الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدؤليُّ لعمران بنِ حصينٍ حين سألهُ عن القدرِ.
وخرَّج أبو داودَ، وابنُ ماجةَ من حديث أبي سنانٍ سعيدِ بنِ سنانٍ، عن
وهب بنِ خالدٍ الحمصيِّ، عن ابنِ الدَّيلميًّ أنَّه سمعَ أُبيَّ بنَ كعبٍ يقولُ: لو
أنَّ اللًّهَ عذَّب أهلَ سماواتِهِ وأهلَ أرضهِ؛ لعذَّبهُم وهو غيرُ ظالمٍ لهُم، ولو
رحمهُم، لكانتْ رحمتُه خيرًا لهم من أعمالِهِم.
وأنه أتى ابنَ مسعودٍ، فقالَ لهُ مثلَ ذلكَ، ثم أتى زيدَ بن ثابت، فحدَّثه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمثلِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ نظرٌ، ووهبُ بنُ خالدٍ ليسَ بذاكَ المشهورِ بالعلم، وقد
يُحملُ على أنَّه لو أرادَ تعذيبَهُم لقدَّرَ لهم ما يعذبهم عليهِ، فيكونُ غيرَ ظالم
لهُم حينئذٍ.
وكونه خلقَ أفعالَ العبادِ وفيها الظلمُ لا يقتضِي وصفَه بالظُّلم سبحانه
وتعالى، كما أنَّه لا يُوصَفُ بسائرِ القبائح التي يفعلُها العبادُ، وهي خلقُه
وتقريرُه، فإنَّه لا يُوصفُ إلا بأفعاله لا يُوصفُ بأفعال عبادِه، فإنَّ أفعالَ عبادِهِ
مخلوقاتُه ومفعولاتُه، وهو لا يُوصفُ بشيءٍ منها، إنًّما يوصَفُ بما قامَ بهِ من
صفاتِهِ وأفعالِهِ، واللَّهُ أعلم.
* * *
قوله تعالى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)
قوله: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ)، وقال تعالى:(هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) .
وُفسِّرَ "الحفيظُ " ههُنا بالحافظ لأوامرِ اللَّهِ، وفُسِّرَ بالحافظِ لذنوبهِ حتَّى يرجعَ
عنهَا، وكلاهُما يدخلُ في الآية.
ومن حفظَ وصيَة اللَّهِ لعبادِهِ وامتثَلهَا فهوَ داخل أيضًا، والكلُّ يرجعُ إلى
معنى واحدٍ.
وقد وردَ في بعضِ ألفاظِ حديثِ يومِ المزيدِ في الجنةِ، "أن اللَّهَ تعالَى يقولُ
ْلأهلِ الجنةِ، إذا استدعاهُم إلى زيارتِهِ وكشفَ لهم الحجَب: "مرحبًا بعبادي
الذين حفظُوا وصيَّتي، ورعَوا عهدِي، وخافوني بالغيبِ، وكانُوا منِّي على كلِّ حالٍ مشفقينَ ".
فأمرُه صلى الله عليه وسلم لابنِ عباسٍ أن يحفظَ اللَّهَ، يدخلُ فيهِ هذا كلُّه.
ومن أعظم ما يجبُ حفظُه من المأموراتِ الصلواتُ الخمسُ. قالَ اللَّه
تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَئ) .
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) .
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
"من حافظَ عليها كانَ له عندَ اللَّهِ عهدًا أن يدخلَهُ الجنةَ". الحديث.
وفي حديثٍ آخرَ: "من حافظَ عليهنَّ كنَّ له نورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامةِ".
الحديث.
وكذلكَ الطهارةُ، فإنها مفتاحُ الصلاةِ، وقالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحافظُ على الوضوءِ إلا مؤمنٌ ".
ومما أمرَ اللَّهُ بحفظه الأيمانُ، لما ذكرَ كفارةَ اليمينِ قالَ: (ذَلِكَ كفارَة أَيْمَانِكُمْ
إِذَا حلَفْتمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) ، فإن الأيمانَ كثيرًا ما تقع من الناسِ
وموجباتها مختلفةٌ.
فتارة يجبُ فيها كفارةُ يمين، وتارةً يجبُ بها كفارة
مغلظة، وتارةً يلزمُ بها المحلوفُ عليهِ من طلاق ونحوِه.
فمن حفظَ أيمانَهُ دلَّ على دخولِ الإيمانِ في قلبِهِ.
وكانَ السلفُ كثيرًا يحافظونَ على الأيمانِ.
فمنهم من كانَ لا يحلفُ باللَّهِ ألبتَّة، ومنهم من كانَ يتورعُ حتى يكفرَ فيما شكَّ فيه من الحنثِ.
