المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

هذا الباب عقدة المصنف لبيان حكم‌ ‌ العدد الذي له مميز، - إرشاد السالك إلى حل ألفية ابن مالك - جـ ٢

[برهان الدين ابن القيم]

الفصل: هذا الباب عقدة المصنف لبيان حكم‌ ‌ العدد الذي له مميز،

هذا الباب عقدة المصنف لبيان حكم‌

‌ العدد

الذي له مميز، فذكر كيفية التلفظ به، وكيفية إعراب مميزه، لذلك لم يذكر فيه الواحد ولا اثنين وإن كانا من جملة العدد لأنه لا مميز لهما، ولا يذكر معهما المعدود، فلا يقل:"واحدُ درهمٍ" ولا "اثنا درهم" لأن كل واحد من المعدودين يفيد ما أريد به من الجنسية، والدلالة على الوحدة أو شفع الواحد بمثله، فذِكر العدد معهما تكرير، بخلاف "ثلاثة دراهم" فإن المميز إنما يفيد مطلق الجمع لا التقييد بعدد خاص فاحتج معه إلى ذكر العدد، وحكمهما في التلفظ بهما التذكير مع المذكر، والتأنيث مع المؤنث كسائر الألفاظ.

(ثلاثةَ بـ"ـالتاء" قل للعشره

في عد ما آحادُه مذكره)

(في الضدِّ جرِّد، والمميزَ أجررِ

جمعا بلفظ قلةِ في الأكثر)

كان قياس العدد المميز بجمع، وهو ثمانية ألفاظ: الثلاثة والعشرة وما بينهما أن يستعمل بالتاء مطلقا، لأن مسمياتها جموع، والجموع الغالب عليها التأنيث، إلاّ أنهم أرادوا التفريق بين المذكر والمؤنث فجاءوا بالتاء التي هي الأصل مع المذكر، لأن لأصل، وجرّدوه منها مع المؤنث لطلب الفرق، فقالوا:"ثلاث نسوة" و"أربعة رجال" قال تعالى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:7] ثم الاعتبار في التذكير والتأنيث بالآحاد، لا بصورة

ص: 829

الجمع، فتقول:"ثلاثةُ اصطبلات" و"ثلاثةُ حمَّامات" لأن آحادها: "أصطبل" و"حمام" وهما مذكران، وتقول:"ثلاث إِوَزِّين" لأن واحدها: "إوَزَّة" وليس الاعتبار في ذلك بلفظ الواحد دون معناه، حتى يقال:"ثلاث طلحات" ولا بمعناه دون لفظه، حتى يقال:"ثلاث شخوص" -مراداً به نسوة- ولكن ينظر إلى ما يستحقه المفرد باعتبار نعته وضميره، فيعكس ذلك في العدد، فكما يقال:"حمزة صالح" و"زينب شخصٌ يُحْسِنُ إلى أهله" تقول في عددهما: "ثلاثة حمزات""وثلاثة أشخص" ولذلك عدّ النحاة قوله:

481 -

(

ثلاثُ شخوص كاعبانِ ومُعْصِر)

ص: 830

شاذا، مع أنه سهله أنه اتصل به بعد ما يعضد المعنى من صفات المؤنث وكما تقول:"نفسٌ زكية" تقول في العدد: "ثلاث أنفس" ونحو:

482 -

(ثلاثة أنفس وثلاث ذود

)

فضرزة سهَّلها أن المراد بالنفس "البدن".

ص: 831

فإن كان المعدود صفةً حذف موصوفها، فالمراعي في التذكير والتأنيث حكم الموصوف المحذوف، فتقول:"عندي ثلاث حوائض" لأن الموصوف المحذوف نسوة، و "عندي ثلاثة هُمَزات" - إذا جعلته وصفا لـ"ـرجال"- وعلى ذلك جاء قوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] لأن المراد: "عشر حسنات" ولولا ذلك لدخلت التاء في "العشر" لأن "المثل" مذكر.

