بقي مصدرا هاما لتاريخ قسنطينة وإقليمها. ولم يكن العنتري مؤرخا، ولكنه كان مكلفا بكتابة
(1) عن بواسوني انظر فصل الاستشراق، وكذلك كتابنا (محمد الشاذلي) ط. 2، 1985.
(2)
مطبعة قود Gueude، قسنطينة 1847، وكانت طباعته الأولى على الحجر.
(3)
انظر عن فايسات وميرسييه وفيرو فصل الاستشراق.
تاريخ، وكان شغوفا بالوثائق والمراجع، وله استعداد للتحرير والنقد.
وبعد حوالي قرن من صدور (الفريدة المؤنسة) قام المستشرق دورنون بترجمتها إلى الفرنسية. وأشار إلى أن زملاءه، مثل فايسات وميرسييه، قد اعتمدا على العنتري في مؤلفاتهم. ومن ثمة يمكن القول إن دورنون قد أنصف العنتري ولكن بعد موت زميليه (1).
2 -
تاريخ حاضرة قسنطينة، تأليف أحمد بن المبارك (2). وقد نشره نور الدين عبد القادر. ولعل العنوان من وضع الناشر (المحقق) وليس من وضع المؤلف. ويغلب على الظن أن تاريخ الانتهاء من التأليف هو 1852. وبذلك يكون تاريخ تأليفه قريبا من تاريخ تأليف زميله محمد الصالح العنتري. ورغم صغر حجم التأليف فقد ضم معلومات طيبة عن مدينة قسنطينة. وهو نوع من التاريخ والآثار والذكريات العامة والأحداث البارزة التي عرفتها قسنطينة وإقليمها. وبذلك يجد فيه القارئ معلومات غير موثقة أحيانا، عن بعض المدن مثل باغاي، ونقاوس، وحروب الكاهنة، وهجوم أبي عنان المريني، وهجوم مراد باي تونس، وابن الأحرش، وحمودة باشا، بالإضافة إلى الحديث عن بعض البايات ابتداء من حسن كيلاني المعروف بوكمية. وكان ابن المبارك يذكر ما وقع في عهد كل باي، وقد ختم عمله بالحديث عن الشيخ فتح الله وأحمد القبائلي. ويشعر المرء أن الكتاب غير منته، وأنه قابل للتوسع والإضافات، لأن خطته ربما كانت كذلك. فهو ليس كتابا بالفصول والأبواب المضبوطة. ومن الملاحظ أيضا أن أحمد بن المبارك
(1) مجلة (روكاي)، 1930، ص 61 - 178. ولم نجد اسم دورنون في الترجمة، ولكن يغلب على الظن أنه هو. وتقع ترجمة أحمد باي من صفحة 107 - 175. ويذهب هذا المصدر إلى أن الفريدة قد طبعت سنة 1852 (وهي سنة وفاة الحاج أحمد باي). انظر أيضا عبد الحميد زوزو، أطروحة الدكتوراه، ج 3، ص 1078، وهو يقول ان فايسات قد ترجم كتاب العنتري.
(2)
دورنون، (المجلة الإفريقية)، 1913، ص 265 - 305. عن نور الدين عبد القادر انظر فصل التعليم، وقد نشر أيضا غزوات عروج وخير الدين.
قد أقدم على عمله بطلب من أحد الفرنسيين، ويغلب على الظن أنه هو نفس الضابط بواسوني الذي سبق ذكره مع العنتري.
وخلافا للعنتري، فإن أحمد بن المبارك لم يجد، كما قال، الوثائق والمراجع التي يعتمد عليها. فاعتمد على الروايات الشفوية. ويقول نور الدين عبد القادر، انه لم يذكر سوى ابن أبي دينار القيرواني، صاحب (المؤنس)، ولكنه قد يكون اعتمد على مراجع أخرى لم يذكرها. والمعروف أن البكري والإدريسي وليون الإفريقي (الحسن الوزان) وغيرهم قد وصفوا قسنطينة. ولم يهتم ابن المبارك بحياة العلماء والدين والطرق الصوفية والأدب، ولعل بواسوني هو الذي خطط له الكتاب وطلب منه أن يسجل فقط أخبار الفتن والحكام الذين أحسنوا الحكم أو ظلوا. وهذا هو المهم للفرنسيين في ذلك الوقت، وربما كان ذلك هو ما يفسر استعمال ابن المبارك لعبارة (هذا زمان القبطان بوسنة)، وهو بواسوني، الذي أذاعت السلطات الفرنسية عنه على لسان العامة أن زمنه (أي ولايته على المكتب العربي الحاكم في قسنطينة) كان زمان أمن ورخاء (1).