ووصى الإمامُ أحمدُ رحمه الله عند موتِهِ أن يخرجَ عنه كفارةُ يمينٍ.
وقال: أظنُّ أنِّي حنثتُ في يمينٍ حلفتُها.
وقد رُويَ عن أيوبَ عليه السلام أنه كان إذا مرَّ باثنينِ يحلفانِ باللَّهِ ذهب
فكفرَ عنهُما، لئلا يأثمانِ وهما لا يشعرانِ.
ولهذا لما حلفَ على ضربِ امرأتِهِ مائةَ جلدةٍ، أفتاهُ اللَّهُ بالرخصةِ لحفظِهِ
لأيمانِهِ وأيمانِ غيرِه.
وقد اختلفَ العلماءُ: هل تتعدَّى الرخصةُ إلى غيرِه أم لا؟
وقال يزيدُ بنُ أبي حبيبٍ: بلغَنِي أنَّ من حملةِ العرشِ من يسيلُ من
عينيهِ أمثالُ الأنهارِ من البكاءِ، فإذا رفعَ رأسَهُ قالَ: سبحانكَ ما تُخشَى
حقَّ خشيتكَ، فيقولُ اللَهُ تعالى: لكن الذينَ يحلفونَ باسمي كاذبينَ
لا يعلمونَ ذلكَ.
وقد وردَ التشديدُ العظيمُ في الحلفِ الكاذبِ باللَّهِ، ولا تصدرُ كثرةُ الحلفِ
باللَّهِ إلامن الجهلِ باللَّهِ تعالَى، وقلةِ هيبتهِ في الصدورِ.
ومما يلزمُ المؤمن حفظَهُ رأسهُ وبطنَهُ، كما في حديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه المرفوع:
"الاستحياءُ من اللَّهِ حقَّ الحياءِ أن يحفظَ الرأسَ وما وعَى، ويحفظَ البطنَ وما
حوَى".
خرَّجهُ الإمامُ أحمدُ والترمذيُّ.
وحفظُ البطنِ وما حَوى: يتضمُن حفظَ القلبِ عن الإصرارِ على محرمٍ.
وقد جمَع اللَّهُ ذلكَ كلَّه في قولِه تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) .
ويدخلُ في حفظِ البطنِ وما حَوى: حفظُه من إدخالِ الحرامِ إليهِ من
المأكولاتِ والمشروباتِ.
ومما يجبُ حفظُه من المنهياتِ: حفظُ اللسانِ والفرج.
وفي حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه:
"من حفظ ما بين لحييهِ وما بينَ رجليهِ دخلَ الجنةَ".
خرَّجه الحاكم.
وخرَّجه البخاريُّ من حديثِ سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنه
عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولفظه:
"من يضمنُ لي ما بينَ لحييهِ ورجليهِ، أضمنُ له الجنةَ".
وفي "مسند الإمام أحمد"
عن أبي موسى عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "من حفظَ ما بين فقميه وفرجيهِ دخلَ الجنةَ".
وقد أمرَ اللَّهُ بحفظِ الفرج خاصةً ومدحَ الحافظين له قالَ اللَّهُ تعالى:
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فروجَهُمْ) .
وقال تعالى: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهًمْ وَالْحَافِظَاتِ) .
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) .
وقد روى عن أبي إدريس الخولاني أن أول ما وصَّى اللَّهُ آدمَ عندَ إهباطه
إلى الأرضِ بحفظِ فرجِهِ، وأن لا يضعَهُ إلا في حلالٍ.
* * *
وقوله صلى الله عليه وسلم: "يحفظكَ " يعني: أنَّ من حفظَ حدودَ اللَّهِ، وراعَى حقوقَه، حفظَهُ اللَّهُ، فإنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ، كمَا قالَ تعالى:(أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكمْ)، وقال:(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) .
وقال: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصرْكُمْ) .
وحفظُ اللَّهِ لعبدِهِ يدخلُ فيه نوعانِ:
أحدُهما: حفظُه له في مصالح دنياهُ، كحفظِهِ في بدنِهِ وولدِهِ وأهلِهِ ومالِهِ.
قالَ اللَّهُ عز وجل: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ منْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) .
قال ابنُ عباسٍ: هم الملائكةُ يحفظونَهُ بأمرِ اللَّهِ فإذَا جاءَ القدرُ
خلَّوا عنهُ.
وقال عليٌّ رضي الله عنه: إنَّ مع كلِّ رجل ملكينِ يحفظانِهِ مما لم يقدَّر فإذا جاءَ القدرُ خلَّيا بينهُ وبينهُ، وإنَّ الأجل جُنَّة حصينة.
