المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السابع

- ‌الفصل الأولالعلوم الدينية

- ‌تمهيد

- ‌التفسير والدراسات القرآنية

- ‌القراءات ورسم القرآن

- ‌الحديث الشريف

- ‌الأثبات

- ‌الإجازات

- ‌الفقه والأصول

- ‌في القضاء والأحكام

- ‌الردود والاعتراضات

- ‌مسألة تدوين الفقه الإسلامي

- ‌جهود أخرى في الفقه لبعض الجزائريين والمستشرقين

- ‌الفصل الثانيالعلوم الاجتماعية

- ‌المؤلفات الصوفية

- ‌في علم الكلام والمنطق

- ‌دراسات حول الإسلام والإصلاح

- ‌حول المرأة

- ‌موضوعات أخرى مختلفة

- ‌ظهور مالك بن بني

- ‌الفصل الثالثالعلوم التجريبية

- ‌الطب والتقاليد

- ‌ممارسات طبية في الأوراس

- ‌الطب السحري والخرافي

- ‌بعض المؤلفات في الطب والصحة

- ‌بعض التراجم

- ‌مدرسة الطب

- ‌الفلك

- ‌في الحساب والفرائض

- ‌علوم أخرى

- ‌مدرسة العلوم

- ‌الفصل الرابعالتاريخ والتراجم والرحلات

- ‌مفهوم التاريخ وتعريفاته

- ‌سيرة نبوية وتواريخ عامة

- ‌الأنساب والأشراف

- ‌تواريخ محلية (شرق البلاد)

- ‌تواريخ محلية (الغرب)

- ‌تواريخ محلية (الجنوب)

- ‌تاريخ الجزائر عموما

- ‌في التراجم والمناقب

- ‌المذكرات

- ‌الرحلات

- ‌المحتوى

الفصل: ‌تاريخ الجزائر عموما

7 -

مخدرة الشيخ العروسي (انظر سابقا).

8 -

تاريخ الزعاطشة، حدثني عنه أحد المتعلمين بالعاصمة (الشيخ ابن زكري؟) خلال السبعينات، ونسبه إلى مؤلف من المنطقة، لعله هو الطاهر عامر. وقد تركت ذلك في أوراقي بالجزائر. وقد بحثت عن المخطوط في عدة مناسبات، ولعل نسخة منه في مكتبة الشيخين عبد المجيد حبه أو عبد الكريم التواتي.

‌تاريخ الجزائر عموما

نقصد بالتاريخ في هذه الفقرة ما تناول الجزائر عموما دون جزء منها. فالمؤرخ في هذه الحالة يكتب عن الأحداث والأشخاص الذين شاركوا في صنع التاريخ للقطر كله. وسواء أكان هذا التاريخ قديما أو حديثا، شاملا لكل العهود أو مقتصرا على فترة بعينها، فإن ذلك لا يهم هنا. حقيقة أن بعض المؤلفين قد تغلبت عليهم عاطفة خاصة أو اهتمام بجزء دون جزء من الوطن، ولكن الموضوع العام هو الذي يعنينا هنا. وسنرى مثلا أن المشرفي يغلب عليه الاهتمام بالنواحي الغربية بحكم أنه لم يعش ولم يعرف، ربما، ما جرى في شرق البلاد ونواحيها الأخرى، وكذلك سنرى أن محمد بن عبد القادر في تحفة الزائر سيغلب ترجمة والده سيما في الجزء الثاني، على أحداث الجزائر العامة وسيكون موضع تركيزه على غرب البلاد بحكم الأحداث التي جرت هناك في عهد المقاومة الأولى. وسنرى أن مبارك الميلي قد انتهى بتاريخه مع العهد العثماني. ومع ذلك فإننا سنعتبر هؤلاء جميعا مؤرخين للجزائر عامة.

1 -

كتاب المرآة: تأليف حمدان بن عثمان خوجة. ويسمى أيضا لمحة تاريخية عن إيالة الجزائر. وكان تأليفه سنة 1833، فهو من أوائل الكتب التي صدرت بعد الاحتلال وتناولت أحداثه وحكمت عليه بالفشل من البداية واستنكرت فظائعه وبذرت البذور الوطنية وبشرت بالتضامن الإسلامي للتحرر من الاستعمار.

ص: 396

وحياة حمدان خوجة أصبحت معلومة بعد أن ظلت مجهولة طيلة فترة الاحتلال. فقد خصه محمد بن عبد الكريم بدراسة شاملة، وترجم بعض آثاره، ومنها المرآة، وحقق كتابه إتحاف المنصفين (1). وتناوله العربي الزبيري حين ترجم المرآة أيضا وحين قدم لترجمة مذكرة خوجة إلى اللجنة الافريقية (2). ودرسه عبد الجليل التميمي في كتابه بحوث ووثائق مغربية (3). كما تعرضنا إلى بعض أفكار خوجة في القومية والحضارة الإسلامية ونضاله السياسي في كتابنا الحركة الوطنية. أما علي مصطفى المصراتي فقد درس العلاقة بين حمدان خوجة ومعاصره الليبي حسونة دغيز الذي قام بترجمة المرآة من العربية إلى الفرنسية (4).

وقد أثبتت هذه المصادر وغيرها أن حمدان خوجة كان رجلا غير عادي، وأنه قام بدور إيجابي في سبيل تحرير وطنه من الاحتلال، وهو دور كان رائدا في العمل السياسي الذي لم تعرفه الجزائر إلا بعد حوالي قرن من الاحتلال. ولو وجد خوجة نخبة واعية مثله لكان مصير الجزائر غير الذي عرفته. ولا نريد الآن أن نفصل أو حتى نلخص سيرة حمدان خوجة وإنما نريد أن نذكر اهتمامه بالتاريخ ومكانة كتابه في مدرسة التاريخ التي نحن بصددها. لقد كان رجلا عارفا باللغات والشعوب والتطورات السياسية والاقتصادية والفكرية التي طرأت على أوروبا منذ الثورة الفرنسية. وليس

(1) انظر (حمدان بن عثمان خوجة)، بيروت 1972. وقد جاء في آخره بمذكرة خوجة أيضا. وفي حوالي 1968 نشر ابن عبد الكريم أيضا كتاب (إتحاف المنصفين) بعد أن حققه. ولعل أول من ترجم لخوجة أوائل هذا القرن هو عمر راسم، ولكن ترجمته لم تنشر.

(2)

انظر ترجمة الزبيري لكتاب المرآة، ط. 2. وقد نشر ترجمة مذكرة خوجة ضمن مذكرات أحمد باي، وبوضربة، سنة 1972.

(3)

عبد الجليل التميمي (بحوث ووثائق مغربية)، تونس، 1972.

(4)

نقصد كتاب علي مصطفى المصراتي (مؤرخو ليبيا) إذ فيه فصل عن تعاون خوجة ودغيز فون فرنسا من أجل القضية الجزائرية.

ص: 397

ذلك عن طريق السماع وإنما كان عن طريق المشاهدة والمعايشة. وكان يقارن ما كانت عليه بلاده الإسلامية (منها الجزائر) وبين ما أصبحت عليه أوروبا. ولكننا لا نعرف أنه كتب أو عبر عن آرائه في ذلك قبل 1830. كان يتولى التجارة مع الأوروبيين ومع الشرقيين، وكان يسافر لزيارة عاصمة الدولة العثمانية وأقاليم هذه الدولة، وكذلك لزيارة أوروبا الغربية والشرقية. وكان لخاله دور في تسيير شؤون الدولة. وربما كان حمدان غير راض بما كان عليه حال الدايات ابتداء من مصطفى باشا في أول القرن، وكان بحكم تعاطيه التجارة ناقما على نفوذ بعض العائلات اليهودية لدى رجال الدولة، وكان لهذه العائلات، مثل بكري، نفوذ في أوروبا واحتكار للأسواق الجزائرية باتفاق مع الدايات، ولكن حمدان وربما غيره أيضا من أحفاد العثمانيين في الجزائر، كانوا ناقمين على الوضع ويتمنون تغيير الأحوال.

وكان هذا الموقف من السلطة عندئذ هو الذي جعل حمدان يظن خيرا في الحملة الفرنسية ويصدق وعود قادتها بأنهم إنما غزوا الجزائر (لتحريرها) من استبداد الداي والأتراك. ولعل ذلك هو ما جعله يتعامل مع بورمون. وكان أحد أبنائه (وهو حسن) هو الذي شارك في وفد المفاوضة مع القائد الفرنسي حول مصير البلاد ومصير الداي. ولا ندري كيف وأين تعلم ابنه هذه اللغة الفرنسية حتى أصبح من المتفاوضين بها. ولكن بورمون لم يبق في الجزائر إلا حوالي شهر ثم عزل وحل محله كلوزيل، فقلب الوعود وجاء بفكرة الاحتلال الدائم والاستيطان، ثم خلفه روفيقو فكان أسوأ من سابقه في توظيف الوسائل البوليسية للقضاء على أعيان البلاد ومنهم خوجة. وبعد أن ظن خوجة أن عهدا جديدا قد أتى مع بيرتزين (القائد الجديد) إذا به فاجأ برجوع غريمه كلوزيل إلى الحكم (1835). فتأكد خوجة أن صوته قد انقطع وأن عودته إلى الجزائر من فرنسا أصبحت مستحيلة وحيل بينه وبين شعبه. فاختار اللجوء إلى اسطانبول.

