الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والواقديُّ: متروك - أيضًا.
والمعنى: أنَّ السحابةَ إذا طلعتْ بالمدينةِ من جهةِ البحرِ، ثمَّ أخذتْ إلى
ناحيةِ الشامِ، جاءتْ بمطرٍ كثير، وهو الغدَقُ.
قال تعالى: (لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا) .
وقيَّده ابنُ عبدِ البرِّ: "غُدَيقةٌ" بضمِّ الغينِ بالتصغيرِ.
ومن هذا المعنى: قولُ اللَّهِ عز وجل: (فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا) .
وفسَّره علي بنُ أبي طالبٍ وابنُ عباسٍ ومَن بعدَهُما بالسحابِ.
قال مجاهدٌ: تحملُ المطر.
* * *
قال الله تعالى: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
(87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95)
قال آدمُ بنُ أبي أياسٍ: حدثنا حمادُ بنُ سلمةَ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، عن
عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، قالَ: تلا رسولُ اللًهِ صلى الله عليه وسلم هذه الآيات: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) .
إلى قولِه: (فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) .
إلى قولِه: (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) .
قال: "إذا كانَ عندَ الموتِ قيلَ له هذا، فإن كانَ من أصحابِ اليمينِ أحبَّ لقاءَ اللَّهِ وأحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، وإن كانَ من أصحابِ الشمالِ كَرهَ لقاءَ اللَّهِ وكرهَ اللَّهُ لقاءَه ".
وخرَّج الإمامُ أحمدُ، من طريقِ همّامٍ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، سمعتُ
عبدَ الرحمنِ بنِ أبي ليلَى - وهو يتبعُ جنازةً يقولُ: حدثني فلانُ بن فلانِ.
سمعَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:
"مَن أحبَّ لقاءَ اللَّهِ أحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، ومن كرهَ لقاءَ اللهِ كرهَ اللَّهُ لقاءَهُ ". فأكبُّ القوم يبكونَ.
قال: "ما يبكيكُم؟ " قالوا: إنا نكرهُ الموتَ.
قال: "ليسَ ذاك، ولكنَّه إذا حُضِرَ:(فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) .
فإذا بشرَ بذلكَ أحبَّ لقاءَ الله، واللَّهُ للقائه أحبُّ.
(وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) .
وفي قراءة ابن مسعود: (ثُمَّ تَصْلِيةُ جَحيم) .
فإذا بشرَ بذلكَ كرهَ لقاءَ اللَّهِ واللَّهُ للقائهِ أكْرَهُ ".
خرَّج ابنُ البراءِ في كتابِ "الروضةِ" من حديثِ عمرِو بن شَمِر - وهو
ضعيف جدًّا - عن جابر الجعفي، عن تميم بن حَذْلم، عن ابنِ عباس، عن
النبي صلى الله عليه وسلم:
"ما من ميِّتٍ يموتُ إلا وهو يعرفُ غاسلَه، ويناشدُ حاملَه، إن كان بُشِّر
بَروح وريحانٍ وجنةِ نعيمٍ أن يعجِّلَه، وإن بُشِّرَ بنزلٍ من حميمٍ وتَصْليةِ جحيمٍ أن يحبسَهُ ".
وفي "صحيح البخاريّ "، عن عبادةَ بنِ الصامتِ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"من أحبَّ لقاءَ اللَّهِ أحبَّ اللَهُ لقاءَهُ، ومن كرهَ لقاءَ اللَّهِ كرهَ اللَّهُ لقاءَهُ "، فقالتْ عائشةُ، أو بعضُ أزواجهِ: إنا نكرهُ الموتَ.
قالَ: "ليس ذلكَ، ولكن المؤمنَ إذا حضرَه
الموتُ بُشِّر برضوانِ اللهِ وكرامتهِ، فليسَ شيءٌ أحبَّ إليه مما أمامَهُ، فأحب لقاءَ اللهِ وأحبَّ اللَهُ لقاءَه، وإنَّ الكافرَ إذا حُضِر، بُشِّر بعذابِ اللهِ وعقوبتهِ، فليسَ شيءٌ كرهَ إليه ممَّا أمامَهُ، فكرهَ لقاءَ اللَّهِ وكرهَ اللَهُ لقاءَهُ ".
وقد رُوِيَ هذا المعنى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددهِ.
وفي حديث زاذن، عن البراءِ بن عازبٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ نفسَ المؤمنِ يقالُ لها: اخْرجي أيتها النفسُ المطمئنةُ إلى مغفرة من اللَّهِ ورضوان، فتخرجُ وتسيلُ كما
تسيلُ القطرةُ من فيِّ السقاءِ، وإنَّ نفسَ الكافرِ يُقال لها: اخرجي أيتها النفسُ الخبيثةُ إلى غضبِ اللهِ وسخطه، فتتفرقُ في جسدِهِ، وتأبى أن تخرجَ، فيجذبونَها، فتنقطعُ معها العروقُ والعصبُ ".
وفي روايةِ عيسى بنِ المسيبِ عن عديِّ بن ثابت، عن البراءِ، عن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم قال:
"فتتفرق روحُهُ في جسدِهِ، كراهةَ أن تخرجَ لما ترى وتعاين، فيستخرِجُها.
كما يستخرجُ السفودَ من الصوفِ المبلولِ ".
وقد دلَّ القرآنُ على عذابِ القبرِ في مواضعَ أُخرَ كقولهِ تعالى:
(وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) .
وخرَّجَ الترمذي بإسناده، عن عليٍّ قالَ: مازِلْنا في شكٍّ من عذابِ
القبرِ حتى نزلتْ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) .
وخرّج ابن حبانَ في "صحيحهِ "، من حديثِ حمَّادِ بنِ سلمَة، عن
محمدِ بنِ عمرو، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، في قوله سبحانه وتعالى:(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) .
قال: "عذابُ القبرِ".
وقد روي موقوفًا، وروي من وجهٍ آخر عن أبي هريرةَ مرفوعًا.
وروي من وجه آخرَ من حديثِ أبي سعيدٍ الخدريّ، مرفوعًا وموقوفًا.
وسيأتي ذلك كلُّه إن شاءَ الله تعالى.
وقال آدمُ بنُ أبي إياسٍ، حدثنا المسعوديُّ، عن عبدِ اللَّهِ بن المخارق، عن
أبيه، عن ابنِ مسعود رضي الله عنه، قالَ: إذا ماتَ الكافرُ أجلس في قبرِه، فيقالُ له: من ربك؟ وما دينُك؟
فيقولُ: لا أدري، فيضيَّقُ عليه قبُره، ثم قرأ ابنُ مسعود:(فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)، قال: المعيشة الضنكُ: عذابُ القبرِ.
وروى شريك، عن ابنِ إسحاقَ، عن البراءِ، في قولهِ عز وجل: (عَذَابًا
دُونَ ذَلِكَ) . قال: عذابُ القبرِ.