وقال مجاهدٌ: ما مِن عبدٍ إلا له ملكٌ يحفظُه في نومِهِ ويقظتِهِ من الجن
والإنسِ والهوامِّ، فما من شيءٍ يأتيهِ إلا قالَ: وراءَك، إلا شيئًا أذنَ اللَّهُ فيه
فيصيبُهُ.
وخرَّج الإمامُ أحمدُ، وأبو داودَ، والنسائيُّ من حديثِ ابنِ عمرَ، قالَ:
لم يكنْ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعُ هؤلاءِ الدَّعواتِ حين يُمسي وحين يُصبحُ: "اللهمَّ إني أسألُكَ العافية في الدنيا والآخرةِ، اللهمَّ إني أسألك العفوَ والعافيةَ في ديني ودنيايَ وأهلِي ومالِي، اللهمَّ استُر عورتي، وآمن روعاتي، واحفظنِي من بين يديَ ومن خلِفي.
وعن يميني وعن شالِي ومن فوقِي، وأعوذُ بعظمتِكَ أن أُغتَالَ من تحتِي ".
ومَن حفظَ اللَّهَ في صباهُ وقوتِه، حفظَهُ اللَهُ في حالِ كبرهِ وضعفِ قوّته.
ومتَّعهُ بسمعِهِ وبصر وحولهِ وقوَّته وعقلِهِ.
كان بعضُ العلماءِ قد جاوزَ المائةَ سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّته وعقلِهِ، فوثب يومًا
وثبةً شديدةً، فعُوتبَ في ذلكَ، فقالَ: هذه جوارحُ حفظناهَا عن المعاصِي في
الصِّغر، فحفظَهَا اللَّهُ علينا في الكبرِ.
وعكسُ هذا: أن بعضَ السلف رأى شيخًا يسألُ الناسَ، فقالَ: إن هذا
ضيَّع اللَّهَ في صغرِه، فضيَّعهُ اللَّهُ في كبره.
وقد يحفظُ اللَّهُ العبدَ بصلاحِهِ بعدَ موتِهِ في ذريَته، كَما قِيل في قولِه
تعالى: (وَكَانَ أَبوهُمَا صَالِحًا) : إنَّهما حُفظا بصلاح أبيهما.
قال سعيدُ بن المسيب لابنِهِ: لأزيدن في صلاتِي مِن أجلكَ، رجاءَ أن
أُحفظَ فيكَ، ثم تلا هذه الآية:(وَكَانَ أَبوهُمَا صَالِحًا) .
وقالَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ: ما منْ مؤمنٍ يموتُ إلا حفظَهُ اللَّهُ في عقبِهِ وعقبِ عقبهِ.
وقال ابنُ المنكدرِ: إن اللَّهَ ليحفظُ بالرجلِ الصالح ولدَه وولدَ ولده
والدويراتِ التي حولَهُ، فما يزالونَ في حفظٍ من اللَّهِ وسترٍ.
ومتى كانَ العبدُ مشتغلاً بطاعةِ اللَّهِ، فإن اللَّهَ يحفظُهُ في تلكَ الحالِ، وفي
"مسندِ الإمامِ أحمدَ" عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ:
"كانتِ امرأةٌ في بيتٍ، فخرجتْ في سريَّة من المسلمينَ، وتركتْ ثنتي عشرة عنزا وصيصيتها كانتْ تنسجُ بِهَا، قالَ: ففقدتْ
عنزًا لها وصيصيتها، فقالتْ: يا ربِّ، إنَّكَ قد ضَمنتَ لمنْ خرجَ في سبيلِكَ أن تحفظَ عليهِ، وإنِّي قد فَقدتُ عنزًا من غنمِي وصيصيتِي، وإنِّي أنشُدُكَ عنزِي وصيصيتي ".
قالَ: وجعلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يذكر شدَّة مناشدتِهَا ربَّها تبارك وتعالى، قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"فأصبحت عنزُها ومثلُها، وصيصيتُها ومثلُها ".
والصيصيةُ: هي الصِّنارةُ التي يُغزلُ بها ويُنسجُ.
فمن حفظَ اللَّهَ حفظهُ اللَّهُ من كلِّ أذى.
قال بعضُ السلفِ: من اتقى اللَّهَ، فقد حفظَ نفسَهُ، ومن ضيَع تقواهُ، فقد ضيَّع نفسَهُ، واللهُ الغنيّ عنهُ.
ومن عجيبِ حفظِ اللَّه لمن حفظَهُ أن يجعلَ الحيواناتِ المؤذيةِ بالطبع حافظةً
له من الأذَى، كما جرى لسفينةَ مولَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيث كُسرَ به المركبُ، وخرج إلى جزيرة، فرأى الأسدَ، فجعلَ يمشِي معهُ حتَّى دلَّه على الطريقِ، فلمَّا أوقفَهُ عليها، جعلَ يُهمهِمُ كأنَّه يُودِّعُهُ، ثم رجعَ عنه.
