المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ (1) حَدَّثَنَا عَبَّادُ - تفسير ابن كثير - ت السلامة - جـ ٤

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌ الْأَنْفَالِ

- ‌(1)

- ‌(2)

- ‌(5)

- ‌(9)

- ‌(11)

- ‌(15)

- ‌(17)

- ‌(19) }

- ‌(20)

- ‌(24) }

- ‌(25) }

- ‌(26) }

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46) }

- ‌(47)

- ‌(50)

- ‌(52) }

- ‌(53)

- ‌(58) }

- ‌(59)

- ‌61]

- ‌(62)

- ‌(64)

- ‌(67)

- ‌(70)

- ‌(72) }

- ‌(73) }

- ‌(74)

- ‌(1)

- ‌ التَّوْبَةِ

- ‌(3) }

- ‌(4) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(12) }

- ‌(13) }

- ‌(14)

- ‌(16) }

- ‌ 17

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌[الْمُجَادَلَةِ:

- ‌22]

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(30)

- ‌(32)

- ‌(34)

- ‌(36) }

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(52)

- ‌(55) }

- ‌ 56]

- ‌(60) }

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(67)

- ‌(69) }

- ‌(70) }

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(75)

- ‌(79) }

- ‌(80) }

- ‌(81)

- ‌(83) }

- ‌(85) }

- ‌(87) }

- ‌(88)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌(97)

- ‌(100) }

- ‌(102) }

- ‌(103)

- ‌(105) }

- ‌(106) }

- ‌(107)

- ‌(109)

- ‌(111) }

- ‌(112) }

- ‌(113)

- ‌(115)

- ‌(117) }

- ‌(118)

- ‌(120) }

- ‌(122) }

- ‌(123) }

- ‌(124)

- ‌(126)

- ‌(128)

- ‌ يُونُسَ

- ‌(1)

- ‌ 3]

- ‌(4) }

- ‌(7)

- ‌(11) }

- ‌(12) }

- ‌(15)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20) }

- ‌(21)

- ‌(24)

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31)

- ‌(34)

- ‌(37)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48)

- ‌(53) }

- ‌(54) }

- ‌(59)

- ‌(61) }

- ‌(62)

- ‌(65)

- ‌(71)

- ‌(74) }

- ‌(75)

- ‌(79)

- ‌(83) }

- ‌(84)

- ‌(87) }

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(98) }

- ‌(99)

- ‌(104)

- ‌(107) }

- ‌(108)

- ‌(1)

- ‌(5)

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌9]

- ‌(12) }

- ‌(13)

- ‌(17) }

- ‌(18)

- ‌(20)

- ‌(23)

- ‌(25)

- ‌(28) }

- ‌(29)

- ‌(32)

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40) }

- ‌(41)

- ‌(44) }

- ‌(45) }

- ‌(46)

- ‌(48) }

- ‌(49) }

- ‌(50)

- ‌(54)

- ‌(57)

- ‌(61) }

- ‌(63) }

- ‌(64)

- ‌(72)

- ‌(74)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(82)

- ‌(84) }

- ‌(85)

- ‌(88) }

- ‌(89)

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(98)

- ‌(100)

- ‌(106)

- ‌(108) }

- ‌(109)

- ‌(112)

- ‌(116)

- ‌(118)

- ‌(120) }

- ‌(123) }

- ‌ يُوسُفَ

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7)

- ‌(11)

- ‌(15) }

- ‌(16)

- ‌(19)

- ‌(21)

- ‌(23) }

- ‌(24) }

- ‌(25)

- ‌(30) }

- ‌(31)

- ‌(35) }

- ‌(37) }

- ‌(38) }

- ‌(39)

- ‌(41) }

- ‌(42) }

- ‌(43) }

- ‌(44)

- ‌(50)

- ‌(53) }

- ‌(54)

- ‌(56)

- ‌(58)

- ‌(63) }

- ‌(64) }

- ‌(65)