وكذا رُوي عن ابنِ عباسٍ، في قولِه سبحانه وتعالى: (لَنُذِيقَنَّهم مِّنَ الْعَذَابِ
الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكبَرِ) ، أنه عذابُ القبرِ.
وكذا قال قتادةُ، والربيعُ بنُ أنسٍ، في قولِه عز وجل:(سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ)
إحداهما في الدنيا، والأُخرى هي عذابُ القبرِ.
وقد تواترتِ الأحاديثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عذابِ القبرِ والتعوّذِ منه.
وفي "الصحيحينِ " عن مسروق عن عائشةَ رضي الله عنها، أنها سألتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن عذابِ القبرِ، قال:"نَعمْ، عذابُ القبرِ حق" قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: فما رأيتُ
رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلكَ صلَّى صلاةً إلا تعوَّذ من عذابِ القبرِ.
وفيهما عن عَمْر، عن عائشةَ رضي الله عنها، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:
"إنّي رأيتكم تفتنونَ في القبورِ كفتنةِ الدَّجَّالِ "، قالتْ عائشةُ رضي الله عنها: فكنتُ أسمعُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلكَ يتعوّذُ من عذابِ القبرِ.
وفي "صحيح مسلم " عن ابنِ عباسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يعلِّمُهم هذا الدعاءَ كما يعلِّمُهُم السورةَ من القرآنِ:
"اللهُمّ إنِّي أعوذُ بكَ من عذابِ جهنَّمَ، وأعوذُ بكَ من عذابِ القبرِ، وأعوذُ بكَ من فتنةِ المسيح الدجالِ، وأعوذُ بكَ من فتنةِ المحيا والممات ".
وفيه - أيضًا -، عن أبي هريرةَ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا فرغَ أحدُكم من التشهدِ الآخرِ، فليتعوَّذ باللَّهِ من أربع: من عذاب جهنَّم، ومن عذابِ القبرِ، ومن فتنةِ المحيا والمماتِ، ومن فتنةِ المسيح الدَّجالِ ".
وفي "صحيح مسلم " عن زيدِ بن ثابت، قال: بينما النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حائطِ بني النجارِ على بغلة له، ونحن معهُ، إذ حادتْ بهِ، فكادتْ أن تلقيَهُ، وإذا أَقْبُرٌ ستةٌ أو خمسةٌ أو أربعةٌ، فقال:"من يعرفُ أصحاب هذه الأقبُرِ؟ "
فقال رجلٌ: أنا، فقالَ:"متى ماتَ هؤلاءِ؟ "
فقال: ماتُوا في الإْشراكِ، فقالَ النبيُّ
- صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الأمةَ تُبتلى في قبورِها، فلولا أن لا تَدافَنُوا لدعوتُ اللَّهَ أن يسمعَكُم من عذابِ القبرِ الذي أسمعُ منه ".
ثم أقبلَ علينا بوجهِهِ فقال: "تعوَّذوا باللَهِ من عذابِ النارِ"، فقالوا: نعوذُ باللَّهِ من عذابِ النارِ، فقالَ:"تعوَّذوا باللهِ من عذاب القبرِ".
قالوا: نعوذُ باللَّهِ من عذابِ القبرِ، فقال:"تعوَّذُوا باللهِ من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطَنَ "، قالوا: نعوذ باللَّهِ من الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ، قال:"تعوَّذوا باللهِ من فتنة الدجال "، قالوا: نعوذ باللَّه من فتنة الدجال.
وفي "صحيح مسلم " عن أنسٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"لولا أن لا تدافنوا لدعوتُ اللَّهَ أن يسمعَكمُ من عذابِ القبرِ".
وفي "الصحيحينِ "، من حديثِ أبي أيوب الأنصاريِّ، قالَ: خرجَ علينا
النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبتِ الشمسُ، فسمعَ صوتًا، فقالَ:"يهودُ تعذبُ في قبورِهَا".
وخرّج الإمامُ أحمدُ، وأبو داود، من حديثِ البراءِ بنِ عازبٍ، قال:
خرجْنَا معَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في جنازةِ رجلٍ من الأنصارِ فانتهيْنَا إلى القبرِ ولمْ يُلحَد، ْ فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وجلسْنَا حولَهُ، كأنَّ على رؤوسِنَا الطيرُ، وفي
يده عود ينكتُ به الأرضَ، فرفعَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رأسَهُ، فقالَ:"استعيذُوا باللهِ من عذابِ القبرِ"، مرتينِ أو ثلاثًا، وذكرَ الحديثَ بطولهِ.
وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ، من حديثِ أبي الزبيرِ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، قالَ:
دخلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم نَخْلاً لبني النجارِ، فسمعَ أصوات رجالٍ من بني النجارِ، ماتُوا في الجاهليةِ، يعذَّبونَ في قبورِهم، فخرجَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فزعًا فأمَرَ
أصحابَهُ أن يتعوَّذوا باللهِ من عذابِ القبرِ.
وخرَّجَه - أيضًا - من حديثِ أبي سفيانَ، عن جابرٍ، عن أمِّ مبشرٍ، قالتْ:
دخلَ عليَّ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا في حائطٍ من حوائطِ بني النجارِ، فيه قبور منهم، قد ماتُوا في الجاهليةِ، فسمعهم يعذبونَ، فخرجَ وهو يقولُ:"استعيذُوا باللَّهِ من عذابِ القبرِ"، قلتُ: يا رسولَ اللَّه ليعذَّبونَ في قبورِهم؟
قال: "نعم عذابًا تسمعُهُ البهائمُ ".
وفي "الصحيحينِ " عن ابنِ عباسٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم
مرَّ بقبرينِ، فقالَ:"إنهما ليَعذّبانِ، وما يعذبانِ في كبيرٍ، أما أحدُهما فكانَ لا يستترُ من البولِ، وأما الآخرُ فكانَ يمشِي بالنميمةِ"، ثم أخذ جريدةً رطبةً، فشقَّها باثنتينِ، ثم غَرَز على كلِّ قبرٍ منهُما واحدةً، قالوا: لِمَ فعلتَ هذا يا رسولَ اللهِ؟
قال: "لعلَّه يخففُ عنهُما ما لم يَيْبسا".
وقد رُوي هذا الحديثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى مِنْ وجوه متعددةٍ، خرَّجَه ابنُ ماجةَ من حديثِ أبي بكرةَ، وفي حديثهِ:
"وأمَّا الآخرُ يعذَّبُ في الغِيبةِ".
وخرَّجه الخلالُ وغيرُه، من حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي بعضِ رواياتهِ:
"وأمَّا الآخرُ فكان يهْمِزُ الناسَ بلسَانِه، ويمشِي بينَهُم بالنميمةِ".
وخرّجَّه الطبرانيُّ من حديثِ عائشة رضي الله عنها، وأنسِ بنِ مالكٌ، وابنِ عمرَ رضي الله عنهم.
