الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَذَكَرَ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ شَرَعَ يُخَاطِبُهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ كَالْمُنْكِرِ عَلَيْهِمْ: مَا أَقْدَمُكُمْ بِلَادِي؟ قَالُوا: أَيُّهَا الْعَزِيزُ، إِنَّا قَدِمْنَا لِلْمِيرَةِ. قَالَ: فَلَعَلَّكُمْ عُيُونٌ؟ قَالُوا: مَعَاذَ اللَّهِ. قَالَ: فَمَنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ بِلَادِ كَنْعَانَ، وَأَبُونَا يَعْقُوبُ نَبِيُّ اللَّهِ. قَالَ: وَلَهُ أَوْلَادٌ غَيْرُكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، كُنَّا اثْنَى عَشَرَ، فَذَهَبَ أَصْغَرُنَا، هَلَكَ فِي البَرِيَّة، وَكَانَ أَحَبَّنَا إِلَى أَبِيهِ، وَبَقِيَ شَقِيقُهُ فَاحْتَبَسَهُ (1) أَبُوهُ لِيَتَسَلَّى بِهِ عَنْهُ. فَأَمْرٌ بِإِنْزَالِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ.
{وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ} أَيْ: وَفَّاهم كَيْلَهُمْ، وَحَمَّلَ لَهُمْ أَحْمَالَهُمْ قَالَ: ائْتُونِي بِأَخِيكُمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمْ، لِأَعْلَمَ صِدْقَكُمْ فِيمَا ذَكَرْتُمْ، {أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزلِينَ} يُرَغِّبُهُمْ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ، ثُمَّ رَهَّبَهم فَقَالَ:{فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ} أَيْ: إِنْ لَمْ تَقْدَمُوا بِهِ مَعَكُمْ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، فَلَيْسَ لَكُمْ عِنْدِي مِيرَةٌ، {وَلا تَقْرَبُونِ قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ} أَيْ: سَنَحْرِصُ عَلَى مَجِيئِهِ إِلَيْكَ بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَلَا نُبْقِي مَجْهُودًا لِتَعْلَمَ صِدْقَنَا فِيمَا قُلْنَاهُ.
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ: أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ رَهَائِنَ حَتَّى يَقْدُمُوا بِهِ مَعَهُمْ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَرَغَّبَهُمْ كَثِيرًا، وَهَذَا لِحِرْصِهِ (2) عَلَى رُجُوعِهِمْ.
{وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} أَيْ: غِلْمَانِهِ {اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ} وَهِيَ الَّتِي قَدِمُوا بِهَا لِيَمْتَارُوا عِوَضًا عَنْهَا {فِي رِحَالِهِمْ} أَيْ: فِي أَمْتِعَتِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} بِهَا.
قِيلَ: خَشِيَ يُوسُفُ، عليه السلام، أَلَّا يَكُونَ عِنْدَهُمْ بِضَاعَةٌ أُخْرَى يَرْجِعُونَ لِلْمِيرَةِ بِهَا. وَقِيلَ: تَذَمَّمَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ عِوَضًا عَنِ الطَّعَامِ. وَقِيلَ: أَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُمْ إِذَا وَجَدُوهَا فِي مَتَاعِهِمْ تَحَرُّجًا وَتَوَرُّعًا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُمْ (3) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
(63) }
(1) في ت: "فاحبسوه".
(2)
في ت: "ولهذا بحرصه" وفي أ: "ولهذا يحرضهم".
(3)
في ت، أ:"منهم ذلك".
{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ
(64) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ {قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ} يَعْنُونَ بَعْدَ هَذِهِ الْمَرَّةِ، إِنْ لَمْ تُرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا بِنْيَامِينَ، فَأَرْسِلْهُ مَعَنَا نَكْتَلْ.
وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: [يَكْتَلْ](1) بِالْيَاءِ، أَيْ يَكْتَلُ هُوَ، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أَيْ: لَا تَخَفْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَيْكَ. وَهَذَا كَمَا قَالُوا لَهُ فِي يُوسُفَ: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2) ؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ: {هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} أَيْ: هَلْ أَنْتُمْ صَانِعُونَ بِهِ إِلَّا كَمَا صَنَعْتُمْ بِأَخِيهِ مِنْ قَبْلُ، تُغَيِّبُونَهُ عَنِّي، وَتَحُولُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ؟ {فَاللَّهُ خَيْرٌ حفظًا} وقرأ بعضهم:"حَافِظًا"
(1) زيادة من ت، أ.
(2)
في ت، أ:"نرتع ونلعب".