الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإدارة الفرنسية. فكان الميلي بأعماله جملة، وبرسالة الشرك خاصة يخوض معركة دعائية ضد خصوم الجمعية المذكورة وضد الطرقية التي اعتبرها من أسباب التخلف، وكذلك ضد الإدارة الاستعمارية. ولذلك لا نستغرب أن تكون رسالة الشرك هي الكتاب الإيديولوجي لتيار الإصلاح، كما لا نستغرب أن يتبناها المجلس الإداري لجمعية العلماء رسميا.
23 -
شعب الإيمان: كتاب وضعه محمد البشير الإبراهيمي، وهو في موضوع الأخلاق والفضائل الإسلامية، وهو غير مطبوع، ولم نطلع عليه مخطوطا (1).
24 -
بغية الطلاب في علم الآداب: تأليف الرزقي الشرفاوي. ولم نطلع عليه ولا على وصف له. وهو بعنوانه يدل على أنه في الآداب العامة، ومنها الأخلاق (2). وينتمي الشرفاوي إلى الاتجاه الإصلاحي.
…
حول المرأة
شغلت قضية المرأة المسلمة حيزا كبيرا لدى المؤلفين أيضا. كان ذلك انطلاقا من الأحكام التي أصدرها الفرنسيون على بعض الممارسات والتقاليد الإسلامية، مثل تعليم المرأة وتعدد الزوجات والحجاب. وظهرت كتب فرنسية عديدة في هذا المجال بعضها كان متحيزا لقناعات دينية أو عرقية، وبعضها كان مبنيا على جهل بأسرار المجتمع الإسلامي والتعاليم الدينية. وكل ذلك قد أثار ردود فعل لدى المسلمين، فانبرى بعض كتابهم لتوضيح الغامض وبيان الأوجه الشرعية والاجتماعية.
من أوائل الكتب الفرنسية التي اهتمت بالمرأة المسلمة كتاب يوجين دوماس (المرأة العربية) الذي ألفه خلال الأربعينات من القرن الماضي،
(1) الإبراهيمي (في قلب المعركة)، 1993، ص 231.
(2)
يعتبر كتابا ضائعا، حسب رسالة من محمد الصالح الصديق إلى علي أمقران السحنوني. وقد وصلتني في نوفمبر 1994.
ولكنه لم ينشر إلا بعد وفاته (1912). وقد اعتمد دوماس على أجوبة عديدة لعلماء وأعيان المسلمين، منهم الأمير عبد القادر، كما سنرى. ثم ظهر كتاب أرنست ميرسييه (المرأة المسلمة في الشمال الإفريقي) سنة 1895. وقد ناقشه عدد من الكتاب المسلمين، منهم محمد بن مصطفى الكمال وإسماعيل حامد. ثم توالت الكتابات الفرنسية عن الموضوع، بل وتخصصت بعض المؤلفات الفرنسيات فيه، مثل السيدة بوجيجا (1). كما أن نساء مثل لوس، وابن عابن اهتمت بالمرأة من وجوه أخرى كالتعليم والحياة الاجتماعية.
ولكن هذا ليس هو موضوع هذه الفقرة. إننا هنا نعالج ما كتبه الجزائريون عن موضوع المرأة سواء كان بمبادرة ذاتية أو كان رد فعل عن كتابات أوروبية. ولعل من أوائل الكتابات ما أجاب به الأمير عبد القادر سائله الجنرال دوماس، أثناء وجوده في الأسر بفرنسا. وإليك بعض مادة هذا الموضوع:
1 -
تضمنت الأسئلة والأجوبة حوالي 25 صفحة من (تحفة الزائر). وجملة الأسئلة عشرون وكذلك الأجوبة. وقد بين فيها الأمير وجهة نظر العرب والمسلمين في زمنه في المرأة المسلمة، طبقا لتعاليم الشرع الإسلام?. وكان ذلك بعد أن كثر الاختلاط بين الفرنسيين والمسلمين من جهة وظهرت الأفكار المسبقة وسوء الظن بالشريعة والمرأة من جهة أخرى. وتبين للفرنسيين تخلف المرأة المسلمة، في نظرهم، كما فهموا أن الرجل لا يرى خطيبته، وأن المهر الذي يدفعه عبارة عن ثمن، مثل شراء بضاعة، واعتقدوا أن المرأة لا تدخل المساجد، وأنها لا تتعلم، وكونها مهملة ومهانة، ونحو ذلك من الفهوم الخاطئة.