وخرَّجَه أبو يعلى الموصِلي وغيرُه، من حديثِ جابر، وفي حديثهِ:
"أمَّا أحدُهما فكانَ يغتابُ الناسَ ".
وخرَّجَه الإمامُ أحمد، من حديثِ أبي أمامةَ، وفي حديثهِ قالوا: يا نبيَّ
اللَّهِ، وحتى متى يعذبانِ؟
قال: " غَيْبٌ لا يعلَمُه إلا اللَّهُ، ولولا تمريجٌ في قلوبِكم
وتزيدُكُم في الحديثِ لسمعتُم ما أسمعُ ".
ورويَ من وجوهٍ أُخرَ.
وخرَّجَ النسائيُ، من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها، قالتْ:
دخلَتْ عليَّ امرأةٌ من اليهودِ فقالَتْ: إنْ عذابَ القبرِ من البولِ، قلتُ: كذبتِ، قالتْ: بلَى، إنه ليقرظُ من الجلدِ والثوبِ، قالتْ: فخرجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى الصلاةِ، وقد ارتفعتْ أصواتُنا، فقالَ صلى الله عليه وسلم:"ما هذا؟ "
فأخبرتُه بما قالتْ، فقالَ:"صَدَقَتْ ".
وخرَّجَ الإمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ، وابن ماجةَ، من حديثِ
عبدِ الرحمنِ بنِ حسنة، سمعَ النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ:
"أَلَم تعلمُوا ما لقيَ صاحبُ بني إسرائيلَ؛ كانُوا إذا أصابَهُم البولُ قطعُوا ما أصابَهُ البولُ، فنهاهُم فعذِّبَ في قبرهِ ".
وخرّج الإمامُ أحمدُ، وابنُ ماجةَ، من حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"أكثر عذاب القبر من البول ".
وروي موقوفًا على أبي هريرة رضي الله عنه.
وخرّج البزارُ، والحاكم، من حديثِ ابنِ عباس رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم -
قالَ: "إنّ عامَّة عذابِ القبرِ من البولِ، فتنزَّهُوا منه ".
وخرَّجَ الطبراني، والدارقطني، منِ حديثِ أنسٍ، عنِ النبى صلى الله عليه وسلم قال:
"اتّقوا البولَ، فإنَّه أوَّلُ ما يحاسَبُ به العبدُ في القبرِ".
وخرّج ابنُ عدي، من حديث أنسٍ رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مرَّ برجلٍ يعذبُ في قبرهِ من النميمةِ، ورجل يعذَّبُ في قبرهِ من الغيبةِ، ورجلٌ يعذَّب في قبرهِ من البولِ.
وخرَّجَ أيضًا، بإسنادٍ ضعيف، عن قتادةَ، عن أنسٍ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"فتنةُ القبرِ من ثلاثٍ: من الغيبةِ، والنميمةِ، والبولِ ".
ولكن روى عبدُ الوهابِ الخفَّاف، عن سعيدٍ، عن قتادةَ، قالَ: كان يُقال:
عذابُ القبرِ من ثلاثةِ أثلاثٍ: ثلثٌ من الغِيبةِ، وثلث من النميمةِ، وثلث من
البولِ.
خَرَّجه الخلالُ وهذا أصحُّ.
وخرَّجَ الأثرمُ والخلالُ من حديث ميمونة - مولاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لها؟
"يا ميمونةُ! إنَّ منْ أشدِّ عذابِ القبرِ من الغيبةِ والبولِ ".
وقد ذكرَ بعضُهم السر في تخصيص البولِ والغيبةِ والنميمةِ بعذابِ القبرِ.
وهوَ أنّ القبرَ أولُ منازلِ الآخرةِ، وفيه أنموذجُ ما يقعُ في يومِ القيامةِ من
العقابِ والثوابِ.
والمعاصِي التي يعاقبُ عليها العبدُ يومَ القيامةِ نوعانِ: حقُّ اللَّهِ، وحقُّ
العبادِ، وأولُ ما يُقضَى فيه يومَ القيامةِ من حقوقِ اللَّهِ الصلاةُ، ومن حقوقِ
العبادِ الدماءُ.
وأمَّا البرزخُ فقضى فيه في مقدماتِ هذَينِ الحقَّينِ ووسائِلِهما، فمقدمةُ
الصلاةِ: الطهارةُ من الحَدَثِ والخَبثِ، ومقدمةُ الدماءِ النميمةُ والوقيعةُ في
الأعراضِ، وهما أيسرُ أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبةِ والعقابِ
عليهِما.
وروى عبدُ الرزَّاقِ، عن معمر، عن أبي إسحاقَ، عن أبي ميسرةَ، عمرِو
بنِ شرحبيلَ، قالَ: ماتَ رجلٌ، فلمَّا دخلَ في قبرهِ أتتْه الملائكةُ، فقالُوا: إنا
جالدوكَ مائةَ جلده من عذابِ اللَّهِ، قال: فذكرَ صلاتَهُ وصيامَه واجتهادَهُ
قال: فخفَّفُوا عنه حتى انتهى إلى عشرة، ثم سألَهُم، فخَّففوا عنه حتَّى انتهى
إلى واحدة، فجلدوه جلدةً اضطرمَ قبرُه نارًا، وغُشِيَ عليه، فلما أفاق قالَ:
فيم جلدتمُونِي هذه الجلدة؟
قالوا: إنَّك بُلْتَ يومًا، ثم صليتَ ولم تتوضأْ.
وسمعتَ رجلاً يستغيثُ مظلومًا، فلم تغثْهُ.
ورواهُ أبو سنان، عن أبي إسحاقَ، عن أبي ميسرةَ، بنحوِه.
ورويناه من طريقِ حفصِ بن سليمانَ القارئِ وهو ضعيفٌ جدًّا، عن
عاصمٍ، عن أبي وائلٍ، عن ابنِ مسعودٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم به.
فعذابُ القبرِ حصلَ ها هنا بشيئينِ: أحدُهما: تركُ طهارةِ الحَدثِ.
والثاني: تركُ نصرةِ المظلومِ مع القدرةِ عليه، كما أنه في الأحاديثِ المتقدمةِ
حصلَ بتركِ طهارةِ الخبثِ، والظلم بالقولِ، وهي متقاربةٌ في المْعنَى.
وفي حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ سمرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"إنّي رأيتُ الليلَة عجبًا" فذكرَ الحديثَ بطوله، وفيه:"رأيتُ رجُلاً من أمَّتي بُسِطَ عليه عذابُ القبرِ، فجاءَهُ وضوءُه فاستنقذَهُ منه ".
أخرَّجَه الطبراني وغيره.
ففي هذا الحديثِ أنّ الطهارةَ من الحدثِ تُنجي من عذابِ القبرِ.
وكذلك الأمرُ بالمعروفِ والنهيّ عن المنكرِ يُنجِي من عذابِ القبرِ، كما تقدَّم
ذكْرُه في البابِ الثانِي، لأن فيه غايةَ النفع للناسِ في دينهِم.