ومن هناك ظل يحرض السلطان (محمود ثم عبد المجيد) على نصرة الجزائر ويترجم لهما الوثائق والرسائل التي ترد إليه من أعيان البلاد ولا سيما

ص: 398

من الأمير ومن أحمد باي. ولم تعترف الدولة العثمانية بالسيادة الفرنسية على الجزائر إلا سنة 1847 وهي السنة التي هزم فيها الأمير، ويبدو أن خوجة قد توفي عندئذ إذ يغلب على الظن أن الوفاة أدركته حوالي 1845. وقد تابع أولاده، علي رضا وحسن، سيرة والدهما أيضا. فقد تولى حسن دفتر دار إيالة طرابلس خلال الخمسينات، ومن هناك كانت عينه على الجزائر. ثم تولى علي رضا حكم إيالة طرابلس باسم السلطان في السبعينات، وهو الذي كتب أيضا كتابا يذكرنا بكتاب والده، سماه (مرآة الجزائر). وقد اطلعنا على النسخة التركية لهذا الكتاب فوجدناها من حيث المنهج والمحتوى شبيهة بالمرآة، مع اختلاف طبعا (1). ولكن الأصل العربي لهذا الكتاب مفقود كما فقد الأصل العربي لمرآة حمدان.

كل الدلائل تدل على أن حمدان خوجة ألف كتابه (المرآة) بالعربية في فرنسا خلال فترة قصيرة (2)، وذلك حين أعلنت الحكومة الفرنسية، بإلحاح من العرائض التي قدمها الأعيان، ومنهم خوجة نفسه، عن إرسال لجنة تحقيق. فكان غرض خوجة من كتابه أن يقدم إلى اللجنة كتابا يضم معارف ووثائق وإحصاءات عن الجزائر قبل أن تتوجه إليها، لأنه كان يعرف أن هذه اللجنة - التي ظن فيها العدل والخير - ستواجه أكداسا من الوثائق والبيانات من الأوروبيين أنصار الاستعمار والاستيطان سواء كانوا إداريين أو عسكريين أو مواطنين عاديين (3). وكان خوجة يأمل أن اللجنة ستحكم بعد التحقيق

(1) صورنا منه نسخة أثناء زيارتنا لاسطانبول سنة 1971، وهو كتاب مطبوع ومترجم عن العربية. وبحثنا عن الأصل العربي فلم نعثر عليه، وأخبرنا أكثر من واحد أنهم بحثوا مثلنا وحصلوا على نفس النتيجة.

(2)

انظر الحجج التي اعتمد عليها محمد بن عبد الكريم في كتابه عن حمدان خوجة، مرجع سابق. ونضيف إليها هنا أننا وجدل بيليسييه، قنصل فرنسا في طرابلس في الخمسينات ينقم على حسن بن حمدان خوجة لأنه كان يوزع النسخ من كتاب والده بالعربية. والغالب أن نسخ المرآة بالعربية موجودة في ليبيا وفرنسا واسطانبول.

(3)

عن هذه اللجنة انظر كتابا (محاضرات في تاريخ الجزائر الحديث - بداية الاحتلال) ط. 3، 1982.

ص: 399

والاطلاع على كتابه الذي كتبه من موقع الخبير بالأوضاع والممثل لأهل بلاده، بجلاء الجيش الفرنسي ووقف الاستيطان ووضع حد لمصادرة الأوقاف وتغيير المعالم، وسلوك سياسة جديدة تقوم على الاعتراف بدولة يحكمها جزائري وترتبط مع فرنسا بعلاقات تجارية ممتازة. ولكن حلمه تحطم عندما حكمت اللجنة بعكس ما وقع، بل أوصت بدعم الجيش وتثبيت الإدارة واعتبرت الجزائر بلادا حيوية لفرنسا بعد أن درست موانيها وتجارتها ومواردها الطبيعية وموقعها الاستراتيجي.

وقد اشتمل كتاب (المرآة) على مقدمة تحدث فيها عن الظلم الذي حل بالجزائريين وقارن بينهم وبين وضع غيرهم في أوروبا. ثم رتبه على كتابين: الكتاب الأول ضم ثلاثة عشر فصلا تناولت حالة البدو (أهل الريف) وأخلاق البربر وعادات سكان السهول وركز بالخصوص على أهل متيجة القريبين من العاصمة. ثم تحدث عن سكان غرب البلاد وعاداتهم وسكان مدينة الجزائر، ووصف الحكومة في العهد العثماني وأصل النظام السياسي والإداري والجيش أثناء حكم الدايات. كما ذكر حال الحاكم والمحكوم (الراعي والرعية)، ولم يغفل سياسة الأرض وأنواع الضرائب والمغارم، وأسباب تدهور الحكم وسقوط النظام في نهاية المطاف. وبعد أن تحدث عن دواخل البلاد، خص الداي حسين ببعض الفقرات.

أما الكتاب الثاني فقد ضم إثني عشر فصلا، وكلها تقريبا عن علاقة الجزائر وفرنسا. وهكذا كان الحديث عن الحملة والنزول في سيدي فرج، والأعمال الفظيعة التي ارتكبت أثناء الاستيلاء على مدينة الجزائر. ثم الحديث عن البايات بعد الاحتلال ولا سيما مصطفى بومزراق باي التيطري، ثم غزوة كلوزيل البليدة والمدية، ومصادرة أوقاف مكة والمدينة، ووصف الأملاك الأوروبية الجديدة، وتقرب اليهود من الفرنسيين. وقد ضم هذا الكتاب ملحقا من عدة وثائق كلها عن النتائج السياسية للاحتلال خلال السنوات الثلاث الأولى. ونعرف منها مجموعة من العرائض التي تقدم بها الأهالي وزعامة حمدان خوجة في اللجنة المعروفة بلجنة المغاربة. وقد أعلن

ص: 400

خوجة في نهاية (المرآة) أنه سيؤلف جزءا آخر، ولكننا لا نعرف إن حقق ذلك. ولعل خيبة أمله في لجنة التحقيق واستحالة عودته إلى بلاده في تلك الظروف قد ثبطت من عزيمته وجعلته يهتم بمصيره فلجأ، كما قلنا، إلى اسطانبول.

لم يكن حمدان خوجة مؤرخا حين أقدم على تأليف المرآة. وقد عرفنا لماذا وكيف ألفه. كان خوجة عندئذ رجلا سياسيا برز في وقت الأزمة ليمثل أهل بلاده لدى الرأي العام الفرنسي ورجال الحكومة الفرنسية. ولكنه اضطر إلى الرجوع للحوادث التاريخية، فتناول ذلك في الكتاب الأول. ورغم ما في هذا القسم من معلومات وإحصاءات وحوادث، فإنه عندئذ كان نوعا من الانطباع عن الحكم العثماني في الجزائر. ولكن خوجة لم يتبع في ذلك الطريقة الإسلامية مثل الاعتماد على السنوات وذكر الدول والعهود، بل إنه كان ينتقي موضوعاته التي كانت تبدو اجتماعية واقتصادية وإدارية، أكثر منها سياسية. ويكاد رأيه في العهد العثماني أن يكون سلبيا، وهو رأي معظم الجزائريين عندئذ، ولكن بالمقارنة إلى ما ارتكبه الفرنسيون خلال ثلاث سنوات فإن حمدان خوجة ظهر مفضلا للحكم العثماني، حين قال قولته الشهيرة:(اللهم ظلم الترك ولا عدل الفرنصيص!).

أما الكتاب الثاني من المرآة، فهو نوع من المذكرات أو اليوميات. فهو يصف فيه الصراع بين إدارة الاحتلال المتغطرسة وبين الأهالي، ولا سيما في مدينة الجزائر. وخوجة لا يتحدث عندئذ عن مقاومة الأمير في غرب البلاد، لأن مبايعة الأمير لم تقع إلا في آخر نوفمبر 1832، ولم تكن بعد قد عمت البلاد. أما قسنطينة فكانت ما تزال في حكم الحاج أحمد. ولذلك كان اهتمام خوجة بإقليم الوسط وإقليم وهران (عشية ظهور الأمير).

ورغم ذلك فإن كتاب المرآة يعتبر اليوم مصدرا أساسيا لتاريخ الجزائر في أول الاحتلال. وهو حسب علمنا أول وثيقة سياسية وتاريخية كتبها أحد الجزائريين وقدم فيها أحكامه عن النظام العثماني من جهة والاحتلال الفرنسي

ص: 401

من جهة أخرى. وكانت مذكرات الشريف الزهار ستكون في نفس الأهمية لو بقي منها القسم الذي يصف الاحتلال. أما القسم الذي نشره الشيخ أحمد توفيق المدني منها فهو يشبه الكتاب الأول من المرآة. ومع ذلك ذكرنا المرآة في تاريخ الجزائر وصنفنا كتاب الزهار في المذكرات للسبب الذي ذكرناه هناك (1).

2 -

رسالة (مشروع) ابن عزوز: في حدود منتصف القرن الماضي ألف الحسين بن عزوز رسالة جعلها في شكل وصية أو مشورة عن وضع الجزائر عندئذ، واقترح حلولا سياسية وإدارية تقدم بها إلى الفرنسيين. ولأهمية صاحب الرسالة وما جاء فيها من أفكار أصبحت في الواقع عملا في التاريخ وإن لم تكن كذلك في وقتها.

كتب الحسين بن عزوز رسالته من سجنه في جزيرة سان مرغريت الفرنسية. وكان قد نفي إلى هناك بعد إلقاء الفرنسيين القبض عليه حوالي 1845؟. وكان ابن عزوز قد تولى للأمير عبد القادر على منطقة الزيبان أوائل الأربعينات. وكان من رجال الدين، ومن المتعلمين والمحاربين الشجعان. وهو أحد أبناء محمد بن عزوز، مقدم الرحمانية أوائل القرن 19، كما أن أخاه مصطفى هو الذي أسس زاوية نفطة. وكانت معرفة الحسين بالمنطقة وبالأوضاع العسكرية والسياسية في عهد المارشال بوجو قد أهلته لكتابة رسالته.