وهذه هي العناصر الواردة في أسئلة دوماس: مسألة تعدد الزوجات، وإهانة المرأة بالضرب، كون الخطيب لا يرى خطيبته ولا يحصل تعارف
(1) انظر فصل المذاهب والتيارات.
مسبق بينهما، مسألة الصداق، اهتمام بنات الاكابر فقط بالتبرج، زواج الرجل العجوز بالبنت الصغيرة، لا ينظر الرجل إلى المرأة إلا من جهة الجمال فقط أما الأصل فالاهتمام به قليل، نظرة الرجل لزوجته على أنها خادمة فقط، التستر والتلحف نتيجة الغيرة الزائدة عند المسلمين، تزويج البنات قبل البلوغ، كثرة الطلاق عند المسلمين، المرأة ترث أقل من الرجل، عدم التعلم جعل المرأة غير مهذبة وجاهلة، وعدم دخول المرأة للمسجد لأداء الصلاة، عدم منع النساء من الحج، القول بأن المرأة لا تدخل الجنة، عند الموت لا يخرج الناس في جنازة المرأة مثل الرجل، يتزوج المسلم المرأة التي كانت مومسا وتابت دون أن يرى ذلك نقيصة، الطلاق بدون سبب للمرأة التي لا يربحون عليها، لا تهتم المرأة بالحرب عند بني جنسها ولا يهمها الدفاع عنهم (1).
والواقع أن أسئلة دوماس توحي بأنه كان لا يجهل بعض الأجوبة، ولكنه كان يثير الأمير لكي يعطي رأيه بصراحة ويفصل القول و (يكشف) عن وجهة نظره الخاصة في الموضوع. فدوماس عاش في الجزائر طويلا وجمع معلومات غزيرة، واطلع على كتب ووثائق، وخالط غير الأمير من العارفين، وباشر وظائف إدارية تتعلق بالعرب والمسلمين. ولذلك فإن أسئلته لا تصدر عن جهل وإنما عن محاولة التعمق في المعرفة والحصول على آراء أخرى عن طريق الاستفزاز والإثارة. ويبدو أن الأمير قد انساق وراء ذلك، وأعطاه أجوبة مفصلة ومعللة بالعقل والنقل، وقد بالغ أحيانا في التفاصيل.
ولا يهمنا رأي الأمير الآن في المرأة من كونه محافظا أو متحررا. وإنما تهمنا الإجابة في حد ذاتها، وهي معتمدة على الشريعة والواقع وعلى فهم الأمير الشخصي. وكان الأمير من وجوه القوم، ومن رجال الدين والدنيا.
2 -
ولعل أجوبة الأمير المذكورة هي التي أوحت إلى ابنه محمد
(1) الأسئلة والأجوبة مفصلة في (تحفة الزائر) 2/ 161 - 185. أيضا الحاجري (جوانب)، ص 50.
بالكتابة في الموضوع أيضا بعد أجوبة والده بحوالي خمسين سنة. وقد قال الأمير محمد وهو يتحدث عن أجوبة أبيه: (وقد قصدنا بذكرها إزالة الإشكالات التي لم تزل أفكار الإفرنج المتحاملة على دين الإسلام تخوض وتوجه الاعتراضات على المسلمين في تعاطيها)(1). ومن مؤلفاته في موضوع المرأة (كشف النقاب عن أسرار الاحتجاب)، وهو تأليف يعالج قضية أخذت حظا من الاهتمام والأدبيات في المشرق وفي المغرب في آخر القرن الماضي عند المسلمين. كما أن الأمير محمد قد ألف كتابا آخر خصصه لتعدد الزوجات والطلاق، وسماه (الفاروق والترياق في تعدد الزوجات والطلاق)(2) وقد نشرهما بمصر، حيث نشر أيضا كتابه (تحفة الزائر) وسنرجع إلى الكتابين.