وقد أخذ نورالدين عبد القادر ترجمة أحمد بن المبارك عن ألفريد دورنون. فقد كان هذا مديرا لمدرسة قسنطينة الرسمية، وهو من المستشرقين الذين تكونوا ربما على رينيه باصيه، وكان معتدلا في آرائه، سيما في أحكامه على المدرسين الجزائريين في ولاية قسنطينة، الذين كان عليه أن يفتشهم بحكم وظيفه كمدير للمدرسة المذكورة (2)، خلافا لمعاصره ألفريد بيل، مدير
(1) العبارة العامية الشائعة عندئذ هي (هذا زمان القبطان بوسنة، كول كسيرتك وتهنة). وهي من دعاية الاستعمار، مثل عبارة (عدم التدخل في السياسة). وقد نشر الكتاب لأول مرة، حسب علمنا، نور الدين عبد القادر، سنة 1952، ثم أعاد نشره رابح بونار، بعد تحقيق وتعاليق، أوائل السبعينات.
(2)
عن دورنون انظر (مذكرات) مالك بن نبي الذي كان طالبا في المدرسة التي كان دورنون يديرها. ولإبن نبي رأي صريح فيه إذ جعله من أساطين الاستعمار وعيون الإدارة الأهلية.
مدرسة تلمسان. وبناء على دورنون فإن أحمد بن المبارك من مواليد قسنطينة سنة 1790، وكان أصله من ميلة حيث أجداده وأخواله آل العطار. ولذلك نجده قد تربى في ميلة وأخذ بها مبادئ العلوم في زاوية العائلة حيث الطريقة الحنصالية. ولما رجع إلى قسنطينة واصل دراسته على علماء الوقت، وهم: عمار الغربي (جامع القصبة)، وعمار الميلي (جامع رحبة الصوف) ومحمد العربي بن عيسى (ناظر المدرسة الكتانية) قاضي البلاد في عهد الحاج أحمد، والقاضي أحمد العباسي الذي يضرب المثل بعلمه. ثم اشتغل ابن المبارك أيضا بالتجارة، وكانت هذه الحرفة تحمله إلى تونس حيث كان يشتري العمائم والحرير والعطور وغيرها ويبيعها في قسنطينة، وأثناء وجوده في تونس كان يحضر بعض دروس علماء الزيتونة، وهو تقليد سار عليه علماء الشرق الجزائري منذ القديم، وكانت دروس التوحيد هي المفضلة عنده. وقد حملته رجلاه في إحدى السفرات إلى الحج أيضا.
وفي سنة 1835 (أي قبل احتلال قسنطينة) توفي الشيخ العباسي، فعين أحمد بن المبارك مكانه مدرسا بالجامع الكبير، وأخذت شهرته تزداد بين الناس، وصادف ذلك خلو منصب الفتوى بعزل أو وفاة الشيخ المفتي محمد العنابي صاحب كتاب (كشف البضائع). ويغلب على الظن أن ذلك كان بعد احتلال المدينة بقليل، رغم أن دورنون لا يذكر التواريخ إلا نادرا. كما عين أحمد بن المبارك في عدة وظائف أخرى على يد السلطة الفرنسية، منها مساعد في المجلس الشرعي بقسظينة الذي كان يبت في أحكام القضاة، ومنها مدرس في المدرسة الرسمية (عربية - فرنسية) الي أسسها الفرنسيون منذ 1850 والتي كان مديرها محمد الشاذلي، وجد استسلام الحاج أحمد، الباي السابق، سنة 1848، جاءت السلطات الفرنسية بهذا الباي إلى قسنطينة قبل نقله إلى العاصمة عن طريق البحر. وفى تلك الأثناء اتصل به أحمد بن المبارك اتصالا يبدو أنه غير سياسي، ولكن الفرنسيين جعلوا من نزول الباي في المدينة مصيدة للمشبوهين في نظرهم، وهم أولئك الذين ما يزالون على ولائهم للباي أو يتعاطفون معه، ويقتضي ذلك معاداة الفرنسيين طبعا. فقام
هؤلاء بعزل أحمد بن المبارك عن الفتوى، وهكذا بقي مدة بدون وظيف عقابا له، وفي أوائل الخمسينات وجدناه مدرسا في المدرسة الرسمية، كما ذكرنا.