ولكنه لم يكتب تاريخا وإنما كتب ما كتب ليقترح حلولا (للمشكل الجزائري) في نظره. وكان يظهر على أسلوبه التواضع والحذر معا، كما كان يتنصل من بعض ما قام به في الماضي. وتبلغ الرسالة حوالي 24 صفحة. وهي تقترح عدة أمور من بينها: إعلان ابن ملك فرنسا (وكان له ثلاثة أولاد، ولعله يقصد الدوق دومال الذي أصبح حاكما عاما للجزائر بعد انتهاء مهمة بوجو)، ملكا على الجزائر، ومعرفة الفرنسيين والجزائريين لغة بعضهم

(1) انظر فقرة المذكرات.

ص: 402

البعض، وازدواجية القضاء بحيث يكون قاض خاص بالمسلمين وآخر خاص بالفرنسيين في كل مدينة ومكان. وهناك وصايا أخرى تضمنتها الرسالة حول نظام الجيش، والأرض، والعلاقات العامة، من أجل جعل الجزائر مزدهرة. وكل ذلك سيكون في نظره تحت السلطة الفرنسية والمساعدة العربية. ونعتقد أنه توصل إلى هذه النتيجة لكي يحاول التخفيف عن نفسه من السجن والمنفى. ويظهر الحسين بن عزوز في رسالته معاديا (للأتراك) وبقاياهم في الجزائر. وقد حذر من الاهتمام بنشاط الحاج أحمد باي - وكان ما يزال في الأوراس عند كتابة الرسالة، ولم يستسلم إلا سنة 1948 - وإبراهيم باي (الكريتلي؟)، وأحمد بومزراق (ابن الباي السابق على المدية: مصطفى بومزراق) (1).

3 -

تاريخ أبي حامد المشرفي المسمى: ذخيرة الأواخر والأوائل. ويظهر من عنوانه أنه تاريخ عام يشمل غير الجزائر أيضا، حتى أن محمد المنوني الذي رأى الكتاب واستفاد منه، قال إنه في ستة أبواب وإن أربعة منها قد أوجزت تاريخ ما قبل الإسلام، بداية من آدم عليه السلام. ويبدو أن المشرفي من المهتمين بالتاريخ حقيقة وله حاسة تاريخية كبيرة. ولو تعلم مناهج البحث وعاش في بيئة متطورة لأنتج أعمالا تاريخية ذات قيمة ليس في موضوعاتها وأحجامها ولكن في آرائها وتحاليلها. ولكنه عاش في زمن متقلب ودرس دراسة مبعثرة، وكان معتمدا على نفسه وحاسته التاريخية ومحفوظاته. وناهيك برجل قضى جل حياته معلما للصبيان ليجلب الرزق له ولأهله. وقد توفي سنة 1895 في الوقت الذي دخلت فيه الجزائر مرحلة جديدة من تاريخها على يد النخبة المتعلمة أمثاله والتي دخلت في صراع مع السلطة الفرنسية من أجل التعليم والنيابة والحقوق المدنية والدينية

(1) انظر عبد الحميد زوزو، ملاحق أطروحة الدكتوراه. وكذلك يحيى بوعزيز (دور بعض الزعماء في الشرق الجزائري

)، في مجلة الأصالة. وقد اطلعنا على الرسالة في أرشيف إيكس - فرنسا - وصورناها سنة 1982 ثم ضاعت منا في قصة المحفظة المشهورة.

ص: 403

والسياسية. ولكن المشرفي، كما عرفنا في غير هذا، كان يعيش في المغرب الأقصى في ظل السلطان الحسن الأول. وكان المغرب بدوره قد دخل في صراع مع فرنسا التي كانت لها أطماع في احتلاله وسط نفوذها عليه. وقد عكست مؤلفات المشر في هذه التطورات في المغرب بالخصوص.

ويهمنا الآن البابان الخامس والسادس من ذخيرة الأواخر والأول. فقد خصص المؤلف الباب الخامس لتاريخ الإسلام وانتهى فيه إلى القرن التاسع عشر. ويذكر المنوني أن المشرفي توسع في العهد العثماني بالجزائر وكذلك الاحتلال الفرنسي لها. وقد اطلع المستشرق الفرنسي هنري بيريز على الذخيرة وقدم بحثا حول ما جاء فيها عن الاحتلال الفرنسي. وانتهى إلى أن المشرفي قد استعرض مراحل الاحتلال والمقاومة ولكنه مدح ما قام به الفرنسيون في الجزائر (1). والظاهر أن بيريز لم يدرس الذخيرة دراسة تاريخية وإنما أخذ منها رأي مؤلفها في الاحتلال الفرنسي لبلاده. وهذه هي النقاط (الإيجابية) في رأي بيريز، كما وردت في الذخيرة: استتباب الأمن العام والخاص في الطرقات والأسواق، ومد الطرقات وتقصير المسافات بين المدن، وحرية الدين والعبادة، وعمارة المساجد، واحترام العلماء وتوظيفهم مع منحهم الرواتب، وانتشار التعليم وعمارة المدارس، وعمارة الأرض والفلاحة، ووجود المراكز (المستوطنات) الفرنسية بنواحي الهبرة ومعسكر، وهي مثال في النظام والانتاج والرخاء، وانعدام المظالم مع العناية بالمساكين من المسلمين، ووصف حالة البدو في الصحارى، والقبائل في الجبال، والميزابيين والتجارة، ثم الحديث عن الضرائب التي لا يهرب منها أحد. وحرية التصرف إذ أن كل من يرغب في شيء فله ذلك بشرط عدم إذاية أي شخص آخر.

(1) هنري بيريز (رحلتان - المشرفي وبيرم الخامس? في المؤتمر الأول لاتحادية الجمعيات الفرنسية، الجزائر، 1935، ص 266 - 267. أما الباب السادس من الذخيرة فلا يهمنا هنا، وهو عن أخبار الدولة العلوية بالمغرب الأقصى إلى عهد السلطان الحسن الأول.

ص: 404

ولا شك أن هذه صورة مثلى للاحتلال الفرنسي ونتائجه، وكان بيريز قد جعل رأي المشرفي حجة على رأي (الأهالي) في هذا الاحتلال. وهذا بدون شك مبالغة من الجانبين، جانب المشرفي الذي لم يكن يعرف ما كان عليه الجزائريون من مظالم حين زار البلاد سنة 1877، وهو العهد الأكثر ظلما وظلاما في تاريخ الاحتلال، ومن جانب بيرير الذي اعتبر رأي (سائح) جزائري جاء من مهجره حجة على الرخاء والعدل اللذين يسودان الجزائر في ظل الاحتلال الفرنسي: فهل نقول إن الفرنسيين قد هيأوا للمشرفي الظروف الملائمة وأقروا فيه بوسائلهم ورجالهم ليكتب ما كتب عنهم وليؤثروا من خلاله على الوضع في المغرب سيما وقد كان المشرفي مقربا من البلاط ومن الحاشية؟ أو نقول إن المشرفي نفسه كان متأثرا بأوضاع المغرب (المتخلفة) وعندما رأى ما في الجزائر أخذ الجانب البراق وكتب عنه ليتعظ به أهل المغرب من الأعيان والمخزن؟ إن كلا الاحتمالين ممكن، ولكن الأكيد هو أن الصورة التي نقلها المشرفي عندئذ كانت غير صادقة عن الاحتلال. والذي نريد أن نؤكد عليه أيضا أن المشرفي قد انتهى من تأليف الذخيرة سنة 1882 (1299) أي في بداية حكم لويس تيرمان وغداة ثورة بوعمامة وعرابي والمهدي واحتلال تونس ومصر، والشروع في العمل بقانون الأهالي (الأندجينا) البغيض.

وهناك نواح أخرى تهمنا من الذخيرة، وهي أن المشرفي ترجم فيها لعدد من علماء الجزائر والمغرب، على عادة المؤلفين العرب والمسلمين عندما يتناولون موضوعات تاريخية. ويقول محمد المنوني إن الحاج محمد بن محمد بن مصطفى المشرفي (من العائلة؟) هو الذي اقترح على أبي حامد المشرفي تأليف كتاب على هذا النحو. وقد اطلعنا نحن على الجزء الثاني من الذخيرة مصورة على شريط صعب القراءة في المكتبة الوطنية الجزائرية، وأخذنا منه معلومات عن علماء القرن التاسع عشر وضاعت منا في الظروف التي وصفناها في غير هذا، ومما بقي في أوراقنا منها وصف المشرفي لمساجد تلمسان ومدرستها الفرنسية سنة 1877، فقد قال إن

ص: 405

بتلمسان ثلاثين مسجدا، غير المسجد الأعظم (الكبير) الذي تقام فيه الجمعة (ويفهم من ذلك أن الجمعة لا تقام إلا في مسجد واحد)، بالإضافة إلى مكاتب الصبيان أو المدارس القرآنية. أما المساجد الأخرى فقد قال إن لكل واحد منها إماما وجماعة تصلي فيه. وأثناء زيارته وجد إمام الجامع الأعظم هو ابن عودة بن غبريط (لعله هو والد قدور بن غبريط الشهير في هذا القرن). وكان ابن عودة يتقاضي 15 ريال دورو شهريا، أما رئيس الحزابين فيتقاضى 12 ريال دورو. أما المدرسة الفرنسية الرسمية فقد وصفها بإعجاب وإطراء ووصف مواد الدراسة بها وطلابها، وذكر أنه كان بها عندئذ حوالي ستين طالبا. ومن بين ما لفت نظره في المواد المدروسة هو التاريخ الذي وصفه بعلم الجغرافية. ولنذكر أن إصلاحات شانزي سنة 1876 هي التي أدخلت بعض التغيير في المواد عليها، ومنها التاريخ والجغرافية (الفرنسية). ووصف المشرفي كذلك مكتبة المدرسة المذكورة وقارنها بمكتبة الجزائر (1).