3? الإكتراث بحقوق الإناث: كتاب ألفه محمد بن مصطفى الكامل سنة 1895. وقد بادر الفرنسيون إلى ترجمته إلى الفرنسية والتنويه به وإرساله إلى القنصليات لترويجه، وتعليق الصحف عليه وعلى صاحبه ومترجمه. والمترجم ليس رجلا عاديا فهو آرنو (اسم مستعار) الذي ظل ربع قرن في جريدة المبشر الرسمية رئيسا لتحريرها. وقد جمع من حوله أعيان العلماء المسلمين مثل أبي القاسم الحفناوي بن الشيخ وعلي بن سماية ومحمد بن مصطفى. وقد بادرت جريدة (المونيتور) إلى كتابة تعليق نقلته عنها بحذافيره جريدة المبشر، ومفاده أن المؤلف (محمد بن مصطفى) رجل متمسك بالدين الإسلامي، ومحرر بجريدة المبشر. ولا يخلو فكره من تقدم، وكتابه (شاهد له بعلو أنظاره وحرية أفكاره وسعة معارفه).
وقد تحدث الكمال عن حالة المرأة المسلمة في العائلة، وعن حقوقها وواجباتها، والآداب التي تجب مراعاتها على المسلمين وعلى من يرغب في معرفة ما عليه الأمة العربية من الأحوال المعنوية. وقد انتصر المؤلف لمبدأ
(1)(تحفة الزائر) 2/ 185.
(2)
نشره بمصر، سنة 1327.
تعدد الزوجات ودافعوا عنه بدلائل مسلم بها، وذكر ما يجب على الزوجين نحو بعضهما. وبنى أفكاره على ما جاء في القرآن والسنة. وقد نصح بعدم الطلاق إلا عند الضرورة القصوى. والمؤلف، حسب الجرائد الفرنسية، قد مدح العلم وأثبت أنه غير متعصب دينيا، لأنه ذكر أن العلم واجب على الرجل والمرأة (1).
ويجب ألا ننسى أن موضوع المرأة كان متداولا أيضا في تونس والمشرق، فقد ظهر في هذه الأثناء كتاب تحرير المرأة قاسم أمين. وقد ذكرنا أن ميرسييه قد نشر كتابه عن المرأة المسلمة في سنة 1895. وربما كان كتاب محمد بن مصطفى من بين ردود الفعل عنه، وإن كان الموضوع متداولا عند الكتاب الأوروبيين قبل ذلك أيضا (2).
4 -
كتاب (العلاقة بين الدين والفلسفة) الذي ألفه عبد الحليم بن سماية والذي أشرنا إليه سابقا، ففيه فصول عن تعدد الزوجات والطلاق والحجاب والميراث (3). وقد قدم الكتاب إلى مؤتمر المستشرقين 14 في الجزائر، سنة 1905.
5 -
(الحياة المدنية الإسلامية في مدينة الجزائر ووضع المرأة طبقا للقرآن والسنة وأعمال المرأة المسلمة)، وهو بحث نشره محمد بن أبي شنب سنوات 1907 - 1909. ويبدو أنه كان من وحي الظروف التي أشرنا إليها، وكذلك من وحي البحث الذي ألقاه العالم المصري، سلطان محمد، في مؤتمر المستشرقين 14 في الجزائر سنة 1905، حول المرأة في الشريعة.
(1)(المبشر) 21 مارس، 1896، عن جريدة (المونيتور ألجيريان)، 12 مارس 1896. وربما تكون الحكومة الفرنسية في الجزائر هي التي نشرت كتاب (الاكتراث) كما ستفعل مع كتاب (اللباب) لنفس المؤلف.
(2)
انظر مثلا ما كتبه بوليو (P. L. Beaulieu) عن تعدد الزوجات في كتابه (عن الاستعمار)، 1902، ط. 5، ص 464. كما كتب شارل ريشار عن (تحرير المرأة العربية) وتناول موضوع تعدد الزوجات.
(3)
انظر سابقا.
