الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا شك أن معهد باستور والمراكز الطبية والإدارات الخاصة بالصحة قد أصدرت نشرات وإعلانات حول طرق حفظ الصحة، خلال الحربين. ولكن التقدم الطبي بين الجزائريين ظل ضعيفا جدا. وكان عدد المتخرجين ضئيلا أيضا. فمهما صدرت البلاغات والنشرات فإنها لن تكون مفيدة إذا لم تكن موجهة إلى جمهور قارئ ومتفتح الذهن ومستعدا لتطبيق الإرشادات.
12 -
الإرشادات الطبية في الأمراض الجلدية: من تأليف أبي سعيد عدون بن بكير سنة (؟). وقد نوه الشيخ أحمد توفيق المدني بهذا المؤلف، وقال عنه إنه (من رجال المستقبل في العلم والعمل)(1)، ونحن نفهم أن السيد عدون بن بكير كان من رجال الطب وأنه كان ما يزال شابا.
بعض التراجم
بالإضافة إلى ذلك نذكر أن عددا من الأطباء قد برزوا في الميدان، وكانت لهم أطروحاتهم ومشاركاتهم في التأليف والنشر. ومن هؤلاء: الطيب مرسلي، وقدور بن العربي، وبلقاسم بن التهامي، وعلي بوضربة، والدكتور موسى (قسنطينة)، وزروق بن أحمد بن بريهمات، ومحمد الصالح بن جلول، والشريف سعدان، وربما عدون بن بكير أيضا.
وقد جاء في ترجمة بلقاسم بن التهامي أنه ألف عدة كتب بالاشتراك مع أساتذة المدرسة الطبية العليا (كلية فيما بعد) بالجزائر. وذكرت بعض المصادر أن زروق بريهمات قد نشر سلسلة من المقالات حول الصحة العامة للعائلات الأهلية في جيدة كوكب افريقية (2) سنة 1908 وأنه كان من
= هؤلاء سوى الهباء المنثور، لا في ميدان الصحة ولا في غيرها. وقد أصبح حالهم يرثى له، كما أصبحوا في مجموعهم من الانتهازيين الدخلاء على المهنة. انظر الحركة الوطنية، ج 1.
(1)
أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر) ص 94.
(2)
مجلة العالم الإسلامي، إبريل 1909، ص 444.
المدرسين في علم الصحة بالمدرسة الثعالبية. وكان مرسلي يفعل نفس الشيء في المدرسة الكتانية بقسنطينة.
وقد اشتغل عدد من الأطباء الجزائريين بالسياسة، ابتداء من الطيب مرسلي الذي كتب (مساهمة في المسألة الأهلية) سنة 1892 عشية زيارة لجنة التحقيق الفرنسية للجزائر. وقد استمر على ذلك المنوال فترة من الزمن. وكان ابن التهامي كذلك قد دخل ميدان السياسة والمطالبة بالحقوق والمساواة من الفرنسيين، ثم وجدناه سنة 1912 على رأس الوفد الجزائري الذي زار باريس مطالبا بتعويض الخدمة العسكرية الإلزامية بالحقوق السياسية، ومنها المساواة، ثم أسس بعد الحرب جريدة (التقدم) وعارض الأمير خالد سياسيا. وأصبح محمد الصالح بن جلول من زعماء السياسة في قسنطينة حيث رأس (هيئة النواب) ثم أصبح على رأس المؤتمر الإسلامي سنة 1936، وأسس حزبا باسم التجمع الفرنسي - الإسلامي، إلى أن أفل نجمه سياسيا منذ الحرب العالمية الثانية. وكان الشريف سعدان من أقطاب السياسة في بسكرة والجنوب منذ الثلاثينات، ثم دخل في حزب البيان سنة 1946. وقد انضم الأمين دباغين إلى حزب الشعب. وهكذا كان الأطباء الجزائريون في الصفوف الأولى للعمل السياسي منذ بدأ الحديث عن المسألة الأهلية في أعقاب القرن الماضي.
وكان بعض الأطباء نوابا في البلديات ومجالس الولايات. فهذا علي بوضربة كان نائبا في مجلس بلدية العاصمة قبل وفاته سنة 1907 عن 43 سنة. وكان محمد بن العربي (الذي ستحدث عنه) أيضا نائبا في نفس البلدية.