ورغم أننا تحدثنا عن الذخيرة في كتابنا أبحاث وآراء، فإننا نضيف هنا بعض المعلومات حول النسخ الموجودة منه. لقد اطلع هنري بيريز على نسخة منه لم يقل أنها هي الجزء الأول أو الثاني أو معا، وإنما قال إن المؤلف انتهى منه في ربيع الأول سنة 1299 (يناير 1882). وذكر المنوفي الخبير في المخطوطات المغرية، أن للذخيرة جزئين وأن مصير الكتاب غير واحد. فهو يقع في سفرين وبخط جزائري. وأنهما متوزعان على خزانتين أو مكتبتين، السفر الأول موجود في خزانة خاصة (؟) بمراكش، وهو في 112 صفحة، ومبتور الآخر. ولم يتحدث المنوني عن محتوى هذا السفر الذي لعله يضم الأبواب الأربعة الأولى. أما السفر الثاني فموجود في الخزانة العامة بالرباط وفي 58 صفحة (2). والغالب أن بيريز لم يطلع على السفر

(1) المشرفي، ذخيرة الأواخر والأول، مخطوط على الشريط، ج 2، ص 19. المكتبة الوطنية الجزائرية.

(2)

محمد المنوني (المصادر العربية لتاريخ المغرب)، مجلة كلية الآداب، جامعة محمد =

ص: 406

الأول، رغم أنه لم يقل ذلك. وقد وجدنا في أوراقنا أن بعض الذخيرة موجود بخط المؤلف في الخزانة الفاسية بفاس أيضا، دون ذكر السفر. ولا ندري من أين استقينا هذه المعلومة. ولعلها من (دليل مؤرخ المغرب).

وقد أخذ بيريز حياة المشرفي عن محمد بن أبي شنب (1). وكان هذا قد حقق على ما قيل كتاب المشرفي المسمى (طرس الأخبار). وبناء على ذلك وعلى معلومات أخرى من علي أمقران السحنوني وغيره، فإن المشرفي من حفداء عبد القادر المشرفي صاحب (بهجة الناظر) وعالم وقته في نواحي معسكر، وشيخ أبي راس. واسمه هو محمد العربي بن عبد القادر بن علي المعروف (أبو حامد). وهو من قرية الكرط بضواحي معسكر، وقد تعلم بمعكسر ثم بوهران حوالي 1824 - 1825. وعند احتلال وهران شارك في الجهاد إلى حوالي 1841 إلى جانب الحاج محيي الدين ثم ابنه الأمير عبد القادر. ثم هاجر إلى المغرب وقصر حياته على التأليف وتعليم القرآن، إلى وفاته بفاس سنة 1895 (1313) كما ذكرنا. وأصل عائلة المشارف من بوسمغون بالجنوب الغربي. ومن الذين أخذ عنهم عبد الله سقط، وهو أحد رجال اللغة العربية والشريعة. وقد تولى سقط القضاء في العهد العثماني ثم في عهد الأمير، ثم أرسله الأمير في مهمة إلى المغرب ولكنه لم يرجع منها، وتوفي ودفن بمكناس. وقد رجع أبو حامد المشرفي إلى الجزائر مرتين، الأولى بعد خروج الأمير منها، أي 1265 (1848 - 1849)، أثناء مروره إلى الحج. أما المرة الثانية فكانت سنة 1294 (فبراير 1877) كما سبق (2).

4 -

زبدة التاريخ وزهرة الشماريخ، لمحمد بن الأعرج السليماني، وقد تعرضنا إليه في التاريخ العام. ولا نريد أن نذكر هنا سوى

= الخامس، العدد 13. ورقمه في الخزانة العامة هو ك 2659. وكذلك المنوني كتاب (المصادر العربية لتاريخ المغرب)، 2/ 91.

(1)

ابن أبي شنب مؤتمر المستشرقين 14، في المجلة الإفريقية، 1905.

(2)

بيريز، مرجع سابق، وكذلك علي أمقران السحنوني، مشروع تحقيق (طرس الأخبار) بتاريخ 16 إبريل 1983. انظر (أبحاث وآراء) ج 2.

ص: 407

الجزء الخاص بالجزائر. وهو الجزء الثاني من بين أربعة أجزاء، وقد سمى الجزء الذي يعنينا (تاريخ المغرب الأوسط). والسليماني واسع الاطلاع، وله ثقافة سياسية معاصرة، ويتمتع بعاطفة وطنية واضحة وشعور إسلامي فياض، وكان يعيش أيام أزمات المغرب مع الدول الأجنبية وتدخلات فرنسا في بلاده الأصلية وبلاده الثانية. وكل ذلك قد أثر فيه، فكتب عمله من وحي زمانه. ويبلغ الجزء الثاني، حسبما جاء في وصف المنوني له، 429 صفحة، وتوجد من الكتاب نسخة كاملة عند أسرة المؤلف، وقد اطلعنا منه على نسخة مصورة سنة 1973 في الخزانة العامة بالرباط (1). وأخذنا منها وصفا عاما، ومحتوى الكتاب، ولكن المعلومات ضاعت منا، ولم نستطع استدراكها.

5 -

اللسان المعرب، لابن الأعرج أيضا، وقد سبق الحديث عنه في التاريخ العام. ولكننا ننبه هنا إلى أن قسمه الثاني يتعلق أيضا بأخبار الجزائر (المغرب الأوسط) وما جرى لحكامها مع الدول الأجنبية. ويذكر المنوني أن نسخة من الكتاب توجد مخطوطة، وهي أوسع بكثير من النسخة المطبوعة، ومن ضمنها السفر الأول الذي ينتهي عند أخبار الأمير عبد القادر. ومعنى ذلك أن السفر الأول يتضمن أيضا أخبارا عن الجزائر، وأن هناك تشابها في خطة الكتاب مع (زبدة التاريخ). أما النسخ المخطوطة من اللسان المعرب فهي متعددة، ومنها ما هو على الشريط وما هو مخطوط عادي (2). ويقول ابن

(1) رقم د 3657. وذكر المنوني أنه توجد نسخة من السفر الثالث تشتمل على القسم الثاني، مع قطعة من القسم الثالث، في خ. س. رقم 170، وهي في 503 صفحات.

(2)

المنوني (المصادر العربية) 2/ 195 - 196. ويقول إن المخطوطة في خ. س. رقم 297 وتقع في 248 ورقة. وكذلك صورة على الشريط في الخزانة العامة، رقم 1836، وكذلك رقم 2265. وقد كتب ناصر الدين سعيدوني ترجمة قصيرة لابن الأعرج مع تعريف باللسان المعرب، وقال فيه ان القسم الثاني فقط هو الذي تعرض فيه إلى الجزائر (المغرب الأوسط). وذكر أن الكتاب صغير الحجم وأنه تلخيص لكتاب (زبدة التاريخ) لنفس المؤلف، وأن اللسان المعرب قد حققه عبد الله السليماني. الرباط 1977.

ص: 408

بكار إن ابن الأعرج قد ترجم للأمير عبد القادر في كتابه (اللسان المعرب)(1). ولكننا ما نزال في حاجة إلى وصف دقيق لكتابي ابن الأعرج ولا سيما ما يتعلق فيهما بتاريخ الجزائر.

6 -

تاريخ الجزائر في القديم والحديث للشيخ مبارك الميلي، يعتبر الأول من نوعه فيما نحن بصدده، وهو التاريخ للجزائر عامة وفي مختلف العصور وبطريقة جديدة. ولذلك فإن الكتاب وصاحبه يستحقان منا وقفة طويلة. ولنبدأ بحياة المؤلف.

ولد الشيخ محمد مبارك الميلي الهلالي في قرية أورمامن في الميلية حوالي 1898 (1896؟) وتيتم وهو في الرابعة من عمره (2). ولكن عائلة جده كفلته إلى أن بلغ العاشرة، وتقدم في حفظ القرآن على يد الشيخ أحمد بن الطاهر مزهود، وكان حفظه للقرآن في أولاد مبارك. وكان يرغب في مواصلة التعلم، ولكن أقاربه أرادوه على العمل معهم فيما هم فيه للمعاش مثل الفلاحة والرعي، وقد فعل ذلك على مضض مدة أربع سنوات، ولكنه لم ينقطع عن طموحه في التعلم، فهرب إلى زاوية الشيخ الحسين بسيدي خليفة، ثم أعاده أهله منها، ثم هرب مرة أخرى إلى مدرسة الشيخ محمد الميلي المعروف بابن معنصر فوجد فيها ضالته (3). واقتنع أهله برغبته في

(1) الهاشمي بن بكار (مجموع النسب)، ص 359.

(2)

ذكر سعد الدين بن أبي شنب (بعض المؤرخين العرب) في (المجلة الإفريقية) 1956، ص 480، هامش 25، أن الميلي من مواليد 1880.

