المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بعض المؤلفات في الطب والصحة - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٧

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌الفصل الأولالعلوم الدينية

- ‌تمهيد

- ‌التفسير والدراسات القرآنية

- ‌القراءات ورسم القرآن

- ‌الحديث الشريف

- ‌الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌الفقه والأصول

- ‌في القضاء والأحكام

- ‌الردود والاعتراضات

- ‌مسألة تدوين الفقه الإسلامي

- ‌جهود أخرى في الفقه لبعض الجزائريين والمستشرقين

- ‌الفصل الثانيالعلوم الاجتماعية

- ‌المؤلفات الصوفية

- ‌في علم الكلام والمنطق

- ‌دراسات حول الإسلام والإصلاح

- ‌حول المرأة

- ‌موضوعات أخرى مختلفة

- ‌ظهور مالك بن بني

- ‌الفصل الثالثالعلوم التجريبية

- ‌الطب والتقاليد

- ‌ممارسات طبية في الأوراس

- ‌الطب السحري والخرافي

- ‌بعض المؤلفات في الطب والصحة

- ‌بعض التراجم

- ‌مدرسة الطب

- ‌الفلك

- ‌في الحساب والفرائض

- ‌علوم أخرى

- ‌مدرسة العلوم

- ‌الفصل الرابعالتاريخ والتراجم والرحلات

- ‌مفهوم التاريخ وتعريفاته

- ‌سيرة نبوية وتواريخ عامة

- ‌الأنساب والأشراف

- ‌تواريخ محلية (شرق البلاد)

- ‌تواريخ محلية (الغرب)

- ‌تواريخ محلية (الجنوب)

- ‌تاريخ الجزائر عموما

- ‌في التراجم والمناقب

- ‌المذكرات

- ‌الرحلات

- ‌المحتوى

الفصل: ‌بعض المؤلفات في الطب والصحة

وقبل أن نذكر المؤلفات التي تحدثت عن الأمراض وعلاجها، نكرر القول إن السلطات الفرنسية كانت تستمرئ هذا الإغراق في الخرافات، وكانت بصفة عامة تمنع من يدعو المسلمين إلى العلم واليقظة والخروج من التخلف. وما الحركة الاصلاحية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى إلا حركة تمرد على ذلك الوضع. ولكن الأصوات المنادية بتعلم الطب الحديث والخروج من ربقة الجهل قد بدأت مع كتيب المجاوي الذي ظهر سنة 1877 ومحاولات أخرى على يد ابن مهنة وابن الموهوب ومحمد بن مصطفى. ومنذ 1884 تخرج محمد بن العربي (بلعربي) والطيب مرسلي وبوضربة وبريهمات، وأخذوا ينشرون الطب الحديث بين المواطنين. ولكن الانتقال من مرحلة الخرافة إلى مرحلة العقل والوعي قد أخذ زمنا طويلا حقا.

إن السلطات الفرنسية بدل أن تفتح المجال أمام التعلم وترخص للمصلحين بالدعوة إلى العقل واليقظة كانت تدعو هي، بوسائلها الخاصة، كجريدة المبشر وبعض الكتيبات الموعز بها، إلى العلاج عند الأطباء الفرنسيين ودخول المستشفيات الكنسية، وهو ما جعل الناس ينفرون من الطب ويلجأون إلى الخرافة، ويفضلون المرابطين والعلاج الروحي على الأطباء المستعمرين والعلاج الديني. فإذا ما أوعزت تلك السلطات إلى من يؤلف في الطب الحديث ويخاطب العامة فإنما يكون ذلك لمصلحة الفرنسيين أنفسهم مثل فوائد الخير الصحي للحجاج والمسافرين عموما، ومثل مداواة الأمراض المعدية والتخلص منها، أما الأمراض التي لا تضر إلا بالجزائريين فقد تركت للشعوذة والسحر، كما ذكرنا.

‌بعض المؤلفات في الطب والصحة

والصحف التي كانت تصدر عن الإدارة، مثل المبشر والمغرب وكوكب افريقية، كانت تنشر المقالات والتوجيهات عن فوائد الصحة وطرق العلاج والتخلص من الأوبئة، للإنسان والحيوان. وكان بعض أطباء الجيش الفرنسي

ص: 252

وأطباء المكاتب العربية يؤلفون كتبا ذات فائدة عظيمة عن تجاربهم مع الجزائريين في ميدان الطب والعلاج. ومنذ أواخر القرن ظهرت كتيبات على يد بعض العلماء الجزائريين المتصلين بالإدارة أو العاملين في جريدة المبشر، مثل الحفناوي بن الشيخ ومحمد بن مصطفى. ولكننا سنبدأ بأول أثر عن فوائد الحجر الصحي.

