الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ"، فَذَكَرَ فِيهِمْ شَاهِدَ يُوسُفَ (1) .
وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّهُ قَالَ: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: ابْنُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ، وَشَاهِدُ يُوسُفَ، وَصَاحِبُ جُرَيْج، وَعِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (2) .
وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، وَلَمْ يَكُنْ إِنْسِيًّا. وَهَذَا قَوْلٌ غَرِيبٌ.
وَقَوْلُهُ: {فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ} أَيْ: فَلَمَّا تَحَقَّقَ زَوْجُهَا صدقَ يُوسُفَ وَكَذِبَهَا فِيمَا قَذَفَتْهُ وَرَمَتْهُ بِهِ، {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ} أَيْ: إِنَّ هَذَا الْبُهْتَ واللَّطخ الَّذِي لَطَّخْتِ عِرْضَ هَذَا الشَّابِّ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ كَيْدِكُنَّ، {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}
ثُمَّ قَالَ آمِرًا لِيُوسُفَ، عليه السلام، بِكِتْمَانِ مَا وَقَعَ: يَا {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} أَيِ: اضْرِبْ عَنْ هَذَا [الْأَمْرِ](3) صَفْحًا، فَلَا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ، {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} يَقُولُ لِاِمْرَأَتِهِ وَقَدْ كَانَ لَيِّنَ الْعَرِيكَةِ سَهْلًا أَوْ أَنَّهُ عَذَرَهَا؛ لِأَنَّهَا رَأَتْ مَا لَا صَبْرَ لَهَا عَنْهُ، فَقَالَ لَهَا:{وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} أَيِ: الَّذِي (4) وَقَعَ مِنْكِ مِنْ إِرَادَةِ السُّوءِ بِهَذَا الشَّابِّ، ثُمَّ قَذْفه بِمَا هُوَ بَرِيءٌ مِنْهُ، اسْتَغْفِرِي مِنْ هَذَا الَّذِي وَقَعَ مِنْكِ، {إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ}
{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ
(30) }
(1) تفسير الطبري (16/55) ورواه أحمد في المسند (1/310) والحاكم في المستدرك (2/496) من طريق حماد بن سلمة به، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(2)
رواه العلاء بن عبد الجبار عن حماد موقوفا أخرجه الطبري في تفسيره (16/54) .
(3)
زيادة من ت.
(4)
في ت، أ:"للذي".
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ
(31)
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34) }
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ خَبَرَ يُوسُفَ وَاِمْرَأَةِ الْعَزِيزِ شَاعَ فِي الْمَدِينَةِ، وَهِيَ مِصْرُ، حَتَّى تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهِ، {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} مِثْلُ نِسَاءِ الْأُمَرَاءِ [و](1) الْكُبَرَاءِ، يُنْكِرْنَ عَلَى امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَهُوَ الْوَزِيرُ، وَيَعِبْنَ ذَلِكَ عَلَيْهَا:{امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} أَيْ: تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى
(1) زيادة من ت، أ.
الْحُسْنِ" (1) وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ ثُلُثَ الْحُسْنِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَيْضًا، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ وَجْهُ يُوسُفَ مَثَلَ الْبَرْقِ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ إِذَا أَتَتْهُ لِحَاجَةٍ غَطَّى وَجْهَهُ مَخَافَةَ أَنْ تَفْتَتِنَ بِهِ.
وَرَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مُرْسَلًا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ ثُلُثَ حُسْنِ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَأُعْطِيَ النَّاسُ الثُّلُثَيْنِ -أَوْ قَالَ: أُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ الثُّلُثَيْنِ وَالنَّاسُ الثُّلُثَ"(2)
وَقَالَ سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ رَبِيعَةَ الجُرَشي قَالَ: قُسِمَ الْحُسْنُ نِصْفَيْنِ، فَأُعْطِيَ يُوسُفُ وَأُمُّهُ سَارَّةُ نِصْفَ الْحُسْنِ. وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بَيْنَ سَائِرِ الْخَلْقِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ السُّهَيْلِيُّ: مَعْنَاهُ: أَنَّ يُوسُفَ كَانَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ حُسْنِ آدَمَ، عليه السلام، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ عَلَى أَكْمَلِ صُورَةٍ وَأَحْسَنِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يُوَازِيهِ فِي جَمَالِهِ، وَكَانَ يُوسُفُ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ حُسْنِهِ.
فَلِهَذَا قَالَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ: {حَاشَ لِلَّهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: مَعَاذَ اللَّهِ، {مَا هَذَا بَشَرًا} وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ:"مَا هَذَا بِشِرىً" أَيْ: بِمُشْتَرًى.
{إِنْ هَذَا إِلا مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} تَقُولُ هَذَا مُعْتَذِرَةً إِلَيْهِنَّ بِأَنَّ هَذَا حَقِيقٌ بِأَنْ يُحَبَّ لِجَمَالِهِ وَكَمَالِهِ.
{وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} أَيْ: فَامْتَنَعَ. قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا رَأَيْنَ جَمَالَهُ الظَّاهِرَ، أَخْبَرَتْهُنَّ بِصِفَاتِهِ الْحَسَنَةِ الَّتِي تَخْفَى عَنْهُنَّ، وَهِيَ (3) الْعِفَّةُ مَعَ هَذَا الْجَمَالِ، ثُمَّ قَالَتْ تَتَوَعَّدُ (4){وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ} فَعِنْدَ ذَلِكَ اسْتَعَاذَ يُوسُفُ، عليه السلام، مِنْ شَرِّهِنَّ وَكَيْدِهِنَّ، وَقَالَ:{رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} أَيْ: مِنَ الْفَاحِشَةِ، {وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ} أَيْ: إِنْ وَكَّلْتَنِي إِلَى نَفْسِي، فَلَيْسَ لِي مِنْ نَفْسِي قُدْرَةٌ، وَلَا أَمَلِكُ لَهَا ضُرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ، أَنْتَ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي.
{أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} وَذَلِكَ أَنَّ يُوسُفَ، عليه السلام، عَصَمه اللَّهُ عِصْمَةً عَظِيمَةً، وَحَمَاهُ فَامْتَنَعَ منها أشد الامتناع، واختار السجن
(1) رواه الطبري في تفسيره (16/80) والحاكم في المستدرك (2/570) وابن عدي في الكامل (5/385) من طريق عفان عن حماد بن سلمة به، وقال الحاكم:"هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يخرجاه". قال ابن عدي: "وهذا الحديث ما أعلم رفعه أحد غير عفان، وغيره أوقفه عن حماد بن سلمة، وعفان أشهر وأوثق وأصدق من أن يقال فيه شيء مما ينسب إلى الضعف".
(2)
رواه الطبري في تفسيره (16/80) .
(3)
في ت: "عليهن وهو".
(4)
في ت، أ:"تتوعده".