ومميّز هذا النوع من العدد مجرور -مطلقا- ثم أكثر ما يكون جمعا مكسرا، بلفظ القلة، نحو:{أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة:2]{سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان:27] و {وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة:7] وقد يأتي جمع تصحيح، لكن أكثر ما يكون ذلك فيمنا أهمل تكسيره، كـ {سَبْعَ سَمَوَاتٍ} [البقرة:29] و "خمس صلوات" أو جاور ما أهمل تكسيره، كـ {وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ} [يوسف:43] لمجاورته {سَبْعَ بَقَرَاتٍ} [يوسف:43] أو أشبهَ

ص: 832

المكسر لعدم سلامة الواحد فيه، أما لنقص، كـ {سَبْعَ سِنِينَ} [يوسف:47] أو لتغيّر حركة: كـ "سبع أرَضين" ويأتي جمع كثرة إما لأن جمع القلة فيه مهمل [كـ"ـثلاثة دراهم" و"خمسة رجال" وإما لقلته] كـ"ـثلاثة شُسُوع" لندور "أشساع" وإما لضعفه قياسا، كقوله تعالى:{ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة:228] فإن جمع "فَعْلٍ" -صحيح العين- على "أفعال" شاذ قياسا، ويأتي مفردا، نحو:"ثلاث مائة" واسم جنس كـ"شَجَرٍ" واسم جمع كـ"رَهْطٍ" لكن الأكثر على هذين الآخرين -إذا ميّز بهما- أن يجرّا بـ"ـمن" فيقال: "ثلاث من الشجر" و"أربعة من القوم" قال تعالى: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ

ص: 833

الطَّيْرِ} وقد يجر بالإضافة، نحو:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ} [النمل:48] وفي الحديث: "ليس في ما دون خمس ذَودٍ" وهما في التذكير والتأنيث عكس الجمع، فيعتبر ذلك فيهما بحالهما لا بحال مفرديهما، فتقول:"ثلاثة من الغنم" و"ثلاث من البط" لأنك تقول: "غنم كثير" و"بط كثيرة" وتقول: "ثلاث من البقر- وإن شئت- ثلاثة" لتأنيثه في قراءة بعضهم: {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ} [البقرة:70].

(ومائةً والألفَ للفرد أضف

ومائةٌ بالجمع نَزْر قد ردف)

المائة والألف يشاركان الأعداد الثمانية المذكورة في كون مميزهما مجرورا بإضافتها إليه، لكن حق مميزهما أن يكون مفردا كما نطق به القرآن، نحو:{فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:259]{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ} [العنكبوت:14] وكذلك كل ما يتركب منهما، نحو:"مائتي عام" و"ثلاثة آلاف سنة".

ص: 834

وقد جاء مميز المائة بلفظ الجمع إلاّ أنه: نَزْر، أي: قليل، ومنه قراءة بعضهم {ثَلاثَمِائَةٍ سِنِينَ} [الكهف:25]-بالإضافة- وأندر منه مجيؤه مفردا منصوباً كقوله:

483 -

(إذا عاش الفتى مائتين عاما

فقد ذهب المسرَّةُ والفَتَاء)

(وأحَدَ اذكر وصلنه بـ"عَشَر

مركبا قاصَدَ معدودِ ذَكَر)

(وقل لدى التأنيثِ إحدى عَشْره

والشينُ فيها عن تميمِ كَسْره)

إذا جاوزتَ العشرة في العدد ركبت النيف وهو الواحد والتسعة وما بينهما [مع العقد وهو العشرة والتسعون وما بينهما] إلاّ أنك في العشرين وما فوقها تركبه بالعطف، كما يأتي، ومع العشرة تركبه دون عطف.

عدنا إلى شرح كلام المصنف

ص: 835

[ومعناه أنك] إذا ركبت الواحدة مع العشرة أبدلت لفظه في التذكير بـ"ـأحد" وفي التأنيث بـ"ـإحدى" معتبرا في تذكير كل من المركبتين وتأنيثه حال المعدود، فتقول:"أحَدَ عَشَرَ رجلا" و"إحدى عشرة امرأة" بفتح الشين مع التجرد من التاء عند الكلّ، وبسكونها مع "التاء" عند الحجازيين، وكسرها عند التميميين، وبعضهم يفتحها أيضا.