وكذلكَ الجهادُ والرباطُ، لأنَّ المجاهدَ والمرابِطَ في سبيلِ اللَّهِ كلّ منهُما بذَل
نفسَهُ، وسمحَ بنفسِهِ لتكونَ كلمةُ اللَّهَ هي العُليا، ودينُه هو الظاهرُ، وليذبَّ
عن إخوانِهِ المؤمنينَ عدوَّهم.
ففي الترمذي، عن المقدامِ بن معدي كرب، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"للشهيدِ عندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ: يُغفر لهُ في أولِ دفعةٍ، ويرَى مقعدَهُ من الجنةِ، ويُجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمنُ من الفزع الأكبرِ "
وذكر بقيةَ الحديثِ.
وخرَّج الحاكم وغيرُه، من حديثِ أبي أيوبَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ:
"من لَقِي العدو في سبيل اللهِ فصبرَ حتَى يُقتلَ أو يُغلبَ لم يُفتنْ في قبرهِ أبدًا ".
وفي "صحيح مسلم " عن سلمانَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"رباطُ يومٍ وليلةٍ خيرٌ من صيام شهرٍ وقيامِه، وإن ماتَ أجرِي عليه عملُه الذي كانَ يعملُه، وأُجْرِي عليه رزقُه، وأمِنَ الفتَّان".
وخرَّجَه غيره وقال فيه: "ووُقِيَ عذابَ القبرِ".
وخرّج الترمذيّ وأبو داود، من حديث فَضَالةَ بنِ عُبَيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه أيضًا، ورُوي من وجوهٍ أُخر.
وخرّج النسائيُّ من حديثِ راشدِ بنِ سعدٍ، عن رجلٍ من أصحابِ النبي
صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: يا رسولَ اللَّهِ، ما بالُ المؤمنينَ يفتنونَ في قبورِهم إلا الشهيدُ؟
قال: "كفَى ببارقةِ السيوفِ على رأسهِ فتنةً".
وروى مجالدٌ، عن محمدِ بن المنتشرِ، عن ربعي، عن حذيفةَ، قالَ: إن في
القبرِ حِسَابًا، وفي القيامةِ حِسابًا، فمن حوسبَ يومَ القيامةِ عُذِّبَ.
وروى ابنُ عجلانَ، عن عونِ بنِ عبدِ اللَّهِ، قالَ: يقالُ: إنَّ العبدَ إذا أُدخِلَ
قبرَه، سئِلَ عن صلاتهِ أولَ شيءٍ يُسالُ عنهُ، فإنْ جازَتْ له صلاتُه، نُظِرَ
فيما سِوى ذلكَ من عملهِ، وإن لم تجزْ لهُ، لم ينظرْ له في شيءٍ من عملهِ
بعد.
وقد وردَ فِي عذابِ القبرِ أنواعٌ:
مِنْها: الضربُ إمَّا بمطراقٍ منْ حديدٍ أو غيرِه، وقدْ سبقَ ذلكَ في أحاديثَ
متعددة.
وروي من طريقِ عثمانَ بنِ أبي العاتكة، عن عليِّ بن زيدٍ، عن القاسم.
عن أبي أمامةَ الباهليِّ، قالَ: أتَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بقيعَ الغرقدِ، فوقفَ على قبرينِ، فقالَ:"أدفنتُم ها هنا فُلانًا وفلانة؟ " أو قالَ: فُلانًا وفُلانًا؟ " قالوا: نعمْ @
فقالَ: "قدْ أقعِدَ فلان الآن يُضربُ "، ثمَّ قالَ:"والَّذي نفسِي بيدِهِ لقدْ ضُرِبَ ضربة ما بقيَ منهُ عضوٌ إلا انقطعَ، ولقدْ تطايرَ قبرهُ نارًا، ولقد صرخ به صرخةً يسمعُها الخلائقُ إلا الثقلينِ من الجنِّ والإنسِ، ولولا تمريجٌ في صدورِكم وتزييدُكُم في الحديثِ لسمعتُم ما أسمعُ "،
قالوا: يا رسولَ اللَّهِ ما ذنبُهما؟
قال: "أما فلان فإئه كانَ لا يستبرئُ من البولِ، وأما فلانٌ أو فلانة فكانَ يأكلُ لحومَ الناسِ ". وفي هذا الإسنادِ ضعفٌ.
وخرجَ ابنُ جرير في "تفسيره"، من طريقِ أسباط، عن السُّدِّي قالَ: قالَ
البراءُ بنُ عازبٍ: إن الكافرَ إذَا وُضعَ في قبرِه أتتْه دابَّةٌ كأنَّ عينيهَا قِدْرانِ من
نحاس، معها عمودٌ من حديدٍ، فتضربُه ضربةً بين كتفيهِ، فيصيحُ، فلا يَسمعُ
صوتَه أحدٌ إلا لعنهُ، ولا يَبْقى شيءٌ إلا سمعَ صوته إلا الثقلينِ الجنَّ
والإنسَ.
ومن طريقِ جويبر، عن الضحاكِ، قالَ: الكافر إِذا وُضِعَ في قبرهِ ضُرِبَ
ضربةً بمطراقٍ، فيصيحُ صيحةً، فيسمعُ صوتَه كلُّ شيء إلا الثقلينِ الجنَّ
والإنسَ، فلا يسمعُ صيحَته شيءٌ إلا لعنَهُ.
وروى اللالكائيّ بإسنادِه، عن محمدِ بنِ المنكدرِ، قالَ: بلغَنِي أن اللَّهَ عزَّ
وجلَّ يسلِّطُ على الكافرِ في قبرِه دابّةً عمياءً في يدِها سوطٌ من حديد، رأسُها
مثلُ غربِ البعيرِ فتضربُه بها إلى يومِ القيامةِ، لا تراهُ ولا تسمعُ صوتَه
فترحمُهُ.
ومنها: تسليطُ الحياتِ والعقاربِ عليه؛ وقد سبقَ ذلكَ من حديثِ أبي
هريرةَ.
وروى ابنُ وهب، حدثني عمرُو بن الحارثِ، أن أبا السمح، حدَّثه عن
ابنِ حجيرةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ: "أتدرونَ فِيما أُنزلتْ هذه الآيةُ: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) ؟
تدرونَ ما المعيشةُ الضنكُ؟ "
قالوا: اللَّهُ ورسولُه أعلمُ، قال: "عذابُ الكافرِ في قبرِه، والذي نفسِي بيده إنه ليسلَّطُ عليه تسعة وتسعونَ تِنِّينًا، أتدرونَ ما التنينُ؟
قال: تسعة وتسعونَ حيةً، لكلًّ حيةٍ سبعةُ رؤوسٍ،
وفي روايةٍ: "تسعةُ رؤوسٍ، ينفخونَ في جسمِهِ، وبلسعونَهُ ويخدِشوَنهُ إلي يومِ
يبعثونَ "
خرَّجه بقيُّ بنُ مخلدٍ في "مسندهِ ".