(3)

حياة الشيخ معنصر بسطناها في فصل التعليم العربي/ الإسلامي. وقد أضاف محمد علي دبوز بعض المعلومات الهامة عنه نذكرها فيما يلي: فهو (المعنصر) من تلاميذ الشيخين المجاوي والونيسي. وأصله من جهة الأوراس. ولد حوالي 1870، ودخل المدرسة الكتانية فى قسنطينة، وسكن الزاوية التجانية، زاوية ابن نعمون سابقا، (مسجد ابن المطماطية). وبعد تخرجه دخل السلك القضائي. وقد أصبح عدلا في شلغوم العيد، ثم في ميلة نفسها. ونظرا لقلة الوظائف القضائية بعد الاعتداء على حقوق القضاء الإسلامي، عين مدرسا للعربية في إحدى المدارس الفرنسية. ثم ظهر له أن ينشئ جامعا ومدرسة سنة 1901 أصبحا مركزا هاما لجلب التلاميذ من ميلة =

ص: 409

العلم فتركوه يبلغ مراده. والمدرسة كانت أيضا جامعا، فيه يحفظ التلاميذ القرآن ويتلقون التربية والعلوم الإسلامية والعربية. وكانت المدرسة قد تأسست سنة 1901. وقد أظهر مبارك الميلي من صغره ونبوغه واستحق عناية أسرة بوصوف فتولت إطعامه والقيام بضروراته، وقد مكنوه من هذه الضرورات حتى بعد التحاقه بالزيتونة في تونس. كما تدخل كبير العائلة، مصطفى بوصوف، فأعفاه من الجندية الإجبارية في الجيش الفرنسي سنة 1916 إذ دفع عنه مالا، وقد ظل مبارك الميلي في مدرسة الشيخ معنصر بميلة ست سنوات (1912 - 1918)، ثم توجه إلى قسنطينة للتعلم على ابن باديس.

ولا ندري متى توجه الميلي إلى تونس لمواصلة دراسته، ولكننا نعرف أنه نال هناك شهادة التطويع (التحصيل)، ثم رجع إلى وطنه. وكانت تونس بعد الحرب العالمية الأولى تعيش حياة سياسية خصبة تتصارع فيها الاتجاهات الوطنية، وكان للصحافة فيها مجال واسع حيث أخبار المشرق والعالم أيضا. ومن جهة أخرى كانت الجزائر خلال العشرينات تعيش حركة نهضة نشيطة يقودها رجلان: الأمير خالد سياسيا وابن باديس دينيا وعلميا. وعندما رجع الميلي إلى الجزائر يبدو أنه عكف على التأليف أكثر من التدريس، رغم أنه كان شابا في الثلاثينات من عمره. فمتى ظهرت له فكرة وضع تأليف في التاريخ؟ هل في تونس وهو يقرأ مؤلفات بالعربية (وكان لا يعرف الفرنسية) تتحدث عن قرطاج والفينقيين وعن مؤلفات فيها أخبار الرومان والفتوحات الإسلامية؟ إنه كان كثير القراءة في كتب التراجم والتراث وكان يصطفي لنفسه من ذلك ما يصلح بميوله وطموحه. ولكن هل

= والقرى المجاورة. وتولى أيضا التدريس في الجامع الكبير هناك. وقسم تلاميذه إلى طبقات، وكان له مساعدون، منهم عبد الرحمن بن الطيب (ت. 1925). وكان ابن معنصر من مفسري القرآن في درس عام ابتداء من سنة 1918. وقد مات مطعونا سنة 1928 نتيجة فتوى أفتاها ضد من طلق زوجه ثلاثا. انظر دبوز (أعلام الإصلاح) 3/ 15 وما بعدها.

ص: 410

فكر منذئذ في وضع كتاب في التاريخ للجزائر كلها؟.

قبل أن نجيب على هذا التساؤل نذكر أن الدراسات الفرنسية لتطور الحياة في ميلة خلال العشرينات أظهرت أن إرهاصات ظهور شخص كالميلي بدأت منذ 1919. فقد كان تأثير عائلتين دينيتين كبيرا في ميلة. أولاهما عائلة الزواوي التابعة للطريقة الحنصالية (الرحمانية - خطأ كما جاء في النص). وكان مركزها هو روفاش، فكانت تتلقى الزيارات وتحظى برضى السلطات الفرنسية، ثم أخذت تتدهور، وكان على رأسها خلال العشرينات أخوان أصبحا يملكان السيارات ولهما ممتلكات عقارية كبيرة. وكان أحدهما متوليا لوظيفة قايد. أما العائلة الثانية ذات النفوذ فهي عائلة ابن الشيخ الحسين التي هرب الشيخ الميلي إلى زاويتها حوالي 1912. وكانت الزاوية في سيدي خليفة، وكان أعضاؤها لا يتحدثون الفرنسية، والعائلة غنية وتملك السيارات والأراضي التي تحرثها بوسائل عصرية. إن هذا الوضع الاجتماعي جعل المدينة مستعدة لتقبل صوت جديد يدعو إلى الاصلاح ولا سيما بعد موت ابن معنصر، سنة 1928.

ولكن الميلي لم يأت إلى ميلة مصلحا إلا بعد أن عاش في الأغواط حوالي سبع سنوات وطبع الجزء الأول من كتابه (تاريخ الجزائر) وشارك في تأسيس جمعية العلماء وأصبح من هيئتها الإدارية وذاع اسمه في الجزائر. ويذهب من كتب عنه من الفرنسيين أن التفكير في كتابة تاريخه بدأ وهو مدرس في الأغواط (1). وكلام الميلي نفسه في مقدمة الكتاب يوحي بذلك. ولكن الجزء الأول الذي ظهر سنة 1929 والذي يحتوي على مشروع كتاب شامل لمختلف العصور، لا بد أن يكون التفكير فيه قد بدأ قبل ذلك. وربما

(1) افريقية الفرنسية، انظر ملحقها AFS، سنة 1938، ص 32. وقد قالت إن الدراسة عن ميلة قام بها السيد نويل NOEL الذي كان مدرسا في ثانوية قسنطينة، وقد ذكرت المجلة أن الزواوي بميلة كان رحمانيا. والمعروف أنه حنصالي، انظر دراسة ج. نويل (التطور الديني في ميلة) في (المعلومات الكولونيالية) رقم 3 (مارس 1938) ص 32 - 34.

ص: 411

في تونس التي رجع منها حوالي 1927.

ومهما كان الأمر فإن الميلي بدأ نشاطه الاصلاحي والتأليفي في الأغواط. فهل اختار الأغواط من تلقاء نفسه أو وجهه إليها ابن باديس؟ ولقد تعرف الميلي هناك على مجموعة من الشباب اليقظ والمزدوج اللغة (1)، كما وجد فيه هذا الشباب الرجل المتنور الذي يعالج قضايا العصر بروح جديدة بعيدة عن الخرافات والأوهام. فقد كان (عقلانيا) في تناوله لقضايا المجتمع والدين، وذلك ما جعله أقرب إلى التاريخ من غيره من العلوم. وكانت المدرسة في الأغواط تشهد نشاطا غير عادي في عهده، مما جعل السلطة الفرنسية تخشى من تأثيره على الشباب والسكان عامة. فكلامه جرئ، والتلاميذ يتلقونه منه بحماس ولكن دون فهم، حسب العيون الفرنسية التي تبثها السلطات حوله، وكان الميلي مسموع الكلمة بينهم. وقد ذكر علي مراد أن الميلي اعتمد في الأغواط على عائلة جلول بن فرحات (وهو الخليفة) ومن أصول ريفية - بدوية، على أساس أن المذهب الاصلاحي الذي يدعو إليه لا يتعارض مع مصالح فرنسا، وقال إن الخليفة جلول دعمه لمصلحته أيضا لأنه كان في حاجة إلى دعم سمعته والظهور بحب الاصلاح، وتفادى الميلي التعامل مع عائلة ابن سالم التي كانت مرتبطة بالطريقة التجانية، وكانت هذه ضد الإصلاح (2). وكان ذلك الموقف ربما وراء أمر السلطات له بمغادرة البلاد بعد سع سنوات. فذهب أولا إلى بوسعادة، وقام فيها بنفس الدور. ولكن السلطات كانت له بالمرصاد واتهمته بالجرأة وأمرته أيضا بالخروج من بوسعادة. وتحت غطاء الحالة الصحية، رجع إلى ميلة وانتصب للتدريس والنشاط الأدبي والإصلاحي منذ حوالي 1933.

كانت جمعية العلماء عندئذ في الثالثة من عمرها وطريقة ابن باديس في

(1) ذكر منهم ثلاثة هم: عيسى الزهار (ترجمان) ومحمد التهامي (ترجمان) وعمر دهينة (مدرس ورسام). وقد شكرهم على مساعدته.

(2)

علي مراد (الإصلاح الإسلامي)، ص 91.

ص: 412

التعليم قد أثبتت جدارتها وفعاليتها. فقام الميلي في ميله بما كان يقوم به ابن باديس في قسنطينة من تعليم وتوجيه وفتح نواد، ومهاجمة الطرقية، والكتابات الصحفية. وبالإضافة إلى توليه أمانة المالية في جمعية العلماء، تولى الميلي جريدة البصائر منذ تخلى عنها العقبي حوالي سنة 1935. كما أن الجزء الثاني من تاريخه قد ظهر سنة 1933. ودخل في مصادمات مع المعارضين للإصلاح في ميلة. وقد وصفته المصالح الفرنسية بأنه كان يقدم تعليما حيا وواسعا، وأن تلاميذه في ميلة يحبونه، وأنه أنشأ النادي الإسلامي الذي أصبح يدعو منه إلى الإصلاح الاجتماعي وتعلم اللغة العربية، كما أسس جمعية حياة الشباب. ولكنه وجد معارضة من بعض الموظفين الرسميين وعلى رأسهم إمام الجامع المدعو بوفامة (بوفيمة؟) وكذلك شيوخ الطرق الصوفية (1). وقد اتهمت السلطات الفرنسية الميلي باستعمال (العنف) في خطابه على غرار ما كانت تفعله مع العقبى في العاصمة. وفي 1935 دعا الميلي إلى تأسيس مدرسة وجامع في ميلة وجمع لهما المال بالتبرعات، وأصبح مكانه هناك هو مكان الإبراهيمي في تلمسان والعقبي في العاصمة والتبسي في تبسة وابن باديس في قسنطينة.