(ومعَ غير "أحد" و"إحْدَى"

ما مَعْهُما فَعَلْتَ فَافْعَلْ قَصْدا)

حكم العشرة مع غير "أحد" و"إحدى" من النيف المركب معها أو المضاف إليها حكمها معهما، فتأتي بها على الأصل من التجريد إن كان المعدود مذكرا، والاتصال بالتاء إن كان المعدود مؤنثا، فتقول:"ثلاثة عشر رجلا" و"ثلاث عشرة امرأة" وكذا سائرها، وفي "شِينٍها" مع التاء ما سبق من اللغات الثلاث.

(ولثلاثةِ" و"تسعةِ" وما

بينهما إنْ رُكبا ما قُدِّما)

الثلاثة والتسعة [وما بينهما] إذا ركبا مع العشرة [كان حكمهما في التذكير والتأنيث ما تقدم عند عدم التركيب، فتتجرد من التاء إن كان

ص: 836

من التاء إن كان لمعدود مؤنثا] وتتصل بها إن كان مذكرا، فلذلك لا يتصور اجتماع التجريد ولا التّلبّس فيها وفي العشرة، إذ المعتبر في تذكير العشرة وتأنيثها مطابقة حال المعدود، كما سبق، وفي تذكير الثلاثة وباقي النيف وتأنيثها عكس حال المعدود، فلذلك قال تعالى:{عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30] لأن واحد المعدود مَلَكٌ، فاعتبر مطابقته في العشرة فتجردت، وعكس ذلك في التسعة فاتصلت بالهاء وعكسه:"أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة".

(وأولِ "عَشرَةَ" اثنتي و"عَشَرا"

اثنَيْ إذا أُثني تشا أو ذَكَرا)

ص: 837

(والياء لغيرِ الرفعِ، وارفعْ بالألف

والفتحُ في جُزْأَيْ سِواهما أُلف)

إذا ركبتَ الاثنين أو الاثنتين مع العشرة أضفتهما إليها، معتبرا -في حالهما مع ما ركبا معه- مطابقة حال المعدود تذكيرا وتأنيثا كالواحد، فتقول:"عندي اثنا عشر رجلا واثنتا عشرة امرأة" وإلى المثال الثاني أشار المصنف بقوله: "وأوْلِ عَشْرَة اثنتْي" وإلى الأول أشار بقوله: "وعَشَرَا اثْنَي" إذ المعنى: وأول عشرا اثنى، وقوله:"إذا أُنثى تشا أو ذكرا": تقسيم لا تخيير، ولذلك أوقعه مطابقا لحال المثالين فقدم الأنثى لتقديم عددها في التمثيل، قم هو مخالف لجميع المركبات في أن النَّيَّف يعرب مضافا إلى العشرة، فيكون بالياء في غير الرفع، وهو الجر والنصب، نحو:"رأيت اثنيْ عشر رجلا" و "مررت باثْنَيْ عَشَرة امرأة"[ويرفع بالألف، نحو: "جاءني اثنا عشر رجلا، واثنتا عشرة امرأة"] وأما سواهما من الأعداد فالمألوف فيها بناء الجزأين.

ص: 838

وهما: النّيّف والعشرة على الفتح نكرت نحو: "عندي ثلاثة عشر رجلا" أو عرفت كـ"ـمررت بالخمسة عشر رجلا"، ويستثنى من ذلك لفظتان الأولى:"إحدى" فإنها تُبنى على السكون حال تركيبها لعدم قبول الألف للحركة.

الثانية: "ثماني" فإن من العرب من يسكن ياؤه كما يسكن "ياء" معدي كرب -عند التركيب- ومنهم من يفتحها على القاعدة، ومنهم من يحذفها [إما مع كسر النون] للدلالة عليها، وإما مع فتحها على قاعدة التركيب.