ورُوي أنَّ إبراهيمَ بنَ أدهم كانَ نائمًا في بستانٍ وعنده حيةٌ في فمها طاقةُ
نرجسٍ، فما زالت تذبُّ عنه حتَّى استيقظ.
وعكسُ هذا، أن من ضيعَ اللَّه، ضيَّعهُ اللَّهُ، فضاع بين خلقِهِ حتى يدخلَ
عليه الضررُ والأذى ممنَ كانَ يرجُو نفعَهُ من أهلهِ وغيرِهم، كما قالَ بعضُ
السلفِ: إني لأعصِي اللَّهَ، فأعرِفُ ذلكَ في خُلُقِ خادمِي ودابتي.
النوعُ الثانِي من الحفظِ: وهو أشرفُ النوعينِ: حفظُ اللَّهِ للعبدِ في دينهِ
وإيمانهِ، فيحفظُه في حياتِه من الشبهاتِ المُضِلَّةِ، ومن الشهواتِ المحرَّمةِ.
ويحفظُ عليه دينه عند موتِهِ، فيتوفاه على الإيمانِ.
قال بعضُ السلفِ: إذا حضرَ الرجلُ الموتَ يقالُ للملكِ: شمَّ رأسَهُ، قالَ:
أجدُ في رأسِهِ القرآنَ، قالَ: شمَّ قلبه، قال: أجد في قلبهِ الصيامَ، قال: شمَّ قدميهِ، قالَ: أجد في قدميه القيامَ، قالَ: حفظَ نفسَه، فحفظهُ اللَّهُ.
وفي "الصحيحينِ " عن البراءِ بن عازبٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه أمرَهُ أن يقولَ عندَ منامِهِ: "إن قبضتَ نفسِي، فارحمْهَا، وإنْ أرسلتَها، فاحفظهَا بما تحفظُ به عبادَك الصالحينَ ".
وفي حديثِ عمرَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّمَهُ أن يقولَ:
"اللَّهمَّ احفظِني بالإسلام قائمًا، واحفظِني بالإسلامِ قاعِدًا، واحفظنِي بالإسلامِ راقِدًا، ولا تُطعْ فيَّ عدوًّا ولا حاسِدًا".
خرَّجَه ابنُ حبانَ في "صحيحه ".
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يودع من أرادَ سفرًا، فيقولُ:"أستودع الله دينكَ وأمانتَكَ وخواتِيمَ عملك "،
وكان يقولُ: "إن اللهَ إذَا استُودِعَ شيئا حفظهُ ".
خرَّجَهُ النسائيُّ وعيره
وفي الجملةِ، فإنَّ اللَّهَ عز وجل يحفظُ على المؤمنِ الحافظِ لحدودِ دينهِ.
ويحُولُ بينه وبين ما يُفسدُ عليه دينَه بأنواع منَ الحفظ، وقد لا يشعرُ العبدُ
ببعضِهَا، وقد يكونُ كارِهًا له، كما قالَ في حقِّ يوسُف عليه السلام:
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) .
قال ابنُ عباسٍ في قوله تعالَى: (أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) .
قال: يحولُ بين المؤمنِ وبين المعصيةِ التي تجرهُ إلى النارِ.
وقال الحسنُ - وذكرَ أهلَ المعاصِي -: هانُوا عليهِ، فعَصوْه، ولو عزُّوا عليه لعصمَهُم.
وقال ابنُ مسعودٍ: إنَّ العبدَ ليهمُّ بالأمرِ من التجارةِ والإمارةِ حتى يُيسر لهُ.
فينظرُ اللَهُ إليه فيقولُ للملائكةِ: اصرفوه عنهُ، فإنهُ إن يسرتُهُ له أدخلتُه النارَ، فيصرفه اللَّهُ عنهُ، فيظلُّ يتطيَّرُ يقولُ: سبقنِي فلانٌ دهانِي فلان، وما هو إلا فضلُ اللَّهِ عز وجل.
وخرَّج الطبرانيُّ من حديثِ أنسٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:
" يقولُ اللَهُ عز وجل: إن من عبادِي من لا يُصلحُ إيمانَهُ إلا الفقرُ، وإن بسطتُ عليه أفسدَهُ ذلكَ، وإن من عبادِي من لا يصلحُ إيمانَه إلا الغِنى، ولو أفقرتُه، لأفسدَهُ ذلكَ، وإنَّ من عبادِي من لا يصلحُ إيمانَهُ إلا
الصّحَّةُ، ولو أسقمتُهُ لأفسدَهُ ذلكَ، وإنَّ من عبادِي مَن لا يصلحُ إيمانُه إلا السقمُ،