وفي هذه الأثناء كان الميلي ينشر مقالاته عن الإصلاح الديني في البصائر، وهي المقالات التي نشرها بعد ذلك في كتاب بعنوان (رسالة الشرك ومظاهره) سنة 1356/ 1937. وقد تحدثت البصائر عن المرض (وهو السكر) الذي كان يعاني منه والذي أجبره على المعالجة في فرنسا. ولا نكاد نجد له نشاطا بعد توقف البصائر سنة 1939 وإلى وفاته في 9 فبراير 1945 (2). ورغم أن الجزء الثاني من تاريخه قد ظهر قبل هذا التاريخ بأكثر من عشر سنوات فإنه لم يواصل التأليف فيه ويخرج بقية الأجزاء. كما لا نعلم

(1) افريقية الفرنسية/ الملحق، 1938، ص 32.

(2)

ذهب علي مراد (الإصلاح الإسلامي)، ص 91 إلى أن الميلي قد تولى التدريس في الجامع الأخضر بقسنطينة بعد وفاة ابن باديس سنة 1940، وبقي كذلك إلى وفاته 1945.

ص: 413

أنه ألف عملا اجتماعيا آخر بعد رسالة الشرك، رغم قلمه الخصب وفكره النير، وميله إلى التأليف والنشر. فهل المرض هو الذي كان وراء ذلك؟ أو كانت الأوضاع السياسية هي التي أسكتته كما أسكتت عددا من زملائه أيضا، أو هناك أسباب شخصية لا نعلمها، كالعزوف الذي يحدث أحيانا لبعض النشطين؟.

صدر الجزء الأول من (تاريخ الجزائر في القديم والحديث) سنة 1347/ 1929 (1) وتم طبعه في قسنطينة العاصمة الثقافية عندئذ وحيث بدأت حركة الاحتجاج والعرائض منذ القرن الماضي، ومن ثمة الارتباط بالتاريخ والتراث والحركة الإصلاحية. وقد اتبع الميلي منهجا جديدا في المؤلفات العربية عن الجزائر وهي استعمال التبويب وتقنيات البحث الحديثة. من ذلك أنه جعل كتابه في كتابين (جزئين): الكتاب الأول ويضم مقدمات وثمانية أبواب (أو فصول) هي: جغرافية الجزائر، وقدماء الجزائريين في العصر الحجري، وأصول البربر وقبائلهم، والفنيقيون وأخبارهم، والبربر وملوكهم، وأحوال البربر مع الرومان، ثم الوندال والروم وعلاقاتهم بالبربر. أما الكتاب الثاني الذي خصصه للعصر العربي، فيضم ستة أبواب (فصول؟) هي: الفتح الإسلامي في افريقية (ويسميه الاستيلاء العربي)، وبه انتهى الكتاب (الجزء)(2) الأول. ويبدأ الجزء الثاني منه بالكتاب الثاني، ويضم ستة أبواب

(1) قسنطينة، المطبعة الإسلامية الجزائرية، وهو في 368 صفحة + 16 مقدمات. ونشر الثاني في نفس المكان والمطبعة في 1350/ 1932 وهو في 444 صفحة. وحقوق الطبع كانت له. وظهر اسمه عليه هكذا: مبارك بن محمد الهلالي الميلي. وأعلن عنه قبل صدوره، مثلا عن طريق (تقويم الأخلاق) لمحمد بن العابد الجلالي، 1927، ص 176، إذ جاء فيه عن الميلي أنه النطاسي الخبير والمؤرخ الكبير، وأن الكتاب متميز بالخرائط والرسوم الأثرية، الخ. عن مصادر حياة الميلي انظر مقالة سعد الدين بن أبي شنب، مرجع سابق.

(2)

انظر الجزء الأول. وقد نوهت الصحف والنوادي وابن باديس وغيره من رجال الإصلاح والسياسيون والوطنيون بظهور الجزء الأول من تاريخ الجزائر. وقرظه ابن باديس، وأقيمت للمؤلف حفلة في قسنطينة، وقد ذكرنا تنويه الجلالي بالكتاب عشية =

ص: 414

هي: تكوين الدولة الرستمية، ثم دول أخرى كانت لها علاقات بالجزائر هي: الأدارسة والأغالبة والفاطميون - العبيديون، ثم الحديث عن بني هلال (وهو منهم) وهجرتهم.

وقد ضم الجزء الثاني أيضا الكتاب الثالث وهو في العصر البربري، وتناول فيه ثمانية أبواب هي: بقية الفتوحات، والدول الإسلامية المتوالية إلى أن وصل إلى بني زيان والقرن 16. وهكذا لم يدرس الميلي العهد العثماني رغم طوله، ولا الاحتلال الفرنسي. فهل اعتبر هذين العهدين من حكم (الأجانب)؟ وقد رأى ابن أبي شنب أن عبارة (الحديث) الواردة في العنوان تتوقف عند القرن 16. والواقع أن المؤلف كان سيواصل مشروعه إلى أن يصل إلى العصر الحاضر الحقيقي لولا عوائق غير معروفة، وقد تساءلنا حولها فيما مضى. ولا شك أن مفهوم (الحديث) كان غير غائب عنه. وفي بداية الجزء الثاني أورد الميلي تنويه الأمير شكيب أرسلان بالجزء الأول إذ عبر أرسلان عن إعجابه الكبير به. (وأما تاريخ الجزائر فوالله ما كنت أظن أن في الجزائر من يفري هذا الفري، وقد أعجبت به كثيرا)(1). وفي آخر الجزء الأول أورد الميلي رسالة أستاذه عبد الحميد بن باديس في التنويه بالكتاب واقترح عليه تسميته (حياة الجزائر)، واعتبره (أول كتاب صور الجزائر في لغة الضاد صورة تامة سوية).

وكانت خطة الكتاب المعلنة في الجزء الأول هي اشتماله على أربعة كتب: وهي الثلاثة التي ذكرناها، أما الكتاب الرابع الذي لم يظهر فهو (في مصير أمر الجزائر إلى الأجانب وأحوالها في هذا الدور). ونفهم من ذلك أنه يعتبر الحكم العثماني أجنبيا. وهو يسمى العهود التاريخية أو الحقب بالأدوار. وكان يعرف أنه يؤلف أثناء حكم الأجانب (الفرنسيين)، ولذلك

= صدوره، ونوه به الشيخ أحمد توفيق المدني في (تقويم المنصور) السنة 5. 1348 (1929) ص 314 - 315. وقد حث المدني على إقامة الحفلات تنويها بالمؤلف.

(1)

من رسالة كتبها شكيب أرسلان إلى صديقه الطيب العقبي بعد اتصاله بنسخة من الجزء الأول.

ص: 415

قال إنه يوجه كتابه إلى من يعتبرون ويتبصرون، ويطلب الرجاء بدل البقاء في اليأس. وكان غرضه الحث على العمل من أجل الوطن وسعادته، وهو كمصلح كان غير يائس ولا منتظر لنتائج عاجلة. ولكنه عبر عن أمانيه (1). وقد أهدى كتابه إلى الشعب الجزائري وشبابه والعاملين من أجله. وعبارة (الشعب الجزائري) نفسها جديدة عندئذ، فهي لا تعني عنده المفهوم الفرنسي الذي يعني المسلمين والأوروبيين ولكنه يعني الجزائريين الذين يسميهم الفرنسيون عندئذ الأهالي أو المسلمين. ولذلك اعتبر عمله (بلاغ للشبيبة عن وطنيتهم)، وقد سبق تعريفه للتاريخ وأهميته للأمم والشعوب. فالميلي يتحدث عن التاريخ الوطني والشعب الجزائري الموحد بالتراث والأرض والحركات السياسية والفكرية الماضية والآمال القادمة، وهو يعتبر الفرنسيين (أجانب) سواء كانوا مدنيين أو عسكريين.

إن الجدة في كتابة الميلي للتاريخ تظهر في عدة أمور، منها المنهج الحديث والتوجيه السياسي، واستعمال المصادر العربية ونقدها، واستعمال المصادر الأجنبية - الفرنسية - عن طريق الترجمة، واستخدام التقنيات مثل الخرائط والرسوم. والرد على نظريات المؤرخين الفرنسيين ومناقشة آرائهم دون إظهار التحيز لذاته. ونبه إلى ضرورة الابتعاد عن كتب الخرافات وتصديق كل ما جاء في الكتب القديمة، ودافع عن كون الإسلام نظاما حضاريا متكاملا، وركز على دور الشعب في التاريخ ولم يهتم كثيرا بالملوك والأعيان. ومن مراجعه الفرنسية (وعددها إثنا عشر مرجعا) بارجيس وقزال وقوتييه وميرسييه ومرمول، وفيرو. كما أنه رجع إلى الكتب العربية الكلاسيكية (وجملتها 56 مرجعا) منها قرطاجنة في أربعة عصور للمدني، والأزهار الرياضية للباروني، وموجز التاريخ العام لعثمان الكعاك. ومن رأيه أن الاستعمار الروماني فشل في بلاد المغرب وكذلك الاستعمار الفرنسي (ولكن هذا الرأي غير معلن). ولكن الميلي لم يستطع أن يتخلص

(1) انظر مقدمة الجزء الأول من تاريخ الجزائر للميلي.

ص: 416

من ثقافته، مع ذلك، فالنقول كثيرة، واستخدام أسلوب الرواية متوفر بكثرة، والاستشهاد بالشعر. وإذا كان في الجزء الأول قد استخدم الهوامش فإنه استغنى عنها تماما في الجزء الثاني. غير أنه في هذا الجزء استعمل فهارس الرجال والنساء وأسماء المدن. واشتمل الكتاب على الأحداث السياسية والتطورات الاجتماعية والاقتصادية، ولكنه اشتمل أيضا على التراث الحضاري للشعب من نظم وأدب ولغة وعقائد (1).