وقد عالج ابن أبي شنب أيضا نفس القضايا (المدنية) التي تخص المرأة من زواج وطلاق وميراث وتقاليد وحياة اجتماعية وتعليم وأخلاق وأعمال (1). ولا نعرف أن هذا البحث قد نشر في شكل رسالة أو كتاب صغير.
6 -
اللباب في أحكام الزينة واللباس والاحتجاب: ألفه محمد بن مصطفى سنة 7 190، وسارعت الحكومة العامة بنشره على حسابها، وهو ما لم تفعله مع كتاب ابن سماية السابق. ولا ندري إن كان المؤلف ما يزال عندئذ عاملا في تحرير جريدة المبشر أو خرج مها إلى التدريس في أحد المساجد بالعاصمة. ونحن نعلم أنه قد عزل من المبشر لأسباب مجهولة، ولكنه وظف في التدريس. أما كتابه (اللباب) فقد دار على عدة محاور. ففي الفصل الأول منه عرض لقواعد وأصول الزينة، وقد عرفها (الزينة) بأنها كل ما يجمل الجسم سواء كانت لباسا أو غيره، وهو يؤيد ذلك بشواهد لا تتناقض في نظره مع تعاليم الإسلام. وقد أورد أن الرسول قد لبس ثيابا قيمته ألف درهم حسب البعض، و 400 دينار حسب آخرين. وذكر أنه قد أعطى سبع عشرة ناقة مقابل ثوب من حرير. وهناك علماء وفقهاء بحثوا عن اللباس الثمين للتجمل وتطهير الجسم ماديا ومعنويا. وكذلك نص على الطيب وتنظيف الأسنان، وجاء بالحديث المؤكد لذلك. وقد سمح بصبغ الشعر واللحية مع إمكانية تطويلها. وذكر أن المرأة لا يجوز لها الإلحاء. ويجب أن يستر اللباس العورة وأن يقي من الحر والقر، ويكون من الصوف أو القطن أو الكتان، حسب السنة النبوية. أما النعال فتكون سوداء، حسب النعال المرسلة من الحبشة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن التفاصيل أن اللون الأسود هو شعار الحزن، ولكن العباسيين جعلوه شعارا لهم. أما اللون الأحمر فهو شعار ولباس الرؤساء الجزائريين. ويجب ألا يقلد أحد الجنسين الآخر في اللباس. وليس من الضروري أن تصل السراويل إلى الأقدام، حسب رأيه. ولباس الحرير ممنوع على الرجال جائز للنساء.
(1) المجلة الأهلية (ريفو أندجين R. Indigene 1907 - (1908، 1909، وكانت تصدر بمدينة الجزائر.
أما الزخرفة فقد ناقشها المؤلف، بناء على التقاليد وفي ضوء ما جاء به الأوربيون منها أيضا. وذكر أن المذاهب الأربعة متفقة على منع الزخرفة Decoration لأنها أجنبية عن الإسلام. وقد منع الإسلام الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، ومنع المؤلف أيضا لباس القبعة الأوروبية (البرنيطة).
وفي الكتاب فصل آخر عن أنواع اللباس. وذكر أنه ليس للشعوب الإسلامية لباس متحد. ولام المؤلف من لبس اللباس الأوروبي لأنه تجديد. ولكنه أباح لكل مسلم أن يختار ما يلائمه من اللباس بشرط تطابقه مع مواصفات اللباس الإسلامي.
والفصل الذي أطال فيه المؤلف هو الحجاب. وقد أورد الآراء العديدة في ذلك، ثم انتهى بالخلاصة التالية: أن المرأة التي لها مكانة في المجتمع والتي تتقلد مسؤولية عليها أن تحتجب، لأن غير المحتجبة لا تلفت نظر الرجل. والشريعة حكمت بأن تظهر المرأة عارية الوجه أمام القاضي لأسباب.
وقد عرفنا أن محمد بن مصطفى كان من تلاميذ الشيخ عبده، وتعاطى الشعر، وألف عدة رسائل في موضوعات اجتماعية ودينية (1).