- ‌(69) }

- ‌(70)

- ‌(73)

- ‌(77) }

- ‌(78) }

- ‌(79) }

- ‌(83)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(93)

- ‌(96)

- ‌(99)

- ‌(101) }

- ‌(102)

- ‌(104) }

- ‌(105)

- ‌(108) }

- ‌(110) }

- ‌(111) }

- ‌ الرَّعْدِ

- ‌(1)

- ‌(3)

- ‌(5) }

- ‌(6) }

- ‌(7) }

- ‌(8)

- ‌(10)

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15) }

- ‌(17) }

- ‌(18) }

- ‌(19) }

- ‌ 20]

- ‌(25) }

- ‌(27)

- ‌(29) }

- ‌(30) }

- ‌(31) }

- ‌(32) }

- ‌(33) }

- ‌(34) }

- ‌(35) }

- ‌(36)

- ‌(38)

- ‌(40)

- ‌(42) }

- ‌(43) }

- ‌ إِبْرَاهِيمَ

- ‌(1)

- ‌(4) }

- ‌(5) }

- ‌(6)

- ‌(9) }

- ‌(10) }

- ‌(11)

- ‌(13)

- ‌(18) }

- ‌(19)

- ‌(21) }

- ‌(22)

- ‌ 24]

- ‌(25)

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(31) }

- ‌(32)

- ‌(34) }

- ‌(35)

- ‌(37) }

- ‌(38)

- ‌(42) }

- ‌(43)

- ‌(47)

- ‌(49)

- ‌(52) }

- ‌ الْحِجْرِ

- ‌(1)

- ‌(4)

- ‌(6)

- ‌(14)

- ‌(16)

- ‌(21)

- ‌(26)

- ‌(28)

- ‌(32)

- ‌(39)

- ‌(45)

- ‌(51) }

- ‌(52)

- ‌(57)

- ‌(67)

- ‌(71)

- ‌(78)

- ‌(85)

- ‌(87)

- ‌(89)

- ‌(91)

- ‌(94)

- ‌ النَّحْلِ

- ‌(1) }

- ‌(2) }

- ‌ 5

- ‌(7) }

- ‌(8) }

- ‌(9) }

- ‌(12)

- ‌(14) }

- ‌(15)

- ‌(19)

- ‌(22)

- ‌(26) }

- ‌(27) }

- ‌(28)

- ‌(33)

- ‌(35)

- ‌(38)

- ‌(41)

- ‌(43)

- ‌(45)

- ‌(51)

- ‌(55) }

- ‌(56)

- ‌(61)

- ‌(63)

- ‌(65) }

- ‌(68)

- ‌(70) }

- ‌(72) }

- ‌(73)

- ‌(77)

- ‌(80)

- ‌(84)

- ‌(88) }

- ‌(89) }

- ‌(90) }

- ‌(91)

- ‌(93) }

- ‌(94)

- ‌(97) }

- ‌(98)

- ‌(101)

- ‌(103) }

- ‌(104)

- ‌(106)

- ‌(110) }

- ‌(111) }

- ‌(114)

- ‌(118) }

- ‌(119) }

- ‌(124) }

- ‌(125) }

الفصل: بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ (1) حَدَّثَنَا عَبَّادُ

بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ (1) حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ شَيْبَةَ الْحَبَطِيُّ ‌

(2)

عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ، رضي الله عنه، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ، إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ: "رَجُلَانِ جَثَيَا مِنْ أُمَّتِي بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، تبارك وتعالى، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ، خُذْ لِي مَظْلَمَتِي مِنْ أَخِي. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْطِ أَخَاكَ مَظْلَمَتَكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، لَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ. قَالَ: رَبِّ، فَلْيَحْمِلْ عَنِّي مِنْ أَوْزَارِي" قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ:"إِنَّ ذَلِكَ (3) لَيَوْمٌ عَظِيمٌ، يَوْمٌ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى مَنْ يَتَحَمَّلُ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَانِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: يَا رَبِّ، أَرَى مَدَائِنَ مِنْ فِضَّةٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّلَةً بِاللُّؤْلُؤِ، لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا؟ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا؟ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ. قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ. قَالَ: مَاذَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: تَعْفُو عَنْ أَخِيكَ. قَالَ: يَا رَبِّ، فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: خُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(4)

