الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نونا التوكيد
هل كل منهما أصل بنفسها؟ أو الثقيلة هي الأصل، ثم اختصرت منها الخفيفة؟ أو العكس ثم ثقلت لقصد زيادة التوكيد؟ فيه ثلاثة أقوال:
(للفعل توكيدٌ بـ"نونين" هما
…
كنوني اذهبن واقصدنهما)
إذا قصد تأكيد معنى الفعل ألحق في آخره نون ثقيلة، كـ"اذهبن" أو خفيفة، كـ"قاصدنهما" وقد اجتمع التأكيد بهما في قوله تعلى:{لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:32] ويفترقان في اللفظ والمعنى والاستعمال، أما الأول فظاهر، وأما في المعنى: فلأن التوكيد بالثقيلة أبلغ منه بالخفيفة، وأما الثالث فلأن الخفيفة ترسم بالألف، ويوقف عليها بالألف كالتنوين، إلا أنها تفارقه في ثبوتها مع التركيب، كـ"قصدنهما".
(يؤكدان "افعل" و "يفعل" آتيا
…
ذا طلب أو شرطاً اما تاليا)
(أو مثبتا في قسمٍ مستقبلا
…
وقل بعد "ما" و "لم" وبعد "لا")
(وغير "إما" من طوالب الجزا
…
وآخر المؤكد افتح كـ"ابرزا")
التأكيد بالنونين يختص بفعلي الأمر والمضارع،
ولا يدخلان على الماضي، فأما الأمر: فيؤكد إنه بلا قيد، وأما المضارع فينقسم توكيده بهما إلى مطرد، وإلى قليل، فالمطرد منه ثلاثة مواضع.
الأول: أن يدل على طلب، إما أمراً نحو:"ليقومن زيدٌ" وإما نهاً نهو: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا} [إبراهيم:42] وإما دعاءً نحو: "لتسقينا الغيث يا إلهنا" ويلتحق بالطلب ما أشبهه من التحضيض، والتمني، والاستفهام، نحو:
(403 - هلا تمُنِّن بوعدٍ غير مخلفةٍ
…
....................)
وقوله:
(404 - فيلتك يوم الملتقى ترينني
…
...................)
وقوله:
(405 - .................
…
أفبعد كندة تمدحن قبيلا؟)
الثاني: أن يقع بعد "إن" الشرطية المؤكدة بـ"ما" نحو: {فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} [مريم:26]{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} [الأنفال:58].
الثالث: أن يقع في جواب القسم وهو مثبت مستقل، نحو:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء:57]{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم:68] ولا يؤكد بها منفي نحو: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف:85] ولا حال، نحو:
(406 - يمينا لأبغض كل امرئٍ
…
يزخرف قولاً ولا يفعل)
والتأكيد في هذا القسم الثالث واجب، فإن عري عن التوكيد بالنون قدر قبله حرف النفي، فإذا قلت:"والله يقوم زيد" كان المعنى نفي القيام عنه، ويجب في المثبت دخول اللام عليه مع النون، [فإن فصل بينه وبين اللام امتنعت النون]، نحو:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ} [الضحى:5] وأما الثاني فليس توكيده واجباً، إلا أن تجرده من التوكيد لا يكاد يوجد إلا في الشعر، نحو:
(407 - يا صاح إما تجدني غير ذي جدةٍ
…
................)
وأما الأول فالتأكيد فيه وتركه شائعان، والقليل منه أربعة مواضع:
الأول: إذا وقع بعد "ما" والمراد بها "ما الزائدة" نحو:
(408 - قليلاً به ما يحمدنك وارث
…
................)
لا النافية، فإنه لم يسمع تأكيد الفعل بعدها.
الثاني: إذا وقع بعد "لم" كقوله:
(409 -
…
يحسبه الجاهل ما لم يعلما
…
)
(410 -
…
شيخاً على كرسيه معمما
…
)
الثالث: إذا وقع بعد "لا" النافية، كقوله:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25].
الرابع: أن يقع شرطاً لغير إن المؤكدة بـ"ما"، كقوله:
(411 - من تثقفن منهم فليس بآيبٍ
…
................)
وهو في الأول والثالث أكثر مه في الآخرين، ويجب بناء آخر الفعل المؤكد على الفتح، ما لم يتصل به ضمير.
(واشكله قبل مضمرٍ لينٍ بما
…
جانس من تحركٍ قد علما)
هذه المسألة مستثناة من وجوب فتح آخر الفعل المؤكد، وهو ما إذا أسند الفعل إلى مضمرٍ ذي لين -وهو الألف والواو والياء- فإنك تجعل [آخر الفعل] حينئذ محركاً بحركة تجانس الضمير، فتضمه قبل الواو، نحو:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ} [آل عمران:186] وتكسره قبل الياء، نحو:{فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا} وتفتحه قبل الألف نحو: {وَلا تَتَّبِعَانِّ} [يونس:89].
