الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَقَالَ غَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{يَسْتَغْشُونَ} يُغَطُّونَ رُءُوسَهُمْ (1) .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: يَعْنِي بِهِ الشَّكَّ فِي اللَّهِ، وَعَمَلَ السَّيِّئَاتِ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَغَيْرِهِمْ: أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ إِذَا قَالُوا شَيْئًا أَوْ عَمِلُوهُ، يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ، فَأَعْلَمُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ (2) حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ عِنْدَ مَنَامِهِمْ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، {يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} (3) مِنَ الْقَوْلِ:{وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ مِنَ النِّيَّاتِ وَالضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى فِي مُعَلَّقَتِهِ الْمَشْهُورَةِ:
فَلا تَكْتُمُنَّ اللَّهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ
…
لِيُخْفَى، فَمَهْمَا يُكتم (4) اللَّهُ يَعْلم
…
يُؤخَر فيوضَع فِي كِتَابٍ فَيُدخَر
…
لِيَوْمِ حِسَابٍ، أَوْ يُعَجل فَيُنْقمِ (5)(6)
فَقَدِ اعْتَرَفَ هَذَا الشَّاعِرُ الْجَاهِلِيُّ بِوُجُودِ الصَّانِعِ وَعِلْمِهِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَبِالْمَعَادِ وَبِالْجَزَاءِ، وَبِكِتَابَةِ الْأَعْمَالِ فِي الصُّحُفِ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَنَى (7) صَدْرَهُ، وَغَطَّى رَأْسَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ.
وَعَوْدُ الضَّمِيرِ (8) عَلَى اللَّهِ أُولَى؛ لِقَوْلِهِ: {أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} .
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "أَلا إِنِّهُمْ تَثْنوني (9) صُدُورُهُم"، بِرَفْعِ الصدور على الفاعلية، وهو قريب المعنى.
(1) صحيح البخاري برقم (4681 - 4683) .
(2)
في ت، أ:"أنه".
(3)
في ت، أ:"يسرونه".
(4)
في ت: "تكتم".
(5)
في ت: "فينتقم".
(6)
البيت في تفسير الطبري (15/233) .
(7)
في ت، أ:"ثنى عنه".
(8)
في ت، أ:"الضمير أولا".
(9)
في ت، أ:"يثنوني".
{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ
(6) }
أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِأَرْزَاقِ الْمَخْلُوقَاتِ، مِنْ سَائِرِ دَوَابِّ الْأَرْضِ، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، بَحْرِيِّهَا، وَبَرِّيِّهَا، وَأَنَّهُ {يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} أَيْ: يَعْلَمُ أَيْنَ مُنتهى سَيْرِهَا فِي الْأَرْضِ، وَأَيْنَ تَأْوِي إِلَيْهِ مِنْ وَكْرِهَا، وَهُوَ مُسْتَوْدَعُهَا.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرُهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:{وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} أَيْ: حَيْثُ تَأْوِي، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} حَيْثُ تَمُوتُ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: {مُسْتَقَرَّهَا} فِي الرَّحِمِ، {وَمُسْتَوْدَعَهَا} فِي الصُّلْبِ، كَالَّتِي فِي الْأَنْعَامِ: وَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكِ، وَجَمَاعَةٍ. وَذَكَرَ (1) ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ هَاهُنَا، كَمَا ذكره
(1) في أ: "وقال".