الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَشْيَاءِ، {لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فِي عَظَمَةِ خَالِقِهَا وَمُقَدِّرِهَا وَمُسَخِّرِهَا وَمُيَسِّرِهَا، فَيَسْتَدِلُّونَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ [الْفَاعِلُ](1) الْقَادِرُ، الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ، الْكَرِيمُ الرَّحِيمُ.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
(70) }
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ تَصَرُّفِهِ فِي عِبَادِهِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَهُمْ مِنَ الْعَدَمِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَوَفَّاهُمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ الهَرَم -وَهُوَ الضَّعْفُ فِي الْخِلْقَةِ-كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الرُّومِ: 54] .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنه، فِي أَرْذَلِ الْعُمُرِ [قَالَ] (2) خَمْسٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. وَفِي هَذَا السِّنِّ يَحْصُلُ لَهُ ضَعْفُ الْقُوَى وَالْخَرَفُ وَسُوءُ الْحِفْظِ وَقِلَّةُ الْعِلْمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا} (3) أي: بعد ما كَانَ عَالِمًا أَصْبَحَ لَا يَدْرِي شَيْئًا مِنَ الفَنَد وَالْخَرَفِ؛ وَلِهَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ، عَنْ شُعَيب، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يَدْعُو:"أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ وَالْكَسَلِ، وَالْهَرَمِ وَأَرْذَلِ الْعُمُرِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ الْأَعْوَرِ، بِهِ (4) .
وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى فِي مُعَلَّقَتِهِ (5) الْمَشْهُورَةِ:
سَئمتُ تَكَاليفَ الحيَاة ومَنْ يعشْ
…
ثمانينَ عاما -لا أبَالك-يَسْأم
…
رَأيتُ المَنَايا خَبط عَشْواء مَنْ تصِبْ
…
تمتْه ومَنْ تُخْطئ يُعَمَّرْ فَيهْرَمِ (6)
يُبَيِّنُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ جَهْلَهُمْ وَكُفْرَهُمْ فِيمَا زَعَمُوهُ (7) لِلَّهِ مِنَ الشُّرَكَاءِ، وَهُمْ يَعْتَرِفُونَ (8) أَنَّهَا عَبِيدٌ لَهُ، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَاتِهِمْ فِي حَجِّهِمْ:"لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ". فَقَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: إِنَّكُمْ (9) لَا تَرْضَوْنَ أَنْ تُسَاوُوا عَبِيدَكُمْ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ، فَكَيْفَ يَرْضَى هُوَ تَعَالَى بِمُسَاوَاةِ عَبِيدِهِ لَهُ فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالتَّعْظِيمِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} (10) الآية [الروم: 28] .
(1) زيادة من ف، أ.
(2)
زيادة من ت، ف، أ.
(3)
في ت: "من بعد" وهو خطأ.
(4)
صحيح البخاري برقم (4707) وصحيح مسلم برقم (2706) وليس في الصحيح: "والهرم".
(5)
في ف: "قصيدته".
(6)
ديوان زهير بن أبي سلمي (ص 29) .
(7)
في ت، ف:"يزعمون".
(8)
في ت، ف، أ:"يعرفون".
(9)
في ت، ف، أ:"أنتم".
(10)
في ت: "فيما".