1 -

إتحاف المنصفين والأدباء في الاحتراز من الوباء: وهو من تأليف حمدان بن عثمان خوجة حوالي 1837 (1252). وقد رد فيه على المتزمتين الذين لا يقبلون بالتغيير وعلى المتوكلين الذين يتركون كل الأمور إلى مشيئة الله فلا يتخذون حذرا ولا يقدمون الأسباب لتفادي الأوبئة والطواعين. وثقافة خوجة المعاصرة تجعله خير من يكتب عن الموضوع. فقد عاش في الجزائر وتجول في المشرق وفي أوروبا قبل وبعد الاحتلال الفرنسي لبلاده. وكتب هذا الكتاب بعد هجرته إلى اسطانبول. وندد حمدان خوجة بالمسلمين القاعدين الذين كانوا يعتقدون أن طرق الوقاية إنما هي من مبتكرات الفرنجة (النصارى)، ولذلك فهي غير واجبة على المسلمين في زعمهم. ولا شك أنه كان يقصد بذلك علماء الوقت الذين رفضوا الإصلاح. ونحن هنا نجد خوجة ساخطا على علماء المسلمين بشأن الطرق الصحية كما ثار زميله ابن العنابي بهم في شأن الطرق العسكرية (1).

ذكر حمدان خوجة أنه شهد نزول الوباء بالجزائر حوالي عشرين مرة أثناء حياته، وفي كل مرة كان الوباء يصيب المئات وربما الآلاف ويشوه وجوه الناس ووجه البلاد. فاضمحل نتيجة ذلك، العلم وأقفرت المعالم وانقرض العسكر، (لا يراد الممرض على المصح) لأن مبدأ الحريق شرارة. ولو اتبع الناس التعاليم الدينية والعقلية لما أصابهم الوباء. ولفت خوجة أنظار قومه (وكأني به يخاطب علماء المشرق وسياسييه) إلى أن الغربيين

(1) كتب ابن العنابي (السعي المحمود في نظام الجنود)، وقد درسناه في كتابا (رائد التجديد الإسلامي

)، ط 2. وحققه محمد بن عبد الكريم، 1982.

ص: 253

(الإفرنج)، قد اتخذوا طرق الوقاية وتحرزوا غاية التحرز فلم يعانوا من إصابات الوباء، وظهر خوجة كأنه يتكلم على لسان ابن خلدون، حين قال إن الغربيين قد توارثوا الصنائع المهمة، وزاد آخرهم فيها على أولهم، وطالت أعمارهم، وتوفرت عساكرهم ومتاجرهم (اللتان عليهما المعول) بينما ضعف حال المسلمين. وبعد هذه المقارنة الواضحة قال خوجة إن الغربيين قد استغنوا عن قتال المسلمين بقلة حزمهم، وبذلك أصبح المسلمون يخربون بيوتهم بأيديهم، لأنهم جعلوا من الضعف قوة ومن السراب قوتا. وأفكار خوجة هنا تدل على له كان داعية تغيير في مختلف الميادين التي ضعف فيها حال المسلمين. ويجب أن نتذكر أن خوجة كان يكتب بعد حروب الصرب واستقلال اليونان وغيرها من الأحداث التي أضعفت الدولة العثمانية، وكشفت عن ضعف المسلمين، واكتسب منها الإفرنج قوة. ولما كان خطابه في الحقيقة للخاصة (العلماء ومشائخ الإسلام، كما يسميهم) وليس للعامة، فإنه تمنى أن يقرأوا كتابه بعين الإنصاف، وأن يكتبوا عنه إذا أخطأ.

وكتاب (إتحاف المنصفين) يضم مقدمة وثلاثة أبواب. فالمقدمة حول مسائل عامة كدفع الأذى والتسبب والعلل. وقضية تقدم الإفرنج في العلوم الرياضية والطبيعية. وجعل خوجة المقارنة تظهر كأن المسلمين تأخروا لأنهم متمسكون بدينهم ومتخلون عن دنياهم، وإن أهل الغرب تقدموا لأنهم تخلوا عن دينهم واعتنوا بأمور دنياهم. وهو طبعا لا يريد ذلك. ثم ذكر حقيقة الاحتراز من الوباء بطريق (الكرنتينة) وخاطب في ذلك الراعي والرعية (الحاكم والمحكوم) وطالب بتطبيق هذه الطريقة بتوفير الصحة وضمان المعاش وقوة الدولة.