7 -
(مسلمات شمال افريقية): لأسماعيل حامد. اهتم هذا الكتاب بعدة مواضيع اجتماعية، ومنها المرأة المسلمة. وقد أشار إلى أن اهتمام الكتاب الفرنسيين كان منصبا إلى زمنه على الرجال فقط وإهمال المرأة. وقد اختلط عليهم الأمر في ذلك بين العرق والدين، وحياة الرجل متغيرة بينما حياة المرأة جامدة في نظر أولئك الكتاب ناسبين ذلك إلى القرآن. وفي نظر اسماعيل حامد أن هناك معطيات تاريخية أدت إلى ذلك التصور الخاطئ. فالانحطاط والجهل قد أوصلا المجتمع إلى الفوضى والاستبداد، بل إلى خلل في الأمخاخ. وكان تعلم المرأة حتى في المدن الكبرى يعتبر غير مفيد
(1) راجع الكتاب. L. B في (مجلة العالم الأسلامي)، يناير 1908، ص 216 - 217. وقد نشر الكتاب في مطبعة فونتانة، الجزائر، 1907 (1325) ويقع في 102 صفحة.
ومتنافيا مع التعاليم الإسلامية. وقد بينت التجربة والزمن خطأ ذلك. وها هي ثمانون سنة قد مرت على الاحتلال (كان يكتب سنة 1913) فأثبتت خطأ من يزعم أنه لا يمكن التقارب بين المسلمين والفرنسيين في نظره. إذ يرى أن (سياسة التشارك وسياسة التعليم) - خلافا لسياسة الإبعاد والاندماج - قد أثمرت في تونس والجزائر، وقريبا ستستفيد المغرب منها أيضا.
وتحدث إسماعيل حامد عن الطبقة الجديدة التي ستقود المجتمع إلى السعادة، إنها الفئة الهجينة التي ستتولد من الزواج المختلط. وهو الزواج الذي سيكون بين مسلمين متفرنسين وفرنسيات، وبين فرنسيين ومسلمات متفرنسات. وقد ألح حامد على التعلم للمرأة، لأن الجاهلة لا يقربها المسلم ولا الفرنسي. واستبعد أن يكون الاندماج الكلي ناجحا، والأقرب عنده هو الاندماج المحدود عن طريق الزواج المختلط. فعن طريق هذه الطبقة ستتم سياسة التشارك والتعليم التي تبدو الشكل الأكثر ملاءمة لكل تطور كولونيالي. ان الاندماج الكامل للأعراق (المسلمون والفرنسيون) غير ممكن، ولن يتم الاندماج إلا جزئيا عن طريق فئة محكوم عليها أن تقود وأن تكون هي المثل لغيرها (1).
وقبل أن يصل إلى هذه النتيجة درس حامد مكانة المرأة عند العرب ومسألة الشرف، والهجرة، والحروب. ثم مكانة المرأة في الحضارة وفي الأدب، وقضية ذكائها، وخدماتها في الدولة. وتعرض لحالة التخلف والانحطاط الذي عرفه المجتمع الإسلامي. واعتبر جهل المرأة أحد عوامل الانحطاط. كما أن سوء تفسير الشريعة كان عاملا آخر. ويضاف إلى ذلك الجهل عند الرجل أيضا. وعاتب الفرنسيين على عدم تناولهم المرأة في أوائل الاحتلال إذ تركوا موضوعها خامدا. وذكر أن قلة النساء الفرنسيات في الجزائر في أول الأمر أدت إلى زواج الفرنسيين بالأجنبيات، ومنهن بعض
(1) إسماعيل حامد (مسلمات شمال افريقية) في (مجلة العالم الإسلامي) يونيو، 1913 ص 292 - 293.
المسلمات. كما أن رجالا مسلمين من مختلف الطبقات تزوجوا بنساء فرنسيات أوروبيات. وقد أنتج الزواج المختلط عناصر أصبحت نشطة واندماجية. وتحدث المؤلف عن عناصر البحر الأبيض وامتزاج أعراقها. ونبه إلى أن الأوروبيين لا يتزوجون جاهلات وفقيرات، وكذلك المتفرنسون من الجزائريين. فعلى المرأة المسلمة إذن أن تتعلم وتصبح مفيدة (1).
