الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا جَعَلَ لَكُمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَأَكْثَرُ (1) وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ وَبَرٍ وشَعَر، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ:{وَيُنزلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ} [النُّورِ: 43] ، لِعَجَبِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا أَنْزَلَ مِنَ الثَّلْجِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ (2)، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهُ؟ أَلَّا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وَمَا بَقِيَ مِنَ الْبَرْدِ أَعْظَمُ وَأَكْثَرُ (3) وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ حَرٍّ.
وَقَوْلُهُ {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَهَذَا الِامْتِنَانِ، فَلَا عَلَيْكَ مِنْهُمْ، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} وَقَدْ أَدَّيْتَهُ إِلَيْهِمْ.
{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} أَيْ: يَعْرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسْدِي إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ هَذَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَيُسْنِدُونَ النَّصْرَ وَالرِّزْقَ (4) إِلَى غَيْرِهِ، {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} -كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ. قَالَ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، حَتَّى بَلَغَ:{كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} فَوَلَّى الْأَعْرَابِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ:{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} (5) .
{وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ
(84)
وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85) وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ (86) وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (87) }
(1) في ت، ف، أ:"أكبر".
(2)
في ف: "وأكبر".
(3)
في ف: "وأكبر".
(4)
في ف: "الرزق والنصر".
(5)
أورده السيوطي في الدر المنثور (5/ 155) وعزاه لابن أبي حاتم وهو مرسل.
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ
(88) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ مَعَادِهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَأَنَّهُ يَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا، وَهُوَ نَبِيُّهَا، يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِمَا أَجَابَتْهُ فِيمَا بَلَّغَهَا عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، {ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: فِي الِاعْتِذَارِ؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ بُطْلَانَهُ وَكَذِبَهُ، كَمَا قَالَ:{هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [الْمُرْسَلَاتِ: 35، 36] . وَلِهَذَا قَالَ: {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أَيْ: أَشْرَكُوا {الْعَذَابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ} أَيْ: لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً، {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} أَيْ:[وَ](1) لَا يُؤَخَّرُ عَنْهُمْ، بَلْ يَأْخُذُهُمْ سَرِيعًا مِنَ الْمَوْقِفِ بِلَا حِسَابٍ، فَإِنَّهُ إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ تُقَادُ بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ
(1) زيادة من ت.
مَلَكٍ، فَيُشْرِفُ عُنُق مِنْهَا عَلَى الْخَلَائِقِ، وَتَزْفِرُ زَفْرَةً لَا (1) يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا جَثَا لِرُكْبَتَيْهِ، فَتَقُولُ: إِنِّي وَكِّلْتُ بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ، وَبِكَذَا وَكَذَا (2) وَتَذْكُرُ (3) أَصْنَافًا مِنَ النَّاسِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ. ثُمَّ تَنْطَوِي (4) عَلَيْهِمْ وَتَتَلَقَّطَهُمْ مِنَ الْمَوْقِفِ كَمَا يَتَلَقَّطُ الطَّائِرُ الْحَبَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 12 -14]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} [الْكَهْفِ: 53] . وَقَالَ تَعَالَى: {لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 39، 40] .
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَبرُّئِ آلِهَتِهِمْ مِنْهُمْ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهَا، فَقَالَ:{وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ} أَيِ: الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ فِي الدُّنْيَا، {قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ} أَيْ: قَالَتْ لَهُمُ الْآلِهَةُ: كَذَبْتُمْ، مَا نَحْنُ أَمَرْنَاكُمْ (5) بِعِبَادَتِنَا. كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الْأَحْقَافِ: 5، 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} [مَرْيَمَ: 81، 82] . وَقَالَ الْخَلِيلُ عليه الصلاة والسلام: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (6) يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 25] وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ (7) فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الْكَهْفِ: 52] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ} -قَالَ قَتَادَةُ، وَعِكْرِمَةُ: ذَلُّوا وَاسْتَسْلَمُوا يَوْمَئِذٍ، أَيِ: اسْتَسْلَمُوا لِلَّهِ جَمِيعِهِمْ، فَلَا أَحَدَ إِلَّا سَامِعٌ مُطِيعٌ، كَمَا قَالَ:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مَرْيَمَ: 38] أَيْ: مَا أَسْمَعَهُمْ وَمَا أَبْصَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ! وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12]، وقال:{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ} [طه: 111] أَيْ: خَضَعَتْ وَذَلَّتْ وَاسْتَكَانَتْ وَأَنَابَتْ وَاسْتَسْلَمَتْ.
{وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} أَيْ: ذَهَبَ وَاضْمَحَلَّ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ وَلَا مُعِينَ وَلَا مُجِيزَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} أَيْ: عَذَابًا عَلَى كُفْرِهِمْ، وَعَذَابًا عَلَى صَدِّهِمُ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الْأَنْعَامِ: 26] أَيْ: يَنْهَوْنَ النَّاسَ، عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَيَبْتَعِدُونَ هُمْ مِنْهُ أَيْضًا {وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [الأنعام: 26]
(1) في ف: "فلا".
(2)
في ت، ف:"وبكذا".
(3)
في ف: "ويذكر".
(4)
في ف: "ينطوي".
(5)
في ف: "نحن ما أمرناكم".
(6)
في ت: "وقال الخليل ويوم"، وفي ف:"وقال الخليل عليه السلام ويوم".
(7)
في ت، ف، أ، هـ:"وقيل ادعوا شركاءكم" والصواب ما أثبتناه.