ويذهب دورنون إلى أن الشيخ ابن المبارك قد اغتنم فرصة العزل وقام بكتابة رسائل وكتب لا تعرف أعدادها ولا أحجامها ولا موضوعاتها. منها: شرح الجوهر المكنون للأخضري، وهو في البلاغة وفنونها (البيان والمعاني والبديع)، ومنها (سلم الوصول) الذي ذكرناه في أول هذا الفصل، والجوهرة الثمينة، ولعله هو تاريخ قسنطينة لأن عادة السجع تقتضي ذلك، ولأن المستشرق شيربونو الذي ذكر الكتاب بذلك العنوان قد نقل عنه، بعد أن استعاره منه، نصوصا حول حصون قسنطينة وأحداثها مع تونس (1). وهذا يصدق على تاريخ قسنطينة الذي لم يذكر له دورنون ولا نور الدين عنوانا يتلائم مع عناوين التآليف العربية التقليدية. ولابن المبارك أيضا. قصائد في الرثاء مثل التي قالها في شيخه أحمد العباسي.
وقد أشرنا إلى أن ابن المبارك كان من أتباع الحنصالية، وهي طريقة مسالمة للفرنسيين قياسا، على غيرها. وكان مؤسسها في نواحي قسنطينة هو الشيخ أحمد الزواوي، أما أصلها ففي المغرب الأقصى. وقد أصبح الحاج ابن المبارك هو شيخ الحنصالية أيضا في قسنطينة (2). ونجده قد وضع سلسلة لها تربطها بأصلها وفروع الطريقة الأخرى وتسندها. وقد توفي الشيخ ابن المبارك سنة 1870 (1287) في قسنطينة. ولعل الشاعر عاشور الخنقي من الذين رثوه (3). ومما سبق تعرف أن الشيخ ابن المبارك لم يكن مؤرخا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل ليس له إحساس بالتاريخ كالذي نجده عند زميله
(1) شيربونو (المجلة الشرقية والجزائرية)، عدد 13 سنة 1853، ص 311 - 327، وعنوان بحث شيربونو هو (آثار قسنطينة).
(2)
عن هذه الطريقة انظر فصل الطرق الصوفية.
(3)
يقول دورنون إن الشاعر العاشور (كذا) قد سجل تاريخ وفاة الشيخ أحمد بن المبارك. وكان عاشور الخنقي يعيش عندئذ (1870) في قسنطينة. ولكننا لم نجد في (منار الإشراف) إشارة إلى ذلك.
العنتري. وإنما كان راوية وعارفا ببعض الأخبار فسجل ذلك في تأليفه عن قسنطينة. وقد عرفنا أن له تأليف أخرى ذات أهمية في البلاغة والتصوف ونحوهما.