أما أبواب الكتاب الرئيسية فهي:

1 -

الأدلة النقلية والعقلية على جواز الفرار من الوباء.

2 -

جواز الاحتراز من الوباء شرعا.

3 -

بيان تطبيق (الكرنتينة)، وفيه ناقش خوجة ما إذا كان ذلك يتعارض

ص: 254

مع الدين الإسلامي، ثم بين كيف طبق الغربيون ذلك. وبعد الخاتمة دعا المسلمين إلى المبادرة بتطبيق الاحتراز، عند مداخل عاصمة الدولة (اسطانبول) والاستعانة بتجارب الغربيين في هذا الميدان. كما رد على من زعم أنه لا يجوز الاستفادة من الأجانب (1).

ورغم أهمية الكتاب فإنه غير مدروس وغير معروف، وربما يرجع ذلك إلى عنوانه غير المباشر أو إلى الموضوعات العديدة التي احتواها. وكانت نسخة منه عند محمد بن أبي شنب فسلمها إلى جورج ايفير الذي نشر دراسة مستفيضة عن حمدان خوجة ومذكرته سنة 1913. وقد استحق ابن شنب ثناء ايفير لأنه ترجم له ما يتعلق بالحجر الصحي، والإهداء إلى السلطان، وبعض التفاصيل عن حياة المؤلف نفسه (2). وجاء في ترجمة حمدان خوجة التي كتبها عمر راسم أن نسخة من كتاب الاتحاف كانت موجودة (بالعربية والتركية) عند عمر خوجة الجد، القاطن ببئر مراد رايس، وربما كانت بخط خوجة نفسه (3).

2 -

وفي سنة 1896 كتب ونشر محمد بن مصطفى أيضا كتيبا عن الطب والحجر الصحي (الكرنتينة) وعلاقة ذلك بالشريعة الإسلامية. وكان محمد بن مصطفى إذاك عاملا في جريدة المبشر، وكان واسع الاطلاع على التراث والحياة المعاصرة. وربما كلفه الفرنسيون بوضع مثل هذا التأليف، وقد تكفلت الإدارة بنشره وترويجه. ولا شك أن لهذا الكتاب علاقة بالحج والسفر إلى الخارج. وكان ذلك في عهد الحاكم العام، جول كامبون،

(1) ترجم خوجة (إتحاف المنصفين) بنفسه إلى التركية ونشره بعنوان (سنى الإتحاف). وكان قد أهدى كتابه إلى السلطان محمود الثاني. وقد حققه محمد بن عبد الكريم ونشره سنة 1968. انظر محمد بن عبد الكريم (حمدان بن عثمان خوجة الجزائري ومذكراته)، بيروت، 1972، ص 129 - 135. فقد حلل فيه عناصر هذا الكتاب (أي إتحاف المنصفين).

(2)

جورج ايفير (مذكرة حمدان خوجة) في (المجلة الإفريقية) 1913، ص 122 هامش 1.

(3)

محمد علي دبوز (نهضة الجزائر) 1/ 133.

ص: 255

صاحب الفتوى التي طلب من العلماء المسلمين في الحجاز الموافقة عليها، والتي كان يقصد من ورائها الحد من هجرة الجزائريين نحو الشرق والتحكم في الحجاج (1).

وبعد صدور الكتيب المذكور نشرت (المبشر) حوله كلمة جاء فيها أن المؤلف مدرس في جامع سفير بالعاصمة لكي تبرر علاجه لموضوع ديني - علمي? سياسي. وقالت إنه استدل على آرائه في عدم منافاة الشريعة الإسلامية للحجر الصحي بآيات قرآنية وأحاديث نبوية وأقوال فقهية. ومن ثمة يفهم الناس أن حفظ الصحة الذي الذي استعمله الفرنسيون ليس ضد الدين الإسلامي، وكذلك إلزام الناس بالحجر الصحي لمنع انتشار الأوبئة. (وامتدحت المبشر الكتيب على أنه ذو قدر عظيم في كافة البلدان الإسلامية، تبعا لقدر المؤلف الذي هو (فقيه جزائري). ونفهم من ذلك أن الفرنسيين كانوا يوزعون الكتيب في بلدان الشرق وأفريقيا أيضا. وقد ترجموه إلى الفرنسية ونشروا الأصل والترجمة في كتيب واحد، وأشادت (صحف شتى) في فرنسا بهذا العمل. إن العلاقة واضحة في هذا التأليف بين الدعاية والعلم.

