الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِمَاَلَة
وهي عبارة عن تليين الألف حتى تقرب من الياء، وتليين الفتحة التي قبلها حتى تقرب من الكسرة، كذا قال المصنف وفيه نظر، فإن الممال إنما هو الفتحة وحدها ولزم عن ذلك تليين الألف، ألا ترى أن إمالة الفتحة قد توجد دون الياء كما يأتي:
(الألفَ المبدلَ من يا في طَرَفْ
…
أَمِلْ كذا الواقع منه اليا خلف)
(دون مزيدٍ أو شذوذِ ولما
…
تليه ها التأنيث ما الها عَدِما)
تقع الإمالة في ستة مواضع:
أحدها: الألف المبدلة من ياء في طرف الكلمة، سواء كانت اسما نحو: هُدَّى، أو فعلا كـ"ـرَمَى واشترى".
الثاني: الألف التي تخلفها الياء في بعض التصاريف، وإن لم تكن أصلاُ كالمقصور المجاوز ثلاثة أحرف، نحو: حُبْلى وعُزَّى وغَزَّى فإن ألفه ترد في
التثنية والجمع ياءً كما سبق، وكالذي يرجع إليها في حال بنائه للمفعول كـ"ـغُزِس ودُعِيَ" فإنك تقول فيهما غُزِيَ القومُ ودُعِيَ الله وحده.
ويشترط لإمالة هذا شرطان:
أحدهما: أن يكون رجوع ألفه إلى الياء دون ممازجة حرف مزيد لها.
الثاني: أن يكون الرجوع إلى الياء دون شذوذ، فلا يمال نحو: عَصاً وقَفى وإن رجعا إلى الباء عند التصغير فقيل: عُصَيَّة وقُفَيَّ، أو عند التكسير على فُعُول كـ"ـعُصِس وقُفِي"[أو عند الإضافة إلى ياء المتكلم على لغة هذيل في قولهم "عَصَىَّ وقَفَىَّ" لأن الأولين] بسبب ممازجة ياء التصغير، وواو فُعُول المزيدتين.
والثالث: شاذ إذ أكثر العرب على خلافه كما سبق.
فإن اتصل بالاسم المستحق الإمالة لأحد هذين الوصفين هاء التأنيث قُدرت بمنزلة المنفصل، فلم يمنع من الإمالة [فتجوز الإمالة] في نحو: فتاة لأن أصل ألفه الياء، وفي نحو: مرماة لأن ألفه ترد إلى الياء إذا قدر انفصالها من تاء التأنيث.
(وهكذا بدلُ عينِ الفعلِ إن
…
يَؤُل إلى "فِلْتُ" كماضي خَف ودِن)
هذا الموضع الثالث مما تَسوغ فيه الإمالة، وهي الألف المبدلة من عين الفعل، بشرط أن يؤول عند الإسناد إلى تاء المتكلم إلى زنة "فِلْتُ" سواء كانت مبدلة من واو نحو: خاف، أو من ياء نحو: باعَ ودَانَ، فإنك تقول فيهما خِفتُ ودِنْتُ وبِعْتُ، بخلاف "قال وكان" ونحوه فإنه إنما يؤول عند الإسناد إلى التاء إلى زِنة:"فُلْتُ" -بضم الفاء" - وفي "مات" وجهان لقولهم في إسناده إلى التاء "مِت ومُت" وضابط ما يؤول إلى: "فِلت" أن تكون عينه ياء مطلقاً كـ"ـعاب وغاب وسار" وما زاد واواً مكسورة كـ"ـكاد وخاف" فإن أصلهما كَوِدَ وخَوِف، نقلت الكسرة عن الواو إلى ما قبلها لثقلها عليها، ثم حذفت الواو لسكونها مع ملاقاة الساكن بعدها.
وقيل إن سبب الإمالة في "خاف" وقوع الألف بعد الكسرة المقدرة؛
وسببه في "دَانَ" كون الألف ياء في التقدير فهي أجدر بالإمالة من الواقعة بعد الياء.
