الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغنائم لسود الرؤوس غَيْرِنَا" (1)
وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوااللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذُوا مِنَ الْأُسَارَى الْفِدَاءَ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْعَيْشِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي الْعَنْبَسِ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ فِدَاءَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعَمِائَةٍ (2)
وَقَدِ اسْتَقَرَّ الْحُكْمُ فِي الْأَسْرَى (3) عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ: إِنْ شَاءَ قَتَلَ -كَمَا فَعَلَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ -وَإِنْ شَاءَ فَادَى بِمَالٍ -كَمَا فَعَلَ بِأَسْرَى بَدْرٍ -أَوْ بِمَنْ أُسِرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ -كَمَا فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تِلْكَ الْجَارِيَةِ وَابْنَتِهَا اللَّتَيْنِ كَانَتَا فِي سَبْيِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، حَيْثُ رَدَّهُمَا وَأَخَذَ فِي مُقَابَلَتِهِمَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّ مَنْ أَسَرَ. هَذَا مَذْهَبُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ آخَرُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ مُقَرَّرٌ في موضعه من كتب الفقه.
(1) رواه الترمذي في السنن برقم (3085) من طريق معاوية بن عمرو عن زائدة، عن الأعمش بِهِ نَحْوَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:"هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح غريب من حديث الأعمش".
(2)
سنن أبي داود برقم (2691) .
(3)
في د، ك، أ:"الأسارى"
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
(70)
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) }
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ:"إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ، قَدْ أُخْرِجُوا كُرْهًا، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا، فَمَنْ لَقِيَ (1) مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْهُمْ -أَيْ: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ -فَلَا يَقْتُلُهُ، وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ بْنَ هِشَامٍ فَلَا يَقْتُلُهُ، وَمَنْ لَقِيَ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَا يَقْتُلُهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا". فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ: أَنَقْتُلُ آبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَعَشَائِرَنَا وَنَتْرُكُ الْعَبَّاسَ؟ ! وَاللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُ لَأَلْجِمَنَّهُ بِالسَّيْفِ؟ فَبَلَغَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ:"يَا أَبَا حَفْصٍ" -قَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ إِنَّهُ لَأَوَّلُ يَوْمٍ كَنَّانِي فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالسَّيْفِ؟ " فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ نَافَقَ. فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: وَاللَّهِ مَا آمَنُ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي قُلْتُ، وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا، إِلَّا أَنْ يُكَفِّرَهَا اللَّهُ عَنِّي بِشَهَادَةٍ. فَقُتِلَ يَوْمَ اليمامة شهيدا، رضي الله عنه.
(1) في أ: "شهد".
وَبِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَمْسَى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بَدْرٍ، وَالْأُسَارَى مَحْبُوسُونَ بِالْوِثَاقِ، بَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاهِرًا أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لَكَ لَا تَنَامُ؟ -وَقَدْ أَسَرَ الْعَبَّاسَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ -فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"سَمِعْتُ أَنِينَ عَمِّيَ الْعَبَّاسِ فِي وِثَاقِهِ" فَأَطْلَقُوهُ، فَسَكَتَ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ أَكْثَرُ الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فِدَاءً الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسرا فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِمِائَةِ أُوقِيَّةٍ ذَهَبًا (1)
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رِجَالًا مِنَ الْأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ائذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ. قَالَ (2) لَا وَاللَّهِ لَا تَذَرون مِنْهُ دِرْهَمًا" (3)
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومان، عَنْ عُرْوَة -وَعَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ جَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ قَالُوا: بَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فِدَاءِ أَسْرَاهُمْ، فَفَدَى (4) كُلُّ قَوْمٍ أَسِيرَهُمْ بِمَا رَضُوا، وَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كُنْتُ مُسْلِمًا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِسْلَامِكَ، فَإِنْ يَكُنْ كَمَا تَقُولُ فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِيكَ، وَأَمَّا ظَاهِرُكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا، فَافْتَدِ نَفْسَكَ وابنيْ أَخِيكَ: نَوْفَلَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وعَقيل بْنَ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَحَلِيفَكَ عُتْبَةَ بْنَ عَمْرٍو أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ" قَالَ: مَا ذَاكَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "فَأَيْنَ الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتَهُ أَنْتَ وَأُمُّ الْفَضْلِ؟ فَقُلْتَ (5) لَهَا: إِنْ أصبتُ فِي سَفَرِي هَذَا، فَهَذَا الْمَالُ الَّذِي دَفَنْتُهُ لبَني: الْفَضْلِ، وَعَبْدِ اللَّهِ، وقُثم". قَالَ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لِأَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ مَا عَلِمَهُ أَحَدٌ (6) غَيْرِي وغيرُ أُمِّ الْفَضْلِ، فَاحْسِبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَصَبْتُمْ مِنِّي: عِشْرِينَ أُوقِيَّةً مِنْ مَالٍ كَانَ مَعِي فَقَالَ؟ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا ذَاكَ شَيْءٌ أَعْطَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْكَ". فَفَدَى نَفْسَهُ وَابْنَيْ أَخَوَيْهِ وَحَلِيفَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ، عز وجل فِيهِ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (7) قَالَ الْعَبَّاسُ: فَأَعْطَانِي اللَّهُ مَكَانَ الْعِشْرِينَ الْأُوقِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ عِشْرِينَ عَبْدًا، كُلُّهُمْ فِي يَدِهِ مَالٌ يَضْرِبُ بِهِ، مَعَ مَا أَرْجُو مِنْ مَغْفِرَةِ اللَّهِ، عز وجل.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآية بنحو مما تقدم.
(1) في د، ك:"ذهب".
(2)
في ك: "فقال".
(3)
صحيح البخاري برقم (4026) .
(4)
في ك: "يفادى".
(5)
في د: "فقال".
(6)
في أ: "بشر".
(7)
في د: "الأسرى".
وَقَالَ (1) أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ [عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ](2) عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ الْعَبَّاسُ: فِيَّ نَزَلَتْ: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأرْضِ} فَأَخْبَرْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْلَامِي، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُحَاسِبَنِي بِالْعِشْرِينِ الْأُوقِيَّةِ الَّتِي أَخَذَ (3) مِنِّي، فَأَبَى، فَأَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهَا عِشْرِينَ عَبْدًا، كُلُّهُمْ تَاجِرٌ، مَالِي فِي يَدِهِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن جابر بن عبد الله ابن رِئَابٍ قَالَ: كَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: فيَّ نَزَلَتْ -وَاللَّهِ -حِينَ ذَكَرْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِسْلَامِي -ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ.
وَقَالَ ابْنُ جُريج، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى} عَبَّاسٌ وَأَصْحَابُهُ. قَالَ: قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: آمَنَّا بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَنَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، لَنَنْصَحَنَّ لَكَ عَلَى قَوْمِنَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} إِيمَانًا وَتَصْدِيقًا، يُخْلِفْ (4) لَكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ {وَيَغْفِرْ لَكُمْ} الشَّرْكَ الَّذِي كُنْتُمْ عَلَيْهِ. قَالَ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ يَقُولُ: مَا أُحِبُّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَنْزِلْ فِينَا، وَأَنَّ لِيَ الدُّنْيَا، لَقَدْ قَالَ:{يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ} فَقَدْ أَعْطَانِي خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنِّي مِائَةَ ضِعْفٍ، وَقَالَ:{وَيَغْفِرْ لَكُمْ} وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ (5) غُفر لِي.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كَانَ الْعَبَّاسُ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَافْتَدَى نَفْسَهُ بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ حِينَ قُرِئَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: لَقَدْ أَعْطَانَا (6) اللَّهُ، عز وجل، خَصلتين، مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِمَا الدُّنْيَا: إِنِّي أُسِرْتُ يَوْمَ بَدْرٍ فَفَدَيت نَفْسِي بِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً. فَآتَانِي أَرْبَعِينَ عَبْدًا، وَأَنَا أَرْجُو الْمَغْفِرَةَ الَّتِي وَعَدَنَا اللَّهُ، جَلَّ ثَنَاؤُهُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ذُكر لَنَا أَنَّ رَسُولَ (7) اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ مَالُ الْبَحْرَيْنِ ثَمَانُونَ أَلْفًا، وَقَدْ تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَمَا أَعْطَى يومئذ ساكتًا وَلَا حَرَمَ سَائِلًا وَمَا صَلَّى يَوْمَئِذٍ حَتَّى فَرَّقَهُ، فَأَمَرَ الْعَبَّاسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَيَحْتَثِيَ، فَأَخَذَ. قَالَ: فَكَانَ الْعَبَّاسُ يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنَّا، وَأَرْجُو الْمَغْفِرَةَ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ قَالَ: بَعَثَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْبَحْرَيْنِ ثَمَانِينَ أَلْفًا، مَا أَتَاهُ مَالٌ أَكْثَرَ مِنْهُ لَا قَبلُ وَلَا بَعدُ. قَالَ: فَنُثِرَتْ عَلَى حَصِيرٍ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ. قَالَ: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَثُلَ قَائِمًا عَلَى الْمَالِ،
(1) في ك: "وقال أيضا".