3 -
كشف البضائع، لمحمد العنابي، وهو كتاب يصعب تصنيفه ضمن كتب التاريخ، ولكنه يحتوي على مادة تاريخية مفيدة، سيما حول الفترة المعاصرة للاحتلال. وكان العنابي من علماء قسنطينة المخضرمين، لم يذكره أبو القاسم الزياني في رحلته، ولعله جاء قسنطينة بعد الزياني من عنابة حيث شهرته ونسبته. ومهما كان الأمر فقد تولى العنابي بعض الوظائف الدينية العالية، مثل الفتوى المالكية في آخر عهد الحاج أحمد، وظل كذلك إلى ما بعد الاحتلال (1837) رغم عدم تأكدنا من ذلك الآن. ذلك أننا وجدنا اسمه ضمن قائمة من الموقعين على عريضة كتبها أعيان من قسنطينة ضد الشيخ حمودة الفكون الذي كان المارشال فاليه قد عينه رئيسا للبلدية. وكان ذلك في 25 يونيو، سنة 1842، وكان توقيعه على أنه مفتي المالكية (1). ولعله بقي في ذلك المنصب إلى وفاته أو عزله، حين حل محله الحاج أحمد بن المبارك، كما ذكرنا. ونحن نعرف أن ابن المبارك نفسه قد عزل من منصبه سنة 1848 حين رحب بالحاج أحمد، باي قسنطينة السابق. وبذلك يكون عزلة أو وفاة محمد العنابي بين 1842 - 1848. على أننا عثرنا في الوثائق على اسم من أسرته (قد يكون ابنه) قد حصل صاحبه على جائزة سنة 1868 من المدرسة السلطانية (الكوليج الإمبريالي) في قسنطينة.
4 -
تاريخ بجاية، كتبه السعيد بن علي البجائي، بطلب من شارل فيرو، وقدمه إليه. ونحن لا ندري حجم ولا محتوي الكتاب الآن. والظاهر أنه تأليف صغير الحجم (تقييد) جمع فيه البجائي معلومات ضرورية عن تاريخ بجاية خلال العصور، ولا سيما العهد العثماني. وكان فيرو مهتما.
(1) جمال قنان (نصوص سياسية)، الجزائر 1993، ص 101. علمنا أن مخطوطة (كشف البضائع) عند السيد محمد بن عبد الكريم، ولم نتمكن من الاطلاع عليها. وقد ذكره الشيخ الجيلالي من بين مراجعه وكذلك عبد الجليل التميمي.
بالتاريخ لمدن الشرق الجزائري، كما أسلفنا، فاستعان بالبجائي، وربما استعان بغيره في مشروعه. ويقول البجائي في رسالة إلى أحد أعيان السلطة الفرنسية سنة 1890 إن فيرو قد قام بترجمة عمله (زمان كونه مع الجنرال بوثوت (؟) بقسنطينة)، وكان فيرو قد توفي عندئذ (1).
وقد تحدث البجائي عن نفسه فقال إنه يعرف العربية والقبائلية، وإنه عارف بالشريعة الإسلامية والعرف البربري. وإنه مدرس في علوم اللغة العربية، وإنه جمع أيضا المسائل العرفية عن زواوة، وقدمها إلى القاضي الفرنسي (سوطرة). كما علمنا منه أنه كان يجيد الخط العربي ويعرف بعض الفرنسية. وهذه المؤهلات كانت ترشحه في نظره إلى منصب معاون أهلي في المحاكم الفرنسية، ولذلك كتب (البجائي) إلى السلطات الفرنسية طالبا. منها هذا الوظيف. والذي يعنينا هنا ليس حياة البجائي الشخصية ولكن التاريخ الذي قدمه لفيرو عن بجاية. وكذلك القوانين العرفية التي قدمها إلى القاضي سوطرة (2)، كما يهمنا استغلال المثقفين الفرنسيين للمتعلمين الجزائريين استغلالا شنيعا بحيث جعلوهم في خدمة مشاريعهم التي يقصدون من ورائها في النهاية السيطرة وتخريب المجتمع، كما فرضوا عليهم أخلاقيات معينة وهي البحث عن العمل في مقابل تنازلات وكتابات وهدايا.
5 -
ألف سعيد بوليفة كتابا بعنوان جرجرة عبر التاريخ أوائل هذا القرن. وواضح من عنوانه أنه يؤرخ لمنطقة زواوة على مختلف العصور. وقد عالج فيه مسألة الأصول والخصائص أيضا، وركز على روح الاستقلال عند أهل زواوة وعدم اختلاطهم بالآخرين، وهي النقطة التي عالجها أبو يعلى الزواوي أيضا، ثم إنه، حسب السيد سالم شاكر، قد رفض الدعوة الشائعة
(1) بلقاسم بن سديرة (كتاب الرسائل)، ص 125 - 126، يضم رسالتين للبجائي إحداهما 1888، والأخرى 1890.