(كذاك تالى الياء والفصلُ اغْتُفِرْ
…
بحرفِ اومَعَ ها كجيبها أَدِرْ)
هذا الموضع الرابع من مواضع الإمالة، وهو أن تقع الألف تاليةً للياء، إما متصلة بها كـ"ـعيال" أو منفصلة منها بحرف كـ"ـشيطان" و"يدال" أو بحرفين أحدهما الهاء كـ"ـجيبها وبينها" ونحوهما.
(كذاك ما يليه كَسْر أو يلى
…
تاليَ كسرٍ أو سكونٍ قد وَلى)
(كسراً وفَصْلُ الها كلا فَصْل يُعَد
…
فدِرهَماك مَنْ يُمِلهُ لم يُصَد)
هذان الخامس والسادس من مواضع الإمالة.
فالخامس: أن يلي الألفَ كسرة كـ "ـعالِمٍ وشاربٍ وقاعِدة".
والسادس: أن يليَ كسرة قد فُصِل بينها وبينه إما بحرف واحد نحو: "شِمال وكِتاب"، أو بحرفين الأول منهما ساكن نحو: شِمْراخ ونحو: يزيدان، وفصل الهاء في الصورتين لا يعد فصلا، فنحو:"يضربها" مفصول من الكسرة بحرف واحد، ونحو:
"درهماك" مفصول بحرفين أولهما ساكن، فتجوز الإمالة فيهما، ولا يعتد بالهاء كما لم يعتد بفصلها مع الحرف في الرابع؛ وللإمالة محلَّ سابع لم يذكره المصنف هنا، وهو وقوع الألف قيل الياء نحو: بايعته وسايرته.
(وحرفُ الاستعلا يَكُفُّ مُظْهَرا
…
مِن كسرٍ أو يا وكذا تكف را)
(إن كان ما يكفُّ بَعْدُ مُتَّصِلْ
…
أو بعد حرفٍ أو بحرفين فُصِل)
يمنع من الإمالة مع وجود المقتضى لها شيئان:
أحدهما: حروف [الاستعلاء وهي سبعة]: الخاء المعجمة والصاد والقاف وما بينهما إلا العين المهملة، ويكف حرف الاستعلاء ما كان مقتضيا لإمالة من كسرةٍ أو ياءٍ ظاهر سواء وجد قبل الحرف الممال كخاطِبٍ وصاحِبٍ وضامِنٍ وظاهِرٍ وغالِبٍ وقاسِمٍ أو بعده كحاطبٍ وحاضِنٍ وباغت وناظر، أو اجتمع الأمران كخاطِبٍ، هذه مُثُل كف الكسرة، ومُثُل كُف الياء: غُبار وخيال ونِيَاق وبَياض؛ وقيد الكسرة والياء بكونهما مظهرتين ليحترز من الإمالة للكسرة المقدرة والياء في نحو: "خافَ ودَانَ" فإن ذلك لا
يمنع الإمالة لوجود المستعلي، بل تجوز الإمالة في نحو:"طاب وخاف وزاغ" فإن السبب المقدر هنا لكونه موجوداً في نفس الألف الممالة أقوى من الظاهر لأنه إما متقدم عليها وإما متأخر عنها.
الثاني من موانع الإمالة: الراء، وحكمها في كف الإمالة حكم حروف الاستعلاء فلا تمال نحو: فِراش، ولا نحو: راشد وفارس، ولا نحو: ديار وسراييل، ولا تمتنع الإمالة في نحو: رَانَ ومَادَ لأن الياء المقتضية للإمالة مقدرة لا ظاهرة وقد يجتمع المانعان الطّراف.
أما غير الكسرة والياء من مقتضيات الإمالة كالسببين الأولين فلا يكفه شيء من ذلك، فلك أن تميل في نحو: طَوَى وغَوَى [لأن الإمالة وقوع الياء المبدلة في طرف الكلمة، وفي نحو غزا] لأن سبب الإمالة إنما هو كون الألف يقلب ياء في بعض التصاريف وهو ما إذا بني للمفعول كما سبق، ثم شرط ما يكف الإمالة مع التقدم إن كان راءً أن يتصل به الألف بلا خلاف، فلا تمتنع الإمالة في نحو: رشاد، وأما حرف الاستعلاء فلا يشترط فيه الاتصال، كما يأتي؛ وإن كان متأخرا فلا فرق بين أن يتصل كدِثار ورِباط أو ينفصل بحرف كساحِر وشاهِق أو بحرفين ودنانير.