كما نشرت عن مجلة (أفريقية الفرنسية) تعليقا جاء فيه أن الكتيب يقع في أربعين صفحة، وأن المؤلف تحدث فيه عن الأدوية في الشريعة الإسلامية، ومكانة الطبيب (الحكيم) في الشريعة أيضا، وجاء على ذكر بعض الأعشاب المفيدة الموصى بها دينيا، كما جاء بنصوص من القرآن الكريم والحديث النبوي. والملاحظ أن المؤلف أشار أيضا إلى ما جاء في كتاب (إتحاف المنصفين) لحمدان خوجة حول الحجر الصحي، وذكر أن على المسلمين أن ينشدوا الطب عند غير المسلمين (أي الفرنسيين)، ونفهم من المجلة الفرنسية أن مفتي المالكية ابن زاكور، قد قدم الكتيب ومدح مؤلفه،

(1) عن هذه الفتوى انظر فصل الطرق الصوفية، والجزائر في المشارق والمغارب، وفقرة الهجرة في فصل مذاهب وتيارات. انظر عنهما أيضا بحثنا (فرنسيان في الحجاز) في مجلة (المنهل) السعودية، أغسطس (غشت)، 1996.

ص: 256

وأن أحمد بوقدورة (المفتي الحنفي) وعلي ابن الحاج موسى (قيم ضريح الشيخ الثعالبي) وابن زكري أستاذ الشريعة بالمدرسة الرسمية كلهم قد قرظوا الكتيب (1).

3 -

الخبر المنتشر في حفظ صحة البشر: وهو ترجمة لكتاب الدكتور دركل في تدبير الصحة. وقد طبع هذا الكتاب سنة 1908، وترجمه وأعده الحفناوي بن الشيخ صاحب كتاب تعريف الخلف، ونشرته كذلك الإدارة الفرنسية. وكان الحفناوي محررا أيضا في جريدة المبشر الرسمية. وسنة 1908 تذكرنا بعهد (شارل جونار) الذي أخذ فيه الانفتاح على العالم العربي والإسلامي يشق طريقه. ونحن نلاحظ هنا أيضا استعمال رجال الدين الجزائريين للترويج للمصالح الفرنسية من خلال نشر أعمال تبدو بريئة لعلاقتها بحفظ الصحة على العموم.

4 -

القول الصحيح في منافع التلقيح: ألفه أيضا الحفناوي بن الشيخ، ونشرته الإدارة الفرنسية في الجزائر، بدون تاريخ. وواضح من عنوانه أنه يتعلق بالتلقيح ضد بعض الأمراض المعدية وترغيب الجزائريين في ذلك، دون حرج ديني أو صحي (2).

5 -

تدبير صحة الأبدان في السفر وزيارة البلدان: وهو من تأليف المدني بن الشيخ الديسي (أخو الحفناوي بن الشيخ صاحب تعريف الخلف). وهذا الكتاب قد جمع فوائد عديدة طبية وعلمية وتاريخية. ويبدو أن صلة المدني الديسي بالإدارة لم تكن على نفس المستوى الذي كانت عليه مع أخيه، ومع ذلك فالإدارة هي التي نشرت الكتاب أيضا سنة 1913، لكونه يستجيب للمواصفات التي تحتاجها منه.

(1) مجلة افريقية الفرنسية. A.F، جوان/ يونيو 1896، ص 184.

(2)

في هذه الأثناء (سنة 1907) ألقى الدكتور بلقاسم بن التهامي محاضرة في الجمعية الرشيدية بالعاصمة، عنوانها (مرض السل). ورغم أنها كانت بالفرنسية وبعيدة عن الرأي العام الشعبي، فإن التيار عندئذ كان يسير نحو فوائد التلقيح من بعض الأمراض المعدية كالسل. انظر كتابنا الحركة الوطنية، 2/ 146، ط 4.