ورغم أن تاريخ الميلي لم يصل إلى الزمن (الحاضر)، فإنه وضع المؤشرات له، وذلك بخطابه للشعب وحكمه على الاستعمار الروماني وغيره من الاستعمارات (الأجنبية)، ووضع خطة للتنويه بالآثار الحضارية للجزائريين عبر العصور، وحسبه، كما قال، تنبيه الغافلين ودعوة الشباب والعاملين إلى مواصلة الجهد، رغم أنه لم يكن ينتظر النتائج السريعة.

7 -

والحديث عن الميلي يؤدي إلى الحديث عن أحمد توفيق المدني وكتابه المعروف كتاب الجزائر. فقد كانت بينهما علاقات ثقافية، ولعلهما التقيا في تونس قبل أن يتعارفا في الجزائر. والمدني قد ساعد الميلي في الترجمة من بعض النصوص الفرنسية. وقد رأيا أن المدني قد نوه بصدور الجزء الأول من تاريخ الميلي ودعا إلى الاحتفاء بصاحبه. كما أن الميلي قد شكر المدني على مساعدته وسماه (صديقي). ولعل عدم إقدام الميلي على معالجة (الحاضر) هو الذي جعل المدني يتولى ذلك ويركز على العهد الفرنسي أكثر من العهود السابقة له، وأن يجعل (كتاب الجزائر) نوعا من كتاب الجيب لتاريخ الجزائر في العهد الفرنسي إلى 1930. وكلا الرجلين كان مهتما بالتاريخ، ولا سيما تاريخ المغرب العربي القديم، فهما يلتقيان في عدة أصعدة.

(1) ابن أبي شنب، مرجع سابق، 482 - 486. انظر ديبارمي (افريقية الفرنسية). وبعد الاستقلال أكمل ابنه، محمد إبراهيمي الميلي، مشروع والده فأصدر الجزء الثالث. ولكن الدارس المتأنى يرى الفرق بين العملين رغم أن الخطة ربما أصلية.

ص: 417

وحياة المدني أصبحت معروفة بعد نشره لمذكراته (حياة كفاح)، ولكن جوانب أخرى منها ما تزال غير معروفة وهي متروكة للباحثين في تراجم الرجال وعلاقة ذلك بالعصر وأهله. ونحن نعلم أن المدني كان كثير التمجيد لنفسه ومواقفه وإبراز شخصيته أثناء وجوده في معترك الحياة مع جمعية العلماء ومع جبهة التحرير الوطني. وكانت حياته حقا نموذجا للرجل المكافح منذ الشباب المبكر. لقد ولد في تونس آخر القرن الماضي (1899) في عهد خصب بالنشاط العلمي والسياسي شهد ميلاد المدرسة الخلدونية وازدهار الصادقية، وإصلاحات جامع الزيتونة المعمور. وكان الصراع اللغوي في تونس يختلف عنه في الجزائر، فقد كانت النخبة التونسية غالبا مزدوجة اللغة، وإذا كانت واحدية اللغة فإنها لم تكن منغلقة على نفسها، وقد أدى الصراع اللغوي إلى انفتاح سياسي أيضا، وكان ذلك في عدة اتجاهات: وطني محلي، ووطني عثماني، ووطني متفرنس. وقد تخرج المدني من الزيتونة والخلدونية، وشارك في الصحافة والسياسة والحياة الحزبية، ولكن ذلك قد جلب عليه نقمة الإدارة الفرنسية فنفته إلى موطن آبائه وأجداده، الجزائر، سنة 1925.

ومنذ هذا التاريخ أصبح المدني مؤثرا في الحياة الجزائرية. وكان قبل انضمامه الرسمي لجمعية العلماء في أوائل الخمسينات، قد شارك في تنشيط العمل الثقافي والصحفي والتأليف. في المجال الأول ساهم في تأسيس نادي الترقي بالعاصمة وإنشاء بعض المدارس الحرة، وفي المجال الثاني شارك بمقالاته الصحفية في الشهاب وغيرها عن أحداث المغرب العربي والسياسة العالمية والعربية، وفي المجال الثالث وجدناه قد أصدر عدة مؤلفات خلال العشرينات والثلاثينات، منها قرطاجنة، وتقويم المنصور، وكتاب الجزائر، ومحمد عثمان باشا، الخ. وأثناء الحرب العالمية الثانية ساهم أيضا في تحرير جريدة الإصلاح للعقبي، وكان من الأعيان الذين تفاعلوا مع الحلفاء ولهم رأي في بيان 1943. وبعد الحرب أصبح من محرري جريدة البصائر، لا سيما باب السياسة العالمية، ثم أمينا، عاما للجمعية، وفي غياب الشيخ

ص: 418

الإبراهيمي، رئيسها، أصبح المدني هو رئيس تحرير البصائر، وقد حرر فيها مقالات افتتاحية هامة أثناء الثورة. وحين توقفت البصائر وأعلنت الجمعية انضمامها إلى جبهة التحرير، 1956، التحق المدني بالقاهرة وأصبح عضوا بارزا في جهة التحرير، خطيبا وداعية، ومؤلفا ووزيرا. وممثلا للجزائر في الجامعة العربية. أما في المجال العلمي فقد انتخب عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وتولى تنشيط المركز الوطني للدراسات التاريخية، ونشر عدة كتب في التاريخ. وقد توفي في 18 أكتوبر، سنة 1983 (1).

وللمدني مؤلفات عديدة معظمها في التاريخ العام للمغرب العربي (شمال افريقية) والجزائر خاصة. فكتابه:

1 -

(المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا) داخل إلى حد كبير في تاريخ المغرب العربي. يضاف إلى ذلك:

2 -

مسرحية حنبعل الأدبية - التاريخية. وكل كتبه نشرت وهو في الجزائر إلا ثلاثة منها، وهي:

1 -

تونس وجمعية الأمم، 1923، وهو مترجم إلى الفرنسية، ويعتبر من كتب الدعاية للقضية الوطنية التونسية.

2 -

والحرية ثمرة الجهاد، وهو عن نضال إيرلندا ضد الإنكليز، تونس 1923.

3 -

الأجزاء الثلاثة الأولى من تقويم المنصور.

أما الكتب التي أصدرها وهو في الجزائر فنذكرها حسب تواريخها، وهي جميعا في تاريخ الجزائر وجغرافيتها إلا ما يظهر من عنوانه أنه خارج عنها أو متصل بها من بعيد مثل حنبعل، وقرطاجنة، وصقلية. وقبل أن نذكر هذه المؤلفات ونتحدث عن بعضها نذكر أن المدني كان يغتنم الفرصة ويعبر

(1) عن حياته الأولى انظر مذكراته، وكذلك سعد الدين بن شنب (بعض المؤرخين العرب) في (المجلة الإفريقية)، 1956، ص 486، هامش 69.

ص: 419

عن رأيه الخاص في التاريخ الوطني حتى في الكتب التي تبدو بعيدة عن موضوع الجزائر بعناوينها. ذلك أن أطروحته الرئيسية هي التوجيه السياسي للشباب وبعث الوطنية التي يسميها (الملية)، في نفوسهم والدعوة إلى التحرر من الاستعمار الحديث بإدانة الاستعمار القديم (الروماني)، وإظهار شخصية بلاد المغرب المزيجة من البربر والعرب، وإبراز علاقاتهم بالمشرق قديما وحديثا. وهذه الأطروحة مكررة في معظم كتابات الشيخ المدني. وكان شعاره هو: الإسلام ديني، والعربية لغتي، والجزائر وطني. وهو الشعار الذي أصبح على لسان الحركة الإصلاحية، ولا ندري من تفون به أولا. وإليك الآن قائمة كتبه التي ألفها في الجزائر حسب تواريخ ظهورها:

1 -

الجزآن الرابع والخامس من تقويم المنصور 1926، 1929 (1).

2 -

تاريخ شمال إفريقية أو قرطاجنة في أربعة عصور، تونس 1927. وقد استعمل فيه الخرائط والصور، ووضع رسومه الفنان عمر راسم، وتأثر به الشيخ الميلي حسب رواية سعد الدين بن شنب، وهو على كل حال من بين مراجعه، كما لاحظنا.

3 -

كتاب الجزائر، الجزائر، 1932، وهو من وحي الاحتفال بالاحتلال سنة 1930 ونبش الجروح من قبل المستعمرين. وسنتحدث عنه بعد قليل.

4 -

محمد عثمان باشا وخلاصة تاريخ الأتراك بالجزائر، الجزائر 1938. وهو عن حياة أطول الدايات عهدا، وحكما، وربما أصلحهم. وقد أعيد طبعه بعد الاستقلال.

5 -

جغرافية القطر الجزائري، الجزائر 1948. وهو الأول من نوعه بالعربية، وكان موجها إلى طلبة المدارس التي تشرف عليها جمعية العلماء.

(1) طبع منه في تونس 1922، 1923، 1924، وهو تقويم شمل أبوابا في الأدب والتاريخ والسياسة والجغرافية والفنون، بالإضافة إلى الإحصاءات والأحداث.

ص: 420

وقد سد فراغا كبيرا، وربط فيه بين التاريخ والجغرافية وملأه بالمشاعر السياسية الوطنية، وطبع أيضا سنة 1952، 1964.

6 -

المسلمون في جزيرة صقلية وجنوب إيطاليا، الجزائر، 1946.

7 -

حنبعل (مسرحية)، الجزائر، 1950.

8 -

هذه هي الجزائر، القاهرة، 1957، وهو تعريف بتاريخ الجزائر وثورتها، وهو من كتب الدعاية السياسية والإعلامية في وقته.