وخرَّجَه البزارُ، من وجهٍ آخرَ عن ابنِ حجيرةَ عن أبي هريرةَ، مرفوعًا
أيضًا مختصرًا.
وخرج ابنُ منده من طريقِ أبي حازمٍ، عن أبي هريرةَ، وذكرَ قبضَ روح
المؤمنِ والكافرِ، وقالَ في الكافرِ: "ويسلَّطُ عليه الهوامُّ، وهي الحياتُ، فينامُ
كالمنهوسِ فينامُ ويفزعُ ".
وخرَّجَه مرفوعًا أيضًا.
وقد رُوي عن درّاج أبي السمح، عن أبي الهيثهم، عن أبي سعيد الخدريِّ.
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يسلَّطُ على الكافرِ في قبرهِ تسعةٌ وتسعونَ تنينًا، يلدغونَهُ حتَّى تقومَ الساعةُ، ولو أنَّ تِنينا منها نفخَ على الأرضِ ما أنبتتْ خضراءَ".
خرَّجَه الإمامُ أحمدُ، وابنُ حبانَ في "صحيحهِ "، من طريقِ سعيدِ بن أبي أيوبَ، عن دراج بهِ.
ورواه ابنُ لهيعةَ، عن درَّاج، مرفوعًا - أيضَّاً - إلا أنه قالَ:"ضمّةُ القبرِ".
وخرَّجه الخلالُ، مِن طريقِ سعيدِ أبي خلادِ بنِ سليم، عن دراج أبي
السمح، عمَّن حدَّثَهُ، عن أبي سعيدٍ: أنَّهم سألُوه عن المعيشةِ الضنكِ.
قال: هي معيشةُ الكافرِ في قبرهِ، يبعثُ اللَّهُ إليه قبلَ يومَ القيامةِ اثنينِ وسبعينَ تنينًا وعقاربَ كالبغالِ يلسعْنهُ في قبرهِ، ويضيّقُ عليه قبرُه حتَّى تدخلَ الأضلاعُ
بعضُها في بعضٍ، يتمنَّى أنه لو خرجَ منها إلى النارِ.
وهذا موقوفٌ، قد سبقَ في البابِ الثاني من وجه آخر مرفوعًا.
وقد رُوي بعضُه من وجهٍ آخرَ مرفوعًا وموقوفًا أيضًا.
وروى منصورُ بنُ صقير، عن حمادِ بنِ سلمةَ، عن أبي حازمٍ، عن
النعمانِ بن أبي عياشٍ، عن أبي سعيدٍ، أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ في هذه الآيةِ:
(فَإِن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) قال: "المعيشةُ الضنكُ عذابُ القبرِ، يضيَّقُ عليه قبرُه
حتَى تختلفَ أضلاعُهُ، ولا يزالُ يعذبُ حتى يُبعثُ "
خرَّجه الخلالُ، ومنصورُ بن صُقير فيه ضعفٌ.
وخالفَهُ آدمُ بنُ أبي إياسٍ، فرواه عن أبي حازمٍ، عن حمَّادِ بن سلمةَ.
ووقفه.
وكذا رواه الثوريُّ، وسليمانُ بنُ بلالي، والدراورديُّ، وغيرُهم، عن أبي
حازمٍ، عن النعمانِ، عن أبي سعيدٍ مرفوعًا، وخالفَهُم ابنُ عيينة، فرواه عن
أبي حازمٍ عن أبي سلمة عن أبي سعيدٍ موقوفًا أيضًا، فمنهم من قال: أخطأ
فيه ابنُ عيينةَ، كذا قاله أبو زرعةَ والعلائيّ، وقيل: بل أبو سلمةَ هذا هو
النعمانُ بنُ أبي عياشٍ، قاله أبو حاتم الرازيُّ، وأبو أحمدَ الحاكمُ، وأبو بكرٍ
الخطيبُ وغيرُه.
وخرَّجه الإمامُ أحمدُ، من حديثِ علي بنِ زيدِ بن جدعانَ، عن أمِّ
محمدٍ، عن عائشةَ رضي الله عنها، أن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"يرسَلُ على الكافرِ حيتانِ، واحدة من قبَل رأسه، والأخرى من قبلِ رجليه، يقرصانه قرصًا، كلَّما فرغَتا عادَتا إلى يوم القيامةِ".
وخرَّجَ ابنُ أبي الدنيا - بإسنادٍ ضعيفٍ - عن الحسنِ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا يُرى أحدٌ خارجًا من الدنيا شاتمًا لأحد منهم - يعني من أول هذه الأمة - إلا سلَّطَ اللَّهُ عليه دابةً في قبرِه، تقرصُ لحمَهُ، يجدُ ألمَهُ إلى يوم القيامةِ".
وخرَّج الخلالُ، من طريقِ عاصمٍ، عن زِرٍّ، عن ابنِ مسعود، قالَ: يقالُ
للكافرِ - يعني في قبرِه: ما أنتَ؟
فيقولُ: لا أدْري، فيقالُ: لا دريتَ - ثلاثًا، ويضيَّقُ عليه قبرُه حتَّى تختلفَ أضلاعُه، ويُرسلُ عليه حيَّات من جوانبِ قبرهِ، ينهشْنهُ ويأكلْنهُ، فإذا خرجَ صاحَ، قُمِعَ بمقامع من نار أو حديد.
وخرَّجَه أبو بكر الآجريُ، وزاد فيه:"وبُضربُ ضربةً يلتهبُ قبرُه نارًا"
وعنده: "وتنبعثُ عليه حياتٌ من النارِ كأعناقِ الإبلِ ".
وخرَّج ابنُ أبي الدنيا في كتابِ "الموتِ " بإسنادِه عن عبيدِ بن عميرٍ، قالَ:
يسلَّطُ عليه شجاعٌ أقرعُ، فيأكله حتى يأكلَ أمَّ هامتِهِ، فهذا أوَّلُ ما يصيبُه من عذابِ اللَّهِ.
وبإسناده عن مسروق، قال: ما من ميِّت يموتُ وهو يزنِي، أو يسرقُ، أو
يشربُ، أو يأتي شيئًا من هذه، إلا جُعِلَ معهَّ شَجاعانِ ينهشَانهِ في قبرِه.
ومنها: رضُّ رأسِ الميتِ بحجر، أو شق شدْقهِ أو نحوُ ذلك.
