الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ مَقَامَاتِ الْكَمَالِ: أَنَّهُ مَعَ شَبَابِهِ وَجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ تَدْعُوهُ سَيِّدَتُهُ، وَهِيَ امْرَأَةُ عَزِيزِ مِصْرَ، وَهِيَ مَعَ هَذَا فِي (1) غَايَةِ الْجَمَالِ وَالْمَالِ، وَالرِّيَاسَةِ وَيَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَخْتَارُ السِّجْنَ عَلَى ذَلِكَ، خَوْفًا مِنَ اللَّهِ وَرَجَاءَ ثَوَابِهِ.
وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ (2) وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسْجِدِ (3) إِذَا خَرَجَ مِنْهُ حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَافْتَرَقَا (4) عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقُ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ جَمَالٍ وَمَنْصِبٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"(5)
{ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ
(35) }
يَقُولُ تَعَالَى: ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِيمَا رَأَوْهُ أَنَّهُمْ يَسْجُنُونَهُ إِلَى حِينٍ، أَيْ: إِلَى مُدَّةٍ، وَذَلِكَ بعدما عَرَفُوا بَرَاءَتَهُ، وَظَهَرَتِ الْآيَاتُ -وَهِيَ الْأَدِلَّةُ -عَلَى صِدْقِهِ فِي عِفَّتِهِ وَنَزَاهَتِهِ. فَكَأَنَّهُمْ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -إِنَّمَا سَجَنُوهُ لَمَّا شَاعَ الْحَدِيثُ إِيهَامًا (6) أَنَّ هَذَا رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا، وَأَنَّهُمْ سَجَنُوهُ عَلَى ذَلِكَ. وَلِهَذَا لَمَّا طَلَبَهُ الْمَلِكُ الْكَبِيرُ فِي آخِرِ الْمُدَّةِ، امْتَنَعَ مِنَ الْخُرُوجِ حَتَّى تَتَبَيَّنَ بَرَاءَتُهُ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْخِيَانَةِ، فَلَمَّا تَقَرَّرَ ذَلِكَ خَرَجَ وَهُوَ نَقِيّ الْعِرْضِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ.
وَذَكَرَ السُّدِّي: أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَجَنُوهُ لِئَلَّا يَشِيعَ مَا كَانَ مِنْهَا (7) فِي حَقِّهِ، وَيَبْرَأَ عِرْضُهُ فَيَفْضَحَهَا.
قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أَحَدُهُمَا سَاقِيَ الْمَلِكِ، وَالْآخَرُ خَبَّازَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانَ اسْمُ الَّذِي عَلَى الشَّرَابِ "نَبَوَا"، وَالْآخَرِ "مجلثَ".
قَالَ السُّدِّيُّ: وَكَانَ سَبَبُ حَبْسِ الْمَلِكِ إِيَّاهُمَا أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّهُمَا تَمَالَآ عَلَى سَمِّهِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ.
وَكَانَ (8) يُوسُفُ، عليه السلام، قَدِ اشْتُهِرَ فِي السِّجْنِ بِالْجُودِ (9) وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ وَكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَمَعْرِفَةِ التَّعْبِيرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى أهل السجن وعيادة
(1) في ت: "إلى".
(2)
في ت: "في طاعة الله عز وجل".
(3)
في ت، أ:"في المسجد".
(4)
في ت، أ:"وتفرقا".
(5)
صحيح البخاري برقم (1423) وصحيح مسلم برقم (1031) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
في ت: "اتهاما".
(7)
في أ: "منهما".
(8)
في ت: "فكان".
(9)
في أ: "بالجودة".