والملاحظ أن بعض الأطباء عملوا خارج الجزائر أيضا. فهذا قدور بن العربي (أخو محمد المذكور) سبق له العمل طبيبا في بلاط بآيات تونس فترة. وقد ذكره أخوه في أطروحته وكذلك ذكره ابن العابد في (تقويم الأخلاق)(1).
ومعظم هؤلاء الأطباء كانوا متجنسين بالجنسية الفرنسية، أي أنهم
(1) محمد بن العابد الجلالي (تقويم الأخلاق) الجزائر، 1927، ص 59.
دخلوا تحت طائلة القانون الفرنسي، وتخلوا عن أحكام الشريعة الإسلامية استجابة لقانون 1865، كما أنهم كانوا في الغالب متزوجين بفرنسيات. ومن هؤلاء الطيب مرسلي وعلي بوضربة، وابن التهامي والشريف سعدان. وكان بعضهم عضوا في الجمعية الماسونية، مثل ابن التهامي، وكانوا جميعا تقريبا يؤمنون بالاندماج.
وفي ميدان الصيدلة تخرج عدد قليل من الجزائريين أيضا. والمتتبع لسيرة زعماء الاندماجيين سيجد هذه الأسماء من الصيادلة: علاوة بن جلول وحفيظ (حفيز) بومدين، ومحمد حميدوش وفرحات عباس. وكان بعضهم أيضا أعضاء في الجمعية المهنية والسياسية والتاريخية، مثل زروق بريهمات وولعة بلقاسم.
ومن الجلو بالذكر أن أوائل الأطباء في عهد الاحتلال كانوا من أبناء الجزائريين الذين تولوا الوظائف لدى الفرنسيين، وهم الذين فرض عليهم الفرنسيون تقديم أولادهم إلى المدارس الفرنسية عندما كان الجزائريون الآخرون نافرين منها. وهكذا وجدنا أوائل الأطباء كانوا في الواقع من أبناء القياد وجنود الصبائحية والقضاة. وقد ذكرنا أن مدرسة الطب قد تأسست في الجزائر سنة 1857. فلنا إذن أن نتصور أن أوائل الدفعات كانت خلال السبعينات، ولكننا مع ذلك لا نعرف من تخرج من الجزائريين قبل الثمانينات. فربما لم يتمكن أي جزائري من الوصول إلى شهادة دكتوراه قبل محمد بن العربي. أما الآخرون فكانوا يتوقفون في منتصف الطريق، أو لا يسمح لهم بالمواصلة فيكتفون بوظائف بسيطة في ميدان الطب والتمريض، وسنعرف من تاريخ مدرسة الطب أنها كانت أيضا متعثرة إلى بداية الثمانينات.
1 -
محمد بن العربي: ولد في شرشال سنة 1850، وأسرته أندلسية الأصل. وكان والده من أنصار الاستفادة من الحضارة الغربية. ولا ندري إن كان والده من الموظفين في الإدارة، والغالب أنه كان كذلك. وقد وجه أبناءه
إلى التعليم الديني - العربي والتعليم الفرنسي. فتخرج ثلاثة منهم متعلمين بالفرنسية، فكان قدور ومحمد طبيبين وكان ثالثهم مترجما عسكريا، في الجيش الفرنسي. وقد ذكرنا أن قدور أصبح طبيبا لبايات تونس، وربما كان ذلك قبل احتلالها سنة 1881.
درس محمد بن العربي في شرشال إلى بلوغه العاشرة، ثم انتقل إلى مدارس العاصمة حيث أصبح يسكن ويدرس، وتدرج في ذلك من المتوسط إلى الثانوي إلى العالي. ومن مدرسة الطب العليا بالجزائر توجه إلى جامعة باريس (السوربون) وبقي بها إلى أن حصل على الدكتوراه في الطب سنة 1884، كما ذكرنا. والمعروف أن جميع الشهادات كانت لا تمنح إلا من فرنسا حتى لفرنسيي الجزائر، إلى أن تأسست جامعة الجزائر سنة 1909. وكان ابن العربي قد درس من اللغات اليونانية واللاتينية أيضا، حسب متطلبات منهج الدراسة عندئذ. وكان له أصدقاء من الفرنسيين في باريس وغيرها، ومنهم الشاعر فيكتور هيغو الذي حضر مناقشة الأطروحة. وقد ذكر ابن العربي نفسه عددا منهم في أطروحته، فبالإضافة إلى هيغو، ذكر وقرسلي (وزير الحربية) والمستشرق شيربونو الذي اشتغل في قسنطينة وفي الجزائر بالتدريس والبحث قبل أن يتحول إلى مدرسة اللغات الشرقية في باريس. ومنهم أيضا لاتيلي، وبيرتيراند، وتيكسييه (1)، وماشويل الذي كان معلما مستعربا في الجزائر ثم أصبح مديرا لشؤون التعليم في تونس بعد احتلالها، وغيرهم (2).