(2)
سوطرة، كان مبرزا في القانون الفرنسي والشريعة الإسلامية، وكان ضد القضاة المسلمين، وقد ساهم في الحملة المضادة للشريعة والقضاء الإسلامي. وكان رئيسا لمحكمة الاستئناف بالعاصمة.
عندئذ من أن أهل زواوة من أصول سلتية (فرنسية) أو إغريقية أو جرمانية، وأنه أغضب رينيه باصيه بتدريسه القبائلية بطريقة مخالفة لما يريده المستشرقون الفرنسيون (1). ونحن نذكر هنا رأي السيد شاكر رغم أننا لم نلمس ذلك بأنفسنا. وقد قلنا إن المستشرقين قد استغلوا المتعلمين الجزائريين لمصالحهم الاستعمارية. فكان بوليفة وابن سديرة وابن أبي شنب وإسماعيل حامد وأضرابهم من ضحاياهم.
6 -
تحدثنا عن كتاب تاريخ الزواوة لأبي يعلى الزواوي أثناء تعرضنا للأنساب. والآن نود أن نذكره من جهة التاريخ. وكنا قد عالجناه كذلك في دراستنا لمشروع الكتاب نفسه عندما كان فكرة تدور في خاطر الزواوي، وهو في دمشق سنة 1912. وقلنا عندئذ إن (المشروع) قد أرسله إلى الشيخ طاهر الجزائري بالقاهرة (2). ولم نكن وقتها قد وقفنا على رأي الشيخ طاهر في المشروع، وبناء عليه فإن الشيخ طاهر قد امتدحه وهنأه على المشروع. وبدل أن يلبي دعوة أبي يعلى إلى كتابة تاريخ الزواوة حاول أن يوجهه إلى الكتابة عن لغة الزواوة أولا. ولا ندري هل كان ذلك ثنيا لأبي يعلى عن المشروع التاريخي السياسي (والشيخ طاهر كان لا يجهل سياسة فرنسا في بلاد الزواوة وغيرها) أو كان حقا يريد أن يخدم اللغة قبل خدمة التاريخ. ومهما كان الأمر، فها هو رأي الشيخ طاهر في مشروع أبي يعلى عن تاريخ الزواوة:(أحي فيك نزعة إصلاحية ونهضة زواوية. وقد أثبت لي كتابك هذا ما بلغني عنك من غير واحد. ثم اعلم أن تاريخ الزواوة تاريخ مجيد، وتراجم علمائهم أشهر من أن تذكر، وأكثر من أن تحصر، وإنما يلزم أن تحرر لنا رسالة في لسانهم قبل الشروع في تاريخهم)(3).
أما الكتاب نفسه فقد قسمه أبو يعلى إلى سبعة فصول، رغم صغر
(1) سالم شاكر (مجلة الغرب الإسلامي والبحر الأبيض المتوسط)، 1987، ص 105. عن حياة بوليفة انظر فصل الاستشراق وفصل اللغة والنثر.
(2)
انظر دراستنا هذه في (أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر) ج 2.
(3)
أبو يعلى (تاريخ الزواوة)، ص 102.
حجمه. فجعل الفصل الأول في فضائل التاريخ، والثاني والثالث في نسب الزواوة ومحامدهم (وقد تعرضنا إلى ذلك)، والرابع في زواياهم وعلمائهم وخدمتهم للغة العربية، والخامس في بعض عاداتهم، والسادس في الاصلاح المطلوب، والسابع في لائحة نظام التعليم المقترح وبيان طريق التعليم. ومن الواضح أن فصول الكتاب ما هي إلا توسع في ما جاء في المشروع. وقد دافع الزواوي عن علم التاريخ وذكر فوائده الجمة للأفراد والجماعات، بل افتخر الزواوي بأنه أول من عالج الموضوع، منذ قرون، وأنه خدم به الزواوة والأمة (؟) خدمة جليلة. يقول:(هذا آخر ما تيسر في وضع هذا الكتاب الذي لم يقدم مثله في الموضوع، وخدمت به الطائفة (الزواوة؟) والأمة خدمة لم يخدمها أحد منذ قرون). ورغم تعريف الزواوي للتاريخ بما يتفق وما عرفه عن الفرنسيين والأوروبين عموما ومع ما له من أهمية في حياة الأمم والشعوب والشعور القومي، فإنه في الحقيقة لم يلتزم بذلك في الكتاب، وإنما جعل الكتاب مجموعة من المعلومات الاجتماعية والدينية والثقافية من تراجم وعادات وزوايا. وقد أدخل فيه أيضا رأيه في الإصلاح العام (1).
