الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سُورَةُ المَاعُون
قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)
وقد وردتْ آثار كثيرة عن السلفِ في تاركِ الصلاةِ عمدًا، أنَّه لا تُقبلُ منه
صلاةٌ، كما رُوي عن الصدِّيقِ رضي الله عنه، أنَّه قالَ لعُمرَ في وصيتهِ له: إنَّ للَّهِ حقًّا باللَّيلِ لا يقبلُهُ بالنهارِ، وحقًّا بالنهارِ لا يقبلُهُ باللَّيلِ.
يشيرُ إلى صلواتِ اللَّيلِ والنهارِ.
وفي حديب مرفوع: "ثلاثةٌ لا يُقبلُ لهُمْ صلاة"، ذكرَ منهم:
"الذي لا يأتي الصلاةَ إلا دبارًا" - يعني: بعدَ فواتِ الوقتِ.
خرَّجه أبو داود وابنُ ماجةَ من حديثِ عبدِ اللَّه بن عمرو - مرفوعًا.
وفي إسنادهِ ضعفٌ.
ولكن مجرد نفي القبولِ لا يستلزمُ عدمَ وجوبِ الفعلِ، كصلاةِ السَّكرانِ
في مدةِ الأربعينِ، وصلاةِ الآبقِ والمرأةِ التي زوجُها عليها ساخطٌ.
فإنْ قِيلَ: فقد قالَ تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) .
وفسَّره الصحابةُ بإضاعةِ مواقيتها.
وكذَا قالَ ابنُ مسعودٍ في المحافظةِ على الصلاةِ: أي المحافظة على
مواقيتها، وأنَّ تركَها كفر.
ففرقُوا بين تركِها وبينَ صلاتِها بعدَ وقتِها.
وقدْ أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصلاةِ خلفَ منْ أخبرَ أنه يضيعُ الصلاةَ ويُصلِّيها لغيرِ وقتِها، وهذا يدلُّ على أنَّ صلاتَهم صحيحةٌ.
وقد سُئِلَ عنِ الأمراءِ وقتَالِهم؟
قالَ: "لا، مَا صَلَّوا، وكانتْ علَى هذا الوجهِ ".
فدلَّ على إجزائِها.
قيل: السهوُ عن مواقيتِ الصَّلاةِ لا يستلزمُ تعمد التأخيرِ عنِ الوقتِ
الحاضرِ، فإنَّه قدْ يقعُ على وجهِ التهاونِ بتأخيرِ الصلاةِ حتَّى يفوتَ الوقتُ -
أحيانًا - عن غيرِ تعمدٍ لذلك، وقد يكونُ تأخيرُها إلى وقتِ الكراهةِ، أو إلى
الوقتِ المشتركِ الذي يجمعُ فيه أهلُ الأعذارِ عندَ جمهورِ العلماءِ، وغيرُهم
على رأي طائفة من المدنيين.
وهذه الصلاةُ كلُّها مجزِئةٌ، ولا يكونُ المصلِّي لها كالتاركِ بالاتفاقِ -
وقد سُئَلَ سعيدُ بنُ جُبير، عن قوله:(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ) .
فدخلَ المسجدَ، فرأَى قومَّاً قد أخَّروا الصلاةَ، لا يُتمُّونَ
رُكُوعًا ولا سجُودًا، فقالَ: الذي سألْتَني عنهُم هُم هؤلاء.
وهذه الصلاةُ مثلُ الصلاةِ التي سمَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "صلاة المنافقين ".
وهكذا كانتْ صلاةُ الأمراءِ الذين أمرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالصلاةِ خلفهم نافلةً، فإنَّهم كانوا يُؤخِّرُون العصرَ إلى اصفرارِ الشَّمسِ، ورُبَّما أخَّرُوا الصلاتينِ إلى ذلك الوقتِ، وهو تأخير إلى الوقتِ المشتركِ لأهلِ الأعذارِ، وكغيرِهم عندَ طائفةٍ من العلماءِ.
فليسَ حُكمهُم حكمَ منْ تركَ الصلاةَ؛ فإنَّ التاركَ هو المُؤخِّرُ عمدًا إلى
وقتِ مُجمع على أنَّه غيرُ جائز، كتأخيرِ صلاةِ اللَّيلِ إلى النهارِ، وصلاةِ
النهارِ إلى اللَّيلِ عمدًا، وتأخيرِ الصبح إلى بعدِ طلوع الشمسِ عمدًا.
* * *