ص: 257

كان المدني هذا قد ولد في الديس (نواحي بوسعادة) سنة 1284. وتلقى العلم على شيوخ الناحية، ومنهم محمد بن عبد الرحمن، عالم زاوية الهامل، وأخذ (الطب والحكمة) عن والده، وعن دحمان بن الفضيل الديسي. ثم اتجه المدني إلى الزوايا بحثا عن العلم، فنزل زاوية ابن أبي داود بزواوة، ثم زاوية علي بن عمر بطولقة، ثم زاوية مصطفى بن عزوز بنفطة. ويهمنا أيضا وصف الشيخ محمود كحول للمدني في (التقويم الجزائري) بكونه يميل إلى (التقدم العصري) ومحبا للاطلاع. وأخبر كحول أيضا أن المدني قد حضر درس الشيخ محمد عبده في تفسير سورة والعصر بالعاصمة حين زارها سنة 1903. ومن جهة أخرى فإن المدني قد تأثر علميا بالشيخ المكي بن عزوز، وأنه أخذ الطريقة الرحمانية على الشيخ محمد بن أبي القاسم الهاملي. إن هذا الجمع بين الدنيا والدين، وبين العلم والتصوف، هو الذي رشح كتاب المدني بن الشيخ للنشر من قبل مطبعة فونتانة التي كانت تحت نظر الإدارة الفرنسية (1).

أما محتوى الكتاب فهو مجموعة من المعارف في الصحة والفلك والطب والمستحدثات التقنية ومضار بعض المأكولات والممارسات. وقد قالت عنه جريدة (كوكب افريقية) إن المؤلف جعل له مقدمة في الأسباب التي دفعته للتأليف، ثم تناول فيه الفصول الأربعة وما يختص به كل واحد منها وما يستعمل فيه. ثم تحدث عن السفر وفوائده، وجاء بمناظرة بين البادية والحاضرة، نثرا وشعرا، وما قيل في كل منهما. وتناول الكتاب أيضا علم الطب والتشريح والحواس الخمس كالفلك ونحوه، وحذر المؤلف من الدجاجلة المعاصرين. ولا شك أن ذلك يعني التحذير من اللجوء إلى الشعوذة والسحر والتداوي عند (المرابطين) بالوسائل الشيطانية التي ذكرنا بعضها. كما تحدث المدني عن أمرين آخرين هامين، الأول (المستحدثات العصرية) مثل السكة الحديدية والفوتوغراف، والثاني معاهد العلم التي زارها

(1) الشيخ كحول (التقويم الجزائري)، سنة 1913، ص 173 - 174.

ص: 258

في الجزائر والأعيان الذين اجتمع معهم خلال زياراته. ويبدو أن هذا الفصل مفيد لمن يريد الاطلاع على حال الزوايا ورجال العلم عندئذ. وفي الأخير تحدث المدني بن الشيخ عن تدير الصحة المنزلية وعن أمراض بعض المطاعم، ومضا الفلفل، كما تحدث عن أصحاب خط الرمل (1). فأنت ترى أن الكتاب ليس كله في الطب وحفظ الصحة، ولكنه كتاب عام فيه فوائد مختلفة، وهو بذلك يجعل المؤلف في الخط الذي تريده الإدارة للجزائريين.

6 -

أقوال المطاعين في الطعن والطواعين: لأبي حامد المشرفي. المتوفى بالمغرب سنة 1896. والمشرفي يعني (بالطواعين) الأوبئة. وقد جمع فيه آراء وحوادث ونقولا هامة. وكنا قد أخذنا منه بطاقات سنة 1973 أثناء زيارتنا للمغرب، ثم ضاعت منا سنة 1988 ولم نستطع تعويضها إلى الآن.

7 -

تحفة المحب في أصل الطب: تأليف محمد بن يوسف أطفيش، المتوفى سنة 1913. وقد طبع بمصر في عهد المؤلف، ربما على يد تلميذه سليمان الباروني الذي أنشأ المطبعة البارونية هناك. ولا نستطيع أن نصف الكتاب لعدم اطلاعنا عليه. وقد ذكره أبو اليقظان في ترجمة الباروني باختصار (2). ووجدنا في مصدر آخر أن الكتاب يتناول (الطب المأثور)، فهل هو ما نعنيه بالطب العربي أو الشعبي المبني على استعمال النباتات والعقاقير والمستوحى أيضا من الطب النبوي؟.