(1) كان تيكسييه مديرا لمدرسة الطب بالجزائر. بيرتيراند هو صاحب الدراسات العديدة عن الطب الأهلي في الجزائر. انظر كتابه المطبوع سنة 1855، سابقا.
(2)
انظر ترجمة (الطب العربي بعمالة الجزائر) تأليف محمد بن العربي وترجمة علي بوشوشة، تونس 1891. وقد بقيت لدينا هذه القائمة من الأسماء الجزائرية والفرنسية التي ذكرها ابن العربي في الأطروحة، أما باقي البطاقات فقد ضاعت منا سنة 1988، كما مر. وشملت قائمة الجزائريين أعيان البلاد كلها في الدين والتصوف والإدارة والعلم والسياسة والطب والقضاء وفيها 44 اسما على الأقل.
وعشية حصوله على الدكتوراه في الطب زار ابن العربي موطن أجداده، الأندلس، فتوجه إلى قرطبة وأشبيلية وغرناطة. وكحل عينيه بأطلالها وشنف سمعه بأخبارها، واسترجع الذكريات. وقال عن نفسه إنه ما حل بمكان إلا توقف عنده للعبرة والتذكر، وعبر عن ذلك بقوله إنه جدد إسلامه في الأندلس بعد أن وجد الإسلام في الجزائر وقد اعتراه التحول على يد الفرنسيين. ولا ندري إن كان قد تجول في غير فرنسا والأندلس (أسبانيا). والغالب أنه فعل، فلعله زار بلدانا أخرى في أوروبا والشرق وربما يكون قد أدى فريضة الحج.
ومنذ 1888، وهي فترة حكم لويس تيرمان في الجزائر، فترة التجهيل الرسمي وقانون الأهالي البغيض، أصبح ابن العربي يجمع بين العمل كطبيب والعمل في بلدية العاصمة نائبا عن قومه. مارس الطب أولا في أماكن مختلفة تحت نظر الإدارة الفرنسية ثم استقر به الحال في العاصمة. وتقول بعض المصادر إن الأهالي هم الذين ألحوا على الحكومة في ذلك (1)، ونحن نستبعد أن تستجيب لهم في مثل هذا الإلحاح، وإنما سمحت له لظروف أخرى لا نعرفها الآن. وقد حل ابن العربي بالعاصمة وأصبح يمارس فيها الطب والسياسة، وكان المفتي أحمد بوقندورة الذي قيل إنه حث الناس على مؤازرة رجوع ابن العربي إلى العاصمة، كان من المقربين جدار للسلطات الفرنسية (2)، وقد بقي في الفتوى فترة طويلة. وربما كانت بينه وبين ابن العربي مصاهرة.
وأثناء أداء ابن العربي واجب النيابة في بلدية الجزائر، وهو وظيف كان بالتعيين الإداري وليس بالانتخاب، سجلت له بعض المواقف المأثورة. فقد وقف ضد هدم الجامعين الكبيرين الباقيين في العاصمة، الجامع الأعظم والجامع الجديد، وكان الفرنسيون يخططون لإزالتهما وبناء فندقين في مكانهما (تجميلا) للعاصمة. وقد سبق لهم هدم عشرات المساجد منذ
(1) ابن العابد (تقويم الأخلاق)، ص 59.
(2)
انظر عنه فصل السلك الديني والقضائي.
الاحتلال تحت شعار التجميل والتوسيع والمنافع العامة. ولولا حنكة ابن العربي وغضبة الجزائريين الذين تجمعوا في الجامع الجديد لنفذ الفرنسيون المشروع أو لوقعت ثورة لا يعرف أحد مداها (1). وقد ظلت مسألة هدم الجامعين تظهر وتختفي إلى أن حسم أمرها سنة 1905 أثناء عهد جونار، وذلك بالإبقاء على الجامعين، رغم ما حل بهما من التشويه والهدم الجزئي.
