الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صِحَّةِ مَا جِئْتُكُمْ مِنَ الدِّينِ الْحَنِيفِ، الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَهَا أَنَا لَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ كَمَا أَحْيَاكُمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ؛ فَإِنْ كَانَتْ آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (1) حَقًّا، فَأَنَا لَا أَعْبُدُهَا (2) فَادْعُوهَا فَلْتَضُرَّنِي، فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَإِنَّمَا الَّذِي بِيَدِهِ الضر والنفع هو الله وحده لا شريك لَهُ، وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أَيْ: أَخْلِصِ الْعِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ حَنِيفًا، أَيْ: مُنْحَرِفًا عَنِ الشِّرْكِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} إِلَى آخِرِهَا، بَيَانٌ لِأَنَّ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ وَالنَّفْعَ وَالضُّرَّ إِنَّمَا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا يُشَارِكُهُ (3) فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، فَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ.
رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، فِي تَرْجَمَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"اطْلُبُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ كُلَّهُ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحِمَتِهِ، يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَاسْأَلُوهُ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ"(4)
ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مُوسَى، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا؛ بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ (5)
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أَيْ: لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ وَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ، حَتَّى مِنَ الشِّرْكِ بِهِ، فَإِنَّهُ يَتُوبُ عَلَيْهِ.
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ
(108)
وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (109) }
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا لِرَسُولِهِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ أَنَّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عند
(1) في أ: "من دون الله من شيء حقا".
(2)
في ت: "أعبد".
(3)
في ت، "لا يشركه".
(4)
تاريخ دمشق (8/328)"المخطوط") ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (1121) من طريق عبد الله بن وهب به، ورواه ابن عبد البر في التمهيد (5/339) والبيهقي في شعب الإيمان برقم (1122) من طريق عمرو بن الربيع بن طاق عن يحيى بن أيوب به نحوه ورمز له السيوطي بالضعف في الجامع.
(5)
تاريخ دمشق (8/328 "المخطوط") ورواه ابن أبي الدنيا في الفرج بعد الشدة برقم (27) من طريق رويم بن يزيد عن الليث به مرفوعا، ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (1123) من طريق يحيى بن بكير عن الليث به مرفوعا. وقال البيهقي:"هذا هو المحفوظ دون الأول" والأول حديث أنس.
اللَّهُ هُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ، فَمَنِ اهْتَدَى بِهِ وَاتَّبَعَهُ فَإِنَّمَا يَعُودُ نَفْعُ ذَلِكَ الِاتِّبَاعِ عَلَى نَفْسِهِ، [وَمَنْ ضَلَّ عَنْهُ (1) فَإِنَّمَا يَرْجِعُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ (2) ](3)
{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} أَيْ: وَمَا أَنَا مُوَكَّلٌ بِكُمْ حَتَّى تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ، وَالْهِدَايَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُهُ: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ} أَيْ: تَمَسَّكَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَأَوْحَاهُ (4) وَاصْبِرْ عَلَى مُخَالَفَةِ مَنْ خَالَفَكَ مِنَ النَّاسِ، {حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ} أَيْ: يَفْتَحَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} أَيْ: خَيْرُ الْفَاتِحِينَ بِعَدْلِهِ (5) وَحِكْمَتِهِ.
(1) في ت: "عن ذلك".
(2)
في ت: "على نفسه".
(3)
زيادة من ت، أ.
(4)
في ت، أ:"وأوحاه إليك".
(5)
في ت، أ:"لعدله".
تَفْسِيرُ سُورَةِ هُودٍ
[وَهِيَ مَكِّيَّةٌ](1) .
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ عِكْرِمة قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا شَيّبك؟ قَالَ: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ "(2) .
وَقَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ؟ قَالَ:" شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ "(3) وَفِي رِوَايَةٍ: " هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ (4) بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا: الْوَاقِعَةُ، وَالْحَاقَّةُ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " وَفِي رِوَايَةٍ: " هُودٌ وَأَخَوَاتُهَا "(5) .
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ طَارِقٍ الرَّائِشِيُّ (6) ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رضي الله عنه؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا شَيَّبَكَ؟ قَالَ:" هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ "(7) .
عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ مَتْرُوكٌ، وَأَبُو إِسْحَاقَ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ. وَاللَّهُ أعلم.
(1) زيادة من ت، أ.
(2)
مسند أبي يعلى (1/102) وهو منقطع وقد تكلم عليه والذي بعده، الحافظ الدارقطني في العلل (3/193 - 211) بما يكفي.
(3)
سنن الترمذي برقم (3297) وقال التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه".
(4)
جميع النسخ: "حجاج" والتصويب من المعجم الكبير.
(5)
المعجم الكبير (6/183) ورواه الدارقطني في العلل (1/210) من طريق أحمد بن طارق به، وقال الهيثمي في المجمع (3/192) :"عمر بن صهبان متروك" وسعيد بن سلام كذاب.
(6)
في ت، أ، والمعجم الكبير:"الوابشي" ولم أجد ترجمته.
(7)
المعجم الكبير (10/125، 126) وهو عنده من طريق عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ ابن مسعود فلعله سقط من نسخة ابن كثير والله أعلم. وللاستزادة في أحاديث الباب: فقد توسع الفاضل محمد طرهوني في تتبعها انظر كتابه: موسوعة فضائل القرآن _1/295 - 308) .