8 -

الطب العربي في ولاية الجزائر: أطروحة محمد بن العربي (بلعربي) التي نال بها شهادة الدكتوراه من فرنسا سنة 1884. وهي أول أطروحة في بابها، وصاحبها أول جزائري يحصل على الدكتوراه في الطب في العهد الفرنسي. وقد ترجم السيد علي بوشوشة (أصله من الجزائر) هذه الأطروحة إلى العربية ونشرها يونس سنة 1891. وقد اطلعنا على الترجمة

(1) جريدة (كوكب افريقية)، 19 ديسمبر 1913.

(2)

أبو اليقظان (سليمان الباروني)، 1/ 46.

ص: 259

العربية أوائل الثمانينات لكي نعطي فيها رأينا في إعادة طبعها واغتنمنا الفرصة وأخذنا منها فوائد جمة لكتابنا هذا، ثم أعدناها إلى صاحبها، ولكنها لم تطبع، وضاع منا ما أخذناه منها، سنة 1988 سوى قائمة من رجال العلم والثقافة كانوا (حوالي سنة 1884) يتفاعلون في حياة الجزائر، وجاء ذكرهم في الأطروحة، وكذلك أسماء أعلام من الفرنسيين، مثل الشاعر فيكتور هيغو والقاضي زيس. وفي 1988 نشرت جريدة جزائرية دراسة لأحد الأطباء عن حياة وأطروحة الحكيم ابن العربي (1) فأخذنا منها المعلومات التالية:

بدأ ابن العربي أطروحة بحديث شريف مفاده إذا سألتم الله فاسألوه المغفرة والصحة، فليس هناك أثمن من الصحة. وفي مدخل الأطروحة خاطب فرنسا: هل من العدل أن ترفض للشعوب التي تستعمرها الاستفادة من المعارف النافعة، وتنكر عليهم حق استخدام قواهم العقلية، وتعاملهم معاملة البرابرة والسلالات الدنيا؟ وهو في ذلك يشير إلى ما كان يتردد على لسان الحاكم العام لويس تيرمان والكولون من أن عدم تعليم الأهالي أفضل لفرنسا، أو ليس هناك مال لتعليمهم.

وقد اختار موضوع أطروحته الأبحاث السابقة في ميدان الطب والصيدلة عند العرب الجزائريين، وهي في نفس الوقت أبحاث مفيدة للفرنسيين أنفسهم وتخصصهم في الطب، فهي مصدر ثمين لهم. ثم قسم الأطروحة إلى ثلاثة فصول، فجعل الفصل الأول في تاريخ الطب العربي في المغرب والمشرق. فتناول أشهر الأطباء الذين ترجمت مؤلفاتهم إلى الفرنسية، مثل عبد الرزاق بن حمادوش، ومنها كتاباه: كشف الرموز في الأعشاب والعقاقير، وتعديل المزاج بسبب قوانين العلاج (2).

(1) هي جريدة (أحداث الجزائر) عدد 8 - 9، سبتمبر 1988، والدراسة للدكتور إسماعيل بولبينة مع صورة لابن العربي بلباسه التقليدي الوطني وصورة لغلاف أطروحته. وأثناء وجودنا بأمريكا حصلنا على نسخة من الأطروحة نفسها واستفدنا منها.

(2)

عن ابن حمادوش انظر دراستنا (الطبيب الرحال) وكذلك تحقيقنا لرحلته (لسان =

ص: 260

وفي الفصل الثاني تناول ابن العربي الطب الحديث أو المعاصر عند العرب الجزائريين، فوصف الإصابات والعلاجات الطبية، وجاء من ذلك بأمثلة: فحب العرق علاجه بالبخار في الحمام وعصير الرمان والحنا وعصير الطماطم. كما جاء على حبة بسكرة التي تصيب الجلد، وعلاجها يكون برغوة الصابون الأخضر والتردد على المياه المعدنية. ثم الإصابة بعرق المدينة الذي يضرب أطراف الجسم، ثم الداء المعروف بداء الفيل وعلاجه. وفي هذا الفصل أيضا تحدث عن علم الجراحة عند العرب، وذكر أنهم كانوا يرفضون تقديم أجسامهم لعمليات جراحية (دموية) كبيرة وأنهم كانوا يفضلون الموت المؤكد والعاجل على البقاء بضع سنوات أخرى على حساب تبديد الجسم. ووصف عمليات الختان والحجامة ومعالجة الكسور بالجبيرة (1).