والموقف السياسي الثاني الذي سجل لابن العربي هو ظهوره أمام لجنة فيرى سنة 1892، وهي لجنة التحقيق في أوضاع الجزائر. وكان ظهوره أمامها عند حلولها بالعاصمة، ثم في باريس عندما توجه مع زميله محمد بن رحال إليها لتقديم مطالب الجزائريين في القضاء الإسلامي والحالة المدنية وقانون الأهالي والنيابة والتعليم العربي.
أما من حيث مهنة الطب فلا ندري سوى أنه كان يمارسها بالعاصمة. وأنه كان (حكيما) ناجحا ومحل ثقة مواطنيه. وقد قيل إن له كتابات، وهي فيما يبدو بالفرنسية. ولكننا لا ندري إن كانت في شؤون الحياة العامة وحقوق الجزائريين أو كانت في مهنة الطب وتطور البحث فيها. والغريب أن الذين تناولوا حياته بشيء من التفصيل ركزوا على مواقفه السياسية وأهملوا حياته المهنية. وكان ابن العربي يلبس اللباس التقليدي (الشاشية والعمامة والبرنس والسروال الواسع). وعندما كتب عنه ابن العابد سنة 1927 قال إنه كان في منتهى الشيخوخة، ولكنه عاش أكثر من عشر سنوات بعد ذلك، إذ توفي خلال أكتوبر سنة 1939 بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية (6 رمضان 1358) ولكنه لم يشهد هزيمة فرنسا. وقد ترك ابن العربي أبناء وأحفادا، منهم ابنه رشيد الذي بلغ 73 سنة في عام 1988، وحفيده سليمان الذي كان معلما للإنكليزية في إحدى المتوسطات بالعاصمة (2).
(1) انظر الحادثة مفصلة في ابن العابد (تقويم الأخلاق) ص 60 - 61. انظر كذلك فصل المعالم الإسلامية والأوقاف.
(2)
إسماعيل بولبنية (د. ابن العربي) في جريدة (أحداث الجزائر) 8 - 14 سبتمبر 1988.
وظاهرة الاشتغال بالسياسة عند الأطباء الجزائريين ظاهرة ملفتة للنظر. فنحن نلاحظ أن معظم هؤلاء الأطباء قد مارسوا بل اندمجوا في (المشكل الأهلي)، وربما كان ذلك من أجل تسوية وضعهم الخاص، لأن القوانين الفرنسية جعلتهم من جهة في الطليعة المثقفة، ومن جهة أخرى كانوا لا يتمتعون بالحقوق السياسية ولا بالمساواة إلا إذا تخلوا عن أحوالهم الشخصية الإسلامية، وربما كانوا يعتقدون - وهم قلة قليلة - أن حل مشكلتهم كطليعة سيؤدي إلى حل جميع المشاكل الجزائرية الأخرى. فإذا كان الأمر كذلك فإنهم كانوا على خطأ، ذلك أن التيار الذي سيحل المشاكل هو تيار الأمير خالد وحركة الإصلاح ونجم شمال افريقية وحزب الشعب. وليس التيار الإندماجي الذي كان على رأسه: مرسلي وابن التهامي، وابن جلول، وسعدان، وفرحات عباس. ومع ذلك فإن المشاركة السياسية للأطباء والصيادلة قد ساعدت على بلورة القضية الوطنية بكونها قدمت الأطروحة المضادة للأطروحة الوطنية في أغلب الأحيان.