وما دام الكتاب قائما على المشروع السابق، فلنشر هنا باختصار إلى أن المشروع ضم أبرز النقاط التي احتواها الكتاب. وهي: إفراد الزواوة بالمحامد وجعلهم خالصين آريين (وهو رأي حذفه من الكتاب، بعد أن التقى بالشيخ طاهر في مصر، وسكن معه، وتمسك بكون أهل زواوة حميريين قحطانيين)، ورأي بعض الساسة الفرنسيين في الزواوة وكون فرنسا تفتخر بهم أو تعطف عليهم (وهو أيضا رأي حذفه الزواوي من الكتاب لنفس الأسباب تقريبا)، ونفى المقولة أنهم أدنى من غيرهم لأنهم بربر ولا يتكلمون العربية، ومقارنة ذلك بما كان يشاع عن العرب والترك في المشرق (وهذا الرأي أيضا، خفف منه الزواوي كثيرا في الكتاب)، وكونه في عصر
(1) انتهى منه سنة 1337 (1918) ونشره في دمشق (سورية)، سنة 1924. وقد أورد فيه بعض أخبار الزواوة أيضا في بلاد الشام سنة 1860. انظر أيضا الخالدي (دور المهجرين
…
)، ص 391.
القوميات ولا بد أن يكون ذلك في فائدة الزواوة والتعريف بمآثرها، ولأن كل أمة جاءت لتدرس تاريخها وجغرافيتها، والإشادة بمواقف الزواوة في مختلف المناسبات، وإعانتهم للأمير عبد القادر سواء أثناء مقاومته أو أثناء تدخله في فتنة الشام، وإشادة الأمير بهم. وقول الزواوي (الرجل هو الذي يخدم جنسه وملته) مخاطبا بذلك الشيخ طاهر حاثا له على كتابة كتاب يحمل اسمه اللامع ليترجم الكتاب إلى الفرنسية وليقرأه الناس في اللغتين ويعرفوا عن الزواوة الكثير من خلاله. ويدخل في هذا الحث والمقارنة قول الشيخ أبي يعلي إن الفرنسيين والإنكليز خدموا (الجنس والأمة والوطن ففازوا وملكوا العالم)(1).
7 -
تاريخ أو تقييد كتبه محمد البابوري، سنة 1848. والبابوري يظهر أنه شخصية متعلمة جيدا، ومن أهل قسنطينة عند احتلالها. وقد ألف كتابه الذي نجهل عنوانه بطلب من المستشرق شيربونو (؟). وقد أشار إلى ذلك فايسات. وكان شيربونو قد حل بقسنطينة في الخمسينات عند إنشاء كرسي (حلقة) اللغة العربية. ولم يصف لنا فايسات عنوان الكتاب ولا حجمه ولا أهميته بالمقارنة مع غيره. ولا ندري هل الكتاب في تاريخ قسنطينة العام أو يتناول فترة منه فقط. ورغم قول فايسان إن البابوري شخصية متعلمة فإننا لا نجد له ذكرا إلا نادرا في الوثائق المعاصرة التي اطلعنا عليها. ومهما كان الأمر فإن فايسات قد جعله من بين مصادره عندما كتب تاريخ قسنطينة تحت حكم البايات العثمانيين، ولعله ضاع معه (2).
8 -
تاريخ آخر ألفه مصطفى ابن جلول واعتمد عليه أيضا فايسات في كتابه المذكور. ومصطفى بن جلول من عائلات قسنطينة الشهيرة، منذ القرن السابع عشر. وأصلهم، حسب بعض المراجع، من المغرب، وكانوا يسمون بابن عبد الجليل. وتولوا الوظائف السامية في الإدارة، ومنها وظيفة الفتوى
(1) بالإضافة إلى ما كتبناه عن المشروع في أبحات وآراء، انظر المخطوطات التيمورية، مصر، رقم 956 تاريخ.