(وميز العشرينَ للتسعينا

بواحدِ كـ"ـأربعينَ" حِينا)

مميز العشرين والتسعين وما بينهما من العقود مفرد منصوب، سواء كانت مفردة كـ"ـخمسين عاماً" أو معطوفا عليها نيف كـ"ـثلاثة وثلاثين رجلا" و"تسعة وتسعين درهما" ثم لفظ العقد لا يختلف ذكّر معدوده أو أنت، نحو:{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا} [الأعراف:155]{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف:142] وأما النيف فحكمه معه حكمه إذا انفرد، فيطابق بالواحد والاثنين حال معدودهما، فتقول:"عندي واحد وثلاثون [رجلا" -وإن شئت: أحد وثلاثون-] و "واحدة وثلاثون امرأة" -والأكثر: إحدى وثلاثون- و "اثنان

ص: 839

وثلاثون [رجلا" و "اثنتان وثلاثون] امرأة" ويخالف بالثلاثة والتسعين وما بينهما حال معدودهما، فتقول "ثلاث وثلاثون جارية" و "تسعة وأربعون عبدا" قال تعالى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص:23] وفي الحديث: "إن للهِ تسعةً وتسعين اسما".

(ومَّيزُوا مركَّبا بمثل ما

مُيِّز "عشرون" فسوِّينْهُما)

المركب من الأعداد بغير عطف، وهو:"أحد عشر" و "تسعة عشر" وما بينهما يميز ما يميز به "عشرون" وأخواته، من مفرد منصوب، نحو:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا} [يوسف:4]{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة:36] فأما قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} [البقرة:160] فالوجه أن المميز محذوف، تقديره:"فرقة"، و"أسباطا" بدل من:"اثنتي عشرة" إذ لو كان تمييزا لقيل: "اثنا عشر" لأن واحده: "سَبْط" وهو مذّكر.

(وإن أضيف عدد مركَّب

يَبقى إلينا وعَجُزٌ قد يعرب)

تختص الأعداد المركبة بغير إضافة بجواز إضافتها إلى مستحق المعدود، ثم فيها لغتان، أشهرهما بقاء البناء، نحو:"مررت بأحدَ عشَرَ زيدٍ" وجعل

ص: 840

أكثر البصريين هذا واجبا. واللغة الثنية حكاها سيبويه وهو إعراب العجز بما يقتضيه العامل مع بقاء فتح الصدر، كما يفعل ذلك بـ"ـبعلبك" فتقول:"هؤلاء أحَدَ عشرُ زيدٍ" و "رأيت أحَدَ عَشَرَ زَيدٍ" و "مررت بأحَدَ عَشَرَ زيدٍ" -تجرة بالكسرة لفقد العملية المقتضية مع التركيب منع صرف "بعلبك" قال سيبويه: وهي لغة رديئة، وحكى الكوفيون فيها لغة ثالثة، وهي إضافة الصدر إلى العجز، معربا بما يقتضيه العامل، ثم إضافة العجز مجروراً إلى مستحق المعدود، فتقول:"هذه أحَدُ عَشَرِك" و "رأيت أحَدَ عَشَرِك" و "مررت بأحَدِ عَشَرِك" ولم يخصوا هذه اللغة بحال الإضافة، بل أجازوا إضافة صدر المركب من العدد إلى عجزه مطلقا، مستدلين لقوله:

484 -

(كُلِّفَ من عَنائِه وشقِوتِه

بنتَ ثماني عَشْرَةٍ من حُجَّتِه)

ص: 841

(وصغ من اثنينِ فما فوقُ إلى .. عَشَرةِ كـ"ـفاعِلِ من فَعَلا)

(واختِمه في التأنيث بالتا ومَتَى

ذَكَّرْتَ فاذكرْ "فاعلا" بغيرِ تا)

