الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَذَّبُوكَ.
ثُمَّ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، أَيْ: يُقَدِّمُونَهَا ويُؤثرونها عَلَيْهَا، وَيَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا ونَسُوا الْآخِرَةَ، وَتَرَكُوهَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وَهِيَ اتِّبَاعُ الرُّسُلِ {وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} أَيْ: وَيُحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ سَبِيلُ اللَّهِ عِوَجًا مَائِلَةً عَائِلَةً (1) وَهِيَ مُسْتَقِيمَةٌ فِي نَفْسِهَا، لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا وَلَا مَنْ خَذَلَهَا، فَهُمْ (2) فِي ابْتِغَائِهِمْ ذَلِكَ فِي جَهْلٍ وَضَلَالٍ بَعِيدٍ مِنَ الْحَقِّ، لَا يُرْجَى لَهُمْ -وَالْحَالَةُ هَذِهِ -صَلَاحٌ.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(4) }
هَذَا مِنْ لُطْفِهِ تَعَالَى بِخَلْقِهِ: أَنَّهُ يُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رُسُلًا (3) مِنْهُمْ بِلُغَاتِهِمْ لِيَفْهَمُوا عَنْهُمْ مَا يُرِيدُونَ وَمَا أُرْسِلُوا بِهِ إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عُمَرَ (4) بْنِ ذَرٍ قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ: عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ، عز وجل، نَبِيًّا إِلَّا بِلُغَةِ قَوْمِهِ"(5) .
وَقَوْلُهُ: {فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} أَيْ: بَعْدَ الْبَيَانِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ يَضِلُّ تَعَالَى مَنْ يَشَاءُ عَنْ وَجْهِ الْهُدَى، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى الْحَقِّ، {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، {الْحَكِيمُ} فِي أَفْعَالِهِ، فَيُضِلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِضْلَالَ، وَيَهْدِي مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ.
وَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ: أَنَّهُ مَا بَعَثَ نَبِيًّا فِي أُمَّةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِلُغَتِهِمْ، فَاخْتَصَّ كُلَّ نَبِيٍّ بِإِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ إِلَى أُمَّتِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَاخْتَصَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَسُولَ اللَّهِ بِعُمُومِ الرِّسَالَةِ إِلَى سَائِرِ النَّاسِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعطَهُن أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأحلَّت لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً"(6) .
وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَقَالَ تَعَالَى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158] .
(1) عائلة: أي جائزة.
(2)
في ت: "ففهم".
(3)
في أ: "رسولا".
(4)
في أ: "عمرو".
(5)
المسند (5/158) ومجاهد لم يسمع من أبي ذر.
(6)
صحيح البخاري برقم (335) وصحيح مسلم برقم (521) .