وفي حديث سمرةَ بنِ جندبٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "رأيتُ الليلةَ رجلينِ أتيانِي فأخَذَا بيدِي، فأخرجَانِي إلى أرضٍ مقدسة، فإذا رجلٌ جالسٌ ورجلٌ قائمٌ بيده كَلُّوبٌ من حديدٍ يدخلُه في شدقِهِ حتَّى يبلغَ قفاةُ، ثم يفعلُ بشدقِهِ الآخر مثلَ ذلك، ويلتئمُ شدقُه هذا، فيعودُ فيصنعُ مثلَه، قلتُ: ما هذَا؟
قالا: انطلقْ فانطلقْنا، حتَّى أتينَا على رجل مضطجعٍ على قفَاه، ورجلٌ قائمٌ على رأسِه بصخرة أو فهر، فيشدَخُ بها
رأسَه، فإذا ضربَه تدهْدَهَ الحجرُ، فانطلقَ إليه ليأخذَه فلا يرجعُ إلى هذا حتى يلتئمَ رأسُه، وعادَ رأسُه كما هُو، فعادَ إليه فضربَهُ، قلتُ: ما هذا؟
قالا لِي: انطلقْ، فانطلقْنا، إلي نقب مثلِ التنورِ أعلاه ضيق وأسفله واسع، توقدُ تحتَهُ نار وإذا فيه رجالاً ونساء عراة فيأتِيهم
اللهبُ من تحتِهِم فإذَا اقتربَ ارتفعوا حتَّى كادُوا أن يخرجُوا، فإذا خمدتَ رجعُوا فِيها، وفيها رجالٌ ونساء، فقلتُ: ما هذا؟
قالا: انطلقْ، فانطلقْنا، حتَّى أتيْنَا على نهر من دمِ.
فيه رجل قائم وعلى شاطئ النهرِ رجل بين يديه حجارة، فأقبلَ الرجلُ الذي في النهرِ، فإذا أرادَ أن يخرجَ، رَمَى الرجلُ بحجر في فِيه فردَّه حيثُ كان، فجعلَ كلما جاءَ ليخرجَ رَمَى في فِيه بحجر رجعَ كما كانَ، فقلتُ: ما هذا؟ قالا لي: انطلقْ، فانطلقْنا".
فذكرَ الحديثَ.
وفيه: "قلتُ: طوفتُماني الليلةَ، فأخبرانِي عما رأيتُ؟
قالا: نعم، أما الرجلُ الذي رأيتَه يشقّ شدقُه فكذَّابٌ يحدِّثُ بالكذبِ، فتُحملُ عنه حتى تبلغَ الآفاقَ، فيصنعُ به ذلك إلى يوم القيامةِ؛ والذي رأيتَه يُشدخُ رأسُه فرجل علَّمه اللَهُ القرآنَ، فنامَ عنه بالليلِ، ولم يعملْ فيه بالنهارِ؛ يُفعلُ به إلى يوم القيامةِ؛ وأما الذي رأيتَ في النقبِ فهم
الزناةُ والزوانِي، وأما الذي رأيتَ في النهرِ فآكلُ الرِّبا".
وذكرَ الحديثَ بطوله.
خرَّجَه البخاريُّ.
وروى هذا الحديثَ أبو خلدةَ، عن أبي حازمٍ، عن سمرةَ، وفي حديثهِ:
"قلتُ: فالذي يسبحُ في الدم؟
قال: ذاك صاحبُ الرِّبا، ذاكَ طعامُه في القبرِ إلى يومِ القيامةِ.
قلت: فالذي يشدخُ رأسُه؟
قال: ذاك رجل علَّمه اللَهُ القرآنَ، فنامَ عنه حتى
نسيَه، لا يقرأُ منه شيئا، كلَّما رقدَ دقُوا رأسَه في القبرِ إلى يوم القيامةِ، ولا يدعونَهُ ينامُ ".
ومنها: تضييقُ القبرِ على الميتِ حتَّى تختلفَ فيه أضلاعُه، وقد سبقَ ذلك
في أحاديثَ متعددة.
وخرّج الخلال - بإسنادٍ ضعيفٍ - عن أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في الكافرِ:"فيضيقُ عليه قبرُه حتى يخرجَ دماغُه من بَينِ أظفارهِ ولحمهِ ".
وقد وردَ ما يدل على أن التَّضييقَ عامٌّ للمؤمنِ والكافرِ، وصرّحَ بذلكَ
طائفةٌ من العلماءِ، منهم ابنُ بطةَ وغيرُه، فروى شعبةُ، عن سعدِ بنِ إبراهيمَ، عن نافع، عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"إن للقبرِ ضغطة، لو كان أحدٌ ناجيًا منها لنَجا مها سعدُ بنُ معاذٍ"
خرَّجه الإمام أحمد.
وقد اخُتلِفَ على شعبةَ في إسنادهِ، فقيلَ: عنه كما ذكرنا:
وقيل: عنه، عن نافع، عن إنسانٍ، عن عائشة رضي الله عنها.
وقيل: عنه، عن سعدٍ، عن نافع، عن امرأةِ ابنِ عمرَ، عن عائشةَ رضي الله عنها.
وروى: الثوريُّ، عن سعد، عن نافع، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم وليس بالمحفوظِ.
ورواه ابنُ لهيعةَ، عن عقيلٍ، سمعَ سعدَ بنَ إبراهيمَ، يخبرُ عن عائشةَ
بنتَ سعدٍ، عن عائشةَ أمَ المؤمنينَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنه قال لها:"تعوَّذِي باللهِ من عذابِ القبرِ، فإنه لو نجا منه أحدٌ لنجا سعدُ بنُ معاذٍ، لكنّه لم يزدْ على ضمِّه ".
خرَّجه الطبراني، ورواية شعبة أصح.
وخرَّج الإمامُ أحمدُ، من حديثِ محمدِ بنِ جابر، عن عمرِو بن مرةَ، عن
أبي البختري، عن حذيفةَ، قال: كنَّا مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم في جناز، فلمَّا انتهينَا إلي القبرِ قعدَ على شفتهِ فجعلَ يرددُ بصرَه فيه، ثم قال:"يُضغطُ المؤمنُ فيه ضغطةً تزولُ منها حمائِلُه، وتُملأ على الكافرِ نارًا ".
ومحمد بن جابر هو اليمامي:
ضعيف: وأبو البختري لم يدركْ حذيفةَ.
وخرج النسائيُّ، من حديثِ عبيدِ اللَّهِ بنِ عمرَ عن نافع، عن عبدِ اللَّهِ بنِ
عمرَ رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ:
"هذا الذي تحرك له العرشُ وفتحتْ له أبوابُ السماءِ.
وشهدَهُ سبعونَ ألفًا من الملائكةِ، لقد ضُمّ ضمةً ثمَّ فُرِّج عنه ".
وخرَّجه البزارُ وقالَ: وروي عن عبيدِ اللَّهِ، عن نافع مرسلاً.
قلتُ: وقد سبقَ ذكرُ الاختلافِ فيه عن سعدِ بنِ إبراهيمَ عن نافعِ.
ورواه زيدُ بنُ أبي أنيسةَ، عن جابرٍ، عن نافع، عن صفيةَ بنتِ أبي عبيدٍ.
عن بعضِ أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"إن كنتُ لأرى لو أنَّ أحدَا أُعفي من عذابِ القبرِ.
لعُفِي منه سعدُ بنُ معاذٍ، لقد ضُم فيه ضمةً".
وخرَّجه البزارُ من وجهٍ آخرَ، عن نافع، عن ابنِ عمرَ، ومن طريقِ عطاءِ
بنِ السائبِ عن مجاهدٍ عن ابنِ عمرَ.