(2)
فايسات (روكاي) 1867، ص 247 - 254.
التي ولاها الشيخ مصطفى، وكذلك التدريس. ولا ندري هل الشيخ مصطفى بن جلول كتب تاريخا على غرار الحاج ابن المبارك والعنتري أو كتب تقييدا بطلب من أحد المستشرقين أو الضباط الفرنسيين، مثل بواسوني وشيربونو. وقد أوردت بعض المصادر الفرنسية أن ابن جلول كتب عن علاقة والده (؟) مع أحد البايات وكيف حول الباي الجامع الذي بناه ابن جلول الأب إلى اسمه الخاص. وهو موقف إذا صح، يعبر عن تزلف ابن جلول للفرنسيين والتنديد (بالأتراك) الذين وظفوا أجداده وآباءه (1).
9 -
تشير أوراق عائلة آل سحنون إلى أن الشيخ محمد الشريف السحنوني كان قد كتب تقاييد في تاريخ زواوة، وكانت هذه التقاييد موجودة إلى سنة 1958 حين تلفت أو ضاعت نتيجة المداهمات العسكرية الفرنسية وقت الثورة. ويبدو أن التقاييد لم تكن تاريخا بمعنى الكلمة وإنما كانت سجلات لأحداث وتراجم لأشخاص وتقاييد عن الزوايا وأخبار أهلها. فهل تلفت نهائيا (2)؟.
10 -
علاج السفينة في بحر قسنطينة، اسم لكتاب في التاريخ والأخبار، ألفه أحمد الأنبيري، وهو غير جزائري بالمولد ولكنه تونسي بالنشأة وقسنطيني بالإقامة والعمل والوفاة (؟) وكان الأنبيري قد دخل تونس أسيرا صغيرا، وتربى فيها، واعتنق الإسلام، وتسمى بأحمد وأصبح يلبس اللباس الإسلامي. وكان اسمه الأصلي نيقولا، ولعله كان من أصل يوناني. وكان يجيد الخط العربي، وله فيه لوحات وتفننات عديدة. وألف كتابه بعد أن أقام في قسنطينة خمس عشرة سنة. وكان مترجما محلفا منذ 1847. وقد اعتمد على سبعة وعشرين مصدرا عربيا، إضافة إلى وثائق قضائية عديدة،
(1) نفس المصدر 1867، ص 243 - 244. بالإضافة إلى ما ذكرناه أشار فايسات إلى أنه اعتمد على تواريخ (كرونيك) أهلية قديمة. فما هي يا ترى؟ وأين هي الآن؟ وعن علاقة الباي بالجامع الذي قيل إن والد ابن جلول بناه انظر فصل المعالم الإسلامية.
(2)
أخبرنا عنها إبنه الشيخ علي أمقران السحنوني وقال إن له أيضا (مراجعات في مختلف الفنون).
كما اعتمد على مؤلفات أوروبية. ولا ندري لماذا لجأ الفرنسيون إلى ترجمة مؤلفات أحمد بن المبارك والعنتري عن قسنطينة وأهملوا ترجمة (علاج السفينة) رغم أن الكتاب الفرنسيين أنفسهم قد استفادوا منه، مثل شيربونو. ومن مراجع الكتاب: ابن خلدون، وابن فرحون، ومحمد بن يوسف الوراق، والواقدي، وأبي بكر المالكي، وابن مسكين، والكلاعي، وابن الشباط التورزي، وابن نباتة، وابن الرقيق القيرواني، وابن ناجي
…
وقد لاحظنا أن الكتاب الفرنسيين قد أهملوا الحديث عن الإنبيري، وإذا ذكروه لمزوه. فهل هذا راجع إلى كونه اعتنق الإسلام؟ أو لكونه قد دخل في عالم (الأهالي) وأصبح منهم وتعاطف معهم، وربما تزوج منهم؟ على أنه من المهم أن نقول إن تاريخه لا يقل أهمية عما كتب عن قسنطينة سواء من الجزائريين أو غيرهم (1).