"واحد" و"واحدة" من أسماء العدد موضوعان على وزن "فاعِل" و"فاعلِة" فلذلك أضرب المصنف عن ذكرهما، ومتى استُعملا مع "العشرة أو ما فوقها من العقود فإنك تنقل "الفاء" منها إلى موضع:"اللام" وتقلبهما ياء، فتقول:"حادي" -في التذكير- و"حادية" -في التأنيث- فأما ما زاد عليهما فـ"ـالاثنان" فما فوقها إلى "العشرة" لك أن تصوغها على وزن "واحد" و"واحدة" فتبني منهما اسم فاعل كما تبنيه من الفعل الثلاثي، وتأتي به على وزن ["فاعل" -بغير تاء- مع المذكر، وعلى وزن]"فاعلة" -بالتاء- مع المؤنثة، فتقول:"هذا ثالث القوم" و "هذه رابعة النَّسوة" كما تقول: "هذا

ص: 842

ضارب القوم" و "وهذه سابقة النسوة" ولك أن تستعمله مفرجدا لقصد الدلالة على معناه مجردا عن الإضافة نحو:

485 -

(

لستةِ أعوامٍ وذا العامُ سابع)

ولك أن تستعمله مضافا إلى غير عدد، كما مثّل.

(وإن تُردْ بعضَ الذي منه بُني

تُضفْ إليه مثلَ بعضِ بَيِّن)

(وإن تُردْ جعْلَ الأقلِّ مثلَ ما

فوقُ فحُكْمَ "جاعلِ" له احكُما)

لهذا العدد المحول إلى بناء "فاعل" في الاستعمال مع غيره خمسة أحوال:

أحدها: أن تستعمله مع أصله الذي بني منه للدلالة على أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير، فتضيف الأول إلى الثاني، فتقول:"خامسُ خمسةٍ" و "رابعُ أربعةٍ" كما تقول: "بعضُ أربعةٍ" و "بعضُ خمسةٍ" قال تعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة:40]{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] ولا يتأتى هذا الاستعمال في "الواحد" لفقد البعضية.

ص: 843

وهذه الإضافة واجبة عند الجمهور، ولم يثبت بما أجازه الكسائي، والأخفش من نصب الثاني شاهد، وخص المصنف -في غير هذا الموضع- النصب بـ"ـثان" دون بقية أخواته".

الحال الثاني: أن يستعمل مع عدد دون أصله الذي بني منه، مقصودا به جعل الأقل من العدد المستعمل معه مثل الأكثر، وهو العدد الذي هو أصله، نحو:"هذا رابعُ ثلاثةٍ" أي: "جاعلهم بنفسه أربعةً" فيكون حكمه حكم "جاعل" ونحوه من اسم الفاعل الذي يجوز أن ينصب ما بعده، وأن يجره بالإضافة، ويحتملها قوله:{سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} [الكهف:22] ولا يتأتى هذا الاستعمال في "ثان" فلا يقال: "ثاني واحد" -بإضافةٍ ولا نصبٍ- وأجازه بعضهم بالنصب، نحو:"ثاني واحدا" دون الإضافة، وبعضهم مطلقا.

ص: 844

(وإن أردتَ مثلَ ثاني اثنين

مركبا فجيء بتركيبين)

(أو فاعلا بحالتَيْه أَضِفْ

إلى مركَّبِ بما تَنْوي يَفي)

(وشاع الاستغنا بحادي عَشَرا .. ونحوهِ، قبلَ عشرينَ اذكُرا)

(وبابه الفاعل من لفظِ العَدد

بحالتيه قبل واوٍ يُعتَمَد)

هذه الثلاثة الأحوال الباقي من أحوال العدد المصوغ إلى بناء "فاعل".

فالأول منها: أن تستعمله مع العشرة ليفيد معنى "ثاني اثنين" ففي صوغه ثلاثة أوجه، أقيسها ما ذكره المصنف أولا، وهو أنك تأتي بتركيبين مشتملين على أربعة ألفاظ:

الأول: الوصف مركبا مع العَشَرة.

والثالث العدد المشتق منه الوصف مركبا مع العشرة -أيضا- فتقول: "هذا ثاني عَشَرَ اثني عشر" و "رابع عَشَرَ أربعةَ عَشَرَ" بإضافة المركب الأول إلى المركب الثاني.