2 -
كان الطيب مرسلي أحد أبناء الجنود الصبائحية من نواحي وهران. ولا ندري كيف استقر الطيب في قسنطينة بعد تخرجه من مدرسة الطب في الجزائر، كما لا ندري أين أكمل دراسته التخصصية وما الأطروحة التي قدمها، وربما لم يفعل ذلك. وقد تزوج الطيب مرسلي بامرأة فرنسية وتجنس في أغلب الظن بالجنسية الفرنسية. ومنذ الثمانينات وجدناه قد برز على الساحة السياسية في قسنطينة، وذلك أثناء موجة تقديم العرائض والاحتجاجات ضد قانون الأهالي وإلغاء المحاكم الإسلامية والمطالبة بالتمثيل النيابي. ورغم ارتباطه بالفرنسيين وثقافتهم، فإنه كان حاضرا في التوقيعات التي كان يجمعها أعيان قسنطينة وكان قريبا من طموحهم. وقد كتب وحده بعض المقالات في جريدة (حرية المستعمرات)، وألف كتيبا عنوانه (مساهمة في المسألة الأهلية الجزائرية)(1). وكان يشغل وظيفة
(1) قسنطينة 1894. كما أنه وقع على عريضة مع الأعيان في أكتوبر 1891. وقال =
مستشار بلدي في قسنطينة في وضع شبيه بوضع ابن العربي بالعاصمة. وكان مرسلي نشيطا في هذه الأمور أثناء عهدة أرنست ميرسييه الذي تولى بلدية قسنطينة عدة مرات.
وقد دافع مرسلي في كتاباته عن الحضارة العربية والشعب الجزائري، وقال إن فرنسا نفسها قد عرفت عهودا من الهمجية. ولم يكشف عن رأيه في إدماج الجزائريين أو القضاء عليهم، وهي دعوة كانت رائجة عندئذ. وإنما قال إنه يعتمد على عنصر الزمن، وأنه (ليس من السهل القضاء على شعب كان سيد العالم)، وقال (إن الحضارة العربية قد لمعت وبهرت العالم عندما كانت أوروبا غارقة في بحر الظلام)، واعترف أن (لنا نقائص) وأن الصحافة في أيدي أعداء العرب، وقد سماهم الرأسماليين، وأن (كراهية العربي هي النغمة السائدة في الجزائر، عند الفرنسيين). وكان مرسلي معتزا بقومه مع ذلك، وقال إن الأهالي كانوا (وسادة البلاد السابقين) ولكنهم الآن أصبحوا لا شيء (1). وهو موقف قد تبناه غيره فيما بعد، ولا سيما فرحات عباس.
وقد أدى مرسلي فريضة الحج، مع أنه كما قيل كان متجنسا، وربما أرسلته الإدارة الفرنسية في نطاق مهنته كطبيب للحجاج (2). وكان مرسلي يدرس علم الصحة في مدرسة قسنطينة الرسمية (الكتانية) سنوات طويلة، لأننا عرفناه كذلك في أوائل القرن، ثم استمر إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، ولا ندري ما إذا كان قد ألف أعمالا في الطب والتوجيهات الصحية، أو أن الحالة السياسية قد استأثرت به فترة. غير أننا نلاحظ أن مرسلي لم يساهم في الحياة السياسية بقوة منذ فاتح القرن. ويبدو أنه كان محل احترام
= أجرون إن العريضة قد تكون من تحرير الدكتور مرسلي نفسه. انظر آجرون (الجزائريون المسلمون)، 1/ 449. انظر الحركة الوطنية، ج 1.
(1)
قنان (نصوص سياسية) عن عريضة مرسلي، ص 266 - 267. ولنشر إلى أن الليبرالية والماركسية والرأسمالية كانت تعابير شائعة في الصحافة الفرنسية (صحافة الكولون) الرأسمالية.
(2)
انظر ما كتبه عنه إسماعيل حامد.
الأوساط الحضرية في قسنطينة.
3 -
وفي أوائل هذا القرن (1905) حصل بلقاسم بن التهامي على الدكتواره في الطب أيضا، وكان من مدينة مستغانم، ومن جيل الإندماجيين، وقد تجنس وتزوج في الجزائر، كما سبق، وانخرط في الماسونية وجمعية حقوق الإنسان. وحصل على شهادته الأولى من مدرسة الطب في الجزائر ثم ذهب إلى جامعة مونبلييه الفرنسية للامتحان. وبعد تخرجه أصبح من العاملين في الطب وفي السياسة والحياة العامة. عين في مستشفى مصطفى باشا لأول مرة ومارس هناك مهنته، ثم فتح عيادة خاصة به في منزله الذي كان أمام محكمة قاضي الصلح بالجزائر، وساهم في الانتاج الطبي مع زملائه أعضاء المدرسة الطبية (كلية الطب فيما بعد)، ونال بعض الجوائز. وقد كتب عنه معاصره إسماعيل حامد وأشاد به، وكذلك أشادت به بعض صحافة الوقت (1).
