الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو أصححتُهُ لأفسدَهُ ذلكَ، وإن من عبادِي من يطلبُ بابَا من العبادةٍ فأكفُّه عنهُ، لكيلا يدخلهُ العُجبُ، إني أدبرُ عبادِي بعلمِي بما في قلوبِهِم، إنِّي عليمٌ خبيرٌ.
* * *
قوله تعالى: (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)
قال الفضيلُ في قولِهِ تعالى: (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ)
قال: "هو الرجلُ يذكرُ ذنوبَهُ في الخلاءِ فيستغفرُ اللهَ منهَا".
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38)
وقال الحكمُ: سُئِل أبو مجلز عن الرجلِ يضعُ إحْدَى رجليهِ على الأُخْرَى؟
فقالَ: لا بأسَ بِهِ، إنَما هذا شيء قالهُ اليهودُ: إن اللَّهَ لَمَّا خَلقَ السماواتِ
والأرضَ استراحَ، فجلسَ هذه الجلسةَ، فأنزلَ اللَّهُ عز وجل:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) .
خرَّجه أبو جعفر ابنُ أبي شيبةَ في "تاريخِهِ ".
وقد ذكرَ غيرُ واحدِ من التابعينَ: أنَّ هذهْ الآيةَ نزلت بسببِ قولِ اليهود:
إنَّ اللَّهَ خلقَ السماواتِ والأرضَ في ستةِ أيامِ ثم استراحَ في اليومِ السابع.
منهُم: عِكرمةُ وقتادةُ.
فهذا كلامُ أئمةِ السلفِ في إنكارِ ذلكَ ونسبتهِ إلى اليهودِ، وهذا يدلُّ على
أن الحديثَ المرفوعَ المرويّ في ذلكَ لا أصلَ لرفعِهِ، وإنَّما هو متلقى عن
اليهودِ، ومَن قالَ: إنَّه على شرطِ الشيخينِ فقدْ أخطأ.
وهو من روايةِ محمدِ بنِ فُليح بنِ سليمانَ، عن أبيهِ، عن سعيدِ بنِ
الحارثِ، عن عُبيدِ بنِ حُنين: سمعَ قتادةَ بنَ النعمانِ يحدثُهُ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمعنى قولِ أبي مُجلز.
وفي آخرِه: وقالَ عز وجل: " إنها لا تصلحُ لبشر".
وعُبيد بنُ حُنين، قيلَ: إنه لمْ يسمعْ من قتادةَ بنِ النعمانِ -:
قالَهُ البيهقيُّ.
وفُليحٌ، وإن خرَّج له البخاريُّ فقد سبقَ كلامُ أئمةِ الحفاظِ في تضعيفِهِ.
وكان يحيى بنُ سعيدٍ يقشعِرُّ من أحاديثِهِ، وقال أبو زُرعةَ - فيما رواه عنه
سعيد البرذعيّ -: فُليحٌ واهي الحديثِ، وابنُهُ محمدٌ واهي الحديثِ.
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يروِي عن ربِّه أنه قالَ:
"إنها لا تصلحُ لبشرٍ"
لم يفعله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولو كان قد انتسخ فِعله الأول بهذا النهي لم يستمر على فعله خلفاؤه الراشدون الذين هم أعلمُ أصحابهِ به، وأتبعهم لهديه وسنته.
وقد رُوي عن قتادَة بنِ النعمانِ من وجهٍ آخر منقطع، من روايةِ سالمٍ أبي
النضر، عن قتادةَ بنِ النعمانِ - ولم يدركْهُ -، أنه رَوَى عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى عن ذلكَ.
خرَّجه الإمامُ أحمد.
وهذا محتملٌ، كما رواه عنه جابرٌ وغيرُه. فأما هذه الطَّامةُ، فلا تحتملُ
أصلاً.
وقد قيلَ: إن هذا مما اشتبهَ على بعضِ الرواةِ فيه ما قالَهُ بعضُ اليهود.
فظنه مرفوعًا فرفَعَهُ، وقد وَقَعَ مثلُ هذا لغيرِ واحدٍ من متقدمِي الرواةِ، وأُنكرَ ذلك عليهِم، وأنكرَ الزبيرُ على من سَمِعَهُ يحدثُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقالَ: إنَّما حكاه النبي صلى الله عليه وسلم عن بعضِ أهلِ الكتابِ.
فرَوَى مسلمُ بنُ الحجاج في "كتابِ التفصيلِ" والبيهقيُّ في "المدخلِ " من
روايةِ ابنِ أبي الزِّناد، عن هشامِ بن عُروةَ، عن عبدِ اللهِ عُروةَ، عن عُروةَ.
أن الزبيرَ سمع رجلاً يحدثُ حديثًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فاستمعَ الزبيرُ له، حتَى إذا قَضَى الرجلُ حديثَه قال لهُ الزبيرُ: أنتَ سمعتَ هذا من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟
قال الرجلُ: نعم.
فقالَ الزبيرُ: هذا وأشباهه مما يمنعَنا أن نحدثَ عن رسولِ
اللَّه صلى الله عليه وسلم، قد - لعمرِي - سمعتُ هذا من رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذٍ حاضر، ولكنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابتدأ هذا الحديثَ، فحدثناهُ عن رجلٍ من أهلِ الكتابِ
حدَّثه إياه، فجئتَ أنتَ بعد أن تقضَّى صدرُ الحديثِ وذكرُ الرجلِ الذي من
أهلِ الكتابِ، فظننتَ أنه من حديث رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وروى مسلمٌ - أيضًا - في "كتابِ التفصيلِ " بإسنادٍ صحيح، عن بُكيرِ
ابنِ الأشَج، قالَ: قال لنا بُسر بنُ سعيدٍ: أيها الناسُ، اتقوا الله، وتحفظُوا في الحديثِ، فواللَّهِ لقد رأيتُنَا نجالسُ أبا هريرةَ، فيحدثنا عن رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ويحدثُنا عن كعبٍ، ثم يقومُ، فأسمعُ بعضَ من كانَ معنا يجعلُ حديثَ
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن كعب، ويجعل حديثَ كعبٍ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ولو ذكرنا الأحاديثَ المرفوعةَ التي أُعِلَّت بأنها موقوفة: إمَّا على عبدِ
اللَّهِ بن سلام، أو على كعبٍ، واشتبهتْ على بعضِ الرواةِ فرفَعَها، لطالَ
الأمرُ.
* * *