(والمضمر احذفنه إلا الألف
…
وإن يكن في آخر الفعل ألف)
(فاجعله منه رافعاً غير اليا
…
والواو ياءً كاسعين سعيا)
(واحذفه من رافع هاتين وفي
…
واوٍ ويا شكلٌ مجانسٌ قفي)
(نحو "اخشين يا هند" - بالكسر و "يا"
…
قوم اخشون واضمم وقس مسوِّيا)
أي إذا كان في آخر الفعل المؤكد بالنون ذمير ذولين حذفته إن كان
غير ألف، فيشمل ذلك الواو، نحو:"هم يضربن" والياء، نحو:"أنت تضربن" أصلهما: "تضربون" و "تضربين" حذفت الواو والياء لالتقاءهما ساكنين مع أول نوني التوكيد الساكنة للإدغام فيما بعدها، وسواء كان آخر الفعل صحيحاً -كما مثل- أو معتلا بالواو والياء، نحو:{لَتُبْلَوُنَّ} {فَإِمَّا تَرَيْنَ} فإن كان الضمير ألفا أقر على حاله، سواء كان الفعل صحيحاً أو معتلاً، نحو:"هما يضربان، ويعدوان، ويرميان، ويخشيان" وأما حكم آخر الفعل المعتل [فقد سبق أن المعتل] بالواو، والياء لا يحذف حرف العلة منه، وأما المعتل بالألف فإن رفع غير الواو والياء من ألف أو ضمير مستتر قلبت ألفه ياء، نحو:"أحشين يا زيد" ومثله: "اسعين سعيا" و "اخشيان" و "أنتما تسعيان" وإن رفع الواو والياء حذف ألفه، وحرك كل واحد من الواو والياء بما يجانسه، فتحرك الياء بالكسر، نحو:"احشين يا هند" والواو بالضم، نحو:"يا قوم اخشون" ويقاس على ذلك جميع الأفعال المعتلة بالألف، ولا يتوجه تفريق النجاة بين المعتل بالألف والمعتل بالواو والياء وجعلهم المحذوف في المعتل بالألف آخر الفعل دون الضمير، وعكسهم ذلك في المعتل بالواو والياء، كما سبق.
(ولم تقع خفيفة بعد الألف
…
لكن شديدة وكسرها ألف)
أخذ في بيان الأحكام المختصة بالنون الخفيفة، وهي أربعة:
أولها: هذا، وهو عدم وقوعها بعد ألف الضمير، وإنما يقع بعدها الثقيلة، نحو:{وَلا تَتَّبِعَانِّ} [يونس:89] ويجب كسرها لشبهها بنون التثنية، ثم المانع من وقوع الخفيفة بعد الألف الفرار من التقاء الساكنين، فلو كان بعدها ما تدغم فيه ففي كونه مسوغاً لوقوعها بعد الألف قولان، والحق ما ذهب إليه يونس من جواز وقوعها بعد الألف مطلقاً، ثم تكسر لالتقاء الساكنين، لا كما قال أبو علي أنها تقر على سكونها، على حد قولهم:"حلقتا البطان"
ومنه قراءة بعضهم: {فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان:36] وحمل قراءة ابن ذكوان {وَلا تَتَّبِعَانِّ} - مخففا- عليه أولى من حملها على النفي، وتكون النون للرفع.
(وألفاً زد قبلها مؤكدا
…
فعلا إلى نون الإناث أسندا)
هذا الحكم الثاني من أحكام الخفيفة، وهو أنه لا يؤكد بها الفعل المسند إلى نون الإناث، لأنه إذا أكد بالنون الثقيلة لزم أن يفصل بينها وبين نون الإناث بألف فيقال:"هن يضربنان" كراهية لتوالي النونات، والخفيفة لا تقع بعد الألف.
(واحذف خفيفة لساكن ردف
…
وبعدغير فتحة إذا تقف)
(واردد إذا حذفتها في الوقف ما
…
من أجلها في الوصل كان عدما)
(وأبدلنها بعد فتح ألفا
…
وقفا كما تقول في: قفن "قفا)
هذان الثالث والرابع من الأحكام المختصة بالخفيفة، فالثالث: أنها تحذف لملاقاة الساكن بعدها، كقوله:
412 -
(لا تهين الفقير علك أن
…
تركع يوماً والدهر قد رفعه)
أصله: "تهينن".
والرابع: أنها تعامل بما يعامل به التنوين، فتقف بحذفها إن وقفت بعد غير فتحة، من كسر أو ضم، ولا يتصور ذلك إلا في الفعل المسند إلى الواو، والياء- كما سبق- وحينئذ فلا يبقى آخر الفعل على حاله معها، لكن يجب أن يرد إليه ما كان قد حذف من أجلها للوصل، فتقول [في نحو:] "القوم يكرمن أضيافهم" و "أنت تكرمن بعلك" إذا وقفت على الفعل "يكرموا" و "تكرمي" بحذف النون لشبهها بالتنوين، ورد الواو والياء لزوال ما حذفا من
أجله من ملاقاة الساكن بعدهما، وإن كانت النون بعد فتحة نحو:{لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] وقف عليها بإبدالها ألفا، كما يفعل ذلك في التنوين الواقع بعد فتحة، فتقول على هذا في:"قفن يا زيد" - إذا وقفت- "قفا" ومنه قوله:
413 -
(.....................
…
ولا تعبد الشيطان والله فاعبد)
وقيل إنه منه:
414 -
(قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل
…
..................)
معاملة للوصل بما يعامل به الوقف.