9 -

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وأسبانيا، الجزائر 1968. وقد أعيد طبع هذا الكتاب عدة مرات (1).

10 -

مذكرات الشريف الزهار (تحقيق)، الجزائر، 1974. وقد أعيد طبعه. والزهار هذا من عائلة نقيب الأشراف في بداية الاحتلال.

11 -

حياة كفاح (مذكرات)، وهو في ثلاثة أجزاء، صدرت بتواريخ مختلفة. كما انتهى من الجزء الرابع وقدمه للنشر ولكن الرقابة رفضت نشره عندئذ.

12 -

رد أديب على حملة الأكاذيب، قدمه للنشر، ولم ينشر. وهو كتاب موثق في الرد على من هاجموه بعد صدور مذكراته.

ومن ثمة ترى الطابع التاريخي لمؤلفات أحمد توفيق المدني، فهو سياسي ومؤرخ وأديب وصحفي. وقد مارس الجميع بدرجات متفاوتة إلى آخر حياته، رغم أن الأدب عنده اختلط بالمواد الأخرى، ولكنه ظهر على أسلوبه المتميز وفي بعض أشعاره. ولا يمكننا الآن أن نكتب عن كل مؤلف له عالج فيه التاريخ، وحسبنا هنا بعض ما نحن بصدده، وهو تاريخ الجزائر العام. وذلك يظهر في كتاب الجزائر.

بعد صدور كتاب الجزائر سنة 1932، راجعه جوزيف ديبارمي وحكم

(1) راجعنا هذا الكتاب في (المجاهد الثقافي) عدد 8، 1969. ثم نشرت المراجعة في كتابنا (أبحاث وآراء) 1/ 347 - 350، ط. 3، بيروت، 1990.

ص: 421

بأنه كتاب ألفه صاحبه بهدف سياسي وطني (1). ولا يمكن أن يكون (كتاب الجزائر) غير ذلك. والواقع أن هذا الكتاب لم يكن تاريخا حين صدر، فقد كان شاملا لمواضيع عديدة معاصرة مثل النظام الإداري والقضائي، والمحاكم، والحالة الاقتصادية والاجتماعية، وأبرز المدن وعدد سكانها، والحياة التعليمية، وواقع الصحف والنوادي، وما إلى ذلك. أما الجانب التاريخي في الكتاب فضئيل جدا، وهو حسب ابن شنب لا يعدو ربع الكتاب. والمقصود بالجانب التاريخي هو ذكر الدول الماضية ومددها وحضارتها ودور الجزائريين عبر التاريخ وأبرز القبائل التي استوطنت الجزائر من بربر وعرب. إن كتاب المدني يشبه إلى حد كبير كتاب المرآة لحمدان خوجة. وكانت معرفة المدني بالفرنسية قد ساعدته على معرفة تاريخ الجزائر المكتوب بأقلام فرنسية أيضا، ولا سيما فترة الاستعمار التي انعدم فيها التأليف والنشر قبله تقريبا. وهكذا رجع إلى المؤلفات والوثائق الفرنسية التي تتناول الموضوعات المشار إليها وصاغ منها كتابا فيه جزء من التاريخ ولكنه كتاب موجه ومستوحى من احتفال الفرنسيين بالاحتلال (بدأت الاستعدادات للاحتفال سنة 1927). وقد أصبح الكتاب مرجعا هاما للدارسين والمطالعين، ومن الذين رجعوا إليه ونوهوا به الأمير شكيب أرسلان في حاضر العالم الإسلامي.

أما الجانب السياسي للكتاب فيظهر من اعتماد المدني على بعض الآراء الفرنسية التي تقول بإنصاف الأهالي. ويذهب ابن شنب إلى أن المدني قد اعتمد على نصوص ووثائق فرنسية من بينها كتاب موريس فيوليت: (هل ستعيش الجزائر؟) واشتمل كتاب الجزائر أيضا على إحصاءات مرجعها الوثائق الفرنسية. ولكن لغته وأسلوبه وعاطفته كلها في صالح الهوية العربية - الإسلامية للجزائر، وهو يقف ضد الاندماج، ويقف إلى جانب ابن باديس في دعوته إلى المساواة بين الفرنسيين والجزائريين. وأبرز المدني أيضا أن

(1) ديبارمي، إفريقية الفرنسية، 1933، ص 387 - 392.

ص: 422

الإنسان العربي قد استيقظ بعد 1930، بل منذ الحرب العالمية الأولى. وكان المدني من دعاة التجديد، فقد تحدث عن التعليم والمرأة والصحافة والشباب، وحث على تكوين المدارس والتخرج في المهن واتقان الفلاحة والتجارة، وانتقد المدارس الثلاث الرسمية لتقاعسها، وبعض الطرق الصوفية لتخاذلها، كما انتقد الإدارة الاستعمارية، ولكن بشيء من الاعتدال غير متوقع في تلك المرحلة. فكتابه يكاد يكون محايدا (1).

8 -

ظهر لعبد الرحمن الجيلالي تاريخ الجزائر العام أوائل الخمسينات (1953)، وهو في جزئين. وقد تناول التاريخ من أقدم العصور إلى العهد العثماني. وكان، دافعه أيضا وطنيا. فقد أهداه إلى عقبة بن نافع، ووجهه إلى الشباب. وكان ذلك رمزا لربط الحاضر بالماضي. فعقبة رمز للفتح الإسلامي، والشباب رمز اليقظة والوطنية. وكان هدف المؤلف أن يقتدي الجيل الجديد بأجدادهم، ولا ينغمسوا في الحضارة الأجنبية وينسوا ماضيهم، وتدل ثقافة الجيلالي على هذا الوجه.

فقد ولد سنة 1906، بالجزائر، ودرس على عدة شيوخ في المساجد والزوايا، ومنهم عبد الحليم بن سماية الذي كان من منتقدي النظام الاستعماري رغم أنه كان أستاذا في إحدى المدارس الرسمية، كما تتلمذ الجيلالي على الشيخ المولود الزريبي الأزهري الذي كان مصلحا ثائرا، وكان (الزريبي) قد تخرج من الأزهر وعاد إلى الجزائر ليدعو إلى النهضة والإصلاح ولكنه واجه العقوق والركود (2). كما درس الجيلالي على الشيخ الحفناوي صاحب (تعريف الخلف)، الذي كان من رجال الدين الرسميين ومن الصحفيين الذين عملوا في جريدة المبشر الرسمية طويلا. ودرس

(1) سعد الدين بن شنب، مرجع سابق، ص 491 - 495. انتهى ابن شنب إلى أن الميلي والمدني يلتقيان في إظهار شخصية البربري والعربي عبر التاريخ على أنها شخصية لا تذوب في الغير، وأن هؤلاء القوم يقطنون المنطقة منذ القديم وبينهما علاقات راسخة تجعلهم شعبا واحدا.

(2)

خصصنا له دراسة منفردة.

ص: 423

الجيلالي على الشيخ محمد بن أبي شنب أيضا. ومهما كان الأمر فإن ثقافة الجيلالي كانت عصامية، وشملت التعمق في القرآن والحديث والأدب والتاريخ والفقه. وقد تولى التدريس بدوره في مدرسة الشبيبة الإسلامية أثناء إدارة الشاعر محمد العيد لها خلال الثلاثينات. ولم يكن نشاطه بارزا. لولا بعض المقالات القليلة في الشهاب، وكتابه في ذكرى محمد بن أبي شب (1)، لما سمعنا بإنتاجه قبل كتابه الذي نحن بصدده.

صدر من تاريخ الجزائر العام جزآن. وقد ركز في الأول على تعريف التاريخ وعلاقته بالقومية، وخصص جزءا ضئيلا منه لتاريخ الجزائر قبل الفتح الإسلامي، ثم توسع في التاريخ منذ الفتح. ورجع إلى عدة مراجع، منها العربي وهو الغالب (61 مرجعا) واعتمد على بعض المخطوطات. وبناء على رأي سعد الدين بن شنب، فإن الجيلالي لا يعرف الفرنسية إلا قليلا، ولذلك اعتمد على التراجمة فيما أخذه منها (2). وهو في هذا يلتقي مع الميلي، كما يلتقي معه ومع المدني في الرؤية الوطنية للتاريخ وتوظيفه لخدمة الشباب والجيل الجديد عموما وضرورة بعث التاريخ لخدمة الحاضر. ويمتاز تاريخ الجيلالي بالتبويب المحكم وترتيب الأدوار التاريخية وذكر جداول الدول وتراجم بعض المشاهير. وقد دعا أيضا إلى المحافظة على الهوية الوطنية واحترام الأجداد والارتباط بالدين والوطن. وشمل تاريخه أيضا ذكر الأسباب

(1) الجيلالي (ذكرى الدكتور محمد بن أبي شنب)، الجزائر 1932، وقد أعيد طبعه حديثا. وله من الكتب المطبوعة أيضا المولد والهجرة (1949)، وتاريخ المدن الثلاث، وحول سكة الأمير عبد القادر، وكلاهما بعد الاستقلال.

(2)

سعد الدين بن شنب (بعض المؤرخين العرب) في (المجلة الإفريقية) 1956، ص 495 - 498. وكان الطالب الصادق دحاش كتب مذكرة للماجستير تحت إشرافي عن الشيخ الجيلالي، وجاء في مذكرته أن الجيلالي قد درس في المساجد الآتية بالعاصمة: الكبير والجديد وسيدي رمضان والسفير (صفر) وكذلك في مدرسة الإحسان ومدرسة الهداية، ومن تأليفه المخطوطة: فن التصوير والرسم عبر العصور الإسلامية، والمستشرقون الفرنسيون والحضارة الإسلامية، وفنون الطلاسم، والربع المجيب. من مذكرة الطالب المذكور لسنة 1992 بالجزائر.

ص: 424