وخرَّج الطبراني صْ طريقِ زكريا بنِ سلامٍ، عن سعيدِ بن مسروقٍ، عن
أنسٍ، قال: لما ماتتْ زينبُ بنتُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم حزنَ، ثم سُرِّيَ عنه، فقلنا: يا رسولَ اللَّه، رأينا منك ما لم نرَ، قالَ:"ذكرتُ زينبَ وضعفَها وضغطةَ القبرِ، لقد هُوِّن عليها، ومع ذلكَ لقد ضُغِطتْ ضغطةً بلغتِ الخافقينِ ".
وزكريا قيل: إنه مجهولٌ، وسعيدُ بنُ مسروق، لم يدركْ أنسًا، فهو منقطِعٌ.
وقد رُوي من وجهٍ آخرَ عن أنسٍ، من روايةِ الأعمشِ، عن أنسٍ، عن
النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمعناهُ.
وكذا رواه أبو حمزة السكري، عن الأعمشِ، والأعمشُ لم يسمعْ من
أنسِ عند الأكثرينَ.
وقيلَ: عن أبي حمزةَ، عن الأعمشِ، عن سليمانَ، عن أنسٍ.
ورواه سعدُ بنُ الصلتِ، عن الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن أنسٍ.
ورواهُ حبيبُ بنُ خالد الأسدي عن الأعمشِ، عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ المغيرة، عن
أنسِ.
ورواه حمادُ بنُ سلمةَ، عن ثمامةَ، عن أنسِ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَن صبيا أو صبيةً، فقالَ:"لو نجا أحدٌ من ضمّةِ القبرِ لنجا منها هذا الصبي".
خرَّجَه الخلالُ، والطبرانيُّ.
وقد اختُلفَ فيه على حمادِ، فرواه جماعةٌ عن ثمامةَ مرسلاً.
والمرسلُ هو الصحيحُ، عند أبي حاتمٍ الرازي، والدارقطنيِّ.
وروى ابنُ وهبِ، عن عمرِو بنِ الحارثِ، عن أبي النضرِ، عن زيادِ مولى
ابن عباس عن ابنِ عباسِ، أن النبي صلى الله عليه وسلم صعدَ على قبرِ سعدِ بن معاذ فقال:
"لو نجا من ضغطة القبرِ أحدٌ منه لنجَا سعدُ بنُ معاذٍ، ولقد ضُمَّ ضمَّة ثم فرجِّ عنه ".
خرَّجَه الطبرانيُّ.
وخرَّج الإمامُ أحمدُ والنسائي، من حديثِ يزيدَ بنِ عبدِ اللَّهِ بن الهادِ.
عن معاذِ بن رفاعةَ، عن جابرٍ، أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لسعدٍ وهو يدفنُ:" سبحانَ اللَّهِ، لهذا العبدِ الصالح الذي تحركَ له عرشُ الرحمنِ وفتحتْ له أبوابُ السماءِ شدِّد عليه ثمَّ فرجَ عنه ".
وخرَّجَه الإمامُ أحمد، من طريقِ ابن إسحاقَ، حدثني معاذُ بنُ رفاعةَ.
عن محمودِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عمرِو بن الجموح، عن جابر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"لقد تضايقَ على هذا العبدِ الصالح قبرُه حتى فرجَّ اللَّهُ عنه ".
وذكر ابنُ إسحاقَ: اهتزازَ العرشِ، وفتحَ أبوابِ السماء؛ عن معاذِ بنِ
رفاعةَ، قال: حدثني من شئتُ من رجال قومِي، عن النبيًّ صلى الله عليه وسلم ولم يذكره في حديثِ جابر.
وزادَ في إسنادِ حديثِ جابرٍ رجلاً، وقوله أصحُّ من قولِ
يزيدِ بن الهادِ في هذا كلِّه عند كثير من أئمةِ الحفاظِ واللَّه أعلم.
وخرَّج البيهقيُّ، من حديثِ ابنِ إسحاقَ، قال: حدثني أميةُ بنُ عبدِ اللَّهِ.
أنه سألَ بعضَ أهلِ سعدٍ، ما بلغكَم من
قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في هذا؟
قالوا: ذُكر لنا أنَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن ذلكَ، فقال:"كانَ يُقصِّر في بعض الطهورِ من البولِ ".
وذكر ابنُ أبي الدنيا عن عبيد اللَّه بنِ محمدٍ التميميِّ، قالَ: سمعتُ أبا
بكرٍ التيمي - شيخًا من قريشٍ - قال: كان يقالُ: إن ضمَّةَ القبرِ إنَّما أصلُها أُمُّهم، ومنها خلقُوا، فغابُوا عنها الغيبةَ الطويلةَ، فلما رَدُّوا إليها أولادَها، ضمَّتهم ضمَّ الوالدةِ التي غابَ عنها ولدُها، ثم قدِمَ عليها، فمنْ كانَ للَّهِ عز وجل مطيعًا ضمتْهُ برأفة ورفقٍ، ومن كانَ للَّه عاصيًا ضمَّتْه بعنفِ، سخَطا منها عليه لربِّها.
وروى في كتابِ "المحتضرينَ " بإسنادِه عن عبدِ العزيزِ بن أبي روادٍ، عن
نافع، أنه لمّا حضرتهُ الوفاةُ جعلَ يبْكي، فقيل له: ما يبكيكَ؟
فقال: ذكرتُ سعدًا وضغطةَ القبرِ.
وروى هنّادُ بن السريِّ، عن سعيدِ بن دينارٍ، عن إبراهيمَ الغنويِّ، عن
رجلٍ عن عائشةَ رضي الله عنها، أنها مرَّتْ بها جنازةٌ صغيرةٌ فبكتْ، فقالتْ: بكيتُ لهذا الصبيِّ، شفقةً عليه من ضمَّةِ القبرِ.
قال هناد: وحدثنا محمدُ بنُ فضيل، عن أبيه، عن ابنِ أبي مليكةَ، قالَ:
ما أجِيرَ أحدٌ من ضغطةِ القبرِ، ولا سعدُ بنُ معاذٍ، الذي منديلٌ من مناديلهِ
خيرٌ من الدنيا وما فِيها.
وقال أبو الحسن بن البراءِ: حدثنا محمدُ بنُ الصباح، حدثنا عمّارُ بن
محمدٍ، عن ليثٍ، عن المنهالِ، عن زاذانَ، عن البراءِ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:(لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ) .
قال: " يُكْسَى الكافرُ في قبرِه ثوبانِ من نار، فذلك قولُه سبحانه وتعالى:
(مِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ) "
هذا غريبٌ منكرٌ.
وقد قيلَ: إن عذابَ القبرِ يفتر عن أهلِ القبورِ فيما بين النفختينِ، كذا
ذكرَهُ سعيدُ بنُ بشيرٍ عن قتادةَ، وتأوَّل ذلك قوله تعالى:
(يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) . أي، يعني تلكَ الفترةَ التي لا عذابَ فيها.