(2)
زيادة من د، ك، م، والطبري.
(3)
في أ: "أخذت".
(4)
في ك::نخلف".
(5)
في ك، أ:"يكون قد".
(6)
في أ: "أعطاه".
(7)
في ك: "نبي".
وَجَاءَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَمَا كَانَ يَوْمَئِذٍ عددٌ وَلَا وزنٌ، مَا كَانَ إِلَّا قَبْضًا، [قَالَ](1) وَجَاءَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَحْثِي فِي خَميصة عَلَيْهِ، وَذَهَبَ يَقُومُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ارْفَعْ عَلَيَّ. قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى خَرَجَ ضَاحِكُهُ -أَوْ: نَابُهُ -وَقَالَ لَهُ: "أعدْ مِنَ الْمَالِ طَائِفَةً، وَقُمْ بِمَا تُطِيقُ". قَالَ: فَفَعَلَ، وَجَعَلَ الْعَبَّاسُ يَقُولُ -وَهُوَ مُنْطَلِقٌ -: أَمَّا إِحْدَى اللَّتَيْنِ وَعَدَنَا اللَّهُ فَقَدْ أَنْجَزْنَا، وَمَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ فِي الْأُخْرَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الأسْرَى} (2) الْآيَةَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرٌ مِمَّا أُخِذَ مِنَّا، وَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ اللَّهُ فِي الْأُخْرَى (3) فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَائِلًا عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ، حَتَّى مَا بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَمَا بَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ أَتَى الصَّلَاةَ فَصَلَّى (4)
حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنِي أَبُو الطَّيِّبِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّعِيدِيُّ، حَدَّثَنَا مَحْمَش بْنُ عِصَامٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ:"انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ".
قَالَ: وَكَانَ أَكْثَرُ مَالٍ أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ. فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلَّا أَعْطَاهُ، إِذْ جَاءَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطِنِي فَإِنِّي فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقيلا. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"خُذْ". فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّه فَلَمْ يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: مُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إليَّ. قَالَ: "لَا". قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عليَّ. قَالَ: "لَا" فَنَثَرَ مِنْهُ ثُمَّ احْتَمَلَهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ حَتَّى خَفِيَ عَنْهُ، عَجَبًا مِنْ حِرْصه، فَمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ (5)
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، يَقُولُ:"وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ" وَيَسُوقُهُ، وَفِي بَعْضِ السِّيَاقَاتِ أَتَمُّ مِنْ هَذَا (6)
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ} أَيْ: فِيمَا أَظْهَرُوا لَكَ مِنَ الْأَقْوَالِ، {فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ بَدْرٍ بِالْكُفْرِ بِهِ، {فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ} أَيْ: بِالْإِسَارِ يَوْمَ بَدْرٍ، {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} أَيْ: عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُهُ، حَكِيمٌ فِيهِ.
قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْح الْكَاتِبِ حِينَ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِالْمُشْرِكِينَ.
(1) زيادة من أ.
(2)
في د: "الأسرى".
(3)
في ك: "الآخرة".
(4)
ورواه الحاكم في المستدرك (3/329) من طريق هاشم بن القاسم عن سليمان بن المغيرة به نحوه، وَقَالَ:"هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ولم يخرجاه".
(5)
السنن الكبرى (6/356) ووقع فيه "محمد بن محمد بن عبد الله الشعيري".
(6)
صحيح البخاري برقم (421، 3049، 3165) .