الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال بعضُ السَّلفِ: أفضلُ الأعمالِ سلامةُ الصُّدُورِ، وسخاوةُ النُّفوسِ.
والنصيحةُ للأمَّةِ، وبهذه الخصالِ بلغَ منْ بلغَ، لا بكثرةِ الاجتهادِ في الصَّومِ
والصَّلاةِ.
* * *
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (19)
وأعظمُ الشدائدِ التي تنزلُ بالعبدِ في الدنيا الموتُ، وما بعده أشدّ منه إن لم
يكنْ مصيرُ العبدِ إلى خيرٍ، فالواجبُ على المؤمنِ الاستعدادُ للموتِ وما بعدَهُ
في حال الصحةِ بالتقوى والأعمالِ الصالحةِ، قالَ اللَّهُ عز وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) .
فمن ذكرَ اللَّهَ في حالِ صحتِهِ ورخائِهِ، واستعدَّ حينئذٍ للقاءِ اللَّهِ عز وجل
بالموتِ وما بعدَهُ، ذكرَهُ اللَهُ عندَ هذه الشدائدِ، فكانَ معهُ فيها، ولطفَ به، وأعانَهُ، وتولاهُ، وثبّتَه على التوحيدِ، فلقيهُ وهو عنه راضٍ، ومن نسِيَ اللَّهَ في حالِ صحته ورخائِهِ، ولم يستعد حينئذ للقائِهِ، نسيهُ اللَّهُ في هذه
الشدائدِ، بمعنى أنًّه أعرضَ عنهُ، وأهملَهُ، فإذا نزلَ الموتُ بالمؤمنِ المستعدِّ لهُ، أحسنَ الظن بربِّهِ، وجاءتْهُ البُشْرَى مِنَ اللَهِ فأحبَّ لقاءَ اللهِ، وأحبَّ اللَّهُ
لقاءَه، والفاجرُ بعكسِ ذلكَ، وحينئذٍ يفرحُ المؤمنُ، ويستبشرُ بما قدَّمَهُ مما
هو قادم عليهِ، ويندمُ المفرطُ، ويقولُ:(يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) .
قال أبو عبدِ الرحمنِ السُّلَّمي قبلَ موتِهِ: كيفَ لا أرجُو ربِّي وقد صُمْتُ له
ثمانينَ رمضانَ؟
وقال أبو بكر بنُ عياشٍ لابنه عندَ موتِهِ: أترى اللَّه يضيعُ لأبيكَ أربعينَ
سنةً يختمُ القرآن كُلَّ ليلة؟
وختمَ آدمُ بنُ أبي إياس القرآنَ وهو مسجًّى للموتِ، ثم قالَ: بحُبِّي لكَ.
إلا رفقتَ بي في هذا المصرع؛ كنتُ أُؤمِّلُك لهذا اليوم، كنتُ أرجوكَ، لا إله إلا اللَّه، ثم قُضِي.
ولما احتُضِرَ زكريا بنُ عدي، رفعَ يديهِ، وقالَ: اللهمّ إنِّي إليكَ لمشتاق.
وقال عبدُ الصمدِ الزاهدُ عند موتِهِ: سيِّدي لهذهِ الساعةِ خبَّأتُكَ، ولهذا
اليومِ اقتنيتُكَ، حقِّق حُسْنَ ظنِّي بكَ.
وقال قتادةُ في قولِ اللَّهِ عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا)
قال: من الكربِ عندَ الموتِ.
وقال عليٌّ بنُ أبي طلحةَ عن ابنِ عباس في هذه الآيةِ: يُنجيهِ من كلِّ
كرب في الدنيا والآخرةِ.
وقال زيدُ بنُ أسلمَ في قولهِ عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ) .
قال: يُبشر بذلكَ عند موتِهِ، وفي قبرِهِ.
ويومَ يُبعثُ، فإنَّه لفي الجنةِ، وما ذهبتْ فرحةُ البشارةِ من قلبهِ.
وقال ثابت البنانيُّ في هذه الآيةِ: بلغنا أن المؤمنَ حيثُ يبعثه اللَّه من قبره.
يتلقاهُ ملكاهُ اللذانِ كانَا معه في الدنيا، فيقولانِ لهُ: لا تخفْ ولا تحزنْ.
فيؤمِّنُ اللَّهُ خوفَه، ويُقرُّ اللَّهُ عينَه، فما مِنْ عظيمة تغشى الناسَ يومَ القيامة
إلا هي للمؤمنِ قرَّةُ عينٍ لما هداهُ اللَّهُ، ولما كانَ يعملُ في الدُّنيا.
* * *