الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجددُ خلقُهم وتبدلُ جلودُهم.
وروى ابنُ مهاجرٍ عن مجاهدٍ في قوله: (نَزاعَةً لِّلشَوَى) تنزعُ الجلدَ، وعنه
قالَ: تنزعُ اللحمَ ما دونَ العظم.
* * *
قوله تعالى: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
وقد وصفَ اللَهُ أبوابَها أنها مغلقة على أهلِهَا فقالَ: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8)
وقال تعالَى: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ) .
قال مجاهدٌ: هي بلغةِ قريشٍ: أصدَ البابَ أغلقَهُ يعني قولَهُ: (مُّؤْصَدَةٌ)
وقالَ مقاتل: يعني أبوابها مطبقةً عليهم، فلا يفتحُ لها باب، ولا يخرجُ منها
غمٌ، ولا يدخلُ فيها روحٌ آخرَ الأبدِ.
وقد وردَ في ذلك حديثٌ مرفوعٌ خرَّجهُ ابنُ مردويه من طريقِ شجاع بنِ
أشرسَ حدثنا شريكٌ، عن عاصم، عن أبي صالح، عن أبي هريرةَ، عن
النبيِّ صلى الله عليه وسلم (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ)
قال: "مطبقة"، ولكن رفعَهُ لا يصح.
وقد خرَّجَهُ آدمُ بنُ أبي إياسٍ في "تفسيره" عن شريكٍ بهذا الإسنادِ موقوفًا عن أبي هريرةَ، ورواهُ إسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ عن أبي صالح من قولهِ ولم يذكرْ فيهِ
أبا هريرةَ، وكذا قالَ عطاء الخراساني وغيرُه في "المؤصدةِ" أنها المطبقةُ.
وعن الضحاكِ قالَ: حائطٌ لا بابَ لهُ، ومرادُه - واللهُ أعلمُ - أن الأبوابَ
أطبقتْ فصار الجدارُ كانه لا بابَ لهُ، وقولُه تعالى:(إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9) .
معناه: أطبقت عليهم بعمدٍ، قال قتادة: وكذلك
هو في قراءةِ عبدِ اللَّهِ بعمد بالباءِ، قال عطيةُ: هي عمدٌ من حديدٍ في النارِ.
وقالَ مقاتلٌ: أطبقتِ الأبوابُ عليهم ثم شدتْ بأوتادٍ من حديد حتى يرجعَ
عليهم غمُّها وحرهُا.
وعلى هذا فقوله: (مُمَدَّدَةٍ) صفة للعمدِ يعني أن العمدَ التي أوثقتْ بها
الأبوابُ ممددة مطولة، والممدودُ الطويلُ أرسخُ وأثبتُ من القصيرِ.
وفي "تفسيرِ العوفيِّ " عن ابنِ عباس في قولهِ: (فِي عَمَد مُّمَدَّدَةٍ) قالَ: هيَ
عليهم مغلقةٌ أدخلهُم في عمد فمدتْ عليهِم بعمادٍ وفي أعناقِهم السلاسلُ
فسدتْ به الأبوابَ وقيلَ: إن الممددةَ صفةٌ للأبوابِ.
رواه شبيبُ بنُ بشير عن عكرمةَ عن ابنِ عباسِ وقيلَ: المرادُ بالعمدِ الممددةِ: القيودُ الطوالِ.
رواهُ إسماعيلُ بنُ أبي خالدِ عن أبي صالح، ورواهُ أبو خبابُ الكلبيُّ عن زبيدٍ عن إبراهيمَ، قالَ: قالَ عبدُ اللَّهِ بنُ مسعودِ في قولهِ تعالى:
(فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَة)
قالَ: هيَ الأدهمُ، وقد تقدَّم أن عبدَ اللَّهِ كانَ يقرؤُهَا بعمد والأدْهَمُ: القيدُ.
وكذا قالَ ابنُ زيد في قولِه: (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) قالَ: في عمدٍ من حديدٍ
مغلولينَ فيه، وتلك العمدُ من نارِ قد احترقتْ من النارِ فهي ممددة لهم.
وقيلَ: إن المرادَ بالعمدِ الممددةِ: الزمانُ الذي لا انقطاعَ له.
قاله أبو فاطمةَ.
وقال السدي: من قراهَا (فِي عَمَد) يعني بالفتح فهيَ عمد من نار، ومن
قرأهَا في (عُمُد) يعني بالضَمِّ فهو أجل ممدود.
وقال سعيدُ بنُ بشير عن قتادةَ: (مُّؤْصَدَة) أي: مطبقةٌ أطبقَهَا اللَّهُ عليهم
فلا ضوءَ فيها ولا فرجَ ولا خروجَ منها آخرَ الأبدِ.
وهذا الإطباقُ نوعانِ:
أحدُهما: خاصٌّ لمن يدخلُ في النارِ أو مَن يريدُ التضييقَ عليهِ، أجارنا اللَّهُ
من ذلكَ، قال أبو توبة اليزنيّ: إنَّ في النارِ أقوامًا مؤصدةٌ عليهم كما يطبقُ
الحقُّ على طبقِهِ، خرَّجَه ابنُ أبي حاتمٍ.
والثاني: الإطباقُ العامُّ وهو إطباقُ النارِ على أهلِها المخلدينَ فِيهَا.
