المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كم وكأين وكذا - إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك - جـ ٢

[برهان الدين ابن القيم]

الفصل: ‌كم وكأين وكذا

‌كَمْ وكأيِّنْ وكَذَا

عقبت هذه باب العدد، لأنها كنايات عن العدد المبهم، وكلها أسماء مبنية، أما "كم" فقيل لشبهها بالحرف وضعا، وقيل لشبه الاستفهامية به معنى، وحملت الخبرية عليها لموافقة لفظها.

وأما "كأين" فلأنها استعملت استفهامية في قول أبيّ بن كعب [لابن مسعود]

ص: 848

(كأيَّنْ تقرأُ سورةَ الأحزابِ) فهي متضمنة معنى الهمزة، والخبرية لموافقة لفظها.

وأما "كذ" فبنيت لشبهها بـ"كم" الخبرية في الدلالة على العدد المبهم، والافتقار إلى مميز.

(مَيَّزْ في الاستفهام "كم" بمثل "ما"

مَيَّزْتَ عشرين كـ"كم شَخْصاً سَما؟ ")

تنقسم "كم" إلى استفهامية وإلى خبرية، ويشتركان في البناء كما سبق، وفي لزوم التصدير، وفي كونهما كنايتين عن عدد مبهم، وفي الافتقار إلى مميز، ويفترقان في إعراب المميز، وصفته -كما نشرحه- وفي جواز حذف الخبرية، وفي جواز [حذف مميز الاستفهامية] نحو:{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ} [المؤمنون:112] ونحو: "كم صُمْتَ؟ " أي: كم يوما، بخلاف الخبرية، وفي جواز الفصل بين الاستفهامية ومميزها، نحو:{قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] ولا يجوز ذلك في الخبرية، بل متى فُصل بينها وبين مميزها بغير الظرف والجار

ص: 849

والمجرور تعين نصبه، وإن كان بواحد منهما، فالأرجح نصبه، وقد يجر في الشعر، نحو:

486 -

(كم بِجودٍ مُقْرِفٍ نال العُلا

)

وفي أن الخبرية تختص بالماضي كاختصاص "رُبَّ" به، إذ هي نقيضتها،

ص: 850

فتقول: كم عبدٍ ملكتُ" ولا تقول: "كم عبد سأملكه" بخلاف الاستفهامية، فإنك تقول: "كم فرسخاً سرت؟ " و "كم فرسخت تسير غدا؟ " وفي أن المتكلم بالاستفهامية [يستدعي جوابا من مخاطبه، بخلاف الخبرية، وفي أن المتكلم بالاستفهام] لا يتوجه إليه التصديق والتكذيب، بخلاف الخبرية، وفي أن البدل من الاستفهامية [يجب أن يقترن بهمزة الاستفهام-كما سبق في بابه- بخلاف الخبرية.

عدنا إلى شرح كلام المصنف، ومراده: أن مميز "كم" الاستفهامية] مفرد

ص: 851

منصوب، كمميز عشرين، فتقول:"كم شخصا سما" كما تقول: "عندي عشرون رجلا"

(وأَجِزَ ان تَجُرَّه "مِن" مُضمَراً

إن وَلِيت "كم" حرفَ جرَّ مُظهرا)

يجوز في مميز "كم" الاستفهامية أن يجر ب "مِن" مضمرة، نحو:"بكم درهم اشتريت ثوبك؟ " على تقدير: بكم من درهم، لا بإضافة "كم" كما زعم الزجاج.

(واستعمِلَنها مُخبِرا كعَشَره

أو مائةٍ كـ" "كَم رجالٍ أو مَرَه")

"كم" الخبرية مميزها مجرور بإضافتها إليه، ثم لما كانت لتكثير العدد جاز أن يكون مميزها منفردا كمميز المائة، والألف، وهو الأكثر، وأن يكون جمعا كمميز العشرة، وإليهما أشار المصنف بقوله:"ككم رجال أو مَرَه" إذ تقديره: "وكم مَرَةٍ"، ويلزم جر مميزها، وبجواز كونه جمعا فارقت الخبرية، فحصل الفرق بينهما من ثمانية أوجه.

(كَكَم "كَأين" و "كذا" وينتصِب

تمييز ذينِ أو به صِل "مِن" تُصِب)

"كأين" و"كذا" بمنزلة: كم الخبرية في الدلالة على العدد المبهم، وفي الافتقار إلى مميز، وتشاركها "كأين" خاصة في استحقاق التصدير، ويفارقانها في أن تمييزها إما منصوب نحو:

ص: 852

487 -

(اطرد اليأسَ بالرجا فكأين

آلِماً حُمَّ يُسرُه بعد عُسر)

وكقوله:

488 -

(عد النَّفس نعمى بعد بؤساك ذَاكِرًا

كَذَا وَكَذَا لطفا بِهِ نسي الْجهد)

وإما مجرور بـ"مِن" ظاهرة، وهو في "كأين" أكثر من النصب، وبه ورد القرآن، نحو:{وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} [الطلاق:8]{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ} [العنكبوت: 60] ولا أعرفه مسموعا في "كذا" وأكثر ما تستعمل "كذا" مكررة بالعطف، كما مثّل، وقد تستعمل مفردة أو مكررة بدون عطف، ولا تلزم التصدر، بل يجوز:"قَبَضتُ كذا وكذا درهما" ، وقد ظهر بذلك أن البيت مدخولٌ من عِدة أوجه.

ص: 853