وحوالي 1955 كتب المستشرق الفرنسي هنري بيريز عن (الثقافة العربية الكلاسيكية في الجزائر)(ويعني بها ثقافة اللغة الفصحى أو غير الدارجة، وهي التي كان يعتبرها الفرنسيون لغة أجنبية وميتة) وتحدث عن ثلاثة مؤلفين كتبوا تاريخ قسنطينة في القرن 19، ولكنه لم يذكر أحدا منهم. ونظن أنه يعني العنتري وابن المبارك والبابوري. كما أنه أضاف أن ذوقا خاصا في العناية بالتاريخ المحلي والتاريخ العام قد ظهر عند الجزائريين، وكذلك لم يذكر منهم أحد. وزعم بيريز أن هذا الإحساس بالتاريخ أو الذوق الخاص فيه قد تزامن مع الصحوة الشعرية. ولا شك أنه كان يشير إلى الميلي والمدني ثم الجيلالي (2).
(1) ميترو دولا موت - كابرون Maitrot de la Motte - Capron (احتلال قسنطينة من قبل عرب المشرق) في (روكاري)، 1927، ص 219 - 235. انظر أيضا دراستنا عن (علاج السفينة) في أبحاث وآراء، ج 1. ويقول موت - كابرون إن الأنبيري من إحدى جزر البحر الأبيض، دون تحديد. ويسميه الشيخ المهدي بن شغيب (علي الأنبيري)، انظر كتابه (أم الحواضر)، قسنطينة.
(2)
بيريز (مدخل إلى الجزائر)، ط. الجزائر، ص 297.
11 -
احتلال الجزائر سنة 1830، حسب شهادة كاتب مسلم، وهو حسن بن جلول. وقد قام فيرو بترجمة النص العربي إلى الفرنسية ونشره في مجلة روكاي (1). وهو في الواقع من نوع التقييد. وقد وجده فيرو عند عائلة ابن جلول المعروفة في قسنطينة، وكانت تشغل وظيفة باش كاتب بالإدارة العثمانية، ولها اتصال بالأخبار والأحوال السياسية. ويقول فيرو إن ما ترجمه هو مجموعة ملاحظات ونصوص وتعاليق من العائلة حول تاريخ قسنطينة واحتلال الجزائر. وقد سلمها إليه حسن بن جلول. ولكن العنوان يدل على أن حسن هذا هو الذي صاغ تاريخ الجزائر عندئذ. وقد كان حسن بن جلول كاتبا لدى إدارة الشؤون العربية (المكتب العربي) بقسنطينة أوائل الاحتلال.
وقد ركزت الوثيقة على نشاط ما كان يعرف (بحصن فرنسا) نواحي القالة وعلاقة تجار قسنطينة بعنابة والفرنسيين في الحصن وكيف بدأت أخبار الحملة الفرنسية تروج وتصل إلى قسنطينة وغيرها. وتذكر الوثيقة أن المركانتي (الممثل التجاري للباي في عنابة) قد أعلم الباي الحاج أحمد بما جرى في عنابة والحصن، ثم الحصار الفرنسي سنة 1827، والإنزال في يونيو 1830، وسير المعركة بين الجيشين نواحي سيدي فرج، ومحاولة الباي التحكم في الوضع في منطقته. ثم وصفت ما حدث بعد معركة اسطاويلي وتقدم الجيش الفرنسي نحو العاصمة، وانسحاب الحاج أحمد من هناك إلى قسنطينة، وتولى بومزراق قيادة الجيش، وما حدث مع الأعيان وسير المفاوضات مع الداي ثم مع الفرنسيين. كما وصفت الهلع الذي أصاب الناس.
12? مخدرة الشيخ العروسي، وهي كما قال الشيخ التليلي عبارة عن تقاييد تاريخية خاصة بمنطقة سوف، وبالأخص بلدة قمار، بعد احتلال فرنسا
(1) فيرو (احتلال الجزائر 1830، كما يراه مسلم)، في مجلة (روكاي) 1865، ص 67? 79.