ورد إسماعيل حامد على الأوروبيين الذين يعتبرون تزويج المرأة المسلمة ودفع الصداق لها عبارة عن عملية تجارية. وفي رأيه أن التزويج المبكر للبنات يجعل عهدتهن للأب الذي يأخذ نصيبا من الصداق لوقت الحاجة، أي في حالة وفاة الزوج أو حالة الترمل. ورد على فكرة الأوروبيين حول الزنا وعقوبته في الإسلام، وأوضح أسباب الطلاق وقواعده، وأعاد مسائل الطلاق إلى الجهل بقواعد التشريع الإسلامي. ثم أن هناك قواعد للتراجع عن الطلاق. كما تحدث عن الحيض والحضانة والميراث وتعدد الزوجات. ومن رأيه أن تعدد الزوجات أخذ يختفي، فقد أصبح منعدما أو قليلا في المدن وما زال شائعا في الريف فقط، وهو ما لم يدركه الأوروبيون، وتعدد الزوجات يرجع أساسا إلى عدة أمور منها الطقس والعرق والدين، وقد أجازه القرآن ولكنه لم يأمر به، ولأهل الريف، والبدو منهم بالخصوص، حاجات اجتماعية واقتصادية لتعدد الزوجات، من ذلك خوف الفتنة، والموت، والوحدة. وقد أثبت الإحصاء الذي أجرى قريبا من تاريخ الكتابة أن 9% من الزواج المتعدد كان في المناطق المحتلة والتي استوطنها أوروبيون، أما في المناطق التي لم يستوطنها الأوروبيون، مثل الصحراء، فالتعدد كان 50 على مائة.
ومن الملفت للنظر أن المناطق التي كثر فيها التعدد لم تقع فيها الشكاوى لدى المحاكم أو الإدارة. فليس هناك آثار للغيرة والتنافس بين الأطفال أو النساء، كما أثبت كتاب ميرسييه المذكور. ومن جهة أخرى فإن
(1) نفس المصدر.
الزوجة الوحيدة تعتبر أعلى قيمة من الزوجات الأخريات المتعددات. وفي المناطق التي يكثر فيها الخدم - كالصحراء وفي افريقية - لا توجد إلا زوجة واحدة. إن تعدد الزوجات إذن ليس قائما على الشهوة، كما يذهب الأوربيون. وفكرة (الحريم) التي طالما رددها الأوروبيون إنما هي ضد الدين لأن الذين يمارسونها هم الأمراء الآسيويون. أما مفهوم (الحريم) في الإسلام فهو كل ما هو ذو حرمة، مثل الزوجة والأم والأخوات وبنات العم. كما أن البرقع (الحجاب) مستورد من الشرق. وليس خاصا بالمسلمين، بل هو موجود لدى الأوروبيات من الكاثوليك. ولا يوجد إلا في المدن حيث الرجال أقل تحفظا وحيث الزحام. أما في الأرياف فالمرأة غير محجبة إلا نادرا عند المتدينين وذوي الحرمات من العائلات (1).
8 -
مرآة المرأة المسلمة: تأليف أبو يعلى الزواوي. وقد ذكر أنه يقع في حدود 200 صفحة، عندما أشار إليه في بعض كتبه. ولكننا لا ندري إن كان الكتاب قد نشر فعلا. وقد جعله فصولا. ومن رأيه في المرأة ما جاء في كتابه (الإسلام الصحيح) أنه من الخطإ القول بأن لا تعمل المرأة وأن لا يراها الخاطب. كما نادى الزواوي بضرورة تربية المرأة وتعليمها، وقال:(لا يليق أن تكون المرأة عضوا أشل في الهيئة الاجتماعية الإسلامية)(2).
