الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإخبار بالذي والألف واللام
هذا الباب وضعه النحاة للتدريب في الأحكام النحوية، واختيار المبتدئ في كيفية تركيب الكلام، كما وضع أهل التصريف مسائل للتمرين في الأحكام التصريفية، وإن لم تنطق العرب بمثلها، ويصار إلى هذا الإخبار إما لقصد الاختصاص، وإما لتقوية الحكم، وإما لتشويق السامع، وإما لإجابة الممتحن.
(ما قيل أَخْبِرْ عنه بالذي خَبَرْ
…
عن الذي مبتدأَ قبلُ استَقَر)
(وما سواهما فوسِّطْه صِلَهْ
…
عائِدُها خَلَفُ معْطِي التكمله)
(نحوُ "الذي ضربتُه زيدٌ" فذا
…
"ضربتُ زيداً" كان، فادْرِ المَأخَذا)
هذا بيان صفة الإخبار، فما قيل لك: أخبر عنه بـ"الذي" جعلته خبرا مؤخرا عن الموصول الذي استقر "في أول الكلام"، وما سوى المخبر به والمخبر عنه يتوسط صلة بينهما، تكون مشتملة على ضمير عائد على
الموصول، واقع في مكان الاسم المخبر عنه بـ"الذي" وخلف عنه، وهو مراد المصنف بقوله:"خَلَفُ معطِي التكملة" لأن الاسم المخبر عنه هو الذي حصلت التكملة به، لمجيئه خبرا، فإذا قيل لك:"أخبر عن زيد" -من قوله: "ضربت زيدا"- بـ"الذي"، قلت:"الذي ضربته زيد" فتجعل "زيدا" مؤخرا، وترفعه على أنه خبر، وتبتدئ الكلام بموصول مطابق له، وتجعل ما بقي من الجملة صلته، وتجعل في محل "زيد" ضميرا عائدا على الموصول، فهذه خمسة أعمال في هذا التركيب، لا يجوز الإخلال بشيء منها، وقد عملت -بهذا- أن عبارة النحاة في هذا المحل فيها تَجَوُّز. فإن "الذي" مخبر عنه لا مخبر به، و"زيد" بالعكس، وذلك خلاف الظاهر من قولهم:"أخبر عن كذا بـ"الذي"" وتأويل كلامهم: "أخبر عن مسمى زيد في حال تعبيرك عنه بـ"الذي"" ولنذكر مسألتين غير مسألة الكتاب يتضح بهما المعنى.
* إذا قيل: أخبر عن "زيد" من قولنا: "زيد منطلق" بـ"الذي" قلتَ: "الذي هو منطلق زيد" فـ"الذي" مبتدأ، و"هو" ضمير خلَف عن "زيد" وهو العائد، وأتي به منفصلا لعدم ما يتصل به، و"هو" و"منطلق" الصلة، و"زيد" الخبر.
* فإن قيل: أخبر عن "التاء" من قولك: "ضربت زيدا" علمتَ ما تقدم من الأعمال الخمسة، واحتجت إلى عمل سادس وهو أن تأتي بضمير المخبر عنه منفصلا، فتقول:"الذي ضرب زيدا أنا" والعائد الذي [هو خالف عن الضمير] هو فاعل: "ضرب" مستترا، فاعرف المأخذ وقس عليه.
