الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ الشَّرْح
قوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)
وقولُهُ صلى الله عليه وسلم: "فإنَّ مع العسرِ يُسرًا" هو مُنتزعٌ من قولِهِ تعالى: (سَيَجْعَل اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يسْرًا) .
وقولُه عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) .
وخرَّج البزارُ في "مسندِهِ " وابنُ أبي حاتمٍ - واللفظُ له - من حديثِ أنسٍ
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
"لو جاءَ العُسْرُ، فدخلَ هذا الجُحْر، لجاءَ اليسرُ حتَى يدخلَ
عليه فيُخْرِجَه "، فأنزل اللَّهُ عز وجل:(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) .
وروى ابنُ جريرٍ وغيرُه من حديثِ الحسنِ مرسلاً نحوَه، وفي حديثِه:
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"لن يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسرينِ ".
وروى ابنُ أبي الدنيا بإسنادِهِ عن ابنِ مسعود، قال:
" لو أنَّ العسرَ دخلَ في جحرٍ لجاءَ اليسرُ حتَّى يدخل معه، ثم قال: قال اللَّهُ تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) .
وبإسنادِهِ أنَّ أبا عبيدةَ حُصِرَ فكتبَ إليه عمرُ يقول: مهما ينزل بامرئٍ شدَّة
يجعلُ اللَّه له بعدَها فرجًا، وإنَه لن يَغْلِبَ عسرٌ يسرينِ، وإنه يقول:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) .
ومن لطائف أسرارِ اقترانِ الفرج بالكربِ واليُسرِ بالعسرِ: أن الكربَ إذا
اشتدَّ وعَظُمَ وتناهى، حصلَ للعبدِ الإياسُ من كَشْفِهِ من جهةِ المخلوقين.
وتعلَّقَ قلبُه بالله وحدَهُ، وهذا هو حقيقةُ التوكُلِ على اللَّه، وهو من أعظم
الأسبابِ التي تُطلَبُ بها الحوائجُ، فإنَّ اللَّهَ يكفي من توكَّل عليه"، كما قال:
(وَمَن يَتَوَكلْ عَلَى اللهِ فَهوَ حَسْبُهُ) .
وروى آدمُ بنُ أبي إياسٍ في "تفسيره" بإسنادِهِ عن محمدِ بنِ إسحاقَ قال:
جاء مالكٌ الأشجعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أُسِرَ ابْنِي عوفٌ، فقالَ له:"أرسل إليه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُكَ أن تُكثِرَ من قولِ: لا حول ولا قوة إلا باللَّهِ "، فأتاه
الرسولُ فأخبرَه، فأكبَّ عوفٌ يقول: لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وكانوا قد
شدُّوه بالقدِّ فسقطَ القدُّ عنه، فخرجَ فإذا هو بناقةٍ لهم فركبَها، فأقبلَ فإذا هو بسَرح القومِ الذي كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبعَ آخرُها أوَّلَها،، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالبابِ، فقال أبوه: عوف وربِّ الكعبةِ، فقالتْ أُمُّه: واسوأتاه، عوفٌ كئيبٌ يالمُ لما فيه منَ القدِّ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قدْ ملأ الفناءَ إبلاً، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبلِ فأتى أبوه
رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبرِ عوف وخبرِ الإبل، فقال له رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:
"اصنع بها ما أحببتَ، وما كنتَ صانعًا لإبلك ".
ونزل: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) .
قال الفُضيلُ: واللَّه لو يئستَ من الخلقِ حتَّى لا تريدَ منهم شيئًا، لأعطاكَ
مولاكَ كُلَّ ما تُريد.
وذكر إبراهيمُ بنُ أدهم عن بعضِهم، قال: ما سألَ السائلون مسألةً هي
ألحفُ منْ أن يقولَ العبدُ: ما شاء اللَّهُ، قال: يعني بذلك التَّفويضَ إلى اللَّه
عز وجل.
وقال سعيدُ بنُ سالمٍ القداح: بلغني أنَّ موسى عليه السلام كانتْ له إلى
اللَّهِ حاجةٌ، فطلبَها، فأبطاتْ عليه، فقال: ما شاء اللَّه، فإذا حاجتُه بيْنَ
يديه، فعجبَ، فأوحى اللَّهُ إليه: أما علمتَ أنَّ قولَك: "ما شاءَ اللَهُ " أنجحُ ما طُلِبتْ به الحوائج.
وأيضًا فإنَّ المؤمنَ إذا استبطأ الفرَجَ، وأيسَ منه بعدَ كثرةِ دعائِهِ، وتضرُّعِه.
ولم يظهرْ عليه أثرُ الإجابةِ يرجعُ إلى نفسِهِ باللائمةِ، وقال لها: إنَّما أُتيتُ من
قِبَلكِ، ولو كان فيكِ خير لأُجِبتُ، وهذا اللومُ أحبُّ إلى اللَّه من كثيرٍ من
الطًّاعاتِ، فإنَّه يُوجبُ انكسارَ العبدِ لمولاهُ واعترافَهُ له بأنَّه أهل لما نزلَ به من
البلاءِ، وأنه ليسَ بأهل لإجابةِ الدعاءِ، فلذلك تُسرعُ إليه حينئذ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكربِ، فإنه تعالى عندَ المنكسرةِ قلوبُهم من أجلِه.
قال وهبٌ: تعبَّدَ رجل زمانًا، ثمَّ بدت له إلى اللَّهِ حاجةٌ، فصامَ سبعينَ
سبتًا، يأكلُ في كُلِّ سبتٍ إحدى عشرةَ تمرةً، ثم سألَ اللَّهَ حاجتَهُ فلم يُعطَها، فرجعَ إلى نفسِهِ فقال: منكِ أُتيتُ، لو كان فيكِ خير أعطيتِ حاجتَك، فنزلَ إليه عندَ ذلك ملَكٌ، فقال: يا ابنَ آدمَ ساعتُك هذه خير من عبادتِك التي مضت، وقد قضى اللَّه حاجتَك.
خرَّجه ابنُ أبي الدنيا.
ولبعضِ المتقدمين في هذا المعنى:
عسى ما ترى أن لا يدوم وأن ترى. . . له فرجَّاً ممَّا ألحَّ به الدَّهرُ
عسى فرَج يأتي به اللَّهُ إنَه. . . لهُ كُل يومٍ في خَليقتِهِ أَمْرُ
إذا لاح عسر فارج يسرًا فإنَّه. . . قضى اللَّهُ أنَّ العُسرَ يتبعُهُ اليُسر
* * *