الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَوْلُهُ: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} يَقُولُ تَعَالَى: وَبَاعَهُ إِخْوَتُهُ بِثَمَنٍ قَلِيلٍ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وعِكْرِمة.
وَالْبَخْسُ: هُوَ النَّقْصُ، كَمَا (1) قَالَ تَعَالَى:{فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} [الْجِنِّ: 13] أَيْ: اعْتَاضَ عَنْهُ إِخْوَتُهُ بِثَمَنٍ دُونٍ قَلِيلٍ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ، أَيْ: لَيْسَ لهم رغبة فيه، بل لو سألوه (2) بِلَا شَيْءٍ لَأَجَابُوا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: {وَشَرَوْهُ} عَائِدٌ عَلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلْ هُوَ عَائِدٌ عَلَى السَّيَّارَةِ.
وَالْأَوَّلُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} إِنَّمَا أَرَادَ إِخْوَتَهُ، لَا أُولَئِكَ السَّيَّارَةَ؛ لِأَنَّ السَّيَّارَةَ اسْتَبْشَرُوا بِهِ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً، وَلَوْ كَانُوا فِيهِ زَاهِدِينَ لَمَّا اشْتَرَوْهُ، فَيُرَجَّحُ مِنْ هَذَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي {وَشَرَوْهُ} إِنَّمَا هُوَ لِإِخْوَتِهِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {بَخْسٍ} الْحَرَامُ. وَقِيلَ: الظُّلْمُ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، لَكِنْ لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا مَعْلُومٌ يَعَرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ ثَمَنَهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ، لِأَنَّهُ نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيٍّ، ابْنِ نَبِيٍّ، ابْنِ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ، فَهُوَ الْكَرِيمُ، ابْنُ الْكَرِيمِ، ابْنِ الْكَرِيمِ، ابْنِ الْكَرِيمِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا بِالْبَخْسِ النَّاقِصِ أَوِ الزُّيُوفِ أَوْ كِلَاهُمَا، أَيْ: إِنَّهُمْ إِخْوَتُهُ، وَقَدْ بَاعُوهُ وَمَعَ هَذَا بِأَنْقَصِ الْأَثْمَانِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بَاعُوهُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ونَوْف البَكَالي، والسُّدِّي، وَقَتَادَةُ، وَعَطِيَّةُ العَوْفي وَزَادَ: اقْتَسَمُوهَا دِرْهَمَيْنِ دِرْهَمَيْنِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: اثْنَانِ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وعِكْرِمة: أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا نُبُوَّتَهُ
وَمَنْزِلَتَهُ عِنْدَ اللَّهِ عز وجل.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا بَاعُوهُ جَعَلُوا يَتْبَعُونَهُمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ: اسْتَوْثِقُوا مِنْهُ لَا يَأْبَقْ حَتَّى وَقَفُوهُ بِمِصْرَ، فَقَالَ: مَنْ يَبْتَاعُنِي وَلْيُبْشِرْ؟ فَاشْتَرَاهُ الْمَلِكُ، وَكَانَ مُسْلِمًا.
{وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(21)
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) }
(1) في ت: "وكما".
(2)
في أ: "لو سئلوا".
يُخْبِرُ تَعَالَى بِأَلْطَافِهِ بِيُوسُفَ، عليه السلام، أَنَّهُ قَيَّضَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ، حَتَّى اعْتَنَى بِهِ وَأَكْرَمَهُ، وَأَوْصَى أَهْلَهُ بِهِ، وَتَوَسَّمَ فِيهِ الْخَيْرَ وَالْفَلَاحَ، فَقَالَ لِاِمْرَأَتِهِ:{أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} وَكَانَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ عَزِيزُهَا، وَهُوَ الْوَزِيرُ بِهَا. [قَالَ](1) الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَكَانَ اسْمُهُ قِطفِيرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: اسْمُهُ إِطْفِيرُ (2) بْنُ رُوحَيْبٍ، وَهُوَ الْعَزِيزُ، وَكَانَ عَلَى خَزَائِنِ مِصْرَ، وَكَانَ الْمَلِكُ يَوْمَئِذٍ الريَّان بْنَ الْوَلِيدِ، رَجُلٌ مِنَ الْعَمَالِيقِ قَالَ: وَاسْمُ امْرَأَتِهِ رَاعِيلُ بِنْتُ رعَائِيلَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: اسْمُهَا زُلَيْخَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ الَّذِي بَاعَهُ بِمِصْرَ مَالِكُ بْنُ دَعْرِ بْنِ بُويب (3) بْنِ عُنُقَا بْنِ مَدْيَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: أَفَرَسُ النَّاسِ ثَلَاثَةٌ: عَزِيزُ مِصْرَ حِينَ قَالَ لِاِمْرَأَتِهِ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} وَالْمَرْأَةُ الَّتِي قَالَتْ لِأَبِيهَا [عَنْ مُوسَى](4) : {يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ} [الْقَصَصِ: 26] وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ حِينَ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنهما (5) .
يَقُولُ تَعَالَى: وَكَمَا أَنْقَذْنَا يُوسُفَ مِنْ إِخْوَتِهِ، {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ} يَعْنِي: بِلَادَ مِصْرَ، {وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: هُوَ تَعْبِيرُ الرُّؤْيَا، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} أَيْ (6) إِذَا أَرَادَ شَيْئًا فَلَا يُرَدُّ وَلَا يُمَانَعُ وَلَا يُخَالَفُ، بَلْ هُوَ الْغَالِبُ لِمَا سِوَاهُ.
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} أَيْ: فَعَّالٌ لِمَا يَشَاءُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} يَقُولُ: لَا يَدْرُونَ حِكْمَتَهُ فِي خَلْقِهِ، وَتَلَطُّفَهُ لِمَا يُرِيدُ (7) .
وَقَوْلُهُ: {وَلَمَّا بَلَغَ} أَيْ: يُوسُفُ عليه السلام {أَشُدَّهُ} أَيِ: اسْتُكْمِلَ عَقْلُهُ (8) وَتَمَّ خَلْقُهُ. {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} يَعْنِي: النُّبُوَّةَ، إِنَّهُ حَبَاهُ بِهَا بَيْنَ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ، {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أَيْ: إِنَّهُ كَانَ مُحْسِنًا فِي عَمَلِهِ، عَامِلًا بِطَاعَةِ رَبِّهِ تَعَالَى.
وَقَدِ اختُلِف فِي مِقْدَارِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَلَغَ فِيهَا أَشُدَّهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: عِشْرُونَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ثَلَاثُونَ سَنَةً. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ، وَرَبِيعَةُ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَالشَّعْبِيُّ: الْأَشُدُّ الحلم. وقيل غير ذلك،
(1) زيادة من ت، أ.
(2)
في ت: "إظفير".
(3)
في ت: "نويب".
(4)
زيادة من أ.
(5)
رواه الطبري في تفسيره (16/19) .
(6)
في أ: "فهو".
(7)
في ت، أ:"يريده".
(8)
في أ: "خلقه".