كذا ذكر المصنف، وفيه نظر، فإن هذا مستقيم في حرف الاستعلاء، إلا أن بعض العرب يميل نحو: مواثيق لبعد حرف الاستعلاء عن الألف.
وأما الراء فالجمهور على أنها إنما تكف مع الاتصال، ولا أعلم أن أحدا وافقه على أن المفصولة بحرفين كـ"تكف، والأكثرون على أن المفصولة بحرف كـ"ـكافرٍ" لا تكف.
(كذا إذا قدم ما لم ينكسِر
…
ويسكنِ اثْرَ الكسر كالمِطواع مِر)
أي: هكذا يكف ما قدم من راءٍ أو حرف استعلاء، كما تقدم، لكن شرط كفه مع التقدم أن لا يكون مكسوراً، ولا يتصور ذلك في الراء لما تقدم من أن شرط الكف بها مع التقدم أن تكون متصلة ولا يتصور كسرها، وبعدها ألف؛ نعم يتصور في حرف الاستعلاء نحو: خِلاف، وصِيام، وخِيام، فإن ذلك لا يمنع الإمالة لكونه مكسوراً مع التقدم، وكذا لو كان حرف الاستعلاء ساكنا بعد كسر كـ "ـالمِطْواع والمِصْباح والمِقلات" وهي: المرأة التي لا يعيش لها ولد، فإن الأكثرين على إمالته وبعضهم لا يميله.
(وكفُّ مُستَعملٍ ورا ينكسفُّ
…
بِكسرِ را كغارِماً لا أَجفُو)
يمتنع تأثير المقتضي لكف الإمالة بمجاورة الراء المكسورة للألف فينكف بها كَفُّ حرف الاستعلاء نحو: غارماً، ونحو قوله تعالى:{إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة: 40]{عَلَى أَبْصَارِهِمْ} [البقرة: 7] وكفُّ الراءِ نحو: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ} [المطففين: 18]{دَارُ الْقَرَارِ} [غافر: 39] فتجوز الإمالة في ذلك كله مع تقدم حرف الاستعلاء، وتقدم الراءِ المتصلة بالألف، لوجود الراء المكسورة ولا تأثير للراء المفتوح ولا المضمومة، فحكم الكف باق في نحو: فارَق، ونحو: قارُون.
ثم الراء المكسور المقتضية لكف مانع الإمالة لم تسمع إلاّ بعد الألف، ولم يشترط المصنف فيها الاتصال بالألف، لكن مثله بالمتصلة بها؛ وقد ألحق سيبويه بها المنفصلة بحرف، وذكر أنه سمع الإمالة في نحو:
(517 - عسى الله يغسني عن بلاد ابن قادر
…
...
…
...)
(ولا تُملْ لسبب لم يتصِل
…
والكفُّ قد يوجبه ما ينفصل)
مراد المصنف بالاتصال والانفصال ها هنا أن يكون الممال في كلمة والسبب المقتضي لإمالته في كلمة أخرى، أو سبب الإمالة في كلمة والمقتضى لكفه في كلمة أخرى.
فأما المسألة الأولى: هو كون السبب المقتضى للإمالة غير متصل فإنه لا يبيح الإمالة، فلا يمال نحو "لزيدٍ مال" لوقوع الألف بعد الياء، لكون السبب منفصلاً؛ وتمتنع الإمالة في نحو:"كتاب خالدٍ" وإن كانت الألف قد وليت
تالي كسرٍ ما يكف بعدها، وهو حرف الاستعلاء، ولا يضر كونه منفصلا في كلمة أخرى؛ ومثل المصنف وابنه هذا بنحو:"أتى قاسِم".
وفي هذا التمثيل نظر، لما تقدم من أن المانع من الإمالة [إنما يؤثر إذا كان سبب الإمالة كسرة، أو ياء ظاهرتين، وهنا سبب الإمالة] إنما هو وقوع الألف طرفا، فلا يؤثر فيها المانع لو كان متصلا، كما في نحو:"غَوَى" فأن لا يؤثر فيها المنفصل أولى.