وورد ذلك مرفوعًا، خرَّجَه الخلالُ في كتابِ "السنة" حدثنا إسحاقُ بنُ
خالد البالسي، حدثنا محمد بن صعب، حدثنا روح بن مسافرٍ، عن
الأعمشِ، عن أبي سفيانَ، عن جابرٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ هذه الأمة تبتلى في قبورِها"،
فذكرَ الحديثَ بطوله، وفي آخرهِ قال: "فإنهم يعذبونَ في قبورِهم إلى
قريب من قيام الساعةِ، ثم ينامونَ قبيلَ الساعةِ، وهي النومةُ التي ندمُوا عليها، حين قالوا:(يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا) .
وهذا إسنادٌ ضعيفٌ، وروحُ بن مسافر، وإسحاقُ بنِ خالدٍ، ضعيفانِ جدًّا.
وقد يُرفعُ عذابُ القبرِ أو بعضُه في بعضِ الأوقاتِ الشريفةِ.
فقد روي بإسنادٍ ضعيفٍ، عن أنسِ بنِ مالكٍ: أن عذابَ القبرِ يرفعُ عن
الموتى في شهرِ رمضانَ، وكذلكَ فتنةُ القبرِ ترفعُ عمَّن مات يومَ الجمعةِ أو ليلة
الجمعةِ.
كما خرَّجَ الإمامُ أحمدُ، والترمذيُّ، من حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ
العاصِ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:
"ما منْ مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ الجمعةِ إلا وقاهُ اللهُ فتنةَ القبرِ".
وأما نعيمُ القبرِ، فقد دلّ عليه قولُه تعالَى:(فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ) ، كما سبق.
وقد تقدّمَ في حديثِ البراءِ وغيرِه ذكرُ بعضِ نعيم القبرِ.
وروى ابنُ وهبٍ، حدَّثني عمرُو بنُ الحارثِ، أنَّ أبا المسيح درَّاجًا حدَّثَهُ.
عن ابنِ حجيرةَ، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قالَ:"إن المؤمنَ في قبرِه لفي روضة خضراءَ، ويرحبُ له قبرُه سبعونَ ذراعًا، وينوّرُ له فيه كالقمرِ ليلةَ البدرِ".
وروى أبو عبد الرحمنِ المقرئُ، حدثنا داودُ أبو بحر، عن صهرٍ له - يقالُ
له: مسلمُ بنُ مسلم - عن مُورِّقٍ العجليِّ، عن عبيدِ بنِ عميرٍ، قال: قال
عبادةُ بنُ الصامتِ: إذا حضرتْه - يعني المؤمنَ المتهجدَ بالقرآنِ - الوفاةُ جاءَ
القرآنُ فوقفَ عند رأسهِ، وهم يغسِّلونَهُ، فإذا فرغَ منه دخلَ حتى صارَ بين
صدرِه وكفنِهِ، فإذَا وُضِعَ في حفرتِهِ جاءَه منكرٌ ونكير، خرجَ حتى صارَ بينه
وبينهُمَا، فيقولانِ له: إليكَ عنَا، فإنا نريدُ أن نسألَهُ، فيقولُ: واللَّه ما أنا
بمفارقه، فإن كنتُما أمرتُما فيه بشيء فشأنكما.
ثم ينظرُ إليه، فيقولُ: هل تعرِفني؟
فيقول: لا. فيقولُ: أنا القرآنُ الذي كنتُ أسهرُ ليلكَ، وأظمأ
نهارَك، وأمنعكَ شهوتَكَ، وسمعَكَ، وبصرَكَ، فستجدُني من الأخلاءِ خليلَ
صدقٍ، فأبشرْ، فما عليكَ بعد مسألةِ منكرٍ ونكيرٍ من هم، ولا حزنٍ، ثم
يخرجانِ عنه، فيصعدُ القرآنُ إلى ربِّه، فيسأله فراشًا ودِثارًا، قال: فيؤمرُ له
بفراشٍ ودثارٍ وقنديلٍ من الجنةِ، وياسمين من الجنةِ، فيحمله ألفُ ملك من
مقرَبي سماءِ الدنيا. قال: فيسبقُهُم إليه القرآنُ، فيقولُ: هل استوحشتَ
بعدي؟ فإنِّي لم أزلْ بربي حتى أمرَ لكَ بفراشٍ ودثارٍ ونورٍ من الجنةِ.
قال: فتدخلُ عليه الملائكة، فيحملونَهُ ويفرشونَ له ذلك الفراشَ، ويضعونَ الدِّثارَ تحتَ رجليهِ، والياسمينَ عند صدرهِ، ثم يحملونَهُ حتى يضجعُوه على شقِّه الأيمن، ثم يصعدونَ عنه، فيستلقِي عليه، فلا يزالُ ينظر إلى الملائكة حتى يلجُوا في السماءِ، ثم يدفعُ القرآنَ في قبلةِ القبرِ، فيوسعُ عليه ما شاءَ الَلَّهُ من ذلكَ.
قال أبو عبد الرحمنِ: وكان في كتابِ معاويةَ إليَّ: فيوسَّع له مسيرةَ
أربعمائةِ عامٍ، ثم يحملُ الياسمينَ من عندِ صدرِه، فيجعلُه عند أنفهِ، فيشقه
غضا إلي يوم ينفخُ في الصورِ، ثم يأتي أهلَه كلَّ يومٍ مرةً أو مرتينِ، فيأتيه
بخبرِهم، ويدعُو لهم بالخيرِ والإقبالِ، فإن تعلَّم أحدٌ من ولدهِ القرآنَ بشّره
بذلكَ، وإن كانَ عقبَ سوءٍ، أتى الدارَ بكرةً وعشيًا، فبكى عليه إلى أن يُنفخَ في الصورِ. أو كما قال.
قال الحافظُ أبو موسى المديني: هذا خبرٌ حسنٌ رواه الإمام أحمد بن
حنبل، وأبو خيثمة، وطبقتُهما من المتقدمينَ، عن أبي عبد الرحمنِ المقرئِ.
وقد تقدّمَ في البابِ الثاني:
"القبرُ روضةٌ من رياضِ الجنةِ، أو حفرةٌ من حفرِ النارِ".
من حديثِ أبي هريرةَ، وأبي سعيدٍ، بإسنادينِ ضعيفينِ.
وروي أيضًا من حديثِ ابنِ عمرَ، خرَّجَهُ ابنُ أبي الدنيا، حدثنا هارونُ بن
سفيانَ، حدثنا محمدُ بنُ عمرَ، أخبرنا أخي شملةُ بنُ عمرَ، عن عمرَ بن
شيبةَ عن أبي كثيرِ الأشجعيِّ، عن نافع، عن ابنِ عمرَ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"القبرُ روضةٌ من رياضِ الجنةِ، أو حفرةٌ من حفرِ النارِ". إسنادُه ضعيف.
* * *