وخصص ابن العربي الفصل الثالث من أطروحته للنظافة، مقدما على ذلك سبع وصفات لتركيب الكحل، وتسع وصفات للحنا، كما وصف فوائد الاستحمام، ودافع عن التلقيح ضد الجدري الذي قال إنه وجد منذ القديم في بلاد المغرب. كما وقف ابن العربي ضد ادعاء الفرنسيين بأن الجزائريين لهم أمراض عديدة كالزهري. وقال إن الإحصاءات تثبت أن هذا المرض قدم إلى الجزائر مع الأوروبيين (وقد أشرنا إلى ذلك)، وهو ليس خاصا بالجزائريين. وتناول ابن العربي التطبب بالأعشاب ومختلف النباتات لأنها مفيدة، ثم إنها أدوية تستخرج من البلاد نفسها فلها عندئذ جانب اقتصادي هام، فهي صناعة محلية. ومن النباتات التي ذكرها: الخروب، والرمان، والعناب، وبونافع، وكرموس (التين) النصارى، والنخيل الذي عزا له وحده (النخيل) إنني عشر وصفة علاجية، من الإسهال إلى الضعف الجنسي. ونلاحظ أن ابن العربي لم يهتم إلا بالطب المقبول شرعا، وعقلا،

= المقال). وكلاهما طبع بالجزائر. وقد ترجم لوسيان ليكليرك لابن حمادوش، كما ترجم كتابه كشف الرموز.

(1)

انظر ما قلناه سابقا من أن أهل الحضر لا يعرفون الجراحة. وكذلك ممارسة الطب العربي في الأوراس، حسب رواية سيمسون.

ص: 261

أما الطب السحري والخرافي كالتعاويذ والأحجبة فلم يهتم بها.

أما الفصل الرابع والأخير فقد خصصه للطب الشرعي. فتناول فيه مدة الحمل، وشكل المولود (الراقد) من الوجهة الفقهية والقانونية. وكان هذا الموضوع يثير جدلا كبيرا بين الفقهاء وأهل القانون. وتناول كذلك قضية المرأة الغائب عنها زوجها. ففي بعض الجهات كان عليها أن تنتظر أربع سنوات، وفي بعضها سبع سنوات أو عشرة. وكان هذا الموضوع يتصل بشرف العائلات، وكذلك يتصل بالطب والشرعية، ومسألة الأبوة، وشرعية الولادات، والميراث. وقد ذكر ابن العربي أيضا بعض الأمراض والعلاجات الأخرى مثل الرمد وأمراض العيون بأنواع من العلاجات، إذا لم يشف المريض خلال ثمانية أيام. وذكر أيضا عملية ثقب (فتح) الرأس التي كانت شائعة في الأوراس والآلات التي كانت تستعمل في ذلك (1). ولعل ذلك هو ما شجع بعض الأوروبيين، ومنهم الإنكليز، على التعرف على هذه الطريقة، ولو بالحيلة، كما فعل سيمسون وفريقه سنة 1913.

9 -

رسالة في الطاعون عنوانها: (الدر المصون في تدبير الوباء والطاعون) ألفها محمد بن رجب وقدم لها ثم توسع فيها محمود بن علي بن الأمين، المعروف بابن الشيخ علي. وقد تحدثنا عن هذه الرسالة في الجزء الثاني، كما أشرنا إلى عمل ابن الشيخ علي فيها. وقد تمكنا من معرفة معلومات هامة حول المؤلف الثاني (ابن الشيخ علي) والرسالة. فهو ابن علي بن عبد القادر بن الأمين، أحد أعيان الجزائر في أوائل القرن الثالث عشر (19 م)، وكانت وفاته قبل الاحتلال. وكان من خريجي الأزهر (2). أما ابنه محمود فقد عاصر الاحتلال وتأقلم معه، وتولى الوظائف الدينية، وكان يشتغل بالنساخة والخطاطة، فكان، كما قال صاحب (تعريف الخلف)(كتوبا عجيبا وله مشاركة في الفنون وأفكار غريبة). وكان محمود قد تولى أيضا

(1) انظر دراسة سيمسون، سابقا، وفي آخر هذه الفقرة سنترجم لابن العربي.

(2)

هو صاحب رسالة (أما بعد) التي درسناها في الجزء الثاني. وقد طبعت أخيرا، في مصر. وقد تولى ابن الأمين الفتوى عدة مرات، وهو شيخ ابن العنابي.

ص: 262

التدريس في الجامع الأعظم (بالعاصمة)، والإمامة في الثانوية الفرنسية الوحيدة في وقته. وكتب بعض المقالات في جريدة (المبشر) الرسمية ودعا الأهالي إلى تعلم الفرنسية (1) وكانت وفاته سنة 1897.