وقد قالَ سفيانُ وغيرُه في قولِهِ تعالى: (لا يَحْزنهُمُ الْفَزَعُ الأَكبَرُ)
قالوا: هو طبقُ النارِ على أهلِها.
وفي حديثِ مسكينَ أبي فاطمةَ عن اليمانِ بنِ يزيدِ، عن محمدِ بن حميرِ.
عن محمدِ بنِ عليِّ، عن أبيهِ، عن جدّهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في خروج الموحدينَ من النارِ، قالَ:
"ثم يبعثُ اللَهُ ملائكةً معهمُ مساميرُ من نارِ وأطباقُ من نار، فيطبقونَهَا
على من بقي فيها ويسمرونَها بتلكَ المساميرِ، يتناساهمُ الجبارُ على عرشِهِ من رحمته، ويشتغلُ عنهم أهلُ الجنةِ بنعيمِهم ولذاتِهم "
خرَّجهُ الإسماعيليُّ وغيره، وهو حديثٌ منكر؛ قاله الدارقطنيُّ.
وروى ابنُ أبي حاتمٍ بإسنادِهِ عن سعيدِ بنِ جبيرِ، قالَ: ينادِيَ رجلٌ في
شعبِ من شعابِ النارِ مقدارَ ألف عامِ، يا حَنَّان يا مَنَّان، فيقولُ اللَّهُ تعالى:
يا جبريلُ أخرجْ عبدِي، فيجدُها مطبقةٌ، فيقولُ: يا رب إنَّها عليهم مطبقة
مؤصدةٌ.
وقال قتادةُ عن أبي أيوبَ العتكيُّ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو: إذَا أجابَ اللَّهُ
أهلَ النارِ بقوله: (اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تكَتِمُونِ) أطبقتْ عليهم.
فيئسَ القومُ بعدَ تلكَ الكلمةِ، وإن كانَ إلا الزفيرُ والشهيقُ.
وقال أبو الزعراء عن ابنِ مسعودٍ: وإذا قيلَ لهمُ: (اخْسَئوا فِيهَا وَلا
تُكَلِّمُونِ) أطبقتْ عليهم فلم يخرجْ منهم أحد.
وقال أبو عمرانَ الجوني: إذا كانَ يومَ القيامةِْ أمرَ اللَّهُ بكلِّ جبارٍ عنيدٍ.
وكلِّ شيطانٍ مريدٍ، وبكلِّ من يخافُ في الدنيا شره العبيدِ، فأوثقُوا بالحديدِ.
ثم أمرَ بهم إلى جهنَم التي لا تبيدُ، ثم أوصدَهَا عليهم ملائكةُ ربِّ العبيدِ.
قالَ: فلا واللَّه لا تستقرّ أقدامُهم على قرارِ أبدًا، ولا واللَّهِ لا ينظرونَ فيها
إلى أديمِ سماءٍ أبدًا، ولا واللَّهِ لا تلتقي جفونُ أعينهِم على غمضِ نومٍ أبدًا.
ولا واللَّهِ لا يذوقونَ فيها باردُ شرابِ أبدًا.
وفي معنى إطباقِ النارِ على أهلِهَا يقولُ بعضُ السلفِ رضي الله عنهم:
ألبسُوا النضيجَ من النحاسِ، ومنعوا خروجَ الأنفاسِ، فالأنفاسُ في
أجوافِهِم تترددُ، والنيرانُ على أبدانِهم توقدُ، قد أطبقتْ عليهم الأبوابُ
وغضبَ عليهم ربُّ الأربابِ، وأنشدَ بعضُهم في هذا المعنى:
لو أبصرتْ عيناكَ أهلَ الشَّقَا. . . سِيقُوا إلى النارِ وقدْ أُحرِقُوا
يَصْلَونَها حينَ عَصَوا ربهم. . . وخالفُوا الرسلَ وما صدَّقُوا
تقولُ أخرَاهُم لأولاهُمُ. . . في لجج المهلِ وقد أغْرِقُوا
قد كنتمُ حذرتمُ حرهَا. . . لكنْ من النيرانِ لم تَفْرَقُوا
وجيءَ بالنيرانِ مزمُومةً. . . شَرَارُهَا مِنْ حولِهَا محرقُ
وقيلَ للنيرانِ أنْ أحرِقي. . . وقيلَ للخزانِ أنْ أطبقُوا -
وقد وردَْ في بعضِ أحاديثِ الشفاعةِ فتحُ بابِ النارِ، فخرجَ الطبرانيُّ من
روايةِ الغباسِ بنِ عوسجةَ، حدثني مطر أبو مُوسى مولَى آل طلحةَ، عن
أبي هريرةَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
"إنَّى آتي جهنَّم فأضربُ بابَها، فيفتحُ لي فأدخُلها، فأحمدُ
اللَّهَ بمحامد ما حمَدهُ بها أحدٌ قبلي مثلَهَا ولا يحمدُه أحدٌ بعدي، ثم أخرجُ منها من قالَ: لا إلهَ إلا اللَهُ مخلصًا، فيقومُ إليَّ ناسٌ من قريشٍ فينتسبونَ إليَّ، فأعرف نسبَهُم ولا أعرفُ وجوهَهُم فاتركهم في النارِ" إسنادُه ضعيفٌ.
* * *