(وقد أمالوا لتناسب بلا
…
داعٍ سواه كـ"ـعِمَاداً وتلا"
من الأسباب الحاملة على الإمالة طلب التناسب بأن تكون الألف مصاحبة لألف ممالة لسبب من الأسباب المتقدمة، إما في كلمتها كقولك:"رأيت عماداً" فإن الألف تستحق الإمالة لوقوعها بعد تالى كسرة، وتمال الثانية طلبا للتناسب.
وكذلك: "حِمادى" تمال منه الثانية لردها إلى الياء في التثنية، وتمال الأولى لمناسبتها.
وإما في كلمة مجاورة لكلمتها؛ كما أمال أبو عمرو وغيره ألف {وَالضُّحَى} [الشمس: 2] مع أنها منقلبة عن واو لتناسب ألف {سَجَى} [الضحى: 1] وما بعدها، وأما تمثيل المصنف بـ (تَلَا) مشيراً إلى قوله:{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [الانشقاق: 17] فإنه قد أميل لمناسبة الإمالة في {جَلَّاهَا} [الشمس: 2] ففيه نظر، لأن ألف (تلا) ترد إلى الياء في حال البناء للمفعول وذلك من مقتضيات الإمالة، ففيه داع للإمالة سوى التناسب.
(ولا تُمِل ما لم يَنَل تمكنا
…
دون سماعٍ غيرها وغيرنا)
تعبير المصنف عما لا يمال اطراداً يكونه غير متمكن مع اطراد إمالة الفعل الماصي في نحو: "هَوَى وغَوَى" وما أشبهها غيرُ محرَّر؛ وإنما العبارة المحررة أن يقال: لا تطرد الإمالة في الحرف ولا فيما أشبهه من الأسماء، فلا تدخل الإمالة
في نحو: "إلى وعلى" وإن كانت ألفهما ترجع إلى الياء في نحو: إليه، وعليه، مع زيادة "إلى" بسبق الكسرة، ولا في نحو:"إذا وإياك" وإن تقدمتها كسرة، فإن سُمعت الإمالة في شيء من ذلك اقتصر فيه على السماع لشذوذه، فمن ذلك إمالتهم "متى وبَلَى وأتَّى ولا" في قولهم:"أمّالا" و {ال رَّ} [فواتح السور] ونحوها من فواتح السور وكل ذلك يقتصر فيه على المسموع إلاّ "ها ونا" من الضمائر فإنهم طردوا الإمالة في ألفهما إذا وجد سبب مقتض لذلك نحو: "مَرّ بها ونظر إليها" و "مَرّ بِنا ونَظَر إلينا".
(والفتحُ قبل كسر راءٍ في طرف
…
أمِلْ كللأ يسر مِلْ تكْفَ الكلف)
(كذا الذي تليه ها التأنيث في
…
وقفِ إذا ما كان غير أَلِفِ)
هذا الموضعان تمال الفتحة فيهما وإن لم يتعقبها ألف.
أحدهما: أن تكون سابقة لراءٍ مكسورة متطرفة نحو: "مِل للأيسر" ومثله: {إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ} [المدثر: 35]{تَرْمِي بِشَرَرٍ}
{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] ولا فرق بين كون الراء متصلة بالفتحة -كما مثل- أو مفصولة منها بساكن نحو: "أخذته مِن عَمْرٍو" ويشترط في الفتحة أن تكون في غير حرف العلة، فلو كانت في واو كـ"ـالصُّوَرِ"، أو ياءٍ كـ"ـالغِيَر" لم تمل، واشتراط المصنف كون الراء متطرفة مع نص سيبويه على إمالة "رأيت خَبَطَ رياحٍ" مشكل.
الثاني: أن تكون سابقة لهاء التأنيث عند الوقف عليها كـ"ـرَحْمه ونِعمهء" وحسّن ذلك شَبَهُ هاء التأنيث بألفه، لموافقتها لها في المخرج والمعنى والزيادة والتطرف، والاختصاص بالأسماء؛