أما عمل محمود ابن الشيخ علي في (الدر المصون) فيتمثل في كتابة مقدمة جاء فيها: (أما بعد، فلما وقعت بيدي مبيضة رسالة في تدبير أمر الوباء والطاعون، جمعها السيد محمد بن رجب الجزائري، سنة 1200 من كتب عديدة في الطب وغيره

أردت استخراجها، وأن أجعل لها مقدمة قبل الشروع فيها تذييلا بعد تمامها، ليمكن النفع بها، وأبين بعض ألفاظها قدر الوسع والطاقة). ويذكر صاحب تعريف الخلف أن محمود بن الشيخ علي قد كتب مقدمة وسبعة فصول وخاتمة. ولم يذكر شيئا عن الفصول وهل هي مرتبة على المواد الطبية. أما بيان الألفاظ فإننا نفهم منه أن ابن الشيخ علي قد شرح غريب الألفاظ والاستعمالات في حالات العلاج والوصفات. ولم نعرف من تحدث عن هذه الرسالة غير الحفناوي بن الشيخ، وربما يكون محمد بن العربي قد اطلع عليها أيضا، أو اطلع على أصلها الذي تركه محمد بن رجب الجزائري. وكان الشيخ الحفناوي قد حصل على نسخة من تأليف محمود بن الشيخ علي عن طريق علي بن الحداد (2).

10 -

الأدوية الشافية: رسالة ألفها محمد الطيب اليعلاوي المتوفى حوالي 1296 هـ. وربما هي في الأدوية الشعبية وحتى السحرية منها. ولهذا الشيخ مجموع في الطب نقله عن كتب الأولين مثل ابن سينا وكتاب الهارونية وكتاب الرحمة الخ. وقد قيل إن مؤلفات هذا الشيخ مفقودة الآن (3).

11 -

كتاب الصحة: لمؤلف مجهول، صدر سنة 1923، بالعربية

(1) انظر عنه فصل السلك الديني والقضائي.

(2)

تعريف الخلف، 2/ 474.

(3)

رسالة من الشيخ محمد الحسن عليلي، نوفمبر 1995.

ص: 263

والفرنسية. وهو من كتب الإعلام والدعاية ونشر المعارف العامة. وقد صدر عن معهد باستور بالجزائر، وكان الهدف منه تنوير الرأي العام المسلم، حول موضوعات التغذية وقواعد الصحة لدى العائلات والأفراد، الأطفال والكبار، وطرق الوقاية والعلاج، وذكر بعض الأمراض البشرية والحيوانية، كالسل والزهري.

يقول من راجع الكتاب إن نصه العربي بلغ 112 صفحة، وهو بالعربية الفصحى. أما النص الفرنسي فقد بلغ 196 صفحة. وفيه نصوص (دينية) تساعد على كونه موجها إلى المسلمين. وقد قال من قدمه للقراء إنه في حاجة إلى من يقدم الكتاب من رجال الدين المسلمين ليساعد على تبليغ رسالته. لكن الرؤساء الأهالي (؟) الموجه إليهم الكتاب لا يقرأون العربية. ولاحظ المقدم أيضا أن ذلك يعني جعل النص الفرنسي هو المقروء، سواء مباشرة أو عن طريق مترجم آخر.

وإليك ما تضمنه هذا الكتاب من مسائل:

1 -

القواعد التطبيقية والأوليات المتعلقة بالصحة الشخصية والسكنية.

2 -

واجب رب العائلة العناية بحفظ صحة أبنائه وعائلته.

3 -

العناية بالأم في ساعة الولادة.

4 -

طريقة تغذية الطفل وتنشئته إلى بلوغه العامين.

5 -

طريقة الوقاية من الأمراض المعدية.

6 -

علامات المرض المميزة سواء لدى الإنسان أو الحيوان. وقد حث الكتاب على ضرورة التبليغ على هذه الأمراض (المعدية) فور التعرف على علاماتها لتفاديها.

7 -

وأخيرا واجب الرؤساء الأهالي في العمل المشترك من أجل حفظ الصحة العامية (1).

(1) راجعه C.D في المجلة الجغرافية الجزائرية

SGAAN ،1923، ص 139 - 140. ولعل المقصود بالرؤساء الأهالي هنا هم القياد ونحوهم. والواقع أنه لم يبق من نفوذ =

ص: 264