الوجه الثاني: أن تحذف العقد، وهو "العَشْرُ من المركب الأول وتأتي بـ"ـفاعل" بحالتيه من التذكير والتأنيث مضافا إلى المركب الثاني، وعلى هذا فيعرب الأول لزوال التركيب المقتضي لبنائه، فتقول: "هذا ثالثٌ ثلاثةَ عَشَرَ" و "هذه رابعةٌ أرْبَعَ عَشْرَة".

الوجه الثالث: أن يقتصر على التركيب الأول باقيا على بناء صدره، فتقول:"ثالثَ عَشَرَ" وإليه أشار المصنف بقوله: "وشاع الاستغناء بحادي عشرا ونحوه" وبعض العرب فيقول: "حادِي عَشَر".

ص: 845

هذا ظاهر كلام المصنف هنا في إيراد الوجه الثالث، وبه شرحه ابنه، والتحرير في هذا الوجه أن يقال:"يحذف العقد من المركب الأول والنيف من المركب الثاني، ثم تضيف ما بقي معك من التركيب [الأول وهو النيف إلى ما بقي معك من التركيب] الثاني وهو العقد، معربا لهما لزوال سبب البناء وهو التركيب، فتقول: "هذا ثالثُ عَشَر" ونحوه، وبعضهم يعرب الأول ويترك الثاني مبنيا، فيقول: "هذا ثالثُ عَشَرَ" وأما بناؤهما معا كما هو مقتضى كلام المصنف وشرح ابنه له فحكى وجها ثالثاً في استعماله، ورده بعضهم بأنه لا دليل -حينئذ- على أن هذين الاسمين منتزعان من تركيبين، وأجيب عنه بأن الدليل على ذلك أن "فاعلا" إنما يركب مع العدد الذي اشتق منه، كـ"ـثالث ثلاثة" أو مع أقل منه كـ"ـخامس أربعة" فإذا قيل: "ثالث عشر" عُلم أن هناك تركيبين، والجواب غير مستقيم، أما مقدمته فظاهرة الصحة، وأما النتيجة فباطلة، لأن من أحوال هذا المصوغ أن يستعمل مع العشرة وحدها، لإفادة الاتصاف بمعناه مقيدا بمصاحبتها،

ص: 846

فيذكَّران معا مع المذكر، ويؤنثان مع المؤنث، نحو:"الجزءُ الحادي عَشَرَ" و "المقامة الخامسة عشرة" فإذا قيل -في المنتزع من تركيبين- "حادي عَشَرَ" -ببنائهما- التبس بهذا النوع فاعرفْه فإنه موضع.

الحال الثاني: من هذه الأحوال الثلاثة -ويمكن إدخاله في كلام المصنف- أن تستعمل المركبين لإفادة جعْلَ الأقَل مثل ما فوقه، فتقول:"رابعُ عَشَر ثلاثةَ عَشَر" فالأصل فيه أن تأتي بتركيبين- كما ذكرنا في الذي قبله- إلاّ أنه يلزم أن يكون اللفظ الثالث منهما دون ما اشتق منه الوصف -كما مثلنا- وقد صرح سيبويه بإجازة مثله، ولك في هذه الحال أن تحذف "العشرة" من التركيب الأول، وتضيفه إلى مجموع الثاني، وليس لك أن تحذف النيف من الثاني لئلا يلتبس بالاستعمال الذي قبله.

الحال الثالث: وهو المكمل للأحوال الخمسة من أحوال العدد المصوغ إلى فاعل [وهو أن تستعمله مع العشرين وأخواتها فَتَذْكُر الفاعل] من لفظ العدد بحالتيه من التذكير والتأنيث، وتعطف عليه العقد بالواو فتقول:"حادي وعشرون" و "ثانية وعشرون" إلى ثلاثة وتسعين، وتاسع وتسعين، وإلى هذا الحال أشار بقوله:

(وقبل عشرين اذكر

إلى آخره)

ص: 847