(وبـ"اللذينِ" و"الذينَ" و"التي"
…
أخْبِرْ مراعياً وفِاق المُثْبَت)
يخبر بفروع "الذي" من تأنيثه، وتثنية كلّ منهما، وجمعه، كما يخبر بـ"الذي" مراعي في ذلك كله مطابقة المخبر عنه في الموصول المخبر به، وفي العائد عليه، ويشمل ذلك خمس مسائل تنظّرها بمثال واحد، وهو:"ابلْغَ امرأتَاكَ رسالةً من أخوْيك إلى أمهاتك بحضور قومك"، فإن أخبرت عن "الرسالة" من هذا التركيب. قلت:"التي بلْغها امرأتَاكَ من أخوْيك إلى أمهاتك بحضور قومك رسالةٌ" فتقدم الضمير عن محله، وتصله بالفعل، لأنه أمكن الإتيان به متصلا فلا يعدل إلى الفصل، ولا مانع من حذفه، لأنه عائد متصل منصوب بفعل فيحذف، كما في غير هذا الباب، وإن أخبرت عن "الأخوين" قلت:"اللذان بَلَّغَ امرأتاك رسالةً منهما إلى أمهاتك بحضور قومك أخواك"، وإن أخبرت عن:"امرأتاك" قلت: "اللتانِ بَلَّغا رسالة من أخوْيك
إلى أمهاتك بحضور قومك امرأتاك" ، وإن أخبرت عن "القوم" قلت: "الذين بَلّغَ امرأتاك رسالةً من أخوْيك إلى أمهاتك بحضورهم قومُك" فإن أخبرت عن "الأمهات" قلت: "اللاّتي بَلّغ امرأتاك رسالةً من أخويك إليهن بحضور قومك أمّهاتُك".
(قبولُ تأخيرِ وتعريفِ لما
…
أخْبِرَ عنه -هاهنا- قد حُتِما)
(كذا الغِنَى عنه بأجْنَبِيَّ أو
…
بمضمرٍ شرطُ فراغِ ما رَاعَوا)
ذَكر للمخبر عنه في هذا الباب أربعة شروط.
أحدها: أن يكون قابلا للتأخير، فما لم يقبل التأخير لاستحقاقه لتصدر كأسماء لاستفهام، والشرط، و"كم" الخبرية، و"ما" التعجبية، وضمير الشأن، لا يخبر عنه، لما يلزم عن ذلك من تأخيره إلى آخر الكلام فيزول ما استقرّ له من التصدر، ولا يرد على ذلك الضمير المتصل، فإنّ خَلَفه -وهو: المنفصل- يقبل التأخير.
الثاني: أن يكون قابلا للتعريف، فلا يخبر عن الحال والتمييز، لما تقرر من أنك تأتي في محل المخبر عنه بضمير، فيكون قد نصب الضمير على الحال والتمييز، وذلك لا يجوز، وكذا لا تخبر عن "أحد" من قولك:"ألم أر أحدا" لأنه لا يقبل التعريف، فلا يصح وقوعه خبرا عن المعرفة، هذا هو المانع من الإخبار عنه
لا عدم جواز وروده في الإثبات.
الثالث: أن يصح الاستغناء عنه بأجنبي، فلا يخبر عن "الهاء" من قولك:"زيد ضربته" فإنك لو أخبرت عنه لقلت: "الذي زيد ضربته هو" فيكون الضمير المنفصل خبرا عن "الذي" والمتصل الذي وضعته مكانه خلف عنه، فإن جعلته عائدا على الموصول -كما هو قاعدة الباب-[بقي المبتدأ بلا عائد، وإن جعلته رابطا للمبتدأ خرجت عن قاعدة الباب] بجعل الضمير الواقع في محل المخبر عنه غير عائد على الموصول.
الرابع: أن يصح الاستغناء عنه بمضمر، فلا يجوز الإخبار عن شيء من الأسماء المجرورة بحروف الجر التي لا تدخل على المضمر، كـ"ـمُدْ" و"منذ" و"حتى" و"والواو" و"الكاف" و"التاء" و"رُبَّ" لما تقرر من أنَّ الإخبار يستدعي ضميرا واقعا في محل الاسم المخبر عنه، يكون خلفا عنه، وكذا كل اسم لا يصح أن يقع في محله الضمير، كالاسم الواقع نعتا أو منعوتا أو مضافا أو عاملا فلا يصح الإخبار عن واحد من الأسماء الواقعة في قولك:"أعجب أبا زيد ضرب عمراً الكريمَ" إلاّ عن "زيد" خاصة، أما "الأب" فلأنه مضاف، وأما "ضرب" فلأنه عامل، وأما "عمرا" فلأنه منعوت، وأما "الكريم" فلأنه نعت، نعم لو أخرت عن
المضاف والمضاف إليه أو عن العامل ومعموله، أو عن النعت والمنعوت معا جاز، وبقي الإخبار عن شيء واحد يصح إضماره، فتقول في الأول:"الذي أعجبه ضربٌ عمْراً أبو زيد"، وفي الثاني:"الذي أعجب أبا زيد ضربٌ عمرا" فيكون الضمير مستترا في: "أعجب" وقدّم عن محله ليقع متصلا، وفي الثالث:"الذي أعجب أبا زيد ضربه عمروٌ الكريمُ" فاعرفه، فإنه موضع.