شارك ابن التهامي في الحياة السياسية قبل الحرب الأولى بتوليه قيادة الاندماجيين الذين كانوا يطالبون بالحقوق والمساواة ولا يمانعون من التجنيد الإجباري. وفي باريس استقبلهم رئيس الوزراء بوانكريه. وكان في الوفد أيضا، الدكتور موسى من قسنطينة. ووصفه أجرون بأنه رجل عصامي. تعلم وترقى حتى وصل إلى صف القيادة. وبناء على أجرون أيضا فإن ابن التهامي تجنس في فبراير سنة 1906، أي بعد حصوله على الدكتوراه. ولم يواجه صعوبة، ومنذ 1904 سماه شارل جونار معيدا احتياطيا في الطب. وفي 1907 دعي للتعليم في العيادة البصرية (الانتمولوجيا) ثم واصل نشاطه الطبي إلى جانب نشاطه السياسي.
فبالنسبة للنشاط السياسي بدأ في ممارسته منذ فاتح القرن، وقد واجه
(1) جريدة (الأخبار) عدد 13361، في 30 ذو القعدة 1322 هـ. وكذلك رسالة الماجستير (مظاهر الإصلاح) لعبد المجيد بن عدة. وكان منزل ابن التهامي - حسب جريدة الأخبار- يقع في شارع لوميرسييه، عدد 3. انظر أيضا كتاب الشريف بن حبيلس (الجزائر الفرنسية كما يراها أهلي)، الجزائر 1914.
بعض الصعوبات في البداية، إذ كان زميله أحمد بوضربة (محامي) هو صاحب الصيت الذائع عندئذ. وكان مثله متجنسا ومتزوجا من فرنسية وماسونيا. وكان بوضربة من أنصار العلمانية، فكان ينكر على المسلمين تمسكهم بالتعليم الديني. وفشل ابن التهامي في الانتخابات البلدية سنة 1904، ولكنه، وقد نجح في الدكتوراه، أصبح سنة 1908 مستشارا بلديا، وأعيد انتخابه سنة 1913، ونشط في الجمعية الرشيدية أيضا. وفي أبريل 1914 أنشأ مع زملائه تنظيما سماه (الاتحاد الفرنسي - الأهلي) وهو التنظيم الذي سيذكرنا به (التجمع الفرنسي? الإسلامي) الذي أنشأه ابن جلول سنة 1938. وكان (الاتحاد) تنظيما سياسيا يمثل الاندماجيين. ولعلهم أحسوا بضعفهم أمام الجماهير فانضموا للأمير خالد، رغم أن هذا لم يكن نشيطا سياسيا بعد. ولم يظهر اسم خالد إلا نادرا عندئذ، منها سنة 1903 عند زيارة الشيخ عبده التي اعتذر عن حضورها، وسنة 1913 حين دعي إلى المؤتمر العربي في باريس، فاعتذر أيضا عن الحضور وأرسل برقية موافقة على خط المؤتمر. ويذهب أجرون إلى أن جماعة ابن التهامي قد انضموا للأمير خالد لأن بقية الأعيان والقادة كانوا يعتبرونهم طموحين ومرتدين (1).
وقد سبق القول إلى أن ابن التهامي قد عاش فترة ما بين الحربين، وساهم في الحياة السياسية كما كان، وعارض الأمير خالد. وأنشأ جريدة (التقدم) خلال العشرينات. وشايع التيارات السياسية اليمينية الفرنسية. وكاد يحدث له ما حدث لمعاصره ابن جلول، أي الصعود إلى القيادة ثم السقوط إلى الهوة، وإذا كان ذلك مقبولا لدى السياسيين المحترفين، فإننا لا ندري كيف يكون الحال إذا حدث لطبيبين في مجتمع متخلف. وقد ظلت السياسة تحطم الأطباء والصيادلة في الحركة الوطنية، مرورا بالحكيم سعدان،
(1) أجرون (الجزائريون المسلمون) 2/ 1041، 1050. انظر مجلة العالم الإسلامي، نوفمبر/ ديسمبر 1907، ص 496 - 497. ففيها كلمة كتبها إسماعيل حامد عن ابن التهامي. وتوجد صورة ابن التهامي في هذا المصدر أيضا. وهو أول (أهلي) عين للتدريس في مدرسة الطب بالجزائر.