{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) }

قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} قَالَ: الْمُنَافِقُونَ لَا يَدْخُلُ قُلُوبُهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عِنْدَ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ، وَلَا يُصَلُّونَ إِذَا غَابُوا، وَلَا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فَأَدَّوْا فَرَائِضَهُ. {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} يَقُولُ: تَصْدِيقًا {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يَقُولُ: لَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} فَرِقَتْ، أَيْ: فَزِعَتْ وَخَافَتْ. وَكَذَا قَالَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.

وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِ حَقَّ الْمُؤْمِنِ، الَّذِي إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَ قَلْبُهُ، أَيْ: خَافَ مِنْهُ، فَفَعَلَ أَوَامِرَهُ، وَتَرَكَ زَوَاجِرَهُ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 135] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النَّازِعَاتِ: 40، 41] وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: سَمِعْتُ السُّدِّيَّ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ}

(1) في أ: "كثير".

(2)

في د، أ: الحنظلي".

(3)

في د، م:"وذلك".

(4)

ورواه الحاكم في المستدرك (4/576) من طريق عبد الله بن بكر السهمي به، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي فقال: "عباد بن شيبة الحبطي، عن سعيد، والأول ضعيف، وشيخه لا يعرف".

ص: 11

قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَظْلِمَ -أَوْ قَالَ: يَهُمُّ بِمَعْصِيَةٍ-فَيُقَالُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهَ فَيجل (1) قَلْبُهُ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَيْضًا: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ فِي قَوْلِهِ:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} قَالَتْ: الْوَجَلُ فِي الْقَلْبِ إِحْرَاقُ (2) السَّعَفَةِ، أَمَا تَجِدُ لَهُ قُشَعْرِيرَةً؟ قَالَ: بَلَى. قَالَتْ لِي: إِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ فَادْعُ اللَّهَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ يُذْهِبُ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ] } (3) كَقَوْلِهِ: {وَإِذَا مَا أُنزلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التَّوْبَةِ: 124]

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَأَشْبَاهِهَا، عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَتَفَاضُلِهِ فِي الْقُلُوبِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأُمَّةِ، بَلْ قَدْ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ، كَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، كَمَا بَيَّنَّا ذَلِكَ مُسْتَقْصًى فِي أَوَّلِ الشَّرْحِ (4) الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

{وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أَيْ: لَا يَرْجُونَ سِوَاهُ، وَلَا يَقْصِدُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَلُوذُونَ إِلَّا بِجَنَابِهِ، وَلَا يَطْلُبُونَ الْحَوَائِجَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَرْغَبُونَ إِلَّا إِلَيْهِ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْمُلْكِ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ؛ وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: التَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ جِمَاعُ الْإِيمَانِ.

وَقَوْلُهُ {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يُنَبِّهُ بِذَلِكَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، بَعْدَ مَا ذَكَرَ اعْتِقَادَهُمْ، وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ تَشْمَلُ أَنْوَاعَ الْخَيْرِ كُلَّهَا، وَهُوَ إِقَامَةُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ قَتَادَةُ: إِقَامَةُ الصَّلَاةِ: الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا (5) وَوُضُوئِهَا، وَرُكُوعِهَا، وَسُجُودِهَا.

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّان: إِقَامَتُهَا: الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا، وَإِسْبَاغُ الطُّهُورِ فِيهَا، وَتَمَامُ رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ فِيهَا، وَالتَّشَهُّدُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، هَذَا إِقَامَتُهَا.

وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ يَشْمَلُ خَرَاجَ (6) الزَّكَاةِ، وَسَائِرَ الْحُقُوقِ لِلْعِبَادِ مِنْ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ، وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّهُمْ (7) إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِخَلْقِهِ.

قَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فَأَنْفِقُوا مِمَّا أَعْطَاكُمُ اللَّهُ، فَإِنَّمَا هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَوَارِيٌّ وَوَدَائِعُ عِنْدَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، أَوْشَكْتَ أَنْ تُفَارِقَهَا.

وَقَوْلُهُ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} أَي: الْمُتَّصِفُونَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ هم المؤمنون حق الإيمان.

(1) في م: "فيوجل".

(2)

في أ: "كإحراق".

(3)

زيادة من ك.

(4)

في أ: "شرح".

(5)

في م: "أوقاتها".

(6)

في ك، م:"إخراج"

(7)

في د: "أحبكم".

ص: 12

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَاب، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ (1) السَّكْسَكِيّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ؛ أَنَّهُ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ:"كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا. قَالَ: "انْظُرْ مَاذَا (2) تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةً، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟ " فَقَالَ: عَزَفَت نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ يَتَضاغَوْن فِيهَا، فَقَالَ:"يَا حَارِثُ، عَرَفْتَ فَالْزَمْ" ثَلَاثًا (3)

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّة فِي قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} إِنَّمَا أُنزلَ (4) الْقُرْآنُ بِلِسَانِ الْعَرَبِ، كَقَوْلِكَ: فُلَانٌ سَيِّدٌ حَقًّا، وَفِي الْقَوْمِ سَادَةٌ، وَفُلَانٌ تَاجِرٌ حَقًّا، وَفِي الْقَوْمِ تُجَّارٌ، وَفُلَانٌ شَاعِرٌ حَقًّا، وَفِي الْقَوْمِ شُعَرَاءُ.

وَقَوْلُهُ: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ: مَنَازِلُ وَمَقَامَاتٌ وَدَرَجَاتٌ فِي الْجَنَّاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: 163]

{وَمَغْفِرَةٌ} أَيْ: يَغْفِرُ لَهُمُ السَّيِّئَاتِ، وَيَشْكُرُ لَهُمُ الْحَسَنَاتِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي قَوْلِهِ: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَهْلُ الْجَنَّةِ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ، فَيَرَى الَّذِي هُوَ فَوْقُ فَضْلَهُ عَلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ، وَلَا يَرَى الَّذِي هُوَ أسفلُ أَنَّهُ فُضّل عَلَيْهِ أَحَدٌ.

وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَهْلَ علِّيين لَيَرَاهُمْ مَنْ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَابِرَ فِي أُفُقٍ مِنْ آفَاقِ السَّمَاءِ"، قَالُوا (5) يَا رَسُولَ اللَّهِ، تِلْكَ مَنَازِلُ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يَنَالُهَا غَيْرُهُمْ؟ فَقَالَ:"بَلَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ"(6)

وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [وَ](7) أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عَطية، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى كَمَا تَرَوْنَ الْكَوْكَبَ الْغَابِرَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ، وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْهُمْ وأنْعَمَا"(8)

(1) في د، م:"زيد".

(2)

في م، أ:"ما".

(3)

المعجم الكبير (3/266) قال الهيثمي في المجمع (1/57) : "فيه ابن لهيعة وفيه من يحتاج إلى الكشف عنه".

(4)

في د، ك، م:"نزل".

(5)

في أ: "فقالوا".

(6)

صحيح البخاري برقم (3256) وصحيح مسلم برقم (2831) من حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رضي الله عنه.

(7)

زيادة من د، ك، م، أ.

(8)

المسند (3/61) وسنن أبي داود برقم (3987) وسنن الترمذي برقم (3658) وسنن ابن ماجة برقم (96) .

ص: 13