وللمخبر عنه ثلاثة شروط أخر.
أحدهما: جواز استعمال مرفوعا، فلا تحبر عن لازم النصب على الظرفية كـ"عِند" و"لَدَي".
الثاني: أن يكون واقعا في جملة خبرية، فلا يصح الإخبار عن "زيد" من قولك:"اضرب زيدا" لامتناع وقوع الطلب صلة.
الثالث: أن لا يكون في إحدى جملتين مستقلتين قد عطفت إحداهما على الأخرى، نحو:"زيد" من قولك: "قام زيد وقعدَ عمرو"، بخلاف غير المستقلين نحو:"إن قام زيد قَعدَ عمرو"، ونحو:"قام زيد فقعد عمرو" ونحو: "ضربني وضربتُ زيدا" لصحة وقوع الجملة الثانية في هذه المُثُلِ صله، بخلاف المثال الأوّل.
(وأخبروا -هنا- بـ"ـأل" عن بعض ما
…
يكون فيه الفعل قد تقدما)
(إن صح صوغُ صلةِ منه لـ"ـأل"
…
كصوعِ "واقِ" من: "وَقَى اللهُ البطل")
لا يخبر -هنا- بشيء من الموصولات غير "الذي" وفروعه، كما تقدم إلاّ "أل" فإن الإخبار بها جائز، لكن بالشروط الستة المتقدمة في الإخبار بـ"ـالذي" وتزيد عليها بثلاثة شروط.
أحدها: أن يكون المخبر عنه واقعا في جملة فعلية.
الثاني: أن يكون الفعل فيها متقدما.
الثالث: أن يكون الفعل متصرفا بحيث يصح أن يصاغ منه وصف يكون صلة لـ"ـأَل" فتقول في الإخبار عن الفاعل من قولك: "وقَى اللهُ البطلَ""الواقي البطل اللهُ" والضمير الواقع في محل المخبر عنه مستتر في الوصف وهو العائد على "أل"، وفي الإخبار عن المفعول:"الواقية الله البطلُ" فتقدم الضمير على الفاعل المتصل، ولا يجوز حذفه وإن كان منصوبا بوصف، لأن عائد
الألف واللام لا يحذف إلاّ في الضرورة، كما سبق، ولا يخبر بـ"ـأل" عن "زيد" من قولك:"زيد أخوك" ولا من: "زيد ضرب أخاه" ولا من: "عسى زيد أن يقوم" لانتفاء الفعلية في الأول، وانتفاء التقدم في الثاني، وانتفاء التصرف في الثالث.
(وإن يكن ما رَعَتْ صلُة "أل"
…
ضميرَ غيرها أُبِينَ وانفصل)
قد تقدم أن الضمير المرفوع بصلة الألف واللام يكون مستترا إذا عاد عليها، نحو:"الواقي البطلَ اللهُ" فأمّا إن رَفَعَتْ صلةُ "أل" ضمير غيرها وجب إبرازه منفصلا، فتقول -في الإخبار عن غير ياء المتكلم من نحو:"بَلْغْتُ من أخويك إلى قومك رسالة" -المبلغ أنا منهما إلى قومك رسالة أخوك" إذا أخبرت عن الأخوين، و"المبلغها أنا من أخويك إلى قومك رسالة" -إذا أخبرت عن رسالة- وتقّدم الضمير عن محل الاسم المخبر عنه ليتصل بالوصف، كما سبق، وإنما أبرزت الضمير في ذلك كلّه لأنك أجريت الوصف الذي هو فعل المتكلم صلة لـ"ـأل" التي هي لغير المتكلم، لأنها نفس الاسم الذي أخبرت عنه، ولذلك لو كان الإخبار عن الفاعل من الجملة المذكورة لم تحتج إلى إبراز الضمير، بل تقول: "المبلّغُ من أخويك إلى قومك رسالةً أنا".