وعالج الزواوي أيضا موضوع تعدد الزوجات بشيء من الإسهاب في موضوع منشور في البلاغ والشهاب. ولا شك أنه قد عالج نفس الموضوع في كتابه (مرآة المرأة المسلمة) الذي لم نطلع عليه. وقد نوه ببحثه عن تعدد الزوجات بعض الشيوخ المعاصرين، منهم الأمير شكيب أرسلان. وخلاصة رأي الزواوي أن تشريع التعدد وهو قوله تعالى:{أنكحوا ما طاب لكم} قائم على ملة إبراهيم الخليل. ومن جهة أخرى فالرجل في الإسلام هو الذي يقوم بشؤون المرأة من نفقة وكسوة وسكن وحماية. ثم إن النساء أكثر من الرجال
(1) حامد (مسلمات
…
) مرجع سابق، ص 282 - 289. وقد عالج المؤلف أيضا موضوع المرأة في كتابه (مسلمو شمال أفريقية) الصادر سنة 1906.
(2)
الزواوي (الإسلام الصحيح)، ص 26.
عددا، نظرا للوفيات في الرجال بالحروب والأعمال الشاقة والخمر وأمراض السل. والزواج بأكثر من واحدة ليس واجبا، كما أن الزواج بالواحدة ليس واجبا إذا لم تتوفر النفقة. أما حكمة التعدد فهي تفادي الزنا. ومن جهة أخرى ذكر الزواوي أن مدة صلاحية المرأة النسل أقل من مدة الرجل. ومن حكمة الزواج حفظ الدين والنسل وحفظ المال (وقد أبيح أيضا التسري بالأمة). ومن المرغبات في تعدد الزوجات أن العقم أكثر عند النساء من الرجال، في دعواه، وإن إصابات النساء أكثر من الرجال. وذكر منها الحيض والنفاس والإجهاض. وقد ذكر أن تعدد الزوجات موجود في غالب الأمم أيضا، كما جاء في تأليف محمد فريد وجدي (1).
9 -
رسالة كشف النقاب عن أسرار الاحتجاب: ألفها محمد بن الأمير عبد القادر، ودخل بها موضوع المرأة والحجاب الذي تناولته الصحف والكتب عندئذ (أوائل هذا القرن). وقد رتب الرسالة على مقدمة ومطلبين وخاتمة. فكانت المقدمة في بيان احتجاب النساء في سالف الأمم - ابتداء من قوم ثمود وإبراهيم الخليل. وبين الفرق بين بعض الألفاظ المستعملة، مثل البرقع وهو خاص بوجه المرأة، أما القناع فهو للرجل. والنقاب للنساء أيضا ولكنه يكون بستر عين وكشف الأخرى. والجلباب في رأيه هو ما يرخى على الجبين لستر الشعر، أما الخمار فثوب تغطي به المرأة رأسها وتسدله من خلفها. والخمار غير مختصر بالمسلمات، فقد كانت النساء اليونانيات يستعملنه إذا خرجن.
من رأي محمد بن عبد القادر أن الحجاب (اليس خاصا بالمسلمين، وإنما هو عادة قديمة معروفة في أغلب الأمم، ثم تلاشت طوعا جريا على سنة التقدم والرقي). وقد أخذ محمد هذا القول من (لاروس) وعلق عليه بأن ذلك يكون في نظر من يستحسن عدم الحجاب اليوم، أما (الحقيقة
…
لا
(1) الزواوي (سر تعدد الزوجات في الإسلام) في (الشهاب)، مايو 1931 (محرم 1350).
يتم التقدم والترقي إلا بصيانة الشرف والمحافظة على المروءة). ومن ثمة ندرك أن محمد ضد الرأي القائل بأن الحجاب كان في الأمم القديمة وانتهى أمره، إذ يقول:(ولا شك أن نزع الحجاب نقص كبير)(1).
