المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ الْأَنْفَالِ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(58) }

- ‌(59)

- ‌61]

- ‌(62)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(72) }

- ‌(73) }

- ‌(74)

- ‌(1)

- ‌ التَّوْبَةِ

- ‌(3) }

- ‌(4) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14)

- ‌(16) }

- ‌ 17

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌[الْمُجَادَلَةِ:

- ‌22]

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(52)

- ‌(55) }

- ‌ 56]

- ‌(60) }

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(69) }

- ‌(70) }

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(75)

- ‌(79) }

- ‌(80) }

- ‌(81)

- ‌(83) }

- ‌(85) }

- ‌(87) }

- ‌(88)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(97)

- ‌(100) }

- ‌(102) }

- ‌(103)

- ‌(105) }

- ‌(106) }

- ‌(107)

- ‌(109)

- ‌(111) }

- ‌(112) }

- ‌(113)

- ‌(115)

- ‌(117) }

- ‌(118)

- ‌(120) }

- ‌(122) }

- ‌(123) }

- ‌(124)

- ‌(126)

- ‌(128)

- ‌ يُونُسَ

- ‌(1)

- ‌ 3]

- ‌(4) }

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(37)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(53) }

- ‌(54) }

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(71)

- ‌(74) }

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(87) }

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(98) }

- ‌(99)

- ‌(104)

- ‌(107) }

- ‌(108)

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌9]

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(28) }

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61) }

- ‌(63) }

- ‌(64)

- ‌(72)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84) }

- ‌(85)

- ‌(88) }

- ‌(89)

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(100)

- ‌(106)

- ‌(108) }

- ‌(109)

- ‌(112)

- ‌(116)

- ‌(118)

- ‌(120) }

- ‌(123) }

- ‌ يُوسُفَ

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(35) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(50)

- ‌(53) }

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(63) }

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(69) }

- ‌(70)

- ‌(73)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(79) }

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(99)

- ‌(101) }

- ‌(102)

- ‌(104) }

- ‌(105)

- ‌(108) }

- ‌(110) }

- ‌(111) }

- ‌ الرَّعْدِ

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(17) }

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌ 20]

- ‌(25) }

- ‌(27)

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42) }

- ‌(43) }

- ‌ إِبْرَاهِيمَ

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(18) }

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22)

- ‌ 24]

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(52) }

- ‌ الْحِجْرِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(32)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(57)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(78)

- ‌(85)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌ النَّحْلِ

- ‌(1) }

- ‌(2) }

- ‌ 5

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(9) }

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(65) }

- ‌(68)

- ‌(70) }

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90) }

- ‌(91)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(97) }

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(103) }

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(110) }

- ‌(111) }

- ‌(114)

- ‌(118) }

- ‌(119) }

- ‌(124) }

- ‌(125) }

الفصل: الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ

الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ [وَاللَّهُ أَعْلَمُ](1)(2) .

{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ‌

(125) }

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم أَنْ يَدْعُوَ الْخَلْقَ إِلَى اللَّهِ {بِالْحِكْمَةِ}

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهُوَ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ (3) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} أَيْ: بِمَا فِيهِ مِنَ الزَّوَاجِرِ وَالْوَقَائِعِ بِالنَّاسِ ذَكَّرَهُمْ (4) بِهَا، لِيَحْذَرُوا بَأْسَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَوْلُهُ: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} أَيْ: مَنِ احْتَاجَ مِنْهُمْ إِلَى مُنَاظَرَةٍ وَجِدَالٍ، فَلْيَكُنْ بِالْوَجْهِ الْحَسَنِ بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَحُسْنِ خِطَابٍ، كَمَا قَالَ:{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [الْعَنْكَبُوتِ: 46] فَأَمَرَهُ تَعَالَى بِلِينِ الْجَانِبِ، كَمَا أَمَرَ مُوسَى وَهَارُونَ، عليهما السلام، حِينَ بَعَثَهُمَا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ:{فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 44] .

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي: قدم عَلِمَ الشَّقِيَّ مِنْهُمْ وَالسَّعِيدَ، وَكَتَبَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَفَرَغَ مِنْهُ، فَادْعُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَى مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ (5) حَسَرَاتٍ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ، عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ، {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [الْقَصَصِ: 56] ، (6) وَ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [الْبَقَرَةِ: 272] .

{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) }

يَأْمُرُ تَعَالَى بِالْعَدْلِ فِي الِاقْتِصَاصِ وَالْمُمَاثَلَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إِنْ أَخَذَ مِنْكُمْ رَجُلٌ شَيْئًا، فَخُذُوا مِنْهُ مِثْلَهُ.

وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانُوا قَدْ أُمِرُوا بِالصَّفْحِ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، فَأَسْلَمَ رِجَالٌ ذَوُو منعةٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ

(1) زيادة من ف، أ.

(2)

صحيح مسلم برقم (856) .

(3)

في ف، أ:"عليك".

(4)

في ت، ف:"يذكرهم".

(5)

في ت: "عليهم".

(6)

في ف: "وإنك" وهو خطأ.

ص: 613

اللَّهِ، لَوْ أَذِنَ اللَّهُ لَنَا لَانْتَصَرْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْكِلَابِ! فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْجِهَادِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ "النَّحْلِ" كُلُّهَا بِمَكَّةَ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ أُحُدٍ، حَيْثُ قُتِلَ حَمْزَةُ، رضي الله عنه، وَمُثِّلَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ" فَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ قَالُوا: وَاللَّهِ لَئِنْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثِّلْهَا أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ بِأَحَدٍ قَطُّ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إِلَى آخَرِ السُّورَةِ (1) .

وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَفِيهِ [رَجُلٌ](2) مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ وَجْهٍ (3) آخَرَ مُتَّصِلٍ، فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ:

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ الْمُرِّيُّ (4) ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَفَ عَلَى حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، رضي الله عنه، حِينَ اسْتُشْهِدَ، فَنَظَرَ إِلَى مَنْظَرٍ لَمْ يَنْظُرْ أَوْجَعَ لِلْقَلْبِ مِنْهُ. أَوْ قَالَ: لِقَلْبِهِ [مِنْهُ](5) فَنَظَرَ (6) إِلَيْهِ وَقَدْ مُثِّل بِهِ فَقَالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، إِنْ كُنْتَ -لَمَا علمتُ-لَوَصُولًا لِلرَّحِمِ، فَعُولًا لِلْخَيْرَاتِ، وَاللَّهِ لَوْلَا حُزْنُ مَنْ بَعْدَكَ عَلَيْكَ، لَسَرَّنِي أَنْ أَتْرُكَكَ حَتَّى يَحْشُرَكَ اللَّهُ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ -أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا-أَمَا وَاللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِينَ كَمُثْلَتِكَ (7) . فَنَزَلَ جِبْرِيلُ، عليه السلام، عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ السُّورَةِ (8) وَقَرَأَ:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} إِلَى آخَرِ الْآيَةِ، فَكَفَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -يَعْنِي: عَنْ يَمِينِهِ-وَأَمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ (9) .

وَهَذَا إِسْنَادٌ فِيهِ ضَعْفٌ؛ لِأَنَّ صَالِحًا -هُوَ ابْنُ بَشِيرٍ الْمُرِّيُّ-ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُرَيْج: نَزَلَتْ فِي قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ فِيمَنْ مُثِّلَ بِهِمْ: لَنُمَثِّلَنَّ بِهِمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ذَلِكَ.

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ: حَدَّثَنَا هدِيَّة (10) بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ سِتُّونَ رَجُلًا وَمِنَ الْمُهَاجِرِينَ سِتَّةٌ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ كَانَ لَنَا يَوْمٌ مِثْلُ هَذَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ. فَلَمَّا كان يوم الفتح قال رجل: لا

(1) رواه الطبري في تفسيره (14/ 132) .

(2)

زيادة من ف، أ.

(3)

في أ: "من غير وجه".

(4)

في ت: "حدثنا صالح حدثنا المرى".

(5)

زيادة من ت.

(6)

في ت: "ونظر".

(7)

في ف، أ:"كمثلك".

(8)

في ت: "الآية".

(9)

مسند البزار برقم (1795)"كشف الأستار".

(10)

في ت، ف، أ:"هدية".

ص: 614

تُعْرَفُ (1) قُرَيْشٌ بَعْدَ الْيَوْمِ. فَنَادَى مُنَادٍ: إِنْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آمَنَ الْأَسْوَدَ وَالْأَبْيَضَ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا -نَاسًا سَمَّاهُمْ-فأَنْزَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ [فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ] } (2) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نَصْبِرُ وَلَا نُعَاقِبُ"(3) .

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لَهَا أَمْثَالٌ فِي الْقُرْآنِ، فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعَدْلِ وَالنَّدْبِ إِلَى الْفَضْلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} ثُمَّ قَالَ {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشُّورَى: 40] . وَقَالَ {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ثُمَّ قَالَ {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [الْمَائِدَةِ: 45]، وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} ثُمَّ قَالَ {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}

وَقَوْلُهُ: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالصَّبْرِ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُنَالُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَإِعَانَتِهِ، وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} أَيْ: عَلَى مَنْ خَالَفَكَ، لَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّرَ ذَلِكَ، {وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ} أَيْ: غَمٍّ {مِمَّا يَمْكُرُونَ} أَيْ: مِمَّا يُجْهِدُونَ [أَنْفُسَهُمْ](4) فِي عَدَاوَتِكَ وَإِيصَالِ الشَّرِّ إِلَيْكَ، فَإِنَّ اللَّهَ كَافِيكَ وَنَاصِرُكَ، وَمُؤَيِّدُكَ، وَمُظْهِرُكَ وَمُظْفِرُكَ بِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أَيْ: مَعَهُمْ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ وَمَعُونَتِهِ وَهَذِهِ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ، كَقَوْلِهِ:{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الْأَنْفَالِ: 12]، وَقَوْلِهِ لِمُوسَى وَهَارُونَ:{لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلصِّدِّيقِ وَهُمَا فِي الْغَارِ:{لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التَّوْبَةِ: 40] وَأَمَّا الْمَعِيَّةُ الْعَامَّةُ فَبِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الْحَدِيدِ: 4]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [الْمُجَادَلَةِ: 7]، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا [إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] } [يُونُسَ: 61] . (5)

وَمَعْنَى: {الَّذِينَ اتَّقَوْا} أَيْ: تَرَكُوا الْمُحَرَّمَاتِ، {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} أَيْ: فَعَلُوا الطَّاعَاتِ، فَهَؤُلَاءِ اللَّهُ يَحْفَظُهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ، وَيَنْصُرُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ، وَيُظْفِرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَمُخَالِفِيهِمْ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حدثنا

(1) في ت، ف، أ:"يعرف".

(2)

زيادة من ت، ف، أ، وفي هـ:"الآية".

(3)

زوائد المسند (5/135) .

(4)

زيادة من ت، ف، أ.

(5)

زيادة من ت، ف، أ، وفي هـ:"الآية".

ص: 615

مِسْعر، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ، رضي الله عنه، مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَالَّذِينَ اتَّقَوْا، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

[آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّحْلِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَجْمَعُهُ وَالْمِنَّةُ، وَبِهِ الْمُسْتَعَانُ وَهُوَ حَسَبُنَا وَنَعِمَ الوكيل](1)

(1) ما بين المعقوفين من "هـ".

ص: 616