وأما المطالب (أو الفصول) فأولها ينص على أن (احتجاب النساء من الأمور الممدوحة عقلا وشرعا). وجاء بالآيات التي تؤيد الستر والاحتجاب. وثاني المطالب فيما يجب على المرأة ستره من أعضائها وزينتها وما يجوز لها إبداؤه. وعرف الزينة بأنها الأصباغ كالكحل للعين والخضاب في الحاجب والحمرة في الخد والحناء في الكف والرجل. كما ذكر القرط في الأذن والخاتم في الإصبع والسوار في المعصم، والقلادة في العنق، والخلخال في الساق. ومن رأيه جواز إظهار وجه المرأة ويديها بالزينة التي فيهما. أما المطلب الثالث ففي مقدار ما يعتبر عورة لدى المرأة الحرة المسلمة. ومن أهم ما جاء في الخاتمة هو حديث المؤلف عن أسرار الاحتجاب، كما تحدث عن الغناء والغيرة والخصيان، وأثر الغناء على النساء والعكس، ومن رأيه أن (منشأ احتجاب المرأة (هو) الغيرة عليهن). والمؤلف مضاد للاختلاط بين النساء والرجال، وحتى الحج ورد فيه ما يفيد ضرورة حج الرجل مع أهله أو مع محرم. ولكي يؤيد رأيه ويقنع معاصريه من المسلمين الذين قد تكون أثرت فيهم الدعوة إلى فرع الحجاب، ذكر محمد بعض أقوال علماء الفرنسيين والإنكليز في المراقص والملاهي عندهم وما أصاب المرأة فيها من الإهانة والابتذال والفساد (2).
10 -
رسالة الفاروق والترياق في تعدد الزوجات والطلاق: لنفس المؤلف (محمد بن الأمير). وقد رأى من الحكمة أن الله أباح تعدد الزوجات واستعمال السراري (لمن لا تكفيه زوجة واحدة لقوة بنيته وكثرة شبقه كي لا يرتكب فعل الزنى المحرم). كما أنه من الحكمة إباحة الطلاق وحل عقدة
(1) محمد بن الأمير (رسالة كشف النقاب)، ط. القاهرة، 132. ضمن مجموع.
(2)
رسالة كشف النقاب، ص 133 - 137.
النكاح لمن حصلت بينه وبين زوجته نفرة ولم يجدا علاجا لها حتى لا يكون أحد الزوجين مكرها على الصبر، وقد أنكر البعض نفع ندد الزوجات وإباحة الطلاق وذلك لحصول الضرر منهما، فكان غرض المؤلف الرد على صاحب هذا الرأي.
قسم هذه الرسالة إلى مقدمة وبحثين (فصلين) وتتمة وخاتمة. وكانت المقدمة في حكمة التعدد وشرط العدل بين الزوجات، وإذا خاف المقدم على الزواج بأكثر من واحدة من عدم العدل فلا يجوز له التعدد، وحتى ما ملكت اليد مشروط بالإحصان. والبحث الأول ذكر فيه الحكمة من تعدد الزوجات، وبين أثر التزوج من حصول السكون والأولاد. ومن مبيحات التعدد العقم. وكان القدماء يعددون، كما في الإنجيل والكتب القديمة، وكذلك كان الإغريق والرومان. واستبشع ما يحصل من الزنى وظهور اللقطاء، وكذلك ما يترتب على عدم التعدد من وجود النساء بدون أزواج في حالات الحرب، لو حصل الشرط بعدم التعدد. وقد ذكر موجبات العدل والمساواة بين النساء والزوجات وحقوق المرأة المسلمة والكتابية مع إباحة أن تبقى هذه على عقيدتها، لكن الكتابية لا تحصن المسلم أما هو فيحصنها. ومن شروط الكتابية أن تكون حرة وأن يأمن الزوج على أولاده منها في أمور دينهم. وفسر معنى (قوام) للرجال وأوضح أن الرجل فاعل والمرأة منفعلة حسب الطبيعة. وميزات المرأة وامتيازاتها، ولها إثبات الولد من زوجها، وشهادتها تقوم مقام رجلين في حيض العدة. وقال بالرأي الذي يذهب إلى جواز إمامة المرأة، لكنه قال إن ولايتها القضاء مختلف فيها.
أما البحث الثاني فهو خاص بالطلاق وأسراره. وخص التتمة بما اتفق عليه الأيمة من أمور كالظهار والإيلاء. وجعل الخاتمة في الحب وكون حب الرجل للمرأة أعظم من حب المرأة له، ثم في وصايا الأمهات لبناتهن عند الزواج (1).
(1) رسالة الفاروق والترياق، ط القاهرة 1327